الشفيع خضر سعيد

على لسان وزير خارجيتها، أطلقت الإدارة الأمريكية، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، دعوة لطرفي القتال في السودان للاجتماع في جنيف منتصف الشهر القادم بهدف بحث إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار، استقبلها الشعب السوداني بمشاعر خليط من الأمل والقلق، وأصلا ظل الألم متمكنا منها منذ إندلاع الحرب.

في تقديري، هنالك خمس نقاط إيجابية في هذه الدعوة يجب وضعها في الاعتبار، أولها أن المحادثات، والتي ترعاها أيضا السعودية، ستضم جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وإن كانتا ستشاركان بصفة مراقب. لقد ظللنا منذ انطلاق منبر جدة نحث على توسيع المنبر بضم الإمارات ومصر لعلاقة الطرفين بالحرب، وذلك لأسباب جلية وواضحة. فبالإضافة إلى وشائج الصلة والعلاقات التاريخية والتكاملية مع السودان، تنظر مصر إلى الأمر من باب حماية أمنها القومي في ظل التوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة على حدودها مع إسرائيل ومع ليبيا وفي البحر الأحمر، وكذلك التوترات المتعلقة بمياه النيل، إضافة إلى ما تعانيه من استنزاف في مواردها بسبب تدفق أعداد مهولة من طالبي الأمن والأمان فيها القادمين من سوريا والسودان وفلسطين وليبيا واليمن ودول أخرى. وبالنظر إلى الأهمية القصوى لمسألة الأمن القومي هذه، يمكننا تفهم علاقة مصر الوطيدة مع القوات المسلحة السودانية وتمسكها بوحدتها باعتبارها المؤسسة العسكرية الشرعية في البلد. لذلك، ليس متصورا حدوث اختراق جدي في ملف حرب السودان بمعزل عن مصر. وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الإمارات التي ظلت تربطها علاقات وطيدة مع قيادات طرفي الحرب قبل أن تتحدث التقارير عن دعمها العسكري المباشر لقوات الدعم السريع. ويعزز من دلالات حديثنا هذا أن وجود مصر والإمارات في محادثات العاصمة البحرينية المنامة كان مفصليا في ولادة ذلك الاتفاق الموؤود! ثاني النقاط الإيجابية جاءت على لسان وزير الخارجية الأمريكي عندما أشار إلى أن المحادثات تهدف إلى تحقيق وقف العنف في جميع أنحاء البلاد، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها.

نعم تظل كيفية وقف الاقتتال، ولأطول مدة ممكنة، والعمل على إنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالدواء وضروريات الحياة، تظل هي الأولوية القصوى اليوم والتي يجب أن تركز كل الجهود حيالها، مع التشديد على أن هذا الملف الإنساني لا يقبل التسييس ولا المساومة، وينبغي ألا تكون المساعدات الإنسانية رهينة لدى الأطراف المتحاربة تستخدمها ككروت ضغط وسلاح في معركتها. والنقطة الإيجابية الثالثة، وأيضا جاءت على لسان الوزير الأمريكي حيث ذكر أن المحادثات ستبحث كيفية وضع آلية مراقبة وتحقّق قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق. وهذا ما ظل غائبا في جولات المحادثات السابقة في جدة. ولقد كتبنا من قبل حول ضرورة استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك اتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء. وتأتي النقطة الإيجابية الرابعة في أشارة الوزير بلينكين إلى أن المحادثات، إن عقدت، لن تعالج قضايا سياسية أوسع نطاقا. وفي هذا الصدد، لن نتوقف عن تكرار حديثنا من أن الطرفين المتقاتلين قد يصلا إلى إتفاق لوقف إطلاق النار والقتال، ولكن ليس باستطاعتهما وحدهما وقف الحرب ولا يمكن أن يحددا هما فقط مصير السودان ومستقبله. فالمسؤولية الأكبر والرئيسية في وقف هذه الحرب تقع على عاتق القوى المدنية السودانية، لأنها هي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية التي بدونها لن تضع الحرب أوزارها. وجوهر العملية السياسية يبدأ بصياغة الرؤية لوقف الحرب، والتي في قمة أولوياتها مخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد، وخاصة في مناطق النزوح وفي مواقع اللجوء، بالإضافة إلى الإجابة على العديد من الأسئلة الجوهرية الأخرى المتعلقة بمستقبل قيادة الجيش ومستقبل الدعم السريع والمحاسبة بالنسبة لجريمة إندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وكذلك أسئلة إرساء ملامح فترة انتقال بقيادة مدنية لا تشوه بأن تختصر فقط في اقتسام كراسي السلطة، وإنما تكتسب طابعا تأسيسيا عبر مخاطبتها لجذور الأزمة السودانية والأسباب الجوهرية لاندلاع الصراعات والحروب في البلاد. وكل هذه المهام المصيرية يجب أن تعالجها القوى المدنية والسياسية السودانية، وهي ليست فرض كفاية، يقوم بها قسم من هذه القوى ويسقط عن أقسامها الأخرى، بل هي تشترط مشاركة كل القوى المدنية الرافضة للحرب في حوار سوداني سوداني. أما النقطة الإيجابية الخامسة، فهي أن لقاء جنيف يستمد زخما من اجتماعات الوسطاء بشأن السودان في جيبوتي يومي 25 و26 يوليو/تموز الجاري، والتي أكدت على الحاجة إلى نهج جديد متعدد الأطراف وأفضل تنسيقا يحقق تكامل الأدوار وتعاون أكثر للتحرك نحو إنهاء الصراع بما يعكس رغبات القوى المدنية السودانية، ويخاطب القلق بشأن التداعيات الإقليمية للحرب.

لاشك أن وقف إطلاق النار لمدة طويلة، مصحوبا بآليات فعالة لتنفيذه، إضافة إلى ضرورته القصوى بالنسبة للمواطن المغلوب على أمره، سيخلق مناخا ملائما للتفاكر حول الخطوات التالية والضرورية لوقف الحرب. لذلك، أتمنى أن تتخذ قيادة الجيش السوداني موقفا إيجابيا بالذهاب إلى محادثات جنيف المقترحة، وبوفد عال المستوى من القيادات، بدلا عن مقاطعتها واشتراط المشاركة فيها بتنفيذ إتفاق جدة الموقع من طرفي الحرب بتاريخ 11 مايو/أيار 2023 والخاص بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم، والانسحاب من الأعيان المدنية، والتزام الطرفين بالقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان. ويمكن للوفد أن يشترط، من داخل المحادثات لا من خارجها، أن يكون البند الأول في الأجندة هو كيفية تنفيذ هذا الاتفاق. إن حال البلد يستدعي انتهاز أي فرصة لوقف القتال، وإلا فهي جريمة!.

نقلاً عن صحيفة القدس العربي

الوسومالشفيع خضر سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة القوى المدنیة أن المحادثات

إقرأ أيضاً:

بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة

منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

إعداد وتحرير: سودان تربيون

الخرطوم 20 يناير 2025 – كشف مسؤولون ومصادر حكومية سودانية عن متابعة وملاحقة الآثار السودانية المسروقة من عدد من المتاحف، خاصة تلك التي مرت عبر جنوب السودان أو عبر الحدود.

ولم يتسن بعد تحديد حجم أو قيمة المسروقات؛ بسبب صعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف القومي بالخرطوم والمتاحف الأخرى في أنحاء مختلفة من البلاد، والتي تقع جميعها في مناطق اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وخسر السودان تاريخاً كاملاً، معززا بآثاره الثقافية، بعد سرقة مخزن رئيسي لآثاره في المتحف القومي بالخرطوم. وتعرض المتحف للنهب، ولم يتم التأكد بعد من حجم الآثار المسروقة، حيث لم يتمكن المسؤولون من الوصول إليها.

آثار ضائعة

وأكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية ورئيسة لجنة استرداد الآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، في حديث لـ«سودان تربيون» أن المتحف القومي بالسودان تعرض لعملية نهب كبيرة من قبل قوات الدعم السريع.

وتم افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة، ويطل مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضم مقتنيات وقطعا تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية بدءا من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية، مرورا بالآثار النوبية والمسيحية.

وفي ذات السياق أكدت إخلاص، أن الآثار الموجودة في المتحف تم نقلها بشاحنات كبيرة عبر أم درمان إلى غرب السودان، ومن هناك إلى الحدود خاصة إلى دولة جنوب السودان.

يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه مصادر خاصة في جوبا لـ«سودان تربيون» قيام مجموعة من تجار الآثار من بعض الدول الأوروبية والأفريقية بشراء هذه الآثار ونقلها خارج البلاد.

وفي مقابل ذلك، اتهم مسؤول حكومي في حديث لـ«سودان تربيون» السلطات في جوبا بإهمال التواصل مع السودان بشأن آثاره المسروقة، وتورط مسؤولين جنوبيين في تهريب آثار سودانية مسروقة إلى الخارج بعد بيعها بجوبا.

وأوضح المسؤول أن السودان خاطب دولة جنوب السودان رسمياً لتعقب هذه الآثار ومنع نقلها وبيعها وخروجها ومصادرتها، إلا أن السلطات في جوبا لم تستجب له.

وقال إن السلطات في جوبا لم تهتم بالأمر، مؤكدا أن هناك آثاراً تم بيعها بتسهيلات من مسؤولين في حكومة جوبا- لكنه لم يقدم أدلة على ذلك خلال حديثه-.

صورة تظهر تدمير متحف السلطان علي دينار

في هذه الأثناء أكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، تعرض متاحف أخرى للنهب والتدمير، مؤكدة أن متحف نيالا بدارفور تعرض لنهب كل ممتلكاته ومقتنياته، بالإضافة إلى الأثاث وخزائن العرض.

كما تعرض متحف الخليفة عبد الله التعايشي بأم درمان للسرقة وتدمير أجزاء من المبنى وفقا لحديث إخلاص.

وأوضحت في الوقت نفسه، أنّ المجاميع المتحفية ترجع إلى جميع العصور التاريخية القديمة منذ العصر الحجري وحضارة كرمة ونبتا ومروي وما قبل المسيحية والمسيحية والإسلامية، حيث إن مخازن متحف السودان القومي تُعتبر المستودع الرئيس لكل آثار السودان.

ويعدّ متحف السودان القومي، أكبر المتاحف في البلاد، ويحتضن تطور الحياة السودانية وحضارتها منذ الفترة النوبية بآثارها والمسيحية والعصور الحجرية حتى الفترة الاسلامية.

مطاردة بالإنتربول

وأكد المسؤول الحكومي أن السلطات السودانية، عبر أجهزة الأمن والمخابرات، رصدت آثاراً سودانية معروضة في مدينة جوبا، خاصة مجموعة نادرة من الكنوز (القطع الأثرية) في أحد الفنادق.

وتحدث عن عرض مجموعة من القطع الخاصة بالعصر الحجري ومعها قطع أخرى تخص الحضارة النوبية، وكشف أن عمليات المتابعة تجري حاليا مع الإنتربول لتعقب هذه القطع وغيرها بالتنسيق مع اليونسكو، وأن كل الآثار تُعتبر سُرّقت رغم عدم التأكد من ذلك.

وقال المسؤول، “إن رصد وتتبع كل الآثار الموجودة في المتحف يعزز فرص حمايتها، ولا يوجد يقين بأنها كلها مسروقة، لكن لضمان حمايتها فضلت السلطات الإبلاغ عن سرقة محتويات المتحف بالكامل”.

وذكر أن الآثار المتتبعة حاليًا تشمل منحوتات وتماثيل وأسلحة وآنيات أثرية ذات قيمة تاريخية ومادية عالية جداً.

وتعرضت آلاف القطع الأثرية السودانية للسرقة خلال الحرب من المتحف القومي، وعرضت قطع منها على موقع (إي باي) مقابل 200 دولار، وكانت عبارة عن 3 تماثيل على قاعدة واحدة تضم رجلاً وامرأة وطفلاً، لكن الموقع قام لاحقاً بحذف تلك المعروضات.

وفي نوفمبر الماضي، ألقت المباحث الجنائية في ولاية نهر النيل شمال السودان، القبض على مجموعة مكونة من عشرة أشخاص أجانب كانوا في طريقهم لتهريب قطع أثرية نادرة مسروقة من متحف السودان القومي.

وأعلنت المباحث حينها عن ضبط قطع أثرية أخرى مسروقة من متحف نيالا بجنوب دارفور، حيث تم إخفاء القطع الأثرية لفترة في أحد المصانع بمدينة عطبرة، وبعضها أُخْفِي في أحد المنازل.

وشملت الآثار المضبوطة تمثالين أثريين نادرين مزخرفين بنقوش قديمة، 7 أباريق نحاسية تاريخية، بالإضافة إلى خنجر ومدق أثريين يعودان إلى عهود قديمة.

وقبل فترة قصيرة تعرضت المعالم التاريخية في متحف وقصر السلطان علي دينار بالفاشر للقصف من قبل قوات الدعم السريع ما أدى إلى حرق أجزاء كبيرة من القصر وتدمير محتويات القصر وأثاثه.

وقالت مصادر في المدينة لـ«سودان تربيون»، إن المتحف تعرض لأضرار بالغة، حيث أتت النيران على متعلقات السلطان الشخصية، بالإضافة إلى تدمير واسع للمبنى.

ودعت اليونسكو في بيان قبل شهرين، الجمهور والأفراد العاملين في تجارة السلع الثقافية في المنطقة، وفي كل أنحاء العالم إلى الامتناع من حيازة ممتلكات ثقافية من السودان أو المشاركة في استيرادها أو تصديرها أو نقلها.

وأكدت أن مجموعات رئيسية عديدة أخرى تشهد على تاريخ السودان الغني، أُبلغ عن سرقتها من متحف بيت الخليفة ومتحف نيالا.

ومع ذلك، أبدى خبراء في الآثار مخاوفهم من تعرض التماثيل الكبيرة بالمتحف القومي للتدمير؛ بسبب المواجهات العسكرية المحتدمة بين الجانبين بالقرب منه.

كما يخاف الخبراء من العبث وتدمير النصب التذكارية والتماثيل الكبيرة للدمار؛ بسبب محاولة تحريكها ونقلها أو اقتطاعها لتسويقها، فيما تؤكد اليونسكو تعرض 10 متاحف ومراكز ثقافية للنهب والسرقة والتخريب في السودان منذ ظهور الحرب.

منتدى الإعلام السوداني

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

الوسومآثار السودان الآثار المسروقة حرب الجيش والدعم السريع دولة جنوب السودان

مقالات مشابهة

  • ما هو أثر العقوبات الأمريكية على الحرب السودانية؟
  • بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة
  • الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية !
  • بمشاركة «حمدوك»: انطلاق اجتماعات الجبهة المدنية في نيروبي
  • بمشاركة «حمدوك»: انطلاق اجتماعات الجبهة المدنية في نيروبي 
  • توجيه اتهامات لحفتر بدعم المعارضة السودانية وسط تزايد النفوذ الإقليمي في ليبيا
  • النيابة العامة السودانية: حمدوك لا يزال مطلوبًا للعدالة
  • الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
  • الخطر القادم- أطماع مصر وإريتريا تهدد سيادة السودان
  • الحكومة السودانية: قتيل و17 جريحا في قصف مدفعي للدعم السريع بالخرطوم