خالد البلولة
(١)
أثناء انتظاري في استقبال مستشفى ابن الهيثم فى شارع الحوادث طبيب العظام ،جاء رجل سبعينى وجلس قبالتى وقبل ان يتوهط فى الكرسى،سالنى (ات من وين؟)قلت(من الجزيرة) تعارفنا،فهو جزيرى الهوى والهوية ونثر عطر محبته وكرمه على المكان وكال المدح والثناء على طبيبه الذى اجرى الله على يديه تشخيص الداء وتحديد الدواء فاصبح يمشى على (مشاية)بعد ان ظل مدة طويلة حبيس الفراش والكرسى المتحرك ولك الحمد يا مستوجب الحمد.
جاء د.عز الدين سلم على المنتظرين،وقف عند (ابو الجيلى) وطايبه و مازحه واستفسره عن صحته واحواله،جاء عندى تقالدنا بعد غياب،قال لي ابو الجيلي-(دحين جاك كلامى).
قلت له(كلامك صح والله زول زي الدهب المجمر ).
(٢)
تناقلت الوسائط الاجتماعية اسمه ايام هوجة التمكين،لديه تخصص نادر ،يقال هو الوحيد حتى الان فى السودان .يتخذ من الحى الراقى فى وسط الخرطوم مكانا لعيادته،لكن المراجعين لعيادته،تشيء ملامحهم ومظهرهم العام أنهم جاءوا من البيادر البعيدة وليس البنادر القريبة يتلمسون عنده الشفاء باذن الواحد الاحد.ذهبت مع اختى مرافقا وابنها لطبيب روحه عاجباه عجب شديد واخلاقه في راسه نخرته،يتعامل مع المرضى بصلف غريب.
قال ابن أختي للطبيب:-انت قلت كل الفحوصات سليمة (لكن أمي مازالت تشتكى من الالم ماعرفنا المشكلة شنو ؟) فاجاب (ماعارف؟)،قال له:(طيب ساطلب ترحال الان حتى تاتى وتسمع منها) قال الطبيب :(اطلب ترحال واذا زمنى جاء تطلب ترحال وترجعها وما تلومنى).
تحكي امراة كانت تجالسنا فى صالة الانتظار :-(جئت بطفلتى من الشمالية،الدكتور ده ،ماداير يتفاهم ،ماداير يسمع مننا طوالى يقول امشى اعمل صورة ،اعمل رنين افحص).دخلنا اليه بعد ان طلب منا الشخص الذى يعمل معه الدخول وجدناه يخلع نعليه،قبل ان يرد السلاام قال(انتو بتخشوا ساااى قلت له المطوف الشغال معاك ادن لنا بالدخول )قال :(انا داير اصلى)
كتمت غيظى وخرجت،جلسنا ننتظر انتهاءه من اداء الصلاة التى استمرت لنصف الساعة ،طلب منا الموظف الذى يعمل معه الدخول، طلب منا الطبيب ان نرجع ،الا بعد ان ياذن لنا بالدخول .واخيرا سمح لنا بالدخول طلب بقاء شخص واحد فقط مع المريض قلت :(هذه شقيقتى وداير اشرح مشكلتها شنو؟))قال:-(اذا كلامى ما عاجبكم سوقوا مريضكم وممكن ما اشوفها )خرجت منه مراعاة للمريضة وحالته النفسية.
(٣)
ذهبت بأمى ذات مرة الى طبيب جلدية وهو لديها فوبيا تجاه الاطباء والاطباء نوعان هناك،من يحسن زرع الثقة والطمانينة فى قلب مريضه وهناك من ينفر ولا يبشر، اسريت لطبيبها ان أمى محبتها عند السادة البادراب ،فسالته هى عن اسمه،فنطقه كاملا(حسين سليمان بدر) وقال:-(اااها يا حاجة نعالجك بعلاج الدكاترة ولا علاج اهلي البادراب ؟)قالت :-(البجى منك كله سمح )!!
(٤)
فى مستشفى القلب ،باركويت يرسم د. مجدى جميل صورة ذهنية زاهية فى ذاكرة مرضاه ومن ضمنهم والدتى بحسن استقباله وتعامله ولطفه، فتزول رهبتها من الطبيب وتنسى علتها فلم تعد تراجعه الا بعد شهور طويلة ،فجدار الثقة الذى شيده د.جميل بحسن تعامله ،فالمرض يبدو اساس علاجه روح معنوية و حسن تعامل وثقة والباقى ادوية و تغذية جيدة.
ترد امى الجميل وتسدى معروفا لطبيبها مجدى جميل فهى ترى انه يعاملها بطريقة مغايرة مع انه يعامل الجميع بذات الاسلوب قالت (نسيت اجيب ليك الحلو مر).فقال لها (لمن امشى الحصاحيصا لاهلى ,بغشاك واشيل (الحلو مر حقى) !!
اخيرا :-
قال صديق عزيز (بعض الاطباء عندهم احساس بالتعالى والترفع والتميز عن الاخرين الا من رحم ربى كانما يربونهم على ذلك).
khalidoof2016@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ولكن من الذى كتب مخطوطة «الأسد والغواص»؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أن قرأت رواية "الغواص" للدكتورة ريم بسيوني كان التساؤل الذى يدور بينى وبين نفسى هو لماذا اختارت هذه الروائية الإمام الغزالي لتكتب قصة حياته بكل تفاصيلها وظلت فترة الإجابة غير كافية لكنني اقتنعت أخيرا بأنها لم تختار الإمام الغزالي لتكتب رواية الغواص ولكنه هو الذى جذبها بقوة إليه وهذا ما صرحت به الروائية فى حوارات كثيرة عندما دار تساؤل حول خلفية كتابتها لهذه الرواية فكانت تحكى قصة حقيقية حدثت لها وهى أنها عندما كان عمرها ثمانية عشر عاما وكانت وقتئذ طالبة فى القسم الأدبى بالمرحلة الثانوية درست فى مادة الفلسفة رحلة الإمام من الشك لليقين فأعجبتها رحلته جدا فقررت بعدها أن تقرأ كتابه "المنقذ من الضلال" وقالت إنها فى هذا العمر الصغير توهمت أنها فهمت كل مافيه تماما وبكل ثقة اعتقدت أيضا أنها عرفت سيرته الذاتية والعقلية والروحية من هذه القراءة الأولى لكنها أضافت قى نفس حوارها أنها بعد عشرة أعوام تالية على هذه القراءة قررت أن تعيد قراءتها لهذا الكتاب مرة ثانية فاكتشفت أنها لم تفهم مسيرته الفكرية والروحية كما تصورت وتأكدت أن رؤيتها كانت قاصره فاضطرت أن يكون التأنى هو منهجها حتى تفهم سياحته الداخلية في أعماق نفسه، والتى أراد منها أن يبين كيف انتهى إلى ما انتهى إليه فى كتابه المنقذ من الضلال بعد معاناة شاقة في آفاق التفكير والبحث عن المعرفة اليقينية.. ثم ذكرت أنها بعد عشرة أعوام أخرى عندما أعادت قراءة هذا الكتاب مرة ثالثة اكتشفت للأسف أنها أيضا لم تفهم مراد هذه الشخصية ذات العمق الفكري والفلسفى والصوفي فقررت أن تقرأه بتمهل وعناية لكى تفهم مقصده من هذا الكتاب.
الأجمل انها عندما قررت أن تكتب الرواية عن هذا الإمام العبقري قرأت هذا الكتاب مرة رابعة ضمن قراءتها لكل مؤلفاته فاكتشفت انها كانت يجب ان تفهم كتاب المنقذ من الضلال بشكل اعمق فاضطرت أن تدرس كل كلمة يقولها فى هذا الكتاب وتبحث فى مؤلفاته الأخرى لتفهم مراده!.
ومن أجمل ما قالته انك اذا أعدت قراءة اى كتاب للإمام الغزالي تكتشف أن به فكرة ورؤية جديدة.لكن الأغرب هو أنها أيضا انجذبت بشدة لرفيقة دربه بقوة أكثر من انجذابها للإمام الغزالي وكتبت تفاصيل لقاء الفتاة الجميلة ثريا لتصبح شريكة رحلته الطويلة وزوجته بأسلوب سلسل وجميل بل وأرجعت كتابة المخطوطة المصورة التى تم تداولها بعنوان "الأسد والغواص"والتى لم يكن يعرف أحد شيئا عمن كتبها الا بعد أن كتب عالم أجنبي كتابًا عن فلسفة أبي حامد الغزالي وقال فيه أن بطل مخطوطة الأسد والغواص يحاكي الغزالي في شخصيته ومصيره وبذكاء الكاتبة توقعت ان كاتبة هذه المخطوطة زوجته ثريا ولم توضح رأيها هذا الا فى نهايه الرواية بقولها:
" وصلت لنا مخطوطة من حكاية الأسد والغواص دون ذكر اسم المؤلف، ولكن كلمات الغزالي وأفكاره وسيرته كانت تصاحب من ألفها كأنه أقرب إليه من أي إنسان" وهى تقصد زوجته كما صرحت هى فى أحاديثها.
أكتفي بهذه الأجزاء من القراءة فى رواية الغواص.