مارسته إحدى الأسر العمانية منذ 170 عامًا: ماذا تعرف عن نشاط (العبرة)؟
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
عرفت عُمان من قديم الأزل العديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي شكّلت جانبًا مهمًا من حضارتها العريقة، وكان للبحر دورٌ مهم في بعضها بسبب لجوء جزء من المكون السكّاني العماني إليه كوسيلة رزق، وكوسيلة اتصال كذلك مع الشعوب والحضارات الأخرى.
وتعد مدينة صور من بين المدن العمانية المهمة التي تنوعت فيها الأنشطة الاقتصادية المختلفة وذلك بسبب موقع المدينة وأهميتها الجغرافية، وبفضل طبيعة نشاط أهلها الملاحي المزدهر وما يتطلبه ذلك النشاط من حرف وأنشطة اقتصادية مختلفة، وما أسهم فيه من وجود تنوّع حضاري جعل المدينة قبلة للعديد من الوافدين إليها الباحثين عن فرص للعمل والنجاح.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من أحد الأنشطة الملاحية المحلية الذي ارتبط بجغرافية المدينة، ألا وهو نشاط (العبرة)، وذلك من خلال تسليط الضوء على ماهية هذا النشاط، وأبرز الأسر التي عملت فيه، والمقارنة ما بين وضع النشاط قبل وبعد عام 1970م.
أهميّة نشاط النقل البحري المحلّي
شكّلت العيجة مع أم قريمتين (صور الساحل) جغرافيّة مدينة صور العمانيّة التي اشتهرت في مجال الملاحة البحريّة؛ حيث تقع العيجة في الجزء الشرقي من المدينة ويفصل بينها والجزء الغربي من المدينة خور البطح، وهو الحد الفاصل بين شطري مدينة صور.
ونظرًا لطبيعة الموقع الجغرافي والتضاريس المرتبطة بالمكان من حيث وجود فاصل مائي بين الجانبين، ولوجود الحاجة الملحّة للتنقّل بين طرفي المدينة لأغراض اجتماعية واقتصادية عديدة؛ فقد دعت الحاجة إلى وجود نشاط نقل بحري داخلي يربط طرفي المدينة فيما بينهما، من خلال قوارب خشبية تقوم بنقل الأشخاص مع أغراضهم مقابل مبالغ مالية رمزية تفرض على الأغراض، وأطلق على هذا النشاط محليًا اسم (العبرة).
وكان (هوري العبرة) أو (العبّارة) يشكّلان همزة الوصل بين ضفتي خور البطح في العيجة وصور الساحل، وأديا دورًا اجتماعيًا مهمًا مثل نقل الماء، وإسعاف المرضى، والذهاب إلى سوق المدينة، ونقل البضائع والسلع الشخصية، وانتقال بعض الأسر عن طريقهما خلال مواسم القيض (الحضور)، ونقل الطلبة إلى مدارسهم سواءً كانت مدارس القرآن الكريم قبل عام 1970، أم المدارس الحكومية بعده، وغيرها من الخدمات الاجتماعية العديدة.
صورة أرشيفية لخور البطح الذي يربط بين ضفتي مدينة صور تعود إلى عام 1934مأسرة خلفان بن عبيد الغيلاني
تعد أسرة خلفان بن عبيد بن خاطر الغيلاني من الأسر العريقة التي مارست نشاط (العبرة) في خور صور لمدة زادت على (170) سنة منذ فترة حكم السلطان سعيد بن سلطان، وحتى افتتاح جسر خور البطح الذي يربط بين صور الساحل والعيجة في عام 2010م، وذلك عبر أجيال متوالية مارست هذا النشاط البحري المهم لأبناء المدينة وزوّارها.
ولا يعرف بالضبط التاريخ الدقيق لبداية ممارسة الأسرة لهذا النشاط، ولا الأسباب التي ارتبطت بعملهم في هذا النشاط، لكن من خلال تتبع بعض الوثائق الموجودة حاليًا بحوزة الأسرة يتضح أن هذا النشاط قديم.
ومن الوثائق المرتبطة بممارسة هذه الأسرة لهذا النشاط المهم، وثيقة تحوي صك إقرار من الشيخ ماجد بن حمد بن محمد آل حمودة بتاريخ ربيع الأول 1293هـ الموافق مارس 1876م فيها إشارة إلى وجود مستندات قديمة منذ عهد السلطان سعيد بن سلطان (1806-1856) وواليه على صور السيد سعيد بن خلفان البوسعيدي تثبت ملكية خلفان بن عبيد لنشاط عبرة الخور حيث ذكرت تلك الأوراق: ” أن خلفان بن عبيد من رجالنا ومن طرفنا وكذلك ذريته، فلا أحد يعارض خلفان بن عبيد في عبرة الخور”.
وقد صدر صك شرعي يثبت حق الأسرة في هذا النشاط في 22 شعبان 1360هـ الموافق 14 سبتمبر 1941م بخط صالح بن محمد بن مبارك المعلّم، وذلك بناءً على عدّة شهادات قديمة.
ومن أبرز الذين عملوا في مجال العبرة من أفراد هذه الأسرة: خلفان بن عبيد بن خاطر الغيلاني، وسعيد بن خلفان بن عبيد، ومحمد بن سعيد بن خلفان، وخلفان بن محمد بن خلفان، ومحمد بن خلفان بن محمد، وحمد بن خلفان بن محمد، وجمعة بن خلفان بن محمد، وسعيد بن خلفان بن محمد.
(مسجد الخيصة) خلال فترتين زمنيتين مختلفتين وكان يخدم مستخدمي العبّارة وعابري السبيل
وبعد عام 1970م وعلى الرغم من أن بلدية صور قامت بإدخال خدمة العبّارة لتسهيل حركة المواطنين عبر خور البطح في عام 1973م من خلال قارب حكومي يقدّم خدمة النقل بالمجّان، إلا أن أفراد أسرة خلفان بن عبيد استمروا في العمل بمهنة آبائهم في العبرة، ومما ساعدهم على استمرارية العمل عدّة أسباب من بينها: تعطّل العبّارة الحكومية أحيانًا وكان هذا الأمر يستغرق أيامًا للقيام بأعمال الإصلاح، مما كان يستدعي وجود وسيلة نقل أخرى. كما أن العبّارة الحكومية كانت ملتزمة بأوقات عمل معيّنة بينما كانت عبرة الأسرة تعمل طوال الوقت دون التزام بوقتٍ محدّد، بالإضافة إلى أن خط سير العبّارة الحكومية ملتزم بمسار معيّن بينما توسّع القارب الخاص بالأسرة في مسارات أخرى، إضافةً إلى لجوء بعض عمّال الشركات من العمالة الوافدة إلى استخدام قارب الأسرة بعد فرض رسوم معيّنة عليهم من قبل العبّارة الحكومية.
وظل العمل بالعبرة سواءً من خلال قارب الحكومة أم قارب أسرة أبناء خلفان بن عبيد حتى عام 2010م عندما تم افتتاح جسر خور البطح الذي سهّل عمليّة التنقّل بين ضفّتي الخور، وكان آخر من عمل في مجال العبرة من خلال نشاطه الخاص الذي ورثه عن آبائه هو محمد بن خلفان بن محمد بن سعيد بن خلفان بن عبيد بن خاطر الغيلاني، بينما التحق أخوه جمعة بن خلفان بالعمل في القارب الحكومي التابع لبلدية صور.
صورة أرشيفية لمحمد بن خلفان الغيلاني على ظهر قارب العبرةوقد ارتبط اسم العبرة ارتباطًا وثيقًا بأصحابها على مدى سنوات عديدة من عملهم بها حيث أصبحوا يعرفون بأولاد العبرة.
توقيت العمل ومساره:
كان العمل يبدأ في مجال النقل البحري المحلي (العبرة) منذ بدايات الصباح الباكر وحتى وقت الغروب مع وجود أوقات راحة خلال فترة الظهيرة. وعلى الرغم من ذلك فقد كانت توجد استثناءات في الحالات الطارئة، وكان يتم نهم (مناداة) صاحب العبرة من الطرف الآخر أو خلال وجوده في منزله. كما كان صاحب العبرة يلبّي طلب الأشخاص الذين هم بحاجة إلى الانتقال للضفة الأخرى، حتى لو صادف ذلك وقت راحته خصوصًا خلال فترة الظهيرة، وذلك بسبب الترابط المجتمعي الكبير وإحساس أفراد المجتمع بحاجات وظروف بعضهم البعض.
وكان مسار العبرة يبدأ أو ينتهي من الضفة الشرقية من خور البطح المسمّاة بـالخيصة، أو الضفة الغربية قريبًا من مبنى الفرضة (الجمرك) والتي تسمى بالبطح، وبعد عام 1970م ومع ظهور العبّارة الحكومية توسع القارب الخاص بأسرة أبناء خلفان بن عبيد في النقل إلى أماكن أخرى مثل رأس الحد أو قلهات، وعدم الالتزام بالمسار السابق من البطح إلى الخيصة والعكس.
صورة أرشيفية توضح جانبًا من فرضة صور قبل إزالتها ونقطة انطلاقة قارب العبرة من طرف صور الساحلالقوارب المستخدمة:
تباينت أنواع القوارب المستخدمة في عمل النقل البحري المحلّي أو ما تسمى بقوارب العبرة، فقبل ظهور النهضة المباركة في عام 1970م كان القارب المستخدم هو قارب خشبي من نوع (الهوري) تبلغ حمولته حوالي 5-7 أشخاص.
نموذج للقارب المستخدم أو ما يسمى بهوري العبرةأما بعد ظهور النهضة المباركة في عام 1970م وما صاحبها من ازدهار في مختلف الجوانب والتطور الحاصل في الأدوات ووسائل النقل، فقد استخدمت أسرة أبناء خلفان بن عبيد قاربًا خشبيًا مزوّدًا بمحرّك ثم تم استبداله بقارب من الألمنيوم.
أما القارب الحكومي فقد كان قاربًا خشبيًا أكثر سعة وذلك كي يتسع لأكبر عدد من الأشخاص والأغراض.
جانب من نشاط العبرة حيث ينتقل السكان والزوار بين طرفي المدينةالرسوم:
كانت تفرض رسوم رمزية نسبيًا على الأغراض الشخصية التي يحملها ركّاب قارب العبرة، بالإضافة إلى رسوم تفرض على الركّاب الأغراب من خارج المدينة. وهناك عدد من الوثائق المرتبطة بموضوع الرسوم الخاصة باستخدام قارب العبرة، من بينها وثيقة تعود إلى الستينيات الميلادية من القرن العشرين بها توضيح لأبرز الأغراض والرسوم المقررة لحملها، وسوف نستعرض هنا جانبًا من تلك الوثائق المنظّمة لعمل العبرة، ففي رسالة صادرة عن عدد من شيوخ قبيلة الجنبة في صور بتاريخ 8 صفر 1365هـ الموافق 12 يناير 1946م إلى السيد حمود بن حمد بن بدر البوسعيدي والي صور وقتها، هناك إشارة إلى فرض رسوم على الغرباء من الرجال والنساء الذين يستخدمون العبارة وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمدينة خلال تلك الفترة على أن يعفى أبناء المدينة، وموظفو الحكومة من غير أبناء المدينة من دفع الرسوم.
وأثناء فترة ولاية السيد ماجد بن تيمور التي بدأت عام 1953م وحتى منتصف الستينيات من القرن العشرين، صدرت لائحة تنظّم موضوع الأجرة الخاصة بعبرة الخور، بناءً على الاتفاق الذي تم بين شيوخ قبيلتي الجنبة وبني بو علي الذين يمثلون طرفي المدينة (صور الساحل والعيجة)، حيث تم وضع لائحة أسعار بالأغراض والسلع التي يتم نقلها، ومن بينها على سبيل المثال: جونية الأرز والطحين (5 بيسات)، نصف الجونية( بيستين)، تنك السمن( بيستين)، جراب التمر (بيستين)، الدعن( 5 بيسات)، الباب (6 بيسات)..الخ.
أما بالنسبة لنقل الأفراد فقد حدّدت اللائحة أجرة نقل الرجل الغريب من غير أفراد قبيلتي بني بو علي والجنبة ومن معهما ببيستين للرجل والمرأة، وببيسة للبنت.
وقد أكّد القرار الصادر بهذا الخصوص على خلفان بن محمد الغيلاني القائم بأمر العبرة، الاستعداد التام والرقابة التامة، وأن يعبر بالناس بلطف واطمئنان. كما حدّد القرار وقت عمل العبرة وهو من أول الصباح إلى الظهر، ثم من الساعة التاسعة بالتوقيت العربي إلى المغرب.
وفي 13 صفر 1384هـ الموافق 24 يونيو 1964م بعثت نظارة الداخلية بخطاب إلى السيد ماجد بن تيمور والي صور وقتها خاص بقضية الرسوم الخاصة بالعبرة، وقد أشار الخطاب إلى الجهود المبذولة سابقًا في هذا المجال ومن بينها ورقة الاتفاق التي حرّرها الشيخ القاضي محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي بتاريخ 30 جمادى الأول 1382هـ الموافق 29 أكتوبر 1962م، وكذلك الورقة التي حررها مشايخ صور للوالي السيد حمود بن أحمد والتي تم استعراضها سابقًا، وأنه سيتم العمل خلال الفترة القادمة وحتى عرض القضية على مشايخ المحكمة الشرعية بمسقط بعد فترة القيض، على الوثيقة التي أقرّها القاضي محمد بن راشد الخصيبي، على أن يتم إعفاء أبناء قبيلتي الجنبة وبني بو علي من أهالي بلدتي صور والعيقة من الرسوم.
أما بعد عام 1970م فقد تغيّرت الرسوم الخاصة بقارب العبرة الخاص بأسرة أبناء خلفان بن عبيد بحيث أصبحت على الشخص مع حمولته، وكانت رسوما بسيطة تقديرية، أما قارب العبرة الحكومي فقد كان النقل فيه يتم بالمجّان.
جانب من نشاط العبرة بين ضفتي المدينةالتحديات:
كان هناك العديد من التحدّيات التي تواجه العمل في النقل البحري الداخلي بين ضفّتي المدينة في صور، ومنها تحديات الظروف المناخيّة في ظل الاعتماد على الأساليب اليدوية، والتحديات السياسية والاجتماعية المرتبطة بالأوضاع التي كانت تطرأ في بعض الأوقات خصوصًا أوقات الأزمات السياسية أو الاقتصادية، علمًا بأنه من الأعراف التي كانت سائدة؛ عدم التعرض إلى قارب العبرة في أوقات الحروب أو الفتن الداخلية وذلك لحاجة المجتمع الماسّة إليه.
وبعد عام 1970م كان قارب العبرة يتعرض إلى بعض الأعطال أو الغرق أحيانًا بسبب الحمولة الزائدة من قبل طلاب المدارس في أوقات توقّف قارب الحكومة عن العمل بسبب بعض الأعطال الفنيّة.
ومن الصعوبات كذلك التي تواجه قارب العبرة؛ قوة التيار البحري في أوقات المدّ، وكذلك عملية ركوب مستخدمي القارب وقلّة خبرة البعض منهم وبالأخص النساء والأطفال، الأمر الذي يتطلب الانتباه والحذر من قبل صاحب القارب.
كما قد يتعرّض محرّك القارب أحيانًا إلى عطلٍ فني مما يؤثر على مساره، ولولا خبرة صاحبه محمد بن خلفان الغيلاني في مجال إصلاح المحركات لتعرض للغرق في مراتٍ عديدة.
المصادر:
الغيلاني، جاسم بن محمد. حوار شخصي، صور، الخميس 4 يوليو 2024م. العلوي، طارق بن خميس. مكالمة هاتفية، الأحد 7 يوليو 2024م.الوثائق والصور:
أرشيف جاسم بن محمد بن خلفان الغيلاني، بالإضافة إلى شبكة المعلومات العالمية.المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: بن خلفان بن محمد محمد بن خلفان طرفی المدینة النقل البحری هذا النشاط صور الساحل بن محمد بن مدینة صور العبرة من من بینها فی مجال من خلال ل العب قارب ا ة التی من بین فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
«قارب ماجان».. إرث يعكس تفرّد الملاحة الإماراتية
سعد عبد الراضي (أبوظبي)
انطلقت في مجلس المنهل بأبوظبي، مساء أمس، أولى جلسات ملتقى متحف زايد الوطني، تحت عنوان: «دور متحف زايد الوطني في الحفاظ على التراث البحري: مشروع قارب ماجان»، وشهدت الجلسة التي أدارها عمار البنا، أمين متحف معاون في متحف زايد الوطني، وشارك فيها موزة مطر سيف، مدير إدارة أمناء المتحف وإدارة المقتنيات بالإنابة، والنوخذة مروان المرزوقي، والباحثة في المتحف عائشة المنصوري، تسليط الضوء على الإرث البحري الإماراتي وأهمية قارب ماجان كرمز يعكس براعة الأجداد في الملاحة وبناء السفن.
تأتي هذه الجلسة التي جاءت بالتعاون مع مجالس أبوظبي في مكتب شؤون المواطنين والمجتمع، ضمن الجهود المستمرة للحفاظ على التراث الوطني وتعزيز التفاعل المجتمعي، وقدم المشاركون رؤى مميزة حول أهمية التراث البحري الإماراتي ودوره في تشكيل الهوية الوطنية، كما سلطوا الضوء على مشروع قارب ماجان، الذي يُعد رمزاً لإحياء تقنيات بناء القوارب التقليدية التي ارتبطت بتاريخ الملاحة في منطقة الخليج العربي منذ العصر البرونزي.
إحياء التراث البحري
تناولت الجلسة أبرز المحاور المتعلقة بالملاحة البحرية القديمة، من بينها أهمية مشروع قارب ماجان، المستوحى من قوارب العصر البرونزي التي أبحرت في مياه الخليج العربي، والدروس المستفادة من تقنيات بنائه، ودوره في تعزيز المعرفة بالتاريخ الإماراتي. ويأتي المشروع ثمرة تعاون بين متحف زايد الوطني، وجامعتي زايد ونيويورك أبوظبي، في إطار الحفاظ على التراث الوطني وإثراء البحث العلمي.
تجربة حية
أشارت موزة مطر سيف، مدير إدارة أمناء المتحف وإدارة المقتنيات بالإنابة، إلى أن قارب ماجان ليس مجرد نموذج بحري، بل تجربة حية تربط الأجيال الجديدة بجذورهم التراثية، مؤكدة على الجهود المتواصلة التي يقوم بها متحف زايد الوطني في حفظ وصون الموروث.
وتحدثت عائشة المنصوري، الباحثة في متحف زايد الوطني، عن تجربتها منذ أن كانت طالبة تدرس في جامعة زايد، موضحة أن المشروع لم يكن سهلاً، ومرَّ بمراحل صعبة، إلا أن الطموح من أجل بلوغ الغاية المهمة كان له أثر كبير في إنجازه، وأنها اكتسبت خبرات واسعة من المشاركة فيه.
فيما أكد النوخذة مروان المرزوقي أن الجهود والتحديات في إكمال المشروع استمرت 16 شهراً، وكان من بين أهم التحديات الأدوات التقليدية المستخدمة في بناء القارب، مضيفاً أن المشروع يهدف إلى تسليط الضوء على تقنيات بناء القوارب التقليدية، ودورها في التبادل الثقافي والتجاري مع الحضارات القديمة.
فيما أشار مقدم الجلسة عمار البنا، أمين متحف معاون في متحف زايد الوطني، إلى أنها ستكون منطلقاً لسلسلة نقاشات تُقام في مجالس مجتمعية في أبوظبي والعين والظفرة، لتعزيز التفاعل مع المجتمع، وربط الأجيال بالهوية الوطنية.
مشروع أثري
يُعد قارب ماجان مشروعاً أثرياً استوحي تصميمه من تقنيات بناء السفن القديمة التي تعود إلى 2100 قبل الميلاد، ويبلغ طول القارب 18 متراً، وقد أبحر بنجاح قرب سواحل أبوظبي، قاطعاً 50 ميلاً بحرياً بسرعة 5.6 عُقد، باستخدام شراع مصنوع من شعر الماعز، وقد تم بناؤه بمواد تقليدية، مثل القصب المحلي وحِبال من ألياف النخيل، وغُلّف بمادة القار التقليدية المكتشفة في جزيرة أم النار، وكان المشروع قد أطلقه متحف زايد الوطني عام 2021، بالتعاون مع جامعتي زايد ونيويورك أبوظبي، بهدف الحفاظ على التراث البحري وفهم أنماط حياة سكان المنطقة القدامى، وشارك فيه متخصصون وطلبة جامعيون، مما عزز الخبرات البحثية والتفاعل العملي مع التراث الإماراتي.