حالات العزلة.. كيف ألهمت المبدعين؟
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
الحالات الصعبة التي تعصف بالإنسان تجعله يرى نفسه، ويقترب من ذاته، مستغلاً تلك اللحظات بطريقة إيجابية رغم سلبيتها المؤذية للنفس، والطاقة التي تستنزف في حينها.. حالات من العزلة واليأس والحزن أثرت الفكر وأضافت للإنسانية ما قدمه أصحابها من أعمال سردية، ولمسات فنية، ومؤلفات أدبية لم تزل تسكن وجدان البشرية، والحياة.
إذا عُدنا إلى دفاتر التاريخ فسنلاحظ هناك الكثير من الأسماء التي نبشت في أحزانها ولحظاتها المؤلمة عن أسطورة الخلود، فمنهم فلاسفة وكتَّاب وفنانون وموسيقيون عالميون، مثل «بيتهوفن» و«موتسارت» و«فان جوخ»، وغيرهم الكثير من الشخصيات التي برزت أسماؤها، ولمعت مشاعرها تحت تأثير تلك اللحظات، والحالات المريرة.
العزلة أم الإبداع
وفي هذا السياق، قال الكاتب عبدالله محمد السبب: «تماماً، كما أنّ الحاجة أم الاختراع، فالعزلة أم الإبداع، لاسيما في مجال الكتابة بشتى أنواعها، فالمبدع الحقيقي هو الذي يتصالح مع غربته لصالح نفسيته المحطمة، ومع آلامه لصالح آماله، ويستثمر عزلته عن الناس بما يفجر طاقاته الإبداعية، فيقرأ كثيراً لينعكس أثر القراءة العميقة والمتنوعة تلك على قلمه بما يؤدي إلى مخرجات فكرية وأدبية وثقافية»، وذلك كما هي الحالة الأزمة التي مر بها العالم بأسره في أواخر عام 2019، واستفحل أمرها في المجتمع الدولي انطلاقاً من عام 2020، وهنا نتحدث عن جائحة «كورونا» التي انعكست إيجاباً على المشهد الإبداعي من خلال عشرات، بل مئات الإبداعات المتنوعة، (أشعار، قصص، روايات، مسرحيات، أفلام، مسلسلات، وفنون تشكيلية، وغيرها…).
روح الإيجابية
أضاف الكاتب سيف محمد المنصوري: كما تقول القاعدة «الإبداع خرج من رحم المعاناة»، فاستخلاص الاستنتاجات الإبداعية من الحالات السلبية يعود إلى المرء وما يشاهده من زاويته الخاصة الممتزجة بالإيجابية، رغم السوداوية المخيمة على المشهد بعض الشيء، فهذه الحالات تصبح قاتلة ما لم يتم استثمارها بطاقة مليئة بروح الإيجابية التي تحقق نموها المشروع والبنَّاء في الصالح الإنساني، وتبشر بأمل فكري يسعى للنهوض والتحقق مع الوقت، مبيناً: «حالات قاسية تمر أحياناً على الإنسان، ومن خلال هذه الحالات يستطيع أن يختبر مشاعره ويضعها تحت المجهر، ليرى شاعريته من كَثب، ومدى تألقها في الظروف الصعبة، وهناك الكثير من المشاعر التي تألقت وأينعت وبرزت نتيجة الظروف المحيطة بها، ولامست شغاف الحياة بما قدمته من إبداع استحوذ على قلوب ومشاعر الآخرين».
وأوضحت آمنة القحطاني، إعلامية وصحافية، أن هناك حالات مهمة تمر على الإنسان، وتساهم في إثارة العقل الباطن، مما يجعله يستمد طاقته الكامنة من دوافع تؤهله لأن يبدع ويقدم شيئاً مبتكراً، وإضافة نوعية مميزة، فبعض الحالات قد تشكل وعياً صريحاً، وتحفز قريحة الإبداع وتجعل ملكات الخيال حاضرة لدى الإنسان، وهذا ما يميز الشخصيات المبدعة والمُلهمة كونها تنظر إلى جل الظروف والتحديات، وتذهب بها بعيداً نحو الطريق اللامتناهي، مما يعطيها صوراً وأبعاداً مختلفة عن الشخصيات السطحية والعادية التي لا تستثمر تلك الحالات المحفزة لصالح أفكارها، لتظل في عزلة ما وراء العزلة، وفي يأس ما وراء اليأس، دون الخروج فيما وراء الحالات السلبية بإشراقة إبداعية تزيل العتمة، وتضيء النفس.
النبش في الذات
تابع الكاتب عبدالله السبب، قائلاً: إذن، بقدر ما للعزلة البشرية من آثار سلبية من خلال انقطاع الإنسان المأزوم عن المجتمع وعن مجريات الحياة، بقدر ما هي دافع للنبش في الذات البشرية، واستخلاص الدُرر الإبداعية الكامنة، موضحاً: لكن، هل ثمة من يتلقى تلك المخرجات الإبداعية، ويلتفت إليها بعين الرعاية والاهتمام لتثمر كتبا تضيف للمشهد الثقافي، وتعكس ازدهار الحركة الثقافية الإبداعية في بلد ما؟!
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: فان جوخ الثقافة الكتابة القصص الرواية
إقرأ أيضاً:
احتفاء بفوز مكتبة الإسكندرية بجائزة الشيخ زايد عن دعم الصناعات الإبداعية العربية
على هامش فعاليات الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، نظم مركز "أبو ظبي للغة العربية" ندوة ثقافية بعنوان "جائزة الشيخ زايد للكتاب ودعم الصناعات الإبداعية العربية" شارك فيها ممثلون عن مؤسسات فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وهم: الدكتورة الشيماء الدمرداش، المدير التنفيذي لمشروع "إعادة إحياء كتب التراث" بمكتبة الإسكندرية، والدكتور أحمد سعيد؛ المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للثقافة، والدكتورة فاطمة البودي؛ مؤسس دار العين للنشر، وأدار الندوة الإعلامي محمود شرف.
استهلت الدكتورة الشيماء الدمرداش حديثها مؤكدةً على أن مكتبة الإسكندرية حازت على جائزة الشيخ زايد عام ٢٠٢٢، تقديرًا لدورها البارز كصرح ثقافي متكامل ومركز لإشعاع الفكر والثقافة والعلوم.
وأضافت أن هذه الجائزة المرموقة تأتي لتؤكد مكانة المكتبة ورسالتها السامية في تعزيز التعددية والحوار والتآلف الإنساني، وكصرح ثقافي عالمي يسهم في إثراء المشهد المعرفي والثقافي على المستويين الإقليمي والعالمي.
ثم انتقلت الدمرداش بحديثها عن الجوائز ودورها المحوري في تحفيز الإبداع وتطوير المشهد الثقافي والفكري على المستويين الإقليمي والعالمي؛ فنوهت إلى أنه منذ القدم، كان التكريم والتقدير حافزًا أساسيًّا لدفع عجلة التقدم والإبداع في المجتمعات الإنسانية. وقد تجلى هذا المفهوم في القرآن الكريم من خلال فكرة "الفوز العظيم" والدرجات التي تمثل مراتب الجوائز، حيث يعد الفردوس الأعلى بمثابة "الجائزة الكبرى".
كما أشارت إلى أن فلسفة الجوائز تستند إلى مبدأ أساسي يتمثل في "إعمار الأرض وعمارها"، وهو المبدأ الذي يمثل جوهر الاستخلاف الإنساني في الأرض. فكل عمل يسهم في عمارة الأرض وتطويرها يستحق التقدير والتكريم، سواء كان هذا العمل في مجال العلوم، أم الفنون، أم الآداب، أو أي مجال آخر يخدم البشرية.
وعن أهمية جائزة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قالت الشيماء الدمرداش: إنها تبرز كنموذج مشرق للجوائز التي تسهم في دعم الإبداع وتطوير المشهد الثقافي؛ فهي تضع معايير عالية للأعمال المرشحة، حيث تشترط تحقيق درجة عالية من الأصالة والابتكار، وأن تمثل إضافة حقيقية للثقافة والمعرفة الإنسانية. هذه المعايير تدفع المبدعين والمفكرين إلى تقديم أفضل ما لديهم وتجاوز المألوف في سعيهم نحو التميز.
وأوضحت المدير التنفيذي لمشروع "إعادة إحياء كتب التراث" بمكتبة الإسكندرية أن تأثير الجوائز يتجاوز المكافآت المادية ليشمل جوانب معنوية وثقافية عديدة؛ فهي تسهم في: تشجيع روح المنافسة الإيجابية بين المبدعين والمفكرين، وتسليط الضوء على الإنجازات المتميزة وإبرازها للعالم، وخلق منصات للحوار الثقافي والفكري، وتعزيز التبادل المعرفي بين الثقافات المختلفة، بالإضافة إلى تحفيز الأجيال الجديدة على الإبداع والابتكار.
وأكدت الدكتورة الشيماء الدمرداش علي أنه المستوى الإقليمي، تلعب الجوائز دورًا مهمًّا في تعزيز الهُوية الثقافية وتطوير المشهد الإبداعي المحلي؛ فهي تسهم في اكتشاف المواهب وتشجيعها، كما تساعد في بناء جسور التواصل بين المبدعين في المنطقة وأقرانهم في العالم. أما على المستوى العالمي، فتسهم الجوائز في تعزيز التفاهم بين الثقافات وخلق حوار حضاري بناء؛ فالجوائز المرموقة مثل جائزة الشيخ زايد تجذب اهتمامًا عالميًّا، وتسلط الضوء على الإنجازات الثقافية والفكرية في المنطقة العربية؛ مما يسهم في تعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين الشرق والغرب.
واختتمت الدمرداش كلمتها بالتأكيد على أن استمرار وتطور منظومة الجوائز يعد ضرورة حيوية لدعم الإبداع وتحفيز التميز في مختلف المجالات؛ فمن خلال التقدير والتكريم، تستمر عجلة التقدم الحضاري في الدوران، محققة الغاية السامية المتمثلة في إعمار الأرض وتطويرها لصالح البشرية جمعاء.
فيما أعرب الدكتور أحمد سعيد عن سعادته واعتزازه بفوز بيت الحكمة بجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع النشر، وهو إنجاز يعكس الجهود التي بُذلت لتعزيز جسور التواصل الثقافي بين العالم العربي وبقية دول العالم، من خلال مشاريع مبتكرة تهدف إلى تطوير المحتوى الإبداعي ودعم الكتاب والمبدعين.
وتحدث الدكتور أحمد سعيد عن أهمية الجائزة كمنصة رائدة تحتفي بالإبداع العربي وتدعم الصناعات الثقافية والنشر، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لهذا القطاع الحيوي. كما أكد على دور الابتكار والتكنولوجيا في تطوير مجال النشر وتوسيع نطاق التأثير الثقافي والاقتصادي.
واختتم سعيد كلمته مؤكدا علي ضرورة الالتزام بمواصلة العمل على تعزيز مكانة الكتاب العربي والنشر كجزء أساسي من الصناعات الإبداعية العالمية، داعياً الجميع إلى دعم المبادرات الثقافية التي تسهم في تعزيز الهوية الثقافية والحوار الحضاري.