بدا لبنان في الساعات الأخيرة تحت وطأة العدّ العكسي المحموم لضربة إسرائيلية ضد "حزب الله" باتت شبه حتمية من دون أي قدرة على تقدير حجمها ومدتها وموقعها سلفاً، ولا على اطلاق أي تطمينات سابقة بأنها لن تؤدي إلى إشعال حرب واسعة.
فمن زاوية المشهد اللبناني السائد بعد اكثر من 24 ساعة على سقوط صاروخ في ملعب رياضي في قرية مجدل شمس في الجولان، لم يكن ممكناً تجاوز بلوغ المخاوف ذروة غير مسبوقة من حرب شاملة تجتاح لبنان وتدمّره في أسوأ ظروفه وأزماته وأحواله، وذلك للمرة الأولى بهذه الجدية منذ اندلاع المواجهات بين "حزب الله" وإسرائيل في 8 تشرين الأول من العام الماضي.


وأُعلن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجرى سلسلة إتصالات ديبلوماسية وسياسية، في اطار متابعة الاوضاع الطارئة المستجدة والتهديدات الإسرائيلية المتكررة ضد لبنان. وشدد خلال الاتصالات على "أن الحل يبقى في التوصل الى وقف شامل لاطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار الدولي الرقم 1701، للتخلص من دورة العنف التي لا جدوى منها وعدم الانجرار الى التصعيد الذي يزيد الاوضاع تعقيداً ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه".

كما جدد التشديد على موقف الحكومة بإدانة كل أشكال العنف ضد المدنيين، وأن وقفاً مستداماً لاطلاق النار على كل الجبهات هو الحل الوحيد الممكن لمنع حدوث مزيد من الخسائر البشرية، ولتجنب المزيد من تفاقم الاوضاع ميدانيا". وأكد "أن الموقف اللبناني يلقى تفهماً لدى جميع اصدقاء لبنان، وأن الاتصالات مستمرة في أكثر من اتجاه دولي وأوروبي وعربي لحماية لبنان ودرء الاخطار عنه".
وكتبت" النهار": المخاوف تجاوزت كل الأطر اللبنانية حين بدا واضحاً أن تسعة اشهر من المواجهات أدت بالوضع الميداني على الجبهة الجنوبية اللبنانية مع شمال إسرائيل إلى وضع يُعتبر الأخطر اطلاقاً في التأهل لانفجار حرب كبيرة.فما سبق حادث سقوط الصاروخ الذي وُجّه الاتهام فيه إلى "حزب الله" بوقت قليل السبت الماضي، اتّسم أيضاً بخطورة استثنائية مع اسقاط إسرائيل مسيّرتين للحزب كانتا تتجهان نحو حقل كاريش الإسرائيلي للغاز، بما ينذر بإدخال القطاع النفطي في الحرب. ثم جاء حادث صاروخ مجدل شمس ليطلق عاصفة ضخمة من الالتباس حول ظروف سقوط الصاروخ والجهة التي تقف وراءه، إذ، بصرف النظر عن سيل التصريحات الإسرائيلية العسكرية والسياسية التي تؤكد أن "حزب الله" أطلقه من شبعا وأنه من نوع "فلق" الإيراني، مالت أحاديث وتقديرات بعض الخبراء إلى استبعاد "تورّط متعمد" لدى الحزب إذا ثبت أن الصاروخ أُطلق من موقع لديه وعدم استبعاد أن يكون "خطأ" حصل ويتصل بقصر المسافة بين هدف عسكري إسرائيلي استهدفه الصاروخ وقرية مجدل شمس.

مع ذلك، بدت الأوساط اللبنانية المعنية مساء أمس على خشية كبيرة من أن الساعات المقبلة قد تحمل نذر الرد الإسرائيلي على لبنان من دون أن تجزم بما إذا كان مرجحاً أن تكون عملية قوية، ولكن محدودة الحجم والمكان لتجنب جرّ "حزب الله" إلى رد كبير، كما شاعت الانطباعات بكثافة. إذ أن هذه الأوساط غلب عليها الحذر الكبير في التعامل مع طبيعة التهديدات الإسرائيلية كما مع بعض المواقف الدولية لا سيما منها الأميركية خشية أن تكون بمثابة تغطية لرد عنيف يُخشى الا تبقى مفاعيله محصورة ومحدودة.
وكتبت" الاخبار": كل الرسائل التي وصلت يمكن إيجازها بالآتي:
إسرائيل تملك حق الرد، وستردّ. وإذا وافق حزب الله مسبقاً على «بلع» الضربة وعدم الرد عليها، ستحاول واشنطن إقناع تل أبيب بأن يكون ردها «معقولاً». أما في حال رفض حزب الله، فإن أحداً لا يمكنه تقدير حجم الضربة الإسرائيلية ونوعيتها، وعندها سيكون حزب الله مسؤولاً أيضاً عما سيلي ذلك من أحداث، بما في ذلك اندلاع مواجهة واسعة. وعندها سينتقل النقاش إلى مجمل جبهة لبنان، لكن بمعزل عما يدور في غزة.
معظم الوسطاء لم يكونوا بحاجة إلى انتظار جواب حزب الله، إذ يعرفون ثابتة حاسمة، وهي أن جبهة لبنان لن تتوقف طالما الحرب قائمة على غزة. وهم، أيضاً، سمعوا أو عرفوا أو قيل لهم، إن أي ضربة إسرائيلية ستستدعي رداً من المقاومة، وأن أحداً لا يمكنه تقدير شكل الرد ونوعيته وطبيعته وحجمه، وهو ما يعزز مخاوف غربية من أن يكون ردّ المقاومة على أي عدوان إسرائيلي قاسياً بما يستدعي رداً إسرائيلياً، فردود متبادلة، ما يجعل خطر الحرب الواسعة قائماً.
إذا كان العدو يعتقد بأنه قادر على استدراج المقاومة إلى مواجهة محكومة بسقف يفتح الباب أمام ضغوط لوقف جبهة الإسناد من لبنان، فهو يتكل، هنا، ليس على التهويل الأميركي والغربي على اللبنانيين، بل هو على ما أكثر خطورة، إذ عكست تصرفات قادة العدو بعد حادثة مجدل شمس، سعيه المستمر لخلق فتن متنوّعة في ساحات أعدائه، وهو، كما يعمل من دون توقف لإثارة فتنة فلسطينية - فلسطينية في وجه المقاومة في غزة، يبذل أيضاً جهوداً جبارة لفتح نار فتنة في وجه حزب الله في لبنان وسوريا، ولنقل اهتمام العالم بعيداً عن مسرح الجريمة المستمرة في قطاع غزة. وهذه الفتنة ليست تحليلاً عند هذه الجهة أو تلك، بل وقائع لها ما يسندها من أدلة. ولعل الموقف الذي يتمسك به وليد جنبلاط منذ اندلاع الحرب مؤشر إلى طبيعة الجهود التي يبذلها العدو، والتي تلمّس جنبلاط بعض ملامحها في أمور كثيرة.
ورغم أن جميع اللاعبين يكررون أن الحرب الواسعة ليست هدفاً لأحد، إلا أن إسرائيل التي تعرف المقاومة جيداً باتت تجهّز نفسها لردّ على أي عدوان تقوم به. وهي تعتقد أن الأمر قد يتحول إلى أيام قتالية، يحصل خلالها تراشق بين الطرفين إلى أن يقرر أحدهما التنازل. في هذه الحالة، فإن السؤال المطروح على الجميع، خصوصاً على العدو: من قال إن الأيام القتالية هي خيار حزب الله؟ ومن قال إن الحزب سيلتزم بقواعد إسرائيل الجديدة للقتال؟ والأهم، هل إسرائيل في حالة جهوزية واستعداد للدخول في حرب واسعة لا تحكمها سقوف ولا ضوابط ولا قواعد؟
وذكرت «الأخبار» أن عدداً من الدول الغربية، في مقدمها الولايات المتحدة، بعثت بأكثر من رسالة إلى لبنان تؤكد فيها أن «الضربة الإسرائيلية على لبنان محسومة وقد اتخذ القرار بها، لكن العمل جارٍ على أن تكون محدودة في الحجم والمكان وتجنّب المدن الكبيرة حيث الاكتظاظ السكاني والمدنيون بما فيها بيروت، والاكتفاء بضرب أهداف عسكرية». وكشفت مصادر مطّلعة أن الرسائل وصلت إلى كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، فضلاً عن نائب رئيس المجلس إلياس بوصعب. والأخير تواصل مع المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين الذي يسعى الى الحصول على التزام من قبل حزب الله بعدم الرد على أي ضربة كي لا تتدحرج الأمور نحو الأسوأ.
وبحسب المصادر نفسها، فإن حزب الله لم يقدّم أيّ تعهدات، وأكد «أن رد المقاومة سيظل مرتبطاً بطبيعة أي عدوان وحجمه»، وهو الموقف الذي تبلغته أطراف غربية أخرى غير الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد انضمام دول عدة الى حفلة التهويل الإسرائيلية، وفي مقدمها فرنسا التي دعت مواطنيها الى تجنب السفر إلى لبنان وإسرائيل، كما دعت إلى تجنب أيّ تصعيد عسكري بعد هجوم مجدل شمس. بدورها، أصدرت وزارة الخارجية النروجية بياناً حضّت فيه مواطنيها على مغادرة لبنان.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله مجدل شمس

إقرأ أيضاً:

حزب الله يهاجم منطقة شمال إسرائيل رداً على مجزرة فرون جنوب لبنان

حزب الله يهاجم منطقة شمال إسرائيل رداً على مجزرة فرون جنوب لبنان

مقالات مشابهة

  • النائب الحاج حسن: إسناد المقاومة لغزة دفاع استباقي عن لبنان
  • بعد قصف حزب الله ..الجيش الإسرائيلي يعلن الرد و يشن ضربات عنيفة في جنوب لبنان
  • حزب الله يهاجم منطقة شمال إسرائيل رداً على مجزرة فرون جنوب لبنان
  • لبنان يردّ على الرسالة الإسرائيلية بشأن القرار 1701 واسرائيل ترفض ربط الجنوب بهدنة غزة
  • عبدالله بن زايد ووزير خارجية المملكة المتحدة يدعوان لخفض التصعيد في المنطقة
  • حزب الله: المقاومة فرضت معادلة الردع على العدو وهي ماضية في تحمّل مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية والإسلامية
  • لماذا يوصف وادي البقاع اللبناني بـ خزان المقاومة وما دوره في التصعيد الحالي؟
  • «حزب الله» يستهدف ثكنة زبدين الإسرائيلية جنوبي لبنان بالأسلحة ‏الصاروخية
  • حزب الله يرد على استهداف جنوب لبنان بقصف المطلة ورويسة القرن بالصواريخ
  • الأردن يرفض إرسال جنود ضمن قوة دولية لقطاع غزة