عربي21:
2025-02-23@04:01:35 GMT

مسألة في سوء الفهم.. أو لماذا لا نفهم بعضنا؟!

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

يناقش أبو حامد الغزالي الدواعي الغامضة للفعل الأخلاقي، لمن لم يكن مؤمناً، مثلاً، بالجزاء الأخروي. وذلك في معرض بحثه لقضية التحسين والتقبيح، التي لها محلّها المهمّ في نقاشات المتكلّمين، حول أفعال الله سبحانه وتعالى، وبقطع النظر عن السياق الكلامي لهذه القضية، فإنّ ما يذكره الغزالي من تبعية قوى النفس للأوهام والتخيّلات بالغ الأهمية، يصلح مفتاحاً لتفسير القصور الأخلاقي في التفاهم البشري، بين الأفراد والجماعات.



يُطرح سؤال مثلاً، عن الداعي الذي ينبعث في ملحد لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، لإنقاذ إنسان مشرف على الهلاك. يفترض هذا السؤال أنّ إنقاذ المشرف على الهلاك حسن في نفسه، أيّ أنّ الحُسن جزء من ماهيّة الفعل، وإلا فإنّ هذا الملحد لا يؤمن بشرع يُحسّن له هذا الفعل، هذه الحجّة التي تبدو ظاهرة القوّة بادي الرأي، تساق في الرد عليها حجج كثيرة، منها أنّ الحسن لو كان جزءاً من ماهيّة الفعل لما تخلّف عن الفعل في ظروف أخرى، يستحسن فيها المرء ألا ينقذ إنساناً آخر مشرفاً على الهلاك، كأن يكون عدوّه، ولكي لا نتورّط في سجال كلاميّ، ليس هذا محلّه، فقط نذكر أحد التفسيرات التي قدّمها الغزالي لدواعي هذا الفعل ممن لا ينتظر جزاء أخرويّاً، وهو أنّ من ينقذ إنساناً مشرفاً على الهلاك، يكون مندفعاً بقوّة تخيّل، بحيث يقدّر المنقذُ نفسه مكان المشرف على الهلاك، فيستقبح إعراض غيره عن إنقاذه.

هذا التخيّل، ليس عملية منظّمة تأخذ بالتشكّل في وعي صاحبها في التوّ واللحظة، ولكنّه تخيّل ضمنيّ، مصاحب للإنسان، تُحكِمه العادة والنشأة في إطار الاشتراك في الجنسية الإنسانية.

لو رجعنا من الغزالي، إلى علاقاتنا اليومية، وما يحفّها من سوء فهم، فإنّ الأمر لا يخلو من أنّ كل واحد منّا قال لغيره يوماً، أو قيل له مرّة، "ضع نفسك مكاني"، أي أنّك بالقدر الذي تتخيّل فيه نفسك مكاني، فإنّك سوف تعذرني، أو توافقني الرأي في صواب تصرّفي.. وهكذا. فالقدرة على تقدير النفس مكان الآخرين، فعل أخلاقيّ تأسيسيّ، لا تجاه الآخرين فحسب، بل تجاه الذات كذلك، لما في هذا الفعل، من تجديد دائم لقوّة المخيّلة هذه، وصيانة مستمرّة للاشتراك في الجنسية الإنسانية.

هذه القوّة المتخيّلة تَضْمُر أكثر، في سياقات التدافع الإنساني؛ الفكري والسياسي والاجتماعي، وفي تفسير ذلك يذكر الغزالي غلطات تشوّش على هذه المخيّلة بأوهام تقود الإنسان نحو تقييمات أخلاقية خاطئة، من أهمّها، أن يفترض الإنسان قُبح ما خالف غرضه وإن وافق غرض غيره، وحُسن ما وافق غرضه وإن خالف غرض غيره.. تصير المخيّلة، الداعية للفعل الأخلاقي، معطّلة، لأنّ الإنسان، والحالة هذه، قد ألغى غيره من الافتراض تماماً، وهو ما يعبّر عنه الغزالي بقوله: "ولكنّ أغراضه كلّ العالم في حقّه"، يصير التمركز حول الذات هنا، وجعل الذات مصدر القيم، غفلة عن الذات في الوقت نفسه، ففهم العالم، لا يكون إلا بالعودة إلى الذات، ولكن ليس بإدارة العالم من حول الذات، وإنما بفرض الذات في العالم، ومن ثمّ فالذي يغفل عن الآخرين في حكمه على الأشياء، قد يغفل عن نفسه، فإنّه قد يغفل عن كونه يستحسن الآن ما قد يستقبحه في حال خالف غرضه في ظرف ما، وهذا كثير مشاهد في تناقضات الناس في تصرفاتها، أو تأويلها لتصرفاتها، أو تنكّبها لأحكامها، وقد يكون للتحذير الإلهي بقوله تعالى: ﴿وَلا تَكونوا كَالَّذينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم﴾، صلة بهذا المراد، إذ اختلاف الأغراض الإنسانية وتحوّلها، تتطلب حاكماً أعلى لضبط القيمة الأخلاقية، ومن ثمّ كان التوجيه الإلهي بألا تمنع الخصومة من الشهادة بالحقّ للخصم، وبأن لا يحول الانغماس في الذات وفي الوسط الاجتماعي القريب دون القيام بالقسط، لتكون الشهادة بالحقّ شهادة لله في حقيقة الأمر.

في أكثر التصرّفات السياسية، ودون أدنى شعور بالتناقض، نجد من يسوّغ لحزبه ما يعيبه على غيره، وذلك باختصار؛ لأنّ القيمة في وعيه ترتبط بغرض حزبه، ممّا يشير إلى اعتقاد مستبطن بحلول الحقّ في حزبه، وهو ما يعني بالضرورة رفض حرّية الآخرين واستقلالهم بأن يتصرفوا وفق أغراضهم لا وفق أغراض غيرهم،تنجم عن ذلك مكابدة طلب الحقّ، إذ تقتضي تجرّداً من الذات بالعودة إلى الذات، أي الخروج من الذات بفرضها مكان الخصم. يضرب الغزالي أمثلة على صعوبة هذه المكابدة، فمن أسماه بالعامّيّ المعتزليّ يسارع لقبول المسألة المعقولة الجليّة، لكنه قد يسارع إلى رفضها إن علم أنّها مذهب خصمه الأشعريّ، ومثله العامّيّ الأشعريّ الذي قد يرفض الأمر المعقول إن علم أنّه قول خصمه المعتزليّ، وهكذا فالإنسان قد يُكذّب ما يؤمن به، وقد يؤمن بما يكذّب به، بحسب موقعه من المسألة، وموقع خصمه منها. يقول الغرالي إنّ هذا طبع أكثر المترسّمين بالعلم، لا طبع العوامّ فحسب، فالمشتغل بالعلم قد يطلب الدليل لا طلباً للحقّ ولكن لإعادة تكييفه وتوظيفه ليوافق مذهبه، وهذا الأمر شديد الظهور، في أكثر ما نلاحظه اليوم من نقاشات مذهبية، تأخذ منحى اجتماعيّاً واضحاً، لكنّها حتماً أوضح في الشأن السياسي، وقل قبل ذلك في البنى الاجتماعية التي لا خيار للفرد في اندراجه فيها أوّل الأمر، كالعشائر والقبائل.

في أكثر التصرّفات السياسية، ودون أدنى شعور بالتناقض، نجد من يسوّغ لحزبه ما يعيبه على غيره، وذلك باختصار؛ لأنّ القيمة في وعيه ترتبط بغرض حزبه، ممّا يشير إلى اعتقاد مستبطن بحلول الحقّ في حزبه، وهو ما يعني بالضرورة رفض حرّية الآخرين واستقلالهم بأن يتصرفوا وفق أغراضهم لا وفق أغراض غيرهم، وهذا التناقض الفجّ يزداد شدّة وتوتّراً في ظروف التنافس، كاستواء حزبين في الحجم، أو اشتراكهما في الموضوع، كأن يكون الموضوع أيديولوجياً، أو يكون نضاليّاً، كالمقاومة مثلاً في الحالة الفلسطينية، فالمشترك هنا، بقدر ما يدعو بداهة للتعاون والتفاهم، فقد يحول دون التفاهم، ما دام منقسماً بين أطراف، سوف تختلف أغراضها حتماً، ولو في أوقات، لاسيّما وأن التاريخ يورث المتنافسين الكثير من سوء الظنّ المتبادل الذي يصير منظوراً من مناظير الفهم والحكم والتقييم.

من يعاني الكتابة والحديث في الشأن العام، مهما كان هذا الشأن، فكريّاً أو سياسيّاً، يواجه دائماً هذه المشكلة، حينما يتخذ الآخرون من تصنيفهم له منظاراً وحيداً لفهم مساهمته في قضيّة ما، فقد يُعَدّ احتسابه على جهة ما دافعاً وحيداً لقوله، إلى درجة أن يُفهم إنصافه لغيره ذمّاً لذلك الغير، ما رأى ذلك الغير صاحب المساهمة يكتب مندفعاً بحكم ذلك التصنيف أو من ذلك الانتماء، فلا يُرى إلا مخالفاً أو خصماً حتى في مقولته الحقّ، فيصير التلقي غريزيّاً لخطاب الآخرين، يمرّ من أقنية المشاعر من محبّة وكراهية، وهو أمر حاصل أيضاً في التلقّي الفردي، الذي لا يخلو من الانطباعات السابقة على التلقّي، ولا من تلك العواطف الحاكمة على الآخرين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير الرأي رأي خلافات أفكار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

خالد الجندي: هذا الفعل يوازي أجر وثواب حجة وعمرة تامة

كتب- حسن مرسي:

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن في الحديث الصحيح فضل الصلاة في الجماعة، حيث قال: "من مشى إلى صلاة مكتوبة في جماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة تامة".

خلال برنامج "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة "dmc" أشار الجندي إلى أن هذا الحديث يوضح كيف يمكن للمسلم أن يحصل على أجر الحج أو العمرة بمجرد الحرص على أداء الصلاة في جماعة أو صلاة النافلة، مما يعكس الفرص العظيمة التي يقدمها الإسلام للحصول على أجر كبير بأعمال بسيطة.

وأضاف الشيخ الجندي، أن هذا الحديث لا يعني أن الصلاة في الجماعة تغني عن أداء فريضة الحج. وأوضح أن الحديث يشير إلى أن الأجر الذي يحصل عليه المسلم من الصلاة في جماعة هو بمثابة أجر الحج في التقدير، ولكنه لا يلغي ضرورة أداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً.

وأشار الجندي إلى أن الحديث يعلمنا كيفية تقدير الأجر على الأعمال الحسنة، موضحًا أن الأجر العظيم الذي يمنحه الله لبعض الأعمال هو على سبيل التكريم وليس المطابقة الحقيقية.

واستشهد بليلة القدر التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنها خير من ألف شهر، مؤكدًا أن هذا لا يعني أن من يقيم ليلة القدر يكون كمن جاهد في سبيل الله طوال ألف شهر، ولكن الله يعطي الأجر الكبير من باب التكريم.

كما تطرق الشيخ الجندي إلى فضل الصلاة في المسجد الحرام، حيث يقال إن الصلاة فيه تعادل 100,000 صلاة.

وأوضح أن هذا التقدير لا يعني أن ركعة واحدة في المسجد الحرام تُعادل 100,000 ركعة في أماكن أخرى، ولكنها تعكس عظمة الصلاة في هذا المكان المبارك. وأكد أن الصلاة في المسجد الحرام تظل عظيمة، ولكنها لا تُعادل الأعمال التي تتطلب جهدًا طويلاً.

اقرأ أيضًا:

7000 جنيه شهريًا.. ضوابط تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص -خاص

رئيس الوزراء: مشروعات تطوير الأهرامات ستجعلها أكثر جذبًا للسائحين

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الشيخ خالد الجندي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لعلهم يفقهون الصلاة في الجماعة الحج المسجد الحرام

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة ما التأشيرات المسموح لحامليها بأداء الحج 2025؟.. غرفة السياحة توضح أخبار خالد الجندي يشرح معنى قوله تعالى "وربطنا على قلوبهم" - فيديو أخبار خالد الجندي: "ربنا أمرنا بالاستعداد للأعداء" أخبار خالد الجندي يشرح معنى "الخروج في سبيل الله" أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

خالد الجندي: هذا الفعل يوازي أجر وثواب حجة وعمرة تامة

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك تنويه جوي عاجل.. موجة باردة خلال ساعات وأمطار على 7 مناطق إمساكية شهر رمضان 2025 في مصر.. مواعيد الصلاة والإفطار والسحور بعد قليل.. المركزي يحسم سعر الفائدة على الإيداع والإقراض.. ما هي أقرب التوقعات؟ للإعلان كامل للإعلان كامل 19

القاهرة - مصر

19 13 الرطوبة: 46% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • قادة في البنتاجون: إصابة بوارجنا بـ”صاروخ حوثي” مسألة وقت 
  • 3 أبراج قادرة على التأثير في الآخرين.. «المشاعر مفتاح الوصول لأهدافهم»
  • حرمان المرأة العاملة من أجرها خلال إجازة الوضع حال قيامها بهذا الفعل
  • المجلس البلدي زوارة: الاعتداء على علم الهوية الأمازيغية خطوة خطيرة واستفزازية
  • ياسمين عز: السعادة الحقيقية تكمن في الاستقلالية وتحقيق الذات
  • رباح المهدي: آخر كلام في مسألة عبد الرحمن
  • خالد الجندي: هذا الفعل يوازي أجر وثواب حجة وعمرة تامة
  • الذايدي ينتقد عقوبات الزعيم: “أسد على الهلال وعلى غيره نعامة”
  • عناق الذات أفضل من كل هذا العبث
  • خبير أمني: ظهور الجيل الرابع لداعش مسألة وقت ومخيم الهول يشكّل الخطر الأكبر - عاجل