أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إنَّ مصر كانت -ولا زالت- قائدة رائدة على مرِّ العصور، خاصة في عصر فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السِّيسي حفظه الله تعالى، الذي بذل -ولا زال- يبذل كلَّ الجهود لدعم المؤسسات الدينية، وفي مقدِّمتها دار الإفتاء المصرية، حيث قدَّم لها كلَّ أنواع الدعم الماديِّ والمعنويِّ الذي ساعدها لتخطو خطوات جادَّة في تجديد الخطاب الإفتائيِّ وجمع المؤسسات والهيئات الإفتائية على كلمة سواء.

وأضاف خلال كلمته في مستهل الجلسة الافتتاحية بالمؤتمر العالمي التاسع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية بعنوان "الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع"، إننا أمام أزمات تعصف بمحيطنا الإقليمي والدولي، ولا يخفى أنَّ اجتماعنا هنا في مصر العزيزة الغالية لمناقشة تلك التّحدّيات التي تواجهنا يؤكّد أنَّ مِصْرَ دائمًا في قلب الحدث رائدة ومبادرة، مشيرًا إلى أننا اليوم نعيش جميعًا في عالم أصبحت السرعة مَعْلَمًا وسمة من سماته الرئيسية، وصارت الأزمات التي تلاحق الجنس البشريَّ تضعنا في موضع المسؤولية للحفاظ على المجتمع الإنسانيّ من التدهور والدخول في منحدر أخلاقيّ يفقد به الإنسان قيمته الوجودية في هذه الحياة.

وتابع فضيلة المفتي: إن ما نراه واضحًا جليًّا في تلك المحاولات العديدة لتفكيك البناء الأخلاقي المستقرِّ الذي يستند إلى الأديان وإلى حفظ مقاصد الاجتماع البشريّ، كان دافعًا لعقد هذا المؤتمر تحت عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع» بغرض البحث والتّواصل بين دور الإفتاء ومؤسّسات الفتوى حول الدَّور الفعَّال الذي يمكن أن تقوم به في دعم المنظومة الأخلاقية، وما يمكن أن تساهم به الفتوى في ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانيّة المشتركة، ودورها في مواجهة التّحديات الأخلاقية التي بات التعامل معها ضرورة إنسانية، في ظلّ الصراعات والأزمات التي يعيشها العالم، وفي ظلّ ذلك السّعي الحثيث لتحييد العنصر القيميّ والأخلاقي في خضمّ ذلك التّطوّر المتسارع والمتلاحق.

وأكد فضيلة المفتي إنّنا ننطلق في هذا المؤتمر من رؤية حضارية تستند إلى مبادئ دينيّة قويمة، ومعالم وقيم إنسانية مشتركة، تمنح الوازع الأخلاقي الأولويّة الكبرى في بناء الإنسان والتّفاعل مع عناصر الكون التي سخّرها الله لخدمة البشرية، وهذه الرؤية الحضارية يعزّزها تاريخ قديم قدم الوجود الإنساني على هذه الأرض، حيث سعى الإنسان منذ وجوده في هذه الدّنيا إلى تحصيل الكمال، ونشأت الأفكار والفلسفات من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى وهو تكميل النّفس البشرية بالقيم والفضائل، وجعلها أساسًا للعمران، وصولًا إلى تحصيل السعادة في الدّارين.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الأديان السماوية التي بعث بها الأنبياء ما زالت تحثُّ البشرية على سلوك ذلك السبيل القويم، وتبيّن لهم محاسن الأخلاق وترشدهم إليها، وتحذّرهم من أسباب الهلاك ومواطن الشرور التي تنحدر بالنفس الإنسانية إلى مستنقعات الفساد الأخلاقي، إلى أن بعث الله نبيّنا ﷺ متمّمًا لدعوات النبيّين، ومرشدًا إلى أعظم الفضائل وأجلّ الكمالات، فالرسالة المحمدية في مفهومها الشامل تدعو إلى الأخلاق الربانية، التي صارت حقيقة راسخة في كلِّ تشريعاتها من عبادات أو معاملات.

ومن هذا المنطلق يأتي دور الفتوى في تبليغ الأحكام الشّرعيّة في كافّة مناحي الحياة من خلال ذلك الأساس الأخلاقي الذي بُنيت عليه الشّريعة، مع ضرورة المواجهة العلمية الجادّة للأطروحات الفكريّة التي تدعو إلى الانسلاخ من القيم الأخلاقية المشتركة.

كما لفت فضيلته النظر إلى أنّنا إذ نقرُّ بضرورة التعايش المشترك بين مختلف الأعراق والأجناس والثقافات والأديان، فإنّه لا بدَّ من إيجاد صيغة مشتركة للتّفاهم حول المعايير الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية في كافّة المجالات، ووضع المنظومة الأخلاقية في أولويات مبادئ التقدّم الصناعيِّ والتّقنيِّ، خاصّة فيما يتعلَّق بتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ، وجعلها أحد الموجّهات الرئيسية في بناء فلسفة العلوم، لا سيّما العلوم التجريبية والاجتماعية، وفي حلّ الأزمات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وفي نزع فتيل الصراعات المسلّحة والحروب الكارثية التي فقدت ميزان العدالة والأخلاق، مع ضرورة المحافظة على الخصوصيات الدّينية والثقافية، ومراعاة الأعراف المجتمعية.

وأضاف: لا بدّ من الاعتراف أنّنا أمام أزمة أخلاقية ونفسية وروحية، صنعتها محاولات الهيمنة والسيطرة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، التي يقوم بها من يريدون إخضاع العالم لنموذج أحاديّ، تغيب عنه الرؤية الأخلاقية، وتتحكّم فيه نظرة ماديّة تركت فراغًا روحيًّا عميقًا في النفوس، أدَّى إلى وجود نزعتي التّطرّف والانحلال، اللّذين يشتركان في إهمال الجانب الروحيّ وغياب السّقف الأخلاقي رغم اتّجاههما المتضادّ، إضافة إلى الأزمات العالمية التي تكرّس انتشار الفقر والجوع وغياب العدالة، وكذلك غياب الوعي والضمير الإنساني الأخلاقي في منع الصراعات، ووقف الاحتلال العسكريّ الغاشم الذي يمارس الإبادة ضدّ المدنييّن في فلسطين وغيرها من دول العالم، ولا شكّ أنّنا في ظلّ هذه التحديات نتحمّل مسؤولية كبرى تفرض علينا توظيف العمل الإفتائيّ في ترسيخ منظومة القيم والأخلاق الدينية والإنسانية للخروج من هذه الأزمة، وهو ما نأمله من هذا المؤتمر الذي يضمّ نخبة من العلماء والمؤسسات الدّينيّة المؤثّرة.

وأشار فضيلته إلى أنَّ من نعم الله تعالى علينا هذه المظلّة المباركة، مظلّة الأمانة العامّة التي تجمع تحتها ثلّة من كبار علماء الأمّة في العالم الإسلاميّ بأكمله، وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى أن جعلنا مبلّغين لدينه ساعين لحفظ مقاصد شرعه، وهي أمانة عالية وتكليف عظيم يتطلّب من كلّ منّا القيام بواجبه من خلال تكاتف الجهود، وشدّ سواعد الهمّة للوصول إلى حلول ناجزة تدفع بأمّتنا العربيّة والإسلاميّة لمزيد من التّقدّم والرّقيّ من ناحية، وتحفظ عليه مبادئه وأخلاقه وقيمه السامية في ظلّ تلك الضغوط التي نتعرّض لها للاستجابة لتضييع الحقوق، وهدم القيم، وسيولة الأخلاق، وتزييف الحقائق.

وفي ختام كلمته توجّه بالشّكر لفخامة السيّد الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته للمؤتمر، مُكرِّرًا ترحيبه بالضّيوف الكرام، راجيًا لهم التّوفيق والسّداد في تحقيق الغاية العظيمة التي اجتمعوا من أجلها، وأن تسفر جهودهم وأوراقهم البحثيّة ومناقشاتهم العلمية الجادّة المنعقدة خلال المؤتمر وورش عمله عن استكمال الرؤية العلمية لمواجهة تحديات المستقبل.

اقرأ أيضاًفيلم تسجيلي بالمؤتمر العالمي للإفتاء يبرز جهود وتطلعات «الفتوى والبناء الأخلاقي»

بدء الجلسة الافتتاحية لـ المؤتمر العالمي التاسع لدار لإفتاء

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: وزير الأوقاف مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام الدكتور محمد الضويني دار الإفتاء المصرية وكيل الأزهر الدكتور أسامة الأزهري المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع المؤتمر العالمی الأخلاقی فی إلى أن ة التی

إقرأ أيضاً:

«الصحة» تعلن تفاصيل وموعد النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية

أعلنت وزارة الصحة والسكان، انطلاق النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية «PHDC 24» خلال الفترة من 21 إلى 25 أكتوبر 2024، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتعاون مع المجموعة الوزارية للتنمية البشرية والمشروع القومي للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان »، بمركز مؤتمرات فندق سانت ريجيس في العاصمة الإدارية الجديدة.

المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية

ويمثل المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية «PHDC 24» ومبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان » ركيزتين أساسيتين في استراتيجية مصر الشاملة للتنمية البشرية وتحسين الخصائص السكانية، حيث يتوافق كلاهما مع رؤية «مصر 2030» ومخرجات الحوار الوطني، وتعزز هذه الاستراتيجية المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، والتي يتولى رئاستها الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون التنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، مما يعكس حرص الدولة المصرية على الاستثمار في الإنسان.

ويدعم PHDC 24 بشكل مباشر أهداف «بداية» وتوجيهات السيد الرئيس، من خلال العمل كمنصة ديناميكية تعزز وتوسع أهداف «بداية»، حيث يجمع الجهات المعنية الرئيسية ويوفر فرص عالمية لتبادل الأفكار وإقامة الشراكات، للتعاون في معالجة المجالات الحيوية مثل تحسين الرعاية الصحية وتعزيز التعليم وخلق فرص العمل.

ويشكل PHDC 24 مع «بداية» تحالفًا قويًا يكمل دائرة السياسة والعمل والتقدم في التنمية البشرية، حيث تركز «بداية» على أربع ركائز رئيسية، تشمل الحفاظ على الأمن القومي والسياسة الخارجية، وبناء القدرات البشرية والرفاهة، وخلق اقتصاد تنافسي، وتحقيق الاستقرار السياسي والتماسك الوطني.

وتدفع هذه العلاقة التكاملية تقدم الدولة المصرية نحو تحقيق أهداف رؤية «مصر 2030»، حيث يعمل PHDC 24 كمحفز لتحويل الاستراتيجيات إلى خطط قابلة للتنفيذ، ويولد رؤى جديدة يمكن أن تصقل استراتيجية «بداية» فيما يوفر التنفيذ الميداني لـ«بداية» دراسات حالة واقعية تتم، من خلال أفضل الممارسات ليتم مشاركتها في المؤتمر.

كما يعد PHDC 24 منصة عالمية لتبادل الخبرات ومناقشة الترابط الديناميكي بين السكان والصحة والتنمية البشرية، ويتسع نطاق مؤتمر هذا العام، تحت شعار «التنمية البشرية: من أجل مستقبل مستدام» ليؤكد على الدور المحوري للتنمية البشرية في خلق مستقبل مستدام وعادل.

ويستفيد PHDC 24 من التعاون المستمر مع الأمم المتحدة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والشركاء الرسميين في الوزارات والجهات الحكومية، وسيجمع المؤتمر في نسخته الثانية مجموعة متنوعة من الجهات المعنية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الوزراء والسفراء وصانعي السياسات و الممارسين والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وقادة القطاع الخاص، ورواد الأعمال والمؤثرين في وسائل الإعلام، وسيساهم هؤلاء المشاركون في جدول الأعمال متعدد الأوجه للمؤتمر ويسهمون بشكل فاعل في تشكيل نتائجه.

أهداف مؤتمر السكان والصحة والتنمية البشرية «PHDC 24»

كما تشمل الأهداف العامة للمؤتمر معالجة تحديات الصحة والسكان في سياق التنمية البشرية، وتعزيز النهج المتكامل للاستدامة طويلة الأجل والاستثمار في التنمية البشرية من أجل مستقبل أكثر صحة وازدهارًا، فضلًا عن تمكين الجهات المعنية، وتعزيز الشراكات وحشد الموارد والدعوة إلى البحث القائم على الأدلة.

ويقدم البرنامج العلمي لـ PHDC 24 مجموعة شاملة من الأنشطة على مدار خمس أيام، تشمل جلسات تفاعلية، ومناقشات، وورش عمل، ومحادثات حول موضوعات محورية، وبرنامج الزمالة للعاملين في مجال الصحة، كما يتضمن جناحًا للابتكار يعرض أفكار المجتمع المدني والشركات الناشئة، وفعالية الملخصات البحثية لمشاركة الأعمال الأكاديمية، بالإضافة إلى معرض مخصص لجميع الجهات المعنية، يوفر فرصًا متعددة للمشاركة والتعلم والتعاون.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الإفتاء قطعت شوطًا كبيرًا في مجال التحول الرقْمي
  • مفتي الجمهورية يستقبل رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
  • رئيس المؤتمر اليهودي العالمي يشيد بدور قطر في العمل على إطلاق سراح الأسرى
  • مفتي الجمهورية يوجه بضرورة الإخلاص في العمل وبذل الجهد لخدمة الدين والوطن
  • مفتي الجمهورية ومحافظ أسيوط يتفقدان مركز المنتجات الزراعية بـ جامعة الأزهر.. صور
  • مفتي الجمهورية ومحافظ أسيوط يتفقدان وحدتي تصنيع منتجات الألبان بجامعة الأزهر
  • بحوث الصحة الحيوانية يشارك بالمؤتمر العالمي الثاني لجمعية الدواجن العالمية
  • مفتى الجمهورية لـ "الفجر": 240 لجنة للرد على فتاوى المواطنين
  • موعد انطلاق النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية
  • «الصحة» تعلن تفاصيل وموعد النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية