في الميديا وبعيداً عن الميدان.. لماذا يختفي حميدتي؟
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
قبل أيام نشرت حسابات تابعة لمليشيا الدعم السريع، وبعض القنوات الإخبارية، فيديو قصير – أقل من دقيقة تقريبًا – يظهر قائد التمرد محمد حمدان دقلو محاطاً ببعض جنوده، في تقاطع شارع الجمهورية مع القصر، بوصفه ظهوراً جديداً، ولم يتضمن الفيديو أي حديث مباشر لحميدتي، ليتضح لاحقاً أن المقطع المصوّر قديم، ويعود إلى بداية التمرد في أبريل 2023، وقد أثار ذلك العديد من الأسئلة المهمة، لماذا يريد الدعم السريع إثبات فرضية أن قائدهم حي يرزق، ويدير المعارك الميدانية بنفسه؟
شبح في الغرفة الإلكترونية
تعاني ميليشيا الدعم السريع من مأزق الشكوك المستمرة حول وجود حميدتي على قيد الحياة، أو على الأقل قدرته على الحركة الطبيعية وإدارة المعارك، وليس تلك الشكوك وسط خصومهم فحسب، ولكن بدأت تنمو حتى داخل صفوف قواتهم، وأحياناً يتم قمعها أو التغطية عليها بالأكاذيب، سيما وأن تلك القوات لم تتعود على حبس دقلو وراء الشبكات العنكبوتية، والحسابات الإسفيرية، بل كان دائماً قريباً منهم.
نشاط حسابات حميدتي في الميديا وغيابه عن الميدان بدا لافتاً، لدرجة أن الرجل تحول إلى محض شبح مقيم في غرف التدوين الإلكترونية، وكانت آخر تغريدة له رحب فيها بالدعوة الأمريكية للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار المقترحة في سويسرا 14 أغسطس 2024، وبالرغم من أن تلك الموافقة كانت متوقعة، إلا أن المسارعة بها قبل أن يجف حبر الدعوة كان أمراً مريباً بالفعل، يوحي بأن قائد المليشيا يتصرف بصورة لا إرادية، أو أن هنالك من يتحكم فيه، ويتولى الرد نيابه عنه.
وكان كاميرون هدسون الخبير الأمريكي في الشأن الأفريقي قد سخر من حميدتي قائلاً: “الرجل أضحى كذبه مفضوح” وأردف بأن شركة حميدتي الإعلامية كانت جاهزة برده علي الدعوة الأمريكية، فقامت بنشره فوراً بعد إعلان الدعوة.
وأضاف هيدسون “الحقيقة أن حميدتي مات سياسياً وأخلاقياً، فأضحت هذه التسجيلات التي تحاول ربطه بالأحداث لا قيمة لها”.
الحقيقة المفقودة
ثمة وجهة نظر آخرى لاختبار وجود حميدتي على قيد الحياة وقدرته على التواصل الجسدي مع الآخرين يطرحها الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، وتركز على عقد لقاء مباشر بين رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان وحميدتي وجهاً لوجه، ومن تفاصيل ذلك اللقاء المفترض نستطيع استخلاص الحقيقة المفقودة.
في سبتمبر 2023 اقترحت منظمة الإيغاد لقاءاً يجمع البرهان وحميدتي على طاولة واحدة في جيبوتي، وكانت الأنظار تترقب انعقاد ذلك اللقاء وسط حالة من الجدل حول إمكانية ظهور قائد المليشيا أمام البرهان عياناً، وقد فاقم ذلك الجدل خطاب الإيغاد، قبل ساعات من اللقاء المرتقب، حين أخطرت الحكومة السودانية باعتذار حميدتي عن حضور اجتماع جيبوتي، لأسباب وصفتها بالفنية، وأكدت للبرهان أن حميدتي غير جاهز للقاء، ليكتفي دقلو بجولة أفريقية محدودة، كان لافتاً فيها التقاط الصور الجامدة.
محاولات إظهار حميدتي عبر مقاطع فيديو قديمة دفعت الخبير في الشأن العسكري عمر أرباب للتعليق بأن هنالك ما استدعى ذلك الظهور أو الإظهار، ورجّح وجود أزمة في صفوف قوات الدعم السريع، وكتب أرباب معلقاً على إعادة نشر فيديو دقلو الآخير في صفحة الصحفي حافظ كبير قائلًا: “يبدو أن هنالك مشكلة في القوات تستوجب ظهور حميدتي في الميدان وليس مجرد الإثبات بأنه حي”، واعتبر أرباب ذلك مؤشر على أن الأمور داخل الدعم السريع تمضي للانحراف، أو ” الانبشاق” حد وصفه الساخر.
دفع مآلات الحرب
بات واضحاً أن الغرض من تسجيلات حميدتي وتدويناته الآخيرة، دون التركيز على وجوده المادي وتفاعله مع أنصاره، هو بقصد دفع الحرب إلى مآلات محددة سلفاً، وتجاهل المزاعم الأولى، والحفاظ على حضوره الدرامي في مسرح الأحداث، مهما يتطلب الأمر، ولذلك أصبح يطل على الشعب السوداني في فيديوهات وأحياناً تسجيلات لا تشبه شخصيته الحقيقية، ولا طريقته في الكلام، لكن هنالك من يعتقد بأن اللجنة الأمنية المعنية بتوفير الحماية لحميدتي تقوم بضرب سياج من السرية حول حياته، وتتخوف من تصفيته، نظراً للمجازر التي ترتكبها قواته، ويتحمل مسؤوليتها الجنائية، أو أن يتحدث الرجل بتلقائيته المعهودة فيميط الستار عن أسرار الحرب التي يتكتمون عليها، ولذلك يتم شحنة كما لو كان:روبوت” في طائرة إماراتية دون ضوضاء، ما بين أبوظبي وأديس أبابا ونيروبي، وهى عواصم داعمة للمليشيا، لكن بعض التسريبات تتحدث أيضاً عن خضوعه لعلاج طويل ومكثف بسبب إصابات متفاوته تعرّض لها في الأيام الأولى للحرب، جعلته شبه عاجز عن ممارسة حياته الطبيعية، أو أنه مصاب بمرض عضال لا يُرجى منه شفاء.
خلافات مكتومة
ليس بعيدًا عن ذلك المؤشر فهنالك خلافات مكتومة داخل صفوف قوات التمرد بسبب بعد حميدتي عن قواته، وهو الذي يجيد التعامل معهم، ما خلق حالة من الصراع بين حواضن التمرد، تحديداً الذين يتحكمون في العمل العسكري وصرف التعليمات، وظهر ذلك جلياً في التراشق الآخير بين جلحة من جهة والمستشار عمران عبد الله والجوفاني من جهة ثانية، وكذلك بين المرتزقة وما تبقى من العناصر القديمة في الدعم السريع، علاوة على الطريقة التي تم بها عزل المستشار السابق يوسف عزت من منصبه في سياق ذلك الصراع المحتدم.
وأشار عزت في تدوينة على منصة اكس إنه هو من طلب إعفاءه من منصبه بعد هيكلة العمل المدني والسياسي للقوات، ونقل مسؤولية إدارتها إلى عبد الرحيم دقلو، إلى جانب أسباب أخرى وعد بكشفها لاحقًا، وكشف عزت عن معلومات مثيرة عن هيكلة تمت بصورة سرية داخل الدعم السريع، قائلًا:”منذ شهر أبريل الماضي، وبعد ورشة عقدت في أوغندا، تمت هيكلة العمل المدني والسياسي ونقل مسؤولية إدارته، تحت مسمى مجلس التنسيق المدني لقوات الدعم السريع”. وتشير تلك التطورات إلى أن عبد الرحيم أصبح هو الرجل الأول في صفوف الدعم السريع، وذلك بالرغم من أنه شخصية خلافية وعصبية، والشاهد على ذلك ما نقل عنه من تهديده لعزت عبر الهاتف، وظهور نوعية من المستشارين تُعبّر عن توجهات سياسية جديدة للمليشيا.
توجيه الحرب اصطناعياً
هنالك أسباب عديدة جعلت السودانيين يتشككون في أن من يتحدث في تلك التسجيلات، ويظهر أحيانًا في مقاطع فيديو، ليس هو حميدتي في نسخته القديمة، على الأقل، وأن هنالك جهة ما تتلاعب به، وتقوم بتجميع المقاطع والصور عبر برامج الذكاء الاصطناعي لضمان استمرار الحرب، وإمداد الدعم السريع بالقوة المعنوية المطلوبة، لأن مجرد اقتناع الجنود بموت قائدهم سوف يدخلهم في حالة من الانهيار النفسي، ويجعلهم يتوقفون عن القتال، لعدم جدواه، ولذلك تجدهم دائماً يهدون “انتصاراتهم” لحميدتي، ويحاولون الحفاظ على صورته المعنوية، ويعتقدون بصحة كل ما يصدر باسمه، وهذا يدفع الجهات التي تدير الحرب في الخفاء أن تحافظ على الاعتقاد بأن الرجل على قيد الحياة ويقود المعارك بنفسه، حتى وإن لم يظهر في الميدان، أو في مقابلات تلفزيونية مباشرة، ولا يتجول في شوارع الخرطوم التي يزعم أنه يسيطر عليها.
التلاعب بعقول الناس
بعد نحو عام ونصف على الحرب، أصبح كثير من الناس يؤمنون بنظرية المؤامرة، وأنهم يتعاملون مع وقائع غامضة، وأن ما يتم عرضه يحتاج إلى إعادة فحص وقراءة، سيما وأن عدم وجود قيادة مركزية فاعلة يعزز من غياب الرجل، وهو على الأرجح السبب في تفلت تلك القوات وفشل هيئة العمليات في السيطرة عليها، لدرجة أنها أصبحت تسيء لعلاقاتهم الخارجية، إلى جانب موت أبرز قياداتهم الميدانية أمثال علي يعقوب وشيريا والبيشي، وحالات الاستسلام المستمرة في شندي، ومع ذلك لا يبدو أن الجهة المتحكمة في الدعم السريع تأبه لمصير حميدتي، إذ أن كل ما يهمها هو تحويل “الانتصارات” العسكرية إلى مكاسب عملية، تقفز بها إلى أهدافها مباشرة، ما يعني أن قائد التمرد بالنسبة لهم ليس أكثر من مخلب قط، أو بالأحرى رمزية لقيادة مركزية يتحكّمون فيها خلف الكواليس.
المحقق – عزمي عبد الرازق
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع أن هنالک
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع ترقص في احتفال على الجماجم والأشلاء
تحصد آلة القتل الفتاكة لمليشيا الدعم السريع أرواح الأبرياء من المدنيين والأهالي البسطاء في قرى ولاية النيل الأبيض بوسط السودان وتُسيل دماءَهم بالرصاص والقذائف المضادة للدروع التي يطلقها عليهم بصورة عشوائية جنودُ مليشيا الدعم السريع بلا رحمة وبلا تفريق بين كبار السنّ والنساء والأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
ويقول بيانٌ صادرٌ من وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء 18 فبراير/ شباط، إن 433 مدنيًا، بينهم أطفال رضّع لقوا مصرعهم في هجمات لمليشيا الدعم السريع على قرى بولاية النيل الأبيض، فيما وصفته (بأسلوب المليشيا المعتاد في الانتقام من المدنيين العزّل في القرى والبلدات الصغيرة).
بينما تحدث هذه المشاهد المأساوية الموغلة في القتامة والبشاعة والفظاعة والفظاظة والغلظة والقسوة، يبدو مشهد سوداني آخر نقيضًا لذاك المشهد المأساوي، تدور أحداثه على خشبة مسرح آخر خارج حدود الدولة السودانية المثخنة بجراح حرب ضروس، أوقعت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين والمفقودين، وملايين النازحين داخل السودان، ومثلهم من اللاجئين خارج السودان.
المشهد الآخر الذي تتزامن أحداثه مع تلك الأحداث الدرامية الدامية في ولاية النيل الأبيض، هو مشهد ثُلة من السياسيين وزعماء أحزاب سودانية في منافيهم الاختيارية خارج البلاد من الموالين لمليشيا الدعم السريع والمناصرين لها سياسيًا بزعامة (حمدوك)، وهم يرقصون داخل إحدى قاعات المؤتمرات الأنيقة في كينيا، وهم مبتهجون ويهتفون فرحين بشعارات وأهازيج تمجد قائد مليشيا الدعم السريع المعروف بحميدتي الذي ارتكبت قواته تلك المجازر البشعة، وتسببت في أسوأ حرب شهدها السودان في تاريخه الحديث، من أجل الوصول إلى السلطة.
إعلانيرقص هؤلاء ويتمايلون على أنغام وألحان وأغانٍ تنبعث من بين أركان القاعة الأنيقة فرحًا واحتفاءً بما يرونه إنجازًا تحقق تتويجًا لثلاثة وعشرين شهرًا من القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والتهجير القسري وتدمير البنى التحتية، التي ارتكبت بحق مواطنيهم وأهليهم بيد حليفهم العسكري؛ الدعم السريع.
إنه (الميثاق السياسي) المحتفى به والإنجاز الذي كان مهرُه عشراتِ آلاف الجماجم والأشلاء وأنهارًا من الدم المسفوح ظلمًا بغير حق، وأحزانًا متراكبة بعضها فوق بعض تئن بها صدور ذوي الضحايا من الثكالى والأرامل واليتامى والحرائر اللاتي فقدن أغلى ما يملكن على أيدي وحوش وذئاب في ثياب بشر أتوا كما قالوا كذبًا وزورًا من أجل جلب الديمقراطية والحكم المدني بزعمهم.
الميثاق السياسي المحتفى به والذي تأجلت مراسم التوقيع عليه، سيصبح أساسًا ومرجعية لتشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة التي عجزوا عن إزاحتها ونزع الشرعية عنها بقوة السلاح طوال أشهر الحرب، وهذا هو مبعث فرحهم وابتهاجه.
فبعد أن كان الهدف حكم السودان كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، انكمش هذا الهدف وتقلص ليصير مجرد حكومة افتراضية كل وزرائها خارج حدود السودان، حكومة (جوالة) بلا أرض وبلا جماهير، حكومة وزراؤها بلا أعباء حقيقية، أيديهم ملطخة بدماء الضحايا، ولا تستطيع أقدامهم أن تطأ أرض السودان خوفًا وخشية ورهبة من مصير معلوم.
حكومة موازية بلا مقاعد في المحافل الإقليمية والدولية ولا تحمل هوية ولا تاريخًا ولا ثقافة، حكومة مصنوعة وسياساتها معلّبة تخدم مصالح صانعيها ولا شأن لها بمصالح السودان وشعب السودان.
إنها متلازمة حبّ السلطة حتى وإن أتت على الجماجم والأشلاء وأنين الضحايا، لا يهم ما دامت أنها تأتي، حتى وإن جاءت محمولة على أكف أيادٍ أجنبية مردت وتمرّست على نشر الخراب والدمار والموت حيثما حلّت، فأصبح ذاك شغلها الشاغل ومهنتها التي تدفع في سبيل مزاولتها أموالًا طائلة كان يمكن أن توجّه نحو الإعمار والتنمية والبناء والازدهار، فتقوى بها صلات القربى وتوثّق عُرى الأخوّة وروابط حسن الجوار .
إعلانإن أكثر الأسئلة إلحاحًا وإلحافًا والتي تدور في أذهان السودانيين الذين تلاحقت عليهم الأرزاء، وتكالبت عليهم المصائب والمحن جراء هذه الحرب المصنوعة القادمة من وراء الحدود، ولا يجدون لها جوابًا، هي: لماذا كل ذلك؟ .. ولا جواب.
ما هي الجناية التي اقترفتها أيديهم في حق أولئك الذين يصدرون لهم الموت والدمار والخراب؟
هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل التسلية؟
هل من المعقول أن يكون كل ذلك من أجل (لا شيء)؟!
ولا جواب..
ولربما الفاعل نفسه لا يعرف الجواب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline