نساء الريف في اليمن بين معوقات التعليم والحرمان
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
يمن مونيتور/تعز/من عدي الدخيني
بسبب القيود التي تفرضها المجتمعات اليمنية من العادات والتقاليد في المجتمع على منع الفتيات من مواصلة التعليم، ترتفع نسبة الأمية في أوساط النساء عاما بعد عام.
رقية جميل إحدى الفتيات التي كانت تحلم بمواصلة تعليمها الثانوي بعد أن أكملت المرحلة الإعدادية من عزلة الأحيوق، التابعة لمديرية الوازعية غربي محافظة تعز، ليس بسبب الحرب أو عدم القدرة على مواصلة التعليم، ولكن بسبب العادات والتقاليد في المنطقة ورفض والدها مواصلة تعليمها، رغم كل محاولاتها في إقناعهما بضرورة ذلك، فقد توقفت قبلها شقيقتها عن الدراسة بعد إكمالها الصف التاسع.
تقول رقية لـ “يمن مونيتور” حاضرنا يرجع إلى الوراء، أنا ومثلي العديد من الفتيات لا يحق لهن مواصلة تعليمهن، والنظر إلى المستقبل لنعمل من أجله، كنت أحلم أن أحظى بتعليمي وأن أكون دكتورة، ولكن بسبب عادات وتقاليد مجتمعنا ونظرة والدي الذي لا يعتبر تعليم البنات أمرًا مهمًا، وأنه ليس للمرأة إلا زوجها، أجبرني على التوقف حتى قبل أن أكمل تعليمي الثانوي.
ثقافة العيب
فالناس في عزلة رقية لا يعتبرون تعليم الفتيات أمرًا مهمًا بل يرجعون ذلك إلى العيب مما أملته عليهم عاداتهم وتقاليدهم.
وبحسبها يرى أهل القرية أنه من المفترض أن تمكث النساء في المنازل وأن يشغلن أنفسهن بتنظيفه وجلب المياه والحطب ورعي المواشي وزراعة الأرض.
تعلق رقية لـ” يمن مونيتور“ بالقول، لا أسميها عادات وإنما عبث بروح الثبات لمن لديه الهمة الكافية لإضفاء هذا الوطن بجيل متعلم منهم الدكتور والأستاذ والمهندس، هنا نحن نختلف باختلاف الزمان من الأسوأ إلى الأسوأ.
لم تكن رقية تحلم بشيء سواء مواصلة تعليمها وتحقيق حلمها، وأن تكون بجوار صديقتها في الجامعة.
لكن أيدلوجية التعليم في القرى تحول دون النساء، وبقانون العادات ليس للمرأة إلا زوجها.
تواصل: باتت حياة المرأة الريفية في عزلة «» كفاح من المهد إلى اللحد، بسبب القيود التي تفرضها العادات والتقاليد في المجتمع التي ينتقص من قدرة المرأة الريفية، ومنع أولياء الأمور بناتهم من التعليم خشية العار.
وتضيف كان لدي صديقة جوار منزلنا هي الوحيد من أكملت تعليم الثانوية وتسكن في المدينة وهي الآن في عامها الأول في كلية العلوم الإدارية جامعة تعز.
وتشرح أنّ “المرأة في منطقتها تمارس عددًا كبيرًا من الأعمال الشاقة من قبيل الزراعة وجمع الأعلاف ورعي المواشي ونقل المياه على رأسها وكتفيها لمسافات طويلة، وهي أعمال لا تقوم بها من تسكن في المدينة”.
مخاوف
بسبب الحرب الدائرة في البلاد وما أنتجته من مخاوف عند النساء والأطفال في المناطق الريفية من زراعة الألغام والعبوات الناسفة في مزارعها والوديان والطرقات، أجبرت النساء في منطقة شعبو التابعة لعزلة المشاولة مديرية الوازعية والمناطق الأخرى لجلب المياه من مناطق بعيدة عن المنزل وتخصص وقتا محدد لجلب المياه وتسلك طرق وعرة خوفا من الألغام والمتفجرات الأخرى، فيما تفتقر لأبسط الاحتياجات الأساسية كالشراب والدواء والمياه النظيفة والرعاية الصحية.
يقول الصحفي زكريا المشولي لـ” يمن مونيتور“تختلف حياة المرأة الريفية عن حياة المرأة الأخرى، وخاصة المرأة الريفية في بلادنا منطقة شعبو والمناطق المجاورة، فالعادات والتقاليد قيدت المرأة وجعلتها تصارع الحياة ما بين صعوبات وتحديات، بسبب عدم السماح لها أن تتعلم، احتكروا التعليم عنها بحجة قيود مجتمعية.
ويضيف،” المرأة خصصت للزراعة ورعي المواشي وجلب المياه بسبب الأوضاع التي تواجهها والعادات التي قيدتها وحصرتها بأن المرأة لا تتعلم وأنها لرعي المواشي ونقل المياه وجلب الحطب فقط، مما جعلها تعيش أوضاع مأساوية من أجل الدخل المعيشي، وأصبحت أغلب نساء المنطقة تعمل في الزراعة والرعي ونقل المياه وجلب الحطب من مناطق بعيدة.
ويشير إلى إن الفتيات بمنطقة الاحيوق يواجهنا حرمان في التعليم بنسبة 80% ويعشن واقعًا مزريًا وسيئًا بسبب العادات والتقاليد التي تقيد المرأة في العزلة، وتصبح كل أعمالهن للزراعة والرعي والاحتطاب فقط.
حلول ممكنة
في هذا السياق تقول الناشطة المجتمعية حنين الزكري لـ ”يمن مونيتور“ إن تمكين المرأة من التعليم ليس مجرد شعار يرفعه من يضطهدون المرأة ويعملون على اقصائها.. بل هو عمل دؤوب ومتواصل من أجل أن تأخذ المرأة مكانها الطبيعي في المجتمع.
وأوضحت إن دور التعليم له أهمية كبيرة لكل أفراد المجتمع، خصوصا للنساء وبالتحديد نساء الريف، حيث يؤدي إلى زيادة الوعي والقدرة على تمكين المرأة ذاتها في اتخاذ القرارات، وتخفيف من نسبة الزواج المبكر التي تتراوح في المناطق الريفية، وكسبها معرفة ومهارات قوية تساعدها في الوصول إلى العدالة والانخراط في سوق العمل بالمجتمع المحلي، وزيادة نسبة الفرص والموارد لتحسين المعيشة.
وتضيف فالمرأة الريفية تواجه العديد من التحديات بسبب العادات والتقاليد التي تعزز فكرة أن مكان المرأة هو المنزل، وأن دورها يقتصر على الأعمال المنزلية ورعاية الأسرة بالإضافة الى الأعمال الشاقة مثل، جلب المياه والحطب وحرث وزراعة الأرض ورعي المواشي، مما يؤثر على صحتها البدنية والنفسية، والتسرب من التعليم، وهذا يعيق دور المرأة الريفية في تحقيق التنمية الريفية مما يؤثر سلبا على المجتمع ككل.
وترى الزكري إن نشر الوعي بأهمية تعليم الفتيات أمر مهم، وزيادة عدد المدارس في الريف ورفدها بالكوادر النسائية، وتغيير الأنماط السائدة في المجتمع ونظرة المجتمع للمرأة بشكل عام، إضافة إلى تسهيل حصول النساء على القروض والمشاريع الصغيرة، وتقييم عمل النساء الغير مدفوع الأجر في الناتج القومي، وتوفير ضمان اجتماعي ملائم للعاملات في الاقتصاد الأسري، ودعم مشاريع تنموية تنقص الريف، وتسهيل وصول النساء الريفيات إلى الخدمات الصحية والصحة الإنجابية.
وتقترح إن على المجتمع أن يقوم بنشر الوعي في الريف وخاصة عند أولياء الأمور بالسماح لبناتهم أن تتعلم وبأهمية المرأة في المجتمع ودورها الفعال، كذلك على المجتمع المدني والمنظمات المحلية أن تعزز من دور المرأة وتوفير لها مقومات الحياة الرئيسية، وبناء مدارس خاصة بالفتيات كخطوة أولية في نشر التعليم، وبناء مرافق صحية تساعد المرأة من تلقي الرعاية الصحية بكل أمان وراحة.
قانون دستوري
ما نصه القانون اليمني من نظام دستوري في حقوق المرأة المكتسبة، وحفظ حق حقها في التعليم، في هذا السياق يقول المحامي عبدالعليم المكردي، لـ ”يمن مونيتور“ إن الدستور اليمني أكد حق المرأة في التعليم الأساسي والجامعي وشجعها، بل كفل لها حق الوظيفة.
وأوضح إن الدستور اليمني نهج الشريعة الإسلامية، فالمادة رقم (3) من الدستور اليمني أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريع.
ويضيف إن القانون الإداري نظم الوظيفة العامة وكفل حقها بالعمل وعمل على مراعاة المرأة اليمنية في شغل الوظيفة العامة، وكذلك قانون العمل نظم حق المرأة اليمنية في العمل، سواء في العمل الخاص لدى الشركات التجارية أو المستشفيات إلخ…..
متابعًا لم يحرم الدستور اليمني ولا القوانين التي تندرج تحت ظل الدستور، على حرمان المرأة اليمنية في التعليم، موضحًا إن المرأة اليمنية لها الحق في العمل بمنصب قاض، أو محام، أو طبيب، أو مهندس، وغيرها من المهن، لأن العادات والتقاليد قد بدأت تتلاشى، وتحرم الفتيات من التعليم في المناطق الريفية في الأواني الأخيرة.
يمن مونيتور29 يوليو، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام تواصل الإدانات الحقوقية لأحكام الإعدام الحوثية بحق العشرات من المعتقلين في سجونها التين الشوكي.. ثروة اليمن المهدورة مقالات ذات صلة اكتشاف علامات محتملة للحياة القديمة على المريخ 29 يوليو، 2024 التين الشوكي.. ثروة اليمن المهدورة 29 يوليو، 2024 تواصل الإدانات الحقوقية لأحكام الإعدام الحوثية بحق العشرات من المعتقلين في سجونها 29 يوليو، 2024 وزير الخارجية اليمني: السعودية تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق السلام 29 يوليو، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية وزير الخارجية اليمني: السعودية تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق السلام 29 يوليو، 2024 الأخبار الرئيسية اكتشاف علامات محتملة للحياة القديمة على المريخ 29 يوليو، 2024 التين الشوكي.. ثروة اليمن المهدورة 29 يوليو، 2024 نساء الريف في اليمن بين معوقات التعليم والحرمان 29 يوليو، 2024 تواصل الإدانات الحقوقية لأحكام الإعدام الحوثية بحق العشرات من المعتقلين في سجونها 29 يوليو، 2024 وزير الخارجية اليمني: السعودية تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق السلام 29 يوليو، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك تواصل الإدانات الحقوقية لأحكام الإعدام الحوثية بحق العشرات من المعتقلين في سجونها 29 يوليو، 2024 وزير الخارجية اليمني: السعودية تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق السلام 29 يوليو، 2024 الحوثيون يعلنون “إخماد حرائق الحديدة” بعد 8 أيام على الغارات الإسرائيلية 29 يوليو، 2024 الحوثيون يتحدثون عن أزمة وبناء مخابئ للمشتقات النفطية 29 يوليو، 2024 تضرر 800 أسرة نتيجة الأمطار في عمران شمالي صنعاء 28 يوليو، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 25 ℃ 25º - 21º 28% 6.72 كيلومتر/ساعة 25℃ الأثنين 27℃ الثلاثاء 23℃ الأربعاء 23℃ الخميس 21℃ الجمعة تصفح إيضاً اكتشاف علامات محتملة للحياة القديمة على المريخ 29 يوليو، 2024 التين الشوكي.. ثروة اليمن المهدورة 29 يوليو، 2024 الأقسام أخبار محلية 27٬305 غير مصنف 24٬166 الأخبار الرئيسية 14٬050 اخترنا لكم 6٬866 عربي ودولي 6٬658 رياضة 2٬258 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬196 كتابات خاصة 2٬045 منوعات 1٬953 مجتمع 1٬810 تراجم وتحليلات 1٬683 تقارير 1٬566 آراء ومواقف 1٬473 صحافة 1٬471 ميديا 1٬358 حقوق وحريات 1٬284 فكر وثقافة 873 تفاعل 799 فنون 470 الأرصاد 268 بورتريه 63 كاريكاتير 32 صورة وخبر 29 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 11 يونيو، 2024 اعترافات واتهامات شبكة التجسس الأمريكية التي أعلنها الحوثيون.. ما لم يتمكن المتهمون من قوله؟ أخر التعليقات صالح البيضانيسلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
صالح البيضانيسلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...
SGالمذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
سامي عليليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
سامي عليالشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة الیمنی السعودیة تبذل جهودا العادات والتقالید المرأة الریفیة المرأة الیمنیة الدستور الیمنی التین الشوکی یمن مونیتور من التعلیم فی التعلیم فی المجتمع الریفیة فی المرأة فی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
إليك بعض فوائد النسيان التي أثبتها العلم
يُعد النسيان جزءا من حياتنا اليومية، وعادة ما يُنظر إليه كعلامة على ضعف الذاكرة أو مرض ما، إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن النسيان قد يلعب دورا مهما في تحسين وظائف الدماغ، ويسهم في تعزيز قدرتنا على التكيف مع المعلومات الجديدة.
وقال موقع "لايف ساينس" في تقرير للكاتبين سفين فانستي وإلفا أرولشيلفان، إن إحدى أقدم الأبحاث في هذا المجال أكدت أن النسيان قد يحدث ببساطة لأن الذكريات تتلاشى، وفقا لما توصل إليه عالم النفس الألماني هيرمان إبينغهاوس في القرن الـ19، الذي أظهر "منحنى النسيان" الذي صاغه أن معظم الناس ينسون تفاصيل المعلومات الجديدة بسرعة كبيرة.
لكن النسيان يمكن أن يخدم أغراضا وظيفية أيضا، فأدمغتنا تتعرض لشتى المعلومات باستمرار، وإذا أردنا أن نتذكر كل التفاصيل، سيصعب علينا الاحتفاظ بالمعلومات المهمة.
وإحدى الطرق التي نتجنب بها نسيان الأمور المهمة هي عدم الاهتمام بتلك التفاصيل الصغيرة في المقام الأول، ويشير إريك كاندل -عالم الأعصاب الأميركي الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 2000- إلى أن الذكريات تتشكل عندما يتم تقوية الروابط بين الخلايا العصبية في الدماغ.
إذ يؤدي الانتباه إلى شيء ما إلى تقوية تلك الروابط والحفاظ على الذكريات، وهذه الآلية تمكننا أيضا من نسيان جميع التفاصيل غير المهمة التي نتعرض لها كل يوم.
ورغم تزايد مؤشرات قلة الانتباه مع التقدم في العمر، فإننا جميعا نحتاج إلى نسيان التفاصيل غير المهمة من أجل تكوين ذكريات جديدة، وفقا للكاتبين.
التعامل مع المعلومات الجديدةأوضح الكاتبان أن استرجاع الذكريات قد يتضمن أحيانا تغييرات في كيفية التعامل مع المعلومات الجديدة: لنفترض مثلا أن تنقلاتك اليومية تتطلب منك القيادة على الطريق ذاته كل يوم، لذا فإنك على الأرجح تتذكر الطريق بشكل جيد، حيث تتعزز الروابط الدماغية الأساسية المرتبطة به مع كل تنقل.
النسيان قد لا يحدث أحيانا بسبب فقدان الذاكرة بل بسبب تغييرات في قدرتنا على الوصول إلى الذكريات (شترستوك)لكن لنفترض أن طريقك المعتاد أُغلق في أحد الأيام، وأنك ستضطر لأن تسلك طريقا جديدا في الأسابيع الثلاثة التالية. لأن ذاكرتك عن تفاصيل الرحلة يجب أن تكون مرنة بما يكفي لدمج هذه المعلومات الجديدة، فإن إحدى الطرق التي يستخدمها الدماغ في هذه الحالة هي إضعاف بعض وصلات الذاكرة المتعلقة بالطريق القديم، مع تقوية وصلات إضافية جديدة لتذكر الطريق الجديد.
النسيان العابرذكر الكاتبان أن النسيان قد لا يحدث أحيانا بسبب فقدان الذاكرة، بل بسبب تغييرات في قدرتنا على الوصول إلى الذكريات، وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت على القوارض أنه يمكن استرجاع الذكريات المنسية أو إعادة تنشيطها من خلال دعم الروابط العصبية.
يُسمّى ذلك عند البشر بـ"النسيان العابر"، فقد ترى شخصا ما في الشارع ولا تستطيع تذكر اسمه، لكن بمجرد أن تتذكر الحرف الأول فإنك تتذكر الاسم بالكامل، وهذا ما يُعرف بظاهرة "طرف اللسان".
وقد درس عالما النفس الأميركيان روجر براون وديفيد ماكنيل هذه الظاهرة في ستينيات القرن الماضي، وخلصا إلى أن قدرة الناس على تحديد الكلمة المفقودة بقليل من التركيز كانت أفضل من تذكرها عبر المصادفة، وهذا يشير إلى أن المعلومات لم تُنسَ بالكامل.
وتشير إحدى النظريات إلى أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة لضعف الروابط في الذاكرة بين الكلمات ومعانيها، مما يؤدي إلى صعوبة في تذكر المعلومات المطلوبة. وهناك احتمال آخر يتمثل في أن هذه الظاهرة قد تكون إشارة إلى أن المعلومات ليست منسية بالكامل، بل يتعذر الوصول إليها حاليا فقط.
هذا قد يفسر سبب حدوثها بشكل أكثر تكرارا مع التقدم في العمر وتراكم الذكريات، مما يعني أن الدماغ يضطر إلى فرز المزيد من المعلومات لتذكر شيء ما، وقد تكون ظاهرة "طرف اللسان" تأكيدا على أن المعلومات المطلوبة ليست منسية، وأن القليل من الجهد قد يؤدي إلى تذكرها بنجاح.
وختم الكاتبان بأن البشر قد ينسون المعلومات والذكريات لعدة أسباب، منها عدم الانتباه بشكل كافٍ أو لأن المعلومات تتلاشى بمرور الوقت، أو بسبب آلية فرز الذكريات التلقائية في الدماغ، وفي بعض الأحيان لا تضيع المعلومات المنسية بشكل دائم، بل يتعذر الوصول إليها مؤقتا، وكل هذه الأشكال من النسيان تساعد أدمغتنا على العمل بكفاءة.
لكن ذلك لا ينطبق على الحالات المرضية التي تتسبب في فقدان الذكريات بشكل كامل، مثل مرض ألزهايمر.