محادثات جنيف لوقف الاقتتال في السودان
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
الشفيع خضر سعيد
على لسان وزير خارجيتها، أطلقت الإدارة الأمريكية، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، دعوة لطرفي القتال في السودان للاجتماع في جنيف منتصف الشهر القادم بهدف بحث إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار، استقبلها الشعب السوداني بمشاعر خليط من الأمل والقلق، وأصلا ظل الألم متمكنا منها منذ إندلاع الحرب.
نعم تظل كيفية وقف الاقتتال، ولأطول مدة ممكنة، والعمل على إنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالدواء وضروريات الحياة، تظل هي الأولوية القصوى اليوم والتي يجب أن تركز كل الجهود حيالها، مع التشديد على أن هذا الملف الإنساني لا يقبل التسييس ولا المساومة، وينبغي ألا تكون المساعدات الإنسانية رهينة لدى الأطراف المتحاربة تستخدمها ككروت ضغط وسلاح في معركتها. والنقطة الإيجابية الثالثة، وأيضا جاءت على لسان الوزير الأمريكي حيث ذكر أن المحادثات ستبحث كيفية وضع آلية مراقبة وتحقّق قوية من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق. وهذا ما ظل غائبا في جولات المحادثات السابقة في جدة. ولقد كتبنا من قبل حول ضرورة استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك اتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء. وتأتي النقطة الإيجابية الرابعة في أشارة الوزير بلينكين إلى أن المحادثات، إن عقدت، لن تعالج قضايا سياسية أوسع نطاقا. وفي هذا الصدد، لن نتوقف عن تكرار حديثنا من أن الطرفين المتقاتلين قد يصلا إلى إتفاق لوقف إطلاق النار والقتال، ولكن ليس باستطاعتهما وحدهما وقف الحرب ولا يمكن أن يحددا هما فقط مصير السودان ومستقبله. فالمسؤولية الأكبر والرئيسية في وقف هذه الحرب تقع على عاتق القوى المدنية السودانية، لأنها هي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية التي بدونها لن تضع الحرب أوزارها. وجوهر العملية السياسية يبدأ بصياغة الرؤية لوقف الحرب، والتي في قمة أولوياتها مخاطبة المأساة الإنسانية الراهنة والمتفاقمة في البلاد، وخاصة في مناطق النزوح وفي مواقع اللجوء، بالإضافة إلى الإجابة على العديد من الأسئلة الجوهرية الأخرى المتعلقة بمستقبل قيادة الجيش ومستقبل الدعم السريع والمحاسبة بالنسبة لجريمة إندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وكذلك أسئلة إرساء ملامح فترة انتقال بقيادة مدنية لا تشوه بأن تختصر فقط في اقتسام كراسي السلطة، وإنما تكتسب طابعا تأسيسيا عبر مخاطبتها لجذور الأزمة السودانية والأسباب الجوهرية لاندلاع الصراعات والحروب في البلاد. وكل هذه المهام المصيرية يجب أن تعالجها القوى المدنية والسياسية السودانية، وهي ليست فرض كفاية، يقوم بها قسم من هذه القوى ويسقط عن أقسامها الأخرى، بل هي تشترط مشاركة كل القوى المدنية الرافضة للحرب في حوار سوداني سوداني. أما النقطة الإيجابية الخامسة، فهي أن لقاء جنيف يستمد زخما من اجتماعات الوسطاء بشأن السودان في جيبوتي يومي 25 و26 يوليو/تموز الجاري، والتي أكدت على الحاجة إلى نهج جديد متعدد الأطراف وأفضل تنسيقا يحقق تكامل الأدوار وتعاون أكثر للتحرك نحو إنهاء الصراع بما يعكس رغبات القوى المدنية السودانية، ويخاطب القلق بشأن التداعيات الإقليمية للحرب.
لاشك أن وقف إطلاق النار لمدة طويلة، مصحوبا بآليات فعالة لتنفيذه، إضافة إلى ضرورته القصوى بالنسبة للمواطن المغلوب على أمره، سيخلق مناخا ملائما للتفاكر حول الخطوات التالية والضرورية لوقف الحرب. لذلك، أتمنى أن تتخذ قيادة الجيش السوداني موقفا إيجابيا بالذهاب إلى محادثات جنيف المقترحة، وبوفد عال المستوى من القيادات، بدلا عن مقاطعتها واشتراط المشاركة فيها بتنفيذ إتفاق جدة الموقع من طرفي الحرب بتاريخ 11 مايو/أيار 2023 والخاص بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم، والانسحاب من الأعيان المدنية، والتزام الطرفين بالقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان. ويمكن للوفد أن يشترط، من داخل المحادثات لا من خارجها، أن يكون البند الأول في الأجندة هو كيفية تنفيذ هذا الاتفاق. إن حال البلد يستدعي انتهاز أي فرصة لوقف القتال، وإلا فهي جريمة!.
نقلاً عن صحيفة القدس العربي
الوسومالشفيع خضر سعيدالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة القوى المدنیة أن المحادثات
إقرأ أيضاً:
هندرة الدولة السودانية
*السؤال:*
*أَنْ كيف نبني أمة سودانوية مُوحدة في دولة سودانية واحدة ؟؟*
*لقد تَغَشّت دولتنا السودانية الحديثة منذ تأسيسها غاشيات عديدة عصفت بها حين غادرها جنوبنا الحبيب مُختاراً لإستقلاله بعد أطول صراع أهلي دموي (56 عام تقريباً) شهدته قارة إفريقيا بدأ في توريت من العام 1955 وإنتهي في يوليو 2012* *بل ومُرشح لأن يستمر صِراعاً بين دولتين كانتا يوماً ما دولة واحدة* *بسبب منطقة أبيي ومناطق حُدودية أخري* *لم يتم حسم تبعيتها بعد.*
*رغم تزامُن صراعاتنا الدموية في جنُوبِيِّنا وغرِبيِّنا لفترة لا تقل عن ثمانية سنوات هي تاريخ إندلاع الحرب في* *دارفور غربي البلاد من العام 2003 وإستقلال جنوبِيِّها في العام 2011 وما تلاها وصاحبها من حُروب في جنوبِي كردفان والنيل الأزرق إلا أن الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة السودانية تبدو حائرة من غير إعتراف أمين بحيرتها من الإجابة علي السؤال الماثل أمامنا الآن وبعد إنقضاء سِت عقود ونيف وهو لِمهْ كل هذا الكَمْ والكَيْف من الصراعات والحروب ؟؟*
*لقد تعددت وتنوعت الصراعات والحروب في الدولة السودانية وإن إتفقت وتشابهت في بداياتها المطلبية التي لم تَتعدَ سقوف الفيدرالية أو الحكم الذاتي في جنوبِيِّنا أو التنمية المتوازنة في غربِيِّنا ورغم ذلك فإن ذات الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة لم تنتبه لنوعٍ معروف من الحروب وهي الحرب الإقتصادية التي نشبت في شرقي البلاد (يوليو 2021) وما جَرّته عليها من مُهددات لوحدة الدولة والمشروع الفطري لبناء الأمة إلي جانب خسائر إقتصادية يصعب تعويضها علي المدي القريب..*
*لم ينحسر تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب ليقف مُصطدماً بحائط صَد يُعيد ولو قليل من الرُشْد الوطني لعُقول وقلوب وأوجدة وضمائر ساسة وقادة تِلكمُ الصراعات والحروب، فشهدنا عما يُعرف بظاهرة (الدروع) كدرع البطانة في الوسط ودرع الشمال في شمالِي البلاد وقوات أحزاب الشرق في شرقِيها، وأخيراً بِنُشوب حرب الخرطوم في الخامس عشر من أبريل 2023 بين من يُفترض أنهما عِماداً أساسياً لحائط الصد الوطني فبلغ وللأسف تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب في الدولة السودانية مداهُ الأقصي، إن غياب حائط الصد من وجهة نظري هو ما يشرح وبوضوح مدي الحاجَة إلي مشروع وطني لهندرة الدولة السودانية ..*
*إن هذا المقال وبمَدْخلِيَته في الطَرْح هو مجرد دعوة تَنافُس مُبرَّأ من أسقامِنا وعِلَلنِا التي أنهكت كل القوي السياسية والمدنية وبكل أطيافها وألوانها كيما تجترح حُلولاً ذات صلةٍ وثيقةٍ بما أُسميه بالواقع الأصيل للمجتمعات السودانية داخل الدولة وإمتداداتها أيضاً خارج الحدود، بالطبع فإن عملية إجتراح الحلول هذي لابد أن تتسم بصِدْقِية مُتناهية وعَقلٌية مّتفَتِحة لا تُصيبها أي دهشة عند إصطدامها بمطلوبات حائط الصد الذي نُريد ونشتهي لبقاء دَولتِنا كدولة واحدة وناهضة وناشدِة لتَحوُل مُجتمعاتها إلي أُمة مُوحدة، لذا تأتي وفي صدارة هذه المطلوبات هي التنازلات العظيمة عِظم التاريخ الطارف والتليد لحضارتنا المخبوءة تحت دُخَان صراعاتنا ولهيب شهواتنا ومن غير أُفٍ ولا شُحٍ بعيداً عن أي قَوْلبة عَقَدية يميناً كانت أم يساراً ..*
من مقالتي بعد 45 يوماً فقط من الحرب