محمد كركوتي يكتب: مخرجات اقتصادية لـ «أولمبياد باريس»
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
قبل انطلاق «أولمبياد باريس 2024»، لا تتوقف الأسئلة حول العوائد الاقتصادية لهذا الحدث العالمي الكبير، الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية للمرة الثالثة في تاريخها.
وتبقى هذه الأسئلة تدور على الساحة لسنوات مقبلة. فالعوائد في الواقع لا تنتهي بختام الفعاليات التي يتنافس فيها أكثر من 10.500 رياضي، إنها ممتدة لسنوات مقبلة.
على سبيل المثال، تعزز اقتصاد بريطانيا من «أولمبياد لندن 2012» بـ 9.9 مليار جنيه إسترليني، لكن تقديرات مستقلة، قدرت مجمل ما حصلت عليه البلاد من فوائد مختلفة تصل إلى ما بين 18 و41 مليار جنيه بحلول عام 2020.
وهذا ما سيحصل أيضاً بالنسبة لـ «أولمبياد باريس» الحالية، حيث من المتوقع أن ترفد عوائدها الخزينة الفرنسية بنحو 11.1 مليار دولار أميركي.
وبالرغم من هذه المكاسب، وتلك التي ستظهر أيضاً في السنوات المقبلة، نتيجة عقود جديدة واستثمارات أجنبية، والمزيد من المبيعات ذات الصلة، إلا أن هناك جانباً سلبياً بالنسبة للعوائد الخاصة بمدينة باريس تحديداً، نتيجة تراجع كبير في عدد السياح الذين يزورنها عادة، لأسباب تتعلق بصعوبة التنقل والوصول إلى مناطق سياحية بعينها، خلال الفعاليات التي تدوم شهراً كاملاً. وهذا يعني أن إشغال الفنادق سيتراجع في شهر يعد من أكثر أشهر السنة استقطاباً للنزلاء. فبحسب التقديرات الرسمية سيهبط مستوى إشغال الغرف الفندقية بنسبة تزيد على 40%، التي أشارت أيضاً إلى أن عدد الزائرين خلال فترة الأولمبياد لباريس لن يزيد على 1.2 مليون شخص، بينما سجلت المدينة زواراً في شهر أغسطس من العام الماضي بلغ عددهم 4 ملايين زائر.
ورغم هذه المؤشرات السلبية في جانب محدد، إلا أن العوائد الاقتصادية للحدث، ستعزز العاصمة الفرنسية بمداخيل مالية كبيرة، ضمن النطاق الوطني الشامل. وفي كل الأحوال، ستساهم الأولمبياد بإضافة 0.3% إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة كبيرة، خصوصاً إذا ما أضفنا الفوائد التي تستمر لسنوات مقبلة عدة، والتي قد تبلغ 18 مليار دولار. ولا بد من الإشارة، إلى أن الارتفاع الكبير في حجم الإنفاق ليس منحصراً في القادمين من الخارج، بل من الفرنسيين أنفسهم الذين يحرصون على متابعة الألعاب بصورة مباشرة. إنه حدث يولد العوائد، على الرغم من الإنفاق الكبير أيضاً على التحضير له. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: كلام آخر محمد كركوتي
إقرأ أيضاً:
مخرجات التعليم المهني وبوصلة المستقبل
يتغير مشهد الطلب على المهارات في أسواق العمل العالمية نتيجة ثلاثة محركات رئيسية؛ أولها: سطوة التقانة؛ بما في ذلك ما يُحدثه الذكاء الاصطناعي من تغيرات في الأدوار والوظائف والمهام في أسواق العمل، ومزاحمة سوق الروبوتات للأدوار البشرية في قطاعات العمل والإنتاج والمساعدة الشخصية وأداء المهام الاعتيادية والتصنيعية، تشير التحليلات على سبيل المثال إلى توقع أن تحل الروبوتات محل ما يقرب من 20 مليون وظيفة تصنيع في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030، مع قدرتها في المقابل على خلق ما يقرب من 170 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030، وخاصة في المجالات المتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، وذلك بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. أما المحرك الثاني: فيتمثل في الانتقال من الأنماط التقليدية للإنتاج القائمة على استنزاف الثروة، والكم الهائل من الانبعاثات، ونموذج الاقتصادات القائمة على الهيدروكربونات، إلى نموذج جديد تقوده فكرة الاستدامة، ويدفع بالاقتصادات نحو التخضير، والبناء على المعرفة، وينشط الاستثمار في أنماط الطاقة المتجددة، شهد عام 2023 أعلى زيادة تاريخية في وظائف الطاقة المتجددة، حيث نمت الوظائف التي خلقها القطاع بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق له لتصل 16.2 مليون وظيفة، وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. أما المحرك الثالث: فيتصل بالطبيعة الديموغرافية للعالم؛ فما تشهده بعض الاقتصاديات من شيخوخة في السكان، وتراجع لمعدلات السكان في سن العمل، والحاجة إلى تكثيف المهارات في القطاعات الإنتاجية، والحاجة إلى جيل المهارات الرقمية يدفعها إلى فتح أسواقها للعمل والهجرة وتحسين جاذبية ظروف العمال، في مقابل تلك الدول التي تتمتع بشريحة عريضة من السكان في سن العمل، وتراكم للمهارات والتي بدأت بعضها تضع استراتيجيات وخططا لتهجير تلك القدرات والكفاءات إلى الدول ذات الاحتياج الأقصى.
بإيجاز؛ ما تعيشه أسواق العمل والإنتاج عالميًا اليوم هو صراعٌ في الطلب على المهارات، ويبدو أن الـ (5 – 10) سنوات القادمة ستكون معملًا عالميًا لإعادة تأهيل المهارات البشرية، وهو ما يمكن أن نسميه التحول المهاري الأكبر (The biggest skill shift) الذي تقوده المحركات الثلاثة التي أسلفنا ذكرها، وهو ما يدفع بالمجتمعات إلى مواكبة والتأقلم مع مهارات الثورة الصناعية الرابعة، والاستفادة القصوى من المُكن الحضارية والإنتاجية والاقتصادية التي تتيحها للبشرية بعدالة. في القراءة التي قدمها تقرير (مستقبل الوظائف 2025) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، قدم مثالًا بسيطًا عن حجم الحاجة إلى إعادة تأهيل المهارات للقوى العاملة عالميًا، «فإذا كانت القوى العاملة مثلًا 100 شخص، سيحتاج 59 منهم إلى التدريب بحلول عام 2030. بحيث سيكون 29 منهم يمكن رفع مهاراتهم في أدوارهم الحالية، ورفع مهارات 19 آخرين وإعادة نشرهم في أماكن أخرى داخل مؤسستهم. وفي المقابل من غير المرجح أن يتلقى 11 منهم إعادة التأهيل أو رفع المهارات اللازمة، مما يجعل آفاق توظيفهم معرضة للخطر بشكل متزايد». يضرب لنا هذا المثال المبسط طبيعة المشهد العالمي المتغير للمهارات، والكيفية التي يجب فيها من اللحظة الراهنة التفكير في سبل إعادة التمحور للمهارات، ليس فقط على مستوى القطاعات والمؤسسات ووسائط الإنتاج الاقتصادية، وإنما حتى على المستويات الوطنية بما في ذلك العاملين في القطاعات الحكومية.
على المستوى المحلي، يقود مستقبل التغير في المهارات خمسة عوامل رئيسية في تقديرنا: الأول؛ الطلب والاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة؛ وما يمكن أن يخلقه من فرص جديدة، وطلب على أشكال محددة من المهارات، أو طلب في تحويل مهارات قائمة. العامل الثاني؛ يتشكل في تغير أنماط العمل الحكومي، بما في ذلك التحول الرقمي للحكومة، والانتقال إلى نمط الحكومة التفاعلية والميدانية، وهو ما يتطلب مهارات نوعية بعينها تجسر هذا الانتقال وتسرعه. أما العامل الثالث؛ فهو أنماط الاقتصاد الجديد، وهنا نعني الكيفية التي يمكن من خلالها للمتعلمين والقوى العاملة أن تكتسب مهارات مرنة تكيفها للاندماج في الاقتصاد الجديد؛ هذا الاقتصاد الذي تقوده أنماط ريادة الأعمال، وريادة الأعمال الاجتماعية، والفرص التي يتيحها تنشيط أنماط العمل الحر، وكذلك الفرص الممكنة لاندماج هذه القوى العاملة في مشهد العمل العالمي عبر الحدود. العامل الرابع؛ الذي يقود التغير في مستقبل المهارات هو طبيعة المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تنفذ أو يعتزم تنفيذها، وكيف يمكن لمهارات القوى العاملة الوطنية أن تلبي احتياج تلك المشروعات في مختلف القطاعات، وليس ذلك فحسب بل تنتقل إلى أن تضيف ميزة تنافسية للأداء في تلك المشروعات عبر الابتكار وتخليق النماذج الإبداعية. العامل الخامس؛ هو إدراك التغير المطلوب والمُلِح في الأنماط التقليدية للتعليم، والضرورة التي يجب من خلالها أن تتحول ساحات التعلم إلى ساحات ممارسة وتطبيق تكسب مهارات التكيف والتدبير، وأن تتحول بها مناهجه ووسائله من أدوات لإكساب المعرفة إلى أدوات لتبسيط القدرات المتقدمة في التفكير والنقد والتحليل وإعادة البناء. هذه العوامل الخمسة تجعل من النظر إلى دور التعليم المهني محوريًا في مواكبة هذه المتغيرات، وذلك لثلاثة اعتبارات أساسية: أولها القيمة الاقتصادية لهذا النوع من أنواع التعليم، حيث تشير الأدلة التاريخية عبر العالم إلى تلك القيمة المضافة للاقتصادات والأفراد الذين انخرطوا في هذا الشكل من أشكال التعليم مقارنة بأقرانهم في أنماط التعليم الأكاديمي، الاعتبار الآخر هو قدرة هذا النوع من التعليم على تجسير المهارات بشكل أسرع وأكثر مرونة مقارنة بأنماط التعليم الأخرى. أما الاعتبار الثالث فيتثمل في سهولة الربط بين هذا الشكل من التعليم مؤسسيًا وهيكليًا بالقطاعات الإنتاجية بشكل مباشر. وسنتناول في الجزء التالي من هذه المقالة هذه الاعتبارات وكيفية إسقاطها في واقع سياسات التعليم المهني محليًا.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان