حظر حزب المؤتمر الوطني ومحاكمة قادته الفاسدين.!!
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
العقبة الكؤود أمام سلام وأمان السودان هي حزب المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمين، منذ اختطافه لقيادة الجيش وإشعاله لحرب منتصف أبريل، ببساطة هذه هي المعضلة البائنة أنيابها بكل هذا الوضوح، ومما هو معلوم عن الحزب الكارثي بالضرورة، أنه الحزب الأوحد على مر حقب الدولة السودانية، الذي هيمن هيمنة كاملة ولمدى خمسة وثلاثين عاماً على الجهازين التنفيذي والتشريعي، ودجّن مؤسسة القضاء لتخدم مصالح أعضاءه بطرق شخصية، مخرجاً هذه المؤسسة عن هدفها النبيل، ألا وهو إحقاق العدل بين الناس، فحزب المؤتمر الوطني يجب أن يحظر ويحاكم قادته الفاسدون، مثلما تم بشأن حزب البعث العراقي، فبعدما سقط النظام تم حظر الحزب ولوحقت عضويته، وحوكم رموزه الكبار وأعدموا، ثم أتيحت الفرصة للأقاليم العراقية أن تتحرر من قبضة الحكم المركزي، وتفرغ الشعب الكردستاني لأن يعيش الحياة التي أرادها، تحت سقف نظام برلماني ديمقراطي فدرالي، كذا وجنوب العراق الذي كان يئن تحت وطأة المركز بحسبان انتماء سكانه الطائفي، فهذان الاقليمان لو لم يسقط نظام حكم الحزب الواحد لما أصبحا جزء من أقاليم الجمهورية العراقية، وفي جمهورية السودان مارس حزب المؤتمر الوطني الاخواني أبشع الممارسات في إدارته للدولة، وإذا لم تتخذ الإجراءات التفاوضية القادمة خطوات جادة لحظر هذا الحزب الثيوقراطي وتقديم رموزه للمحاكمة، سيكون أبو زيد الأزمة السودانية لا راح ولا غدا، وأي تساهل مع هذا الكيان الفاسد في مستقبل العملية السياسية بالبلاد سيكون حرثاً في البحر، ومن الأمثلة الحيّة في المنطقة التي لها تماثل مع أطروحة حظر الحزب الكارثي، تلك الإجراءات التي اتبعها الرئيس التونسي تجاه صنو وشبيه المؤتمر الوطني – حزب النهضة التونسي، وما اتخذه من إجراءات وقائية تجاه أعضائه وزعيمه.
الشعب السوداني تغلب عليه العاطفة الجياشة في تعاطيه مع الاخوان المسلمين، الذين تغلغلوا في جهاز الدولة فاتبع معهم سياسة عفا الله عما سلف، فتطورت الجماعة من يرقة إلى شرنقة إلى حزب كامل، التهم الدولة والحكومة والمجتمع، فكانوا الاخوان المسلمون ثم تحوروا إلى جبهة الميثاق الإسلامي فالجبهة الإسلامية القومية، ثم أخيراً انضووا تحت اليافطة الجامعة لهم وحلفائهم الذين أتوهم من الأحزاب الأخرى من الانتهازيين والنفعيين، من أمثال مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة المنسلخ من الحزب الأب، وينسحب على هذه التبعية الحركات المسلحة المتضامنة مع المؤتمر الوطني، والتي دخلت السلطة من باب اتفاق جوبا فأفسدت وأكلت الأموال ورهنت مقدرات البلاد لقوى أجنبية، وقد وضح ذلك جلياً في التسريبات الصوتية الأخيرة لشبكة الفاسدين والمفسدين الذين على رأسهم نائب قائد الجيش والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، التابعة للوزارة التي جاءت ضمن محاصصات قرعة جوبا – وزارة المعادن، فجميع هذه الحركات المسلحة والأحزاب الموالية للمؤتمر الوطني يجب أن تلحقها إجراءات الحظر وتقديم قادتها الفاسدين للمحاكمة، فكما أطلق عليه منظروه أنه الحزب الوعاء الجامع، الذي فعلاً قد قام بجمع المجنبين والمختلسين لأموال الدولة، حتى أمسى المواطن السوداني يشير إلى كل مكتنز لمال مشبوه، بأصبع اتهام لسان حاله يقول هذا مؤتمر وطني هذا حرامي تعال فاعتقله، وأيقن السودانيون أن عرق جبينهم ذهب لرفاه أصحاب اللحى الزيف والبطون الكنيف، والطفل الصغير اليوم يعلم أن قروشه مودعة في البنوك الخارجية بأسماء فاسدين كبار ينتمون للمؤتمر الوطني.
مما يؤسف له أنه ما يزال هنالك بعض الإعلاميين من الناشطين المستقلين، الذين يتابع حساباتهم الملايين بمنصات التواصل الاجتماعي، يجرون الحوارات العار مع قادة هذا الحزب الذي أشعل الحرب وأهلك الحرث والنسل، ومن هؤلاء الإعلاميين سعد الكابلي واستسهاله لاستضافة إبراهيم غندور الوزير الاخواني المتهم بجريمة تفكيك النقابات العمالية، كيف لنا أن نحقق العدالة ونحن نهتف حرية وسلام وعدالة، ويقوم الإعلاميون المحسوبون على الثورة بملاطفة المفسدين وتلميعهم، وإتاحة المجال لهم لكي يخوضوا في الشأن العام مرة أخرى، إنّ من شرف النشاط الإعلامي بعد إسقاط رأس دولة الفساد والإفساد، أن لا يقوم الناشطون المحسوبين على ثورة التغيير بتلميع رموز الحزب المحظور، بل واجب عليهم تجهيز الملفات المدعّمة بالوثائق والشهود، والموصلة لإدانة سارقي قوت الشعب، بعد تحقق السلام وإرساء دعائم الحكم المدني الديمقراطي، ولا يحسبن أحد منكم أن سفينة الانتقال لشاطئ الحكم الرشيد، سيكون على متنها رموز حزب المؤتمر الوطني وحلفاؤه الضالعين في قضايا فساد، والمرتكبين لجرائم قتل بحق المتظاهرين السلميين، ومن المرجعيات المهمة جداً لمشروع حظر الحزب الكارثي وعملاءه، الارتكاز على المصفوفة والدعوى القضائية التي قدمها المحامي الراحل علي محمود حسنين، التي سوف تزيل الداء من مكمنه وستقطع دابر الفاسدين وتسيح دمهم الملوث بجرثومة الفساد، فعمليات فرز اللبن عن الفرث والدم لابد وأن تعتمد على معول حظر وهدم ومحاكمة رموز الحزب الذي أجرم في حق الناس، ومعه بالضرورة السماسرة والمرابين من الوكلاء وأحزاب الفكّة المتضامنة معه، وحركات النهب المسلح التي تدثرت برداء ثورة ديسمبر وهي منها براء، فعلى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية باعتبارها أكبر واجهة للعمل المدني الداعم للسلام والمناهض للحرب، أن تعلم أنه لا مفر ولا ملجأ ولا مناص من حظر وإبعاد هذا الحزب الكارثي من مستقبل العملية السياسية.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حزب المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في المنطقة؟
يمانيون ـ بقلم ـ عبدالرحمن مراد
على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أَيَّـام، تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها، ويحدث أن تتحَرّك المعارضة إلى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام، وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس، فما الذي يحاك للأُمَّـة؟
تتسع دائرة الأهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءاً كَبيرًا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية إلى دمشق، وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافاً عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة، وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسّسات الدولة، وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها، وتذهب إلى النظام، وحفظ المقدرات، وتعلن إجراءات احترازية لضمان الأمن والاستقرار، ثم تبادر “إسرائيل” لضرب المعامل ومخازن الأسلحة بحجّـة تأمين أمن “إسرائيل”، وضمان عدم وصول الأسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا، وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والأهداف إلى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة، وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده، ثم يأتي مستشار الأمن القومي الأمريكي ليزور المنطقة، ويعلن أن ضمان أمن “إسرائيل” فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية، ويعلن صراحة أن “إسرائيل” أصبحت أقوى من أي وقت مضى.
أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة، التي تتعرض لعملية تهجين، وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور؛ فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف إلى استقرار المنطقة العربية، ولكنه يمهد الطريق لـ”إسرائيل” كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأُمَّــة، وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي، والعسكري، وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي إلى اليوم.
سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها، وهللوا وصفقوا، لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الأيّام، ومؤشرات ذلك قائمة، وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها؛ فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات، وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا، وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني، لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكلّ فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها، وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها، لكن حركة الواقع دلت عليها؛ إذ ليس معقولاً أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أية ممانعة أَو مقاومة بأي شكل من الأشكال مهما كانت المبرّرات؛ فبشار الأسد لم يكن ضعيفاً ولكنه يملك مقومات البقاء أَو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه اختزل المقدمات في نتائجها، فرأى التسليم خياراً لا بُـدَّ منه، وقد كان التسليم خياراً قديماً لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان، ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدوّ الصهيوني، فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة، وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الإسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه؛ فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول إن “إسرائيل” تريد من سوريا بلدًا منزوع السلاح لا يشكل خطراً على أمنها، كما أن الخيار الدولي يذهب إلى مبدأ التقسيم؛ إذ أننا لن نشهد بلدًا موحدًا كما كان في سالف عهده، بل سوف نشهد بلداً مقسماً تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول إلى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقّق “إسرائيل” غايتها في تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى.
السياسة الأمريكية اليوم تحدها موضوعياً أربعة سيناريوهات معلنة وهي:
– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع.
– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي.
– السيناريو الثالث الحرب الباردة.
– السيناريو الرابع العالم البارد، وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول إلى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.
ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم إلى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي، وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصراً كونيًّا رافضاً الهوية الجزئية، التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة، الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي، وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا إلى إعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهدّداً من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الأمريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الأثر الكبير في محتواها الرقمي، فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف إلى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات؛ بهَدفِ تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية.
خلاصة الفكرة أن ربيعاً جديدًا قادماً يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلاً للوصول إلى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا.