لبنان يعيش بين فرضيات الحرب واللاحرب...النزف الداخلي متواصل
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
مسكين هذا اللبنان، الذي تتقاذفه الشائعات المخلوطة ببعض المعلومات المتراوحة بين ما هو جدّي وبين ما يدخل في متاهة التحليلات والتنظريات، التي ترجّح احتمالات عزم اسرائيل على شن حرب واسعة على لبنان. ويتحدث البعض أن الاجتياح البري، في حال حصوله، لن يكون من المحور الجنوبي التقليدي، بل ستكون انطلاقته من الجولان المحتل في اتجاه البقاع.
وهنا يقول أصحاب نظرية ترجيح الحرب على ما عداها من خيارات إن رئيس حكومة العدو، الذي قطع زيارته الأميركية ليكون قريبًا من التطورات الحاصلة في أكثر من محور، لم يقتنع بما قُدم إليه من حجج أميركية بعدم جدوى حربيه في غزة ولبنان، وهو على العكس ازداد قناعة بمواصلة حربه المزدوجة، في ضوء ما تلقاه من تأكيدات من القيادة العسكرية بأن الجيش قد أصبح جاهزا لشن حرب واسعة انطلاقا من الشمال الاسرائيلي في اتجاه لبنان، خصوصا أنه لم يلمس ردة فعل أميركية ايجابية حيال ما حاول اقناع الأميركيين به، وهو أن اسرائيل تحارب إيران، من خلال أذرعها الحوثيين في اليمن، وحركة "حماس" في قطاع غزة، و"حزب الله" في لبنان، نيابة عن الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية.
ويستند الذين يرجّحون فرضية الحرب على أن قرار وقف النار في غزة وعدم شن هجوم واسع ضد لبنان لم يعد في يد واشنطن، التي كادت "تغسل" يديها من الدم الفلسطيني واللبناني، الذي يراق يومًيا على أيدي الإسرائيليين. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن ادارة الرئيس بايدن قادرة عمليا على وقف تزويد تل ابيب بالأسلحة، التي تسمح لها بمواصلة حروبها التدميرية والتهجيرية.
وعلى رغم نفي مسؤوليته عن حادثة عين شمس فقد صوّبت أصابع الاتهام الإسرائيلية في اتجاه "حزب الله"، ناقلة عن الجيش الاسرائيلي أن "الحزب "هو من أطلق الصاروخ من منطقة شبعا وليس أي مجموعة أخرى، وهو يعتقد أن "المقاومة الإسلامية" عندما تطلق الصواريخ نادرا ما تخطئ، وهي تعرف كيف تطلق صواريخها بعد أن تحدّد أهدافها بدقة. وقد تكون حادثة عين شمس ردّا على المجازر التي تُرتكبها إسرائيل في القطاع.
وفي اعتقاد مرجّحي فرضية الحرب أن تل أبيب ستأخذ هذه الحادثة ذريعة إضافية لشنّ حربها الشاملة على لبنان، التي باتت على قاب قوسين أو أدنى، خصوصًا أن ما سمعه نتانياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، وفق بعض التحليلات، ومن المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالأخص، هو دعم مطلق لإسرائيل، سياسي، اقتصادي وعسكري وضوء أخضر في رفح، وفي اليوم التالي في غزة، وفي لبنان، ولاحقًا في الضفة الغربية. وهي أمور تشي باستمرار الحرب في اتجاهات مختلفة في المنطقة، وبارتفاع منسوب العنف الهائل في الأيام المقبلة، خاصة ضد لبنان.!
أما الرأي الآخر فيميل إلى فرضية استبعاد قدرة اسرائيل على مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، سواء في القطاع المقطعة أوصاله، أو في جنوب لبنان النازف. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنه وبغض النظر عن حقيقة ما حصل في عين شمس، فإن الردّ الإسرائيلي سيكون ّفي "الزمان والمكان المناسبين"، وسيكون على الأرجح عنيفًا، ولكن هذا لا يعني أنه مستعد بما فيه الكفاية للقيام بأي مغامرة مزدوجة في رفح وفي لبنان.
وفي معلومات متناقضة يستند هؤلاء إلى أن نتنياهو سمع كلامًا من إدارة بايدن لم تعجبه كثيرًا لجهة عدم إعطائه ضوءًا أخضر لاجتياح رفح، ومن ثم لبنان، سواء من خلال بوابته الجنوبية أو من بوابته البقاعية. ومن دون هذا الضوء الأميركي فإن حكومة الحرب الإسرائيلية عاجزة عن القيام بأي مغامرة في لبنان لأنها تدرك أن هذه الحرب لن تكون مجرد نزهة، بل ستكون باهظة جدًّا بالنسبة إلى القوات المهاجمة أو في الداخل الإسرائيلي، الذي سيُمطر بالصواريخ البعيدة المدى والدقيقة الأهداف.
فبين ترجيحات أولئك وتحليلات هؤلاء يبقى لبنان لا معلقًا ولا مطلقًا، في الوقت الذي يشهد جنوبه حربًا تدميرية حقيقة بكل المقاييس.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی لبنان
إقرأ أيضاً:
ركام الحرب معضلة تربك لبنان
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كان أحمد مهدي يعيش في نصف منزل، فقد أدت غارة جوية إسرائيلية على المبنى المجاور لمنزله في أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، إلى تدمير المطبخ وغرفة المعيشة في شقته الواقعة بالطابق الخامس.
الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا
وعندما ينظر مهدي إلى ما تبقى من المبنى المجاور، يذهله حجم الدمار. ويقول لأرين بيكر من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه : "لقد انهار 11 طابقاً، كل ما ترينه هو الصخور والأوساخ والفولاذ وقطع الحديد".
ومثل الكثير من اللبنانيين، الذين تعرضت منازلهم وأعمالهم لأضرار خلال أكثر من عام من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، فإن مهدي (20 عاماً)، وعائلته حريصون على بدء الإصلاحات، لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير قبل إزالة الأنقاض. وقال: "هذه هي مشكلتنا الكبرى: أين نضع الأنقاض؟"
وبينما يبدأ لبنان عملية إعادة البناء البطيئة بعد وقف هش للنار بين حزب الله وإسرائيل، فإنه يكافح من أجل معرفة كيفية تنظيف الكميات الهائلة من الأنقاض المنتشرة حول العاصمة بيروت.
وقال تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، إن التقدير الأولي للأضرار، أظهر أن نحو 3000 مبنى في منطقة الضاحية جنوب المدينة، قد دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة أو تضررت بشكل كبير.
Israel eliminated Hassan Khalil Yassin, who replaced Hassan Nasrallah hours ago.
This breaks the shortest tenure as 'caliph' in the tenure in the 1400 history of Islam.
The whole Hezbollah chain of command are now a bunch of people that a week ago were not important enough to… pic.twitter.com/blOMExc71Q
وقُتل أكثر من 3700 شخص في لبنان خلال الحرب، التي اندلعت عندما بدأ حزب الله إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية بعد الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وأدى الصراع إلى نزوح نحو 1.3 مليون شخص. وفي لبنان، ألحق أضراراً بمليارات الدولارات من الاقتصاد، ودمر أجزاءً كبيرة من جنوب لبنان قرب الحدود مع إسرائيل، فضلاً عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في جنوب بيروت حيث يسيطر حزب الله.
وقالت تمارا الزين، التي أعدت التقرير، إن التقارير الأولية أظهرت أن الهجمات الإسرائيلية على المباني والمنازل والمصانع والطرق وغيرها من البنية التحتية في أنحاء البلاد، قد أسفرت عن نحو 350 مليون قدم مكعب من الركام. ولا يمكن أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بشكل كبير إلا بعد تنظيف كل ذلك.
وفي غزة، حيث تخوض إسرائيل حرباً للقضاء على نشطاء حماس، تعرض ما يقرب من 60% من المباني لأضرار أو دمرت في القطاع المحاصر. كما أدت هجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل، إلى تدمير أو إتلاف المنازل في المجتمعات الحدودية، وتسببت بحرائق في الأراضي الزراعية.
مكبات النفاياتوأفاد أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت عصام سرور، إن مكبات النفايات في لبنان تكافح فعلاً للتعامل مع نفايات البناء الخطرة في كثير من الأحيان. وقال إن الكثير منها يتم التخلص منه في الطبيعة.
وفي عام 2006، بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، تم إلقاء الحطام من المناطق التي تعرضت لقصف شديد جنوب بيروت، والتي تضمنت ذخائر غير منفجرة، والأسبستوس، والمفروشات الاصطناعية، والأجهزة الإلكترونية المحطمة والنفايات العضوية، على طول الشاطئ بالقرب من المطار، كما يقول خبراء البيئة.
Lebanon Faces a Colossal Disposal Task: Clearing War Debris https://t.co/YnrbqrQf9w
— Rachel Gemayel (@RachelGraciano) January 28, 2025ويضيفون إن ذلك تطور إلى مكب دائم للنفايات، من دون حواجز كافية لحماية البيئة البحرية من المواد الكيميائية السامة المتسربة من الحطام. وباتت المنطقة المعروفة باسم كوستا برافا، مرادفاً للكارثة البيئية في لبنان.
وقال سرور إن تأثير الصراع الأخير، يمكن أن يكون أكبر بكثير وأكثر ضرراً.
وعلى مدى العقد الماضي، شهد لبنان ارتفاعاً هائلاً في استخدام الألواح الشمسية وتخزين البطاريات، للتعويض عن الشبكة الكهربائية المتعثرة في البلاد. ويمكن أن يؤدي التخلص غير السليم من الألواح والبطاريات إلى تحلل الرصاص والزئبق والعناصر الخطرة الأخرى في البيئة.
وقال وزير البيئة ناصر ياسين، إن التعامل مع الأنقاض من المناطق المحيطة ببيروت، كان أكثر صعوبة بسبب حجمها الكبير، واحتمال وجود مواد خطرة، وعدم وجود مساحة على مسافة معقولة لنقلها بالشاحنات.
ورأى وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية، إن الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا.
لكن رئيس إحدى نقابات صيد الأسماك إدريس عتريس، حذر من تهديد الحياة البرية المهددة أصلاً بالإنقراض قائلاً :"هنا تضع السلاحف بيوضها. ولن نقبل بذلك".
وقالت النائبة اللبنانية نجاة عون صليبا، العضو في لجنة البيئة البرلمانية: "نحن في حاجة إلى التفكير بشكل مختلف في شأن الأنقاض...إنها ليست نفايات. إنها مورد".