الأرشيف والمكتبة الوطنية يحتفي بموروث «رحلة المقيظ»
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةبالتزامن مع منتصف موسم المقيظ، نظم الأرشيف والمكتبة الوطنية محاضرة بعنوان «المقيظ بين الجبال والرمال»، مستمدة معلوماتها من المقابلات التي أجراها قسم التاريخ الشفاهي مع كبار المواطنين، والتي سلطت الضوء على مرحلة مهمة في حياة الآباء والأجداد وتراثهم المستدام.
بدأت المحاضرة بالحديث عن اهتمام المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بالزراعة وما حققه على صعيد زراعة النخيل والمحاصيل المختلفة، في ترجمة حقيقية لمقولته الشهيرة «أعطوني زراعة أضمن لكم حضارة».
تباشير الرطب
وقد استعرضت المحاضرة، التي قدمتها الباحثتان مدية المحيربي، وهند الزحمي من قسم التاريخ الشفاهي في الأرشيف والمكتبة الوطنية، موسم المقيظ، وعادات الناس وتقاليدهم منذ توجههم إلى الواحات وأماكن المقيظ، وصولاً إلى منتصفه الذي يعرف بجمرة المقيظ، أو غرزة المقيظ، وحتى نهايته، مع ذكر حرص أبناء الإمارات على استدامة هذا التراث الذي يدعو للفخر.
وأشارت المحاضرة إلى أن موسم المقيظ يبدأ بتباشير الرطب أو الثريا وجني محصوله للمرة الأولى، موضحة أن السفر إلى مناطق المقيظ، كان على ظهور المطايا أو عبر سيارات الدفع الرباعي، حيث يتم التنقل إلى المناطق التي يكثر فيها النخيل، كما ينتقل سكان الجبال إلى مزارعهم في الوديان، مشيرة إلى أن أهالي أبوظبي كانوا يقيظون في منطقة العين ومنطقة الظفرة.
وفي منتصف موسم المقيظ يقوم الأهالي بخرف الرطب، ومن أنواعه: النغال، والأنوان، والخنيزي، والهلالي، والفرض، والخشكار، وعين البقر، وغيرها، أما اللولو فيبشر متأخراً، ومن فواكه القيظ الهمبا أو المانجو.
استدامة
وحثت المحاضرة على أهمية الاستدامة على نهج الآباء والأجداد، حيث إن القدامى كانوا يستفيدون من كل جزء من أجزاء النخلة، سواء في بناء العرشان أو الخيام، والأدوات المنزلية، والمنتجات الغذائية، وصناعة الحبال والقراقير من السعف والجريد لاستخدامها للصيد، وهذا دليل على استدامة الموارد البيئية، أما نهاية موسم المقيظ فكان الناس يقومون بتكنيز التمور «حفظها»، واستخراج دبس التمر وتجهيزه للشتاء لكي يعدوا منه الأطعمة التي تدوم معهم طوال السنة.
وأشادت المحاضرة بجهود الدولة وحرصها على الاحتفاء بالموروث من خلال الفعاليات والمبادرات، وأبرزها تسجيل ملف النخلة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، ومهرجان ليوا للرطب، والذيد للرطب، وبالدور الذي يؤديه الأرشيف والمكتبة الوطنية من أجل الحفاظ على الموروث واستدامته للأجيال المتعاقبة.
أكلات شعبية
عددت المحاضرة أهم الأكلات الشعبية التي يستخدم فيها الرطب والتمر، وأهم المنتجات المستخرجة من شجرة النخيل مثل الحيب وهو قلب النخلة ولُبها، والعطر، وعصير الرطب، والقهوة المصنوعة من نواة التمر، وغيرها.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأرشيف والمكتبة الوطنية زايد بن سلطان الإمارات الثقافة الزراعة الأرشیف والمکتبة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (20) للسيد القائد 1446
(المحاضرة الرمضانية العشرون )
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "
انها الليلة الثانية والعشرين من الشهر الفضيل وكالعادة تجمع الخمسة في منزل الدكتور احمد وبعد فراغهم من صلاة العشاء توجهوا لصالة المنزل ليتجهزوا لمشاهدة المحاضرة العشرين .
لم يطق حازم صبراً ليسألهم :هل ستكون محاضرة السيد عبدالملك الليلة استكمال لاحداث غزوة احد الكبرى .
التفت تجاهه الدكتور احمد ليرد عليه مبتسماً :
كالعادة يا حازم اقول لك لا تستعجل فالمحاضرة ستبدأ للتو وستعرف .
وبالفعل انطلقت محاضرة الليلة الرمضانية للتو :-
نستكمل في هذه المحاضرة الحديث عن غزوة بدرٍ الكبرى الحديث على ضوء بعض الآيات القرآنية المباركة، التي وردت عن هذه الغزوة، مع مراعاتنا للاختصار؛ لأن الحديث في القرآن الكريم عن غزوة بدرٍ واسع وتعتبر سورة الأنفال مدرسةً متكاملة في الدروس اللازمة فـي التحرك فـي الجهاد فـي سبـيـل الله "سُـبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وضد أعداء الله
{بِأَلْفٍ مِنََ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}، أدوار الملائكة هي أدوار متعددة، فـي مقدمتها ومن أهمها: الإسناد المعنوي، والتأثير المعنوي، والأهمية كبيرة جداً للروح المعنوية فـي القتال في سبيل الله تعالى، فـي الثبات فـي الميدان، فـي الإقدام باستبسال وشجاعة، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ الله إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
من الأشياء المهمة للأمة المؤمنة المجاهدة: أن تكون مستغيثةً بالله، ملتجئةً إلى الله، كثيرة الدعاء، والالتجاء، والاستغاثة... هذه مسألة مهمة، في الميدان في ميدان المواجهة في العمليات والتحرُّك لأداء المهام الجهادية، من المهم التركيز على الإكثار من ذكر الله، على الاستغاثة والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى
- يعلمنا السيد عبدالملك اهمية ان تكون الأمة المؤمنة المجاهدة: أن تكون مستغيثةً بالله، ملتجئةً إلى الله، كثيرة الدعاء، والالتجاء، والاستغاثة .. هكذا تحدث الدكتور احمد .
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مقامه العظيم، في مهمته الكبيرة، هو جديرٌ ويحظى بالتأكيد برعايةٍ من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أكثر من غيره؛ لأن مقامه عظيم، منزلته رفيعة عند الله، وفي نفس الوقت مهمته عظيمةٌ جداً... وغير ذلك، لكن القرآن الكريم يبيِّن لنا أن هذه الرعاية الإلهية ممتدةٌ للمؤمنين، ومتَّجهةٌ إليهم كمؤمنين، لِيُبيِّن لنا أن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لن يخذل عباده المؤمنين، ولا أوليائه المستجيبين له، الواثقين بوعوده التي قدَّمها لكل عباده المؤمنين في كل زمن في كل عصر
لم تكن [الوعود] منحصرةً بعصرٍ معيَّن، أو مرحلةٍ معينة؛ لأن الكل بحاجة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في أمسِّ الحاجة إلى معونته، إلى نصره، إلى تأييده على المستوى المعنوي، وعلى المستوى العملي.
- يوضح لنا السيد عبدالملك الرعاية الإلهية التي حظي بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وامتدت المؤمنين كما يبين لنا القرآن الكريم.. هكذا تحدث الدكتور نضال
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" جعل وعوده ورعايته مفتوحة لعباده المؤمنين لأن الكل بحاجة إلى الله، بل- مثلاً- نجد في هذا الزمن، وهذه المراحل التاريخية التي وصل فيها وضع الأعداء إلى إمكانات كبيرة جداً المؤمنون بحاجة مُلِحَّة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى معونة الله، إلى رعاية الله، إلى تأييد الله، إلى هداية الله وتوفيقه، إلى كل ما يدخل ضمن عنوان (رعايته الشاملة الواسعة)
الله سبحانه عندما وجَّه خطابه للمؤمنين فـي هذه الآيات المباركة؛ ليبيـن أنـه وعـدٌ مفتوحٌ للمؤمنين، وأنها رعاية موجَّهةٌ منه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" إلى عباده المؤمنين، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
- يقدم لنا السيد عبدالملك المعنى الروحي والمعرفي لرعاية الله الشاملة الواسعة وانعكاسها على كل المراحل التاريخية وحتى زماننا هذا .. هكذا تحدث الدكتور احمد
{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ الله سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
من الأشياء المهمة، ضمن هذا الدرس المهم في، إطار المهام الجهادية في سبيل الله تعالى، في إطار حركة الأمة المؤمنة لمواجهة أعداء الله، هو: التركيز على التقليل والتبسيط من مسألة النظرة إلى العدو، النظرة إلى العدو لها تأثير على المستوى النفسي في حركة الناس للتصدي للعدو.
العدو أحياناُ يَشُنّ الحرب النفسية، ومعه المرجفون والمنافقون، والذين في قلوبهم مرض والمهوِّلون، الذين يحاولون أيضاً أن يزرعوا في نفوس الناس اليأس من إمكانية مواجهة العدو، أو التصدي له؛ لـذلك من المهم كشف كل نقاط الضعف لدى العدو.
- يقدم لنا السيد عبدالملك درس مهم في هذه الجزئية عن الحرب النفسية المواجهة العسكرية من واقع غزوة بدر الكبرى . . هكذا تحدث الدكتور نضال
الصورة التي ترتسم في ذهنية الناس عن العدو، وعن إمكاناته... وفيها تهويل، وفيها إرجاف، وفيها محاولة لزرع اليأس في نفوس الناس، ينبغي أن تُحَطَّم كصورة ترتسم في ذهنية الناس، وأن يكون هناك ما يُرَكِّز في نفوس الناس، ويُرَسِّخ فـي أنفسهم وفـي تفكيرهم نقاط الضعف لدى العدو، الجوانب التي تُمثِّل إشكاليةً عليه، أحياناً قد يكون ما يخيف الناس به قد يمكن أن يتحول هو إلـى عبءٍ عليه.
حاملة الطائرات الأمريكية، الأمريكي يُخِيف بها الآخرين، أمكن في المواجهة مع اليمن أن تتحول إلى عبء على الأمريكي، وأن تكون في حالة تتحول وضعيتها في البحر إلى حالة خطر عليها، وعلى من عليها، وتتحول في وضعية ضعيفة، وضعية ضعيفة ومقلقة، ولهذا أعلن الأمريكي الآن أنه سيرسل حاملة طائرات أخرى؛ لأن تلك فشلت يعنـي، فشلت، وهي في وضعية ضعيفة هذا إعلان عن فشل: إرساله لحاملة طائرات أخرى إعلان عن فشل، ويشهد على فشل حاملة الطائرات تلك، وهو كان يكتفي أن يهدد بها دولاً كبرى في إمكاناتها المادية الضخمة، كالصين... وغيرها، والآن يشهد على نفسه بالفشل.
- يواصل السيد عبدالملك تعليمنا كيفية ان تكون النفسية في مواجهة العدو وبدل من تهويل امكاناته البحث في نقاط ضعفه وضرب لنا مثلا حاملة الطائرات الامريكية التي فشلت في مهمتها واصبحت عبء عليهم في اليمن . . هكذا تحدث الدكتور احمد.
فيما يتعلق أيضاً بمجريات المعركة، بدءاً من اصطفاف الجيشين، والتقاء الجيشين، يبيِّن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هذه المجريات، بقوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}[الأنفال:42]، كُلٌّ منهما تموضع في جهة:
المؤمنون والمسلمون: كان تموضعهم العسكري، وتمركزهم العسكري، في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى جهة المدينة.
وجيش المشركين: كان تمركزه وتموضعه في ضفة الوادي وجنبته الأقرب إلى مكة والأبعد عن المدينة.
وهناك كان هذا اللقاء في منطقة (بدر)، وهذا اللقاء كما يتبين لنا مما قد قرأناه من الآيات القرآنية، ويتبين للإنسان عندما يتلو القرآن الكريم، كيف كان تدبير الله فيه؛ لأنه بيّن أن إحقاق الحق وإبطال الباطل لابدَّ فيه من موقفٍ حاسم، لابدَّ من توجيه ضربة كبيرة للعدو، تساعد على تغيير الوضع بكله، وصناعة فارق في الظروف والواقع، وهذه مسألة مهمة، كما سبق لنا في الحديث عن الخيارات الأكثر تأثيراً على العدو وأهميتها، الحق واضح، لكن يحتاج إلى إحقاق؛ لابدَّ من الجهاد في سبيل الله لإحقاق الحق، لفرض هذا الحق.
- يواصل السيد عبدالملك رسم مشهدية غزوة بدر الكبرى وتموضع المسلمين وكفار قريش وكذا تدبير الله عز وجل لاحقاق الحق وابطال الباطل .
نجد- مثلاً- في ظروفنا في هذا العصر من الحق الواضح الجلي جداً، هو الحق في القضية الفلسطينية، شعب مظلوم، معتدىً عليه، أتى الأعداء اليهود الصهاينة ليحتلوا أرضه، ليغتصبوا ممتلكات هذا الشعب، ليقتلوا هذا الشعب في أرضه، في وطنه، في بلده، ليحتلوا، ويقتلوا، ويدمِّروا، وينهبوا، فالحق واضحٌ مع الشعب الفلسطيني، ومظلوميته واضحةٌ تماماً، لكن لم يكن ذلك كافياً أن الحق في هذه المسألة واضحٌ تماماً، لم يكن ذلك كافياً، الأمم المتحدة اتَّخذت قراراً بمصادرة أربعة أخماس فلسطين لليهود (أراضي عام ٤٨) ولم يكتفِ اليهود بذلك، يعني: لم تكن الأمم المتحدة مثلاًجهة مُنْصِفة، تُنْصِف الشعب الفلسطيني في حقه الواضح، ما يقال عنه: (المجتمع الدولي) لم يكن منصفاً للشعب الفلسطينة في حقه الواضح، في مظلوميته الواضحة، ولم يكن هناك من أحد إطلاقاً لينصف هذا الشعب، لا مجلس أمن، لا محاكم دولية... ولا غيرها، معنى ذلك: أنه لابدَّ من الجهاد في سبيل الله.
الحق الواضح كذلك في لبنان، الشعب اللبناني معتدىً عليه، ومظلوم، العدو الإسرائيلي يعتدي، ينتهك أجواءه، ينتهك السيادة، يحتل ويتمركز في مواقع داخل لبنان، يعتدي بالقصف، بالقتل... كل أشكال الاعتداءات، ومع ذلك ليس هناك إنصاف، لا من جهة أمريكا، ولا من جهة غيرها.
ما يعمله الأمريكي والإسرائيلي تجاه أمتنا عدوانٌ واضح، وظلمٌ واضح، ويقابله الحق الواضح لأمتنا في أنها مظلومة، وأنها مضطهدة، وأنها مستهدفة، ولها الحق أن تتحرك وتتصدى للعدو، إحقاق الحق وإبطال الباطل
- يقدم لنا السيد عبدالملك امثلة في الحق الواضح كحق الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني .. هكذا تحدث صلاح.
على كُلٍّ في مجريات المعركة يقول الله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[الأنفال:44]، كان هذا أيضاً من المحفزات للمعركة. عند اللقاء، وقبل الاشتباك، كُلٌّ منهما يرى الطرف الآخر قليلاً؛ مما يُشَجِّعه على المعركة، في إطار هذا التدبير الإلهي العجيب، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قديرٌ على ذلك، لكن بعد الاشتباك تغيرت الحالة: أصبح المشركون يرون المؤمنين كثيراً، مثلما قال: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، لكن هذا كان فيما يتعلق بقبل الاشتباك.
في بداية الأمر، قبل أن يبدأ الاشتباك الكامل بين الطرفين، في بداية المعركة خرج من صف المشركين ثلاثةٌ من أبطالهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، هؤلاء كانوا من أبطال المشركين، ومن قادتهم، عتبة- بنفسه- من كبارهم، من الشخصيات البارزة فيهم، الشخصيات المؤثِّرة فيهم، له مكانته الكبيرة في أوساطهم، خرج يتحدى ويدعو للمبارزة للقتال، هو وأخوه وابنه، في المقابل أخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمبارزته عليّاً عليه السلام، وحمزة، وعبيدة ابن الحارث ابن عبد المطلب، وبدأ القتال بين هؤلاء في ساحة المعركة، قبل أن يشتبك الجيشان.
وكان لهذا القتال، لهذه المواجهة وهذا الاشتباك، أهمية على سير المعركة في نتيجته؛ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" نصر المؤمنين (عليّاً عليه السلام، وحمزة، وعبيدة)، عبيدة استشهد، وقُتِل الذين خرجوا من المشركين بكلهم الثلاثة؛ بينما المؤمنين استشهد عبيدة، ولم يستشهد الإمام علي عليه السلام ولا حمزة، كانت هذه البداية مهمة .
- يعود بنا السيد عبدالملك لينقل لنا تفاصيل غزوة بدر الكبرى ... هكذا تحدث الدكتور احمد
كانت هذه البداية مهمة؛ لأنها بداية انتصار للمسلمين، ورفعاً لمعنوياتهم، وانعكس ذلك على الأعداء، قذف الله في قلوبهم الرعب، وقد وثَّق القرآن هذا الاشتباك بقول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج:19]، يُبَيِّن حتى ما هي القضية، قضية كٌلٍّ من الطرفين، قضية تعود إلى هذا المستوى من الأهمية:
قضية المؤمنين هي: إرساء المبادئ الإلهية في الأرض، التعليمات الإلهية في الأرض، إرساء قيم الحق والعدل في الأرض، وهذا أمرٌ مرتبطٌ بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تحرُّكهم على هذا الأساس بأمرٍ من الله، بتوجيهٍ من الله، بتعليماتٍ من الله.
أمَّا أعداء الحق فهم: موالون للطاغوت، يريدون أن يُثَبِّتوا سيطرة الطاغوت في الأرض بظلمه، وظلامه، وعدوانيته، وإجرامه، وفساده.
ثم كان أن التحم الجيشان، وبدأت المعركة، منذ بداية المعركة اشتدَّت المعركة باستبسال من الطرفين، ولكن أتت المتغيرات العجيبة مع الالتحام والاقتتال، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أعان المؤمنين؛ فقاتلوا ببسالة، هيأ لهم التنكيل بالكافرين، وكان مسار المعركة فيه مؤشرات النصر للمؤمنين واضحة، بالقتل الذريع، والتمكين بالقتل والجرح في الكافرين، وهذه الحالة التي عبَّر عنها القرآن: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}[آل عمران:13]، يرونهم وكأنهم يتكاثرون ويزدادون في المعركة، فثبت الله المؤمنين، ونكَّل بأعدائهم، وكثر القتل في أعدائهم.
وحينما حمي الوطيس، واشتدت المعركة، قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأخذ كفٍ من الحصى، ملأ كفه من الحصى ورمى به المشركين، وقال: ((شَاهَتِ الوُجُوه))، فاستحرَّ القتل والجرح فيهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب وهربوا.
في تلك الحالة كان المسلمون يقتلونهم، ويأسرون منهم، وتحقق الانتصار الكبير والعظيم والمفاجئ والذي كان على عكس كل التوقعات، ما لم يكن يتوقعه الكافرون، ولا يتوقعه أيضاً أكثر المسلمين، وقال الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ}[الأنفال:17-18]، تحقق الانتصار، وكان للصبر، وللجهود التي بذلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمؤمنون معه، هذه النتيجة العظيمة، عندما بذلوا جهدهم في الأخذ بأسباب النصر، وتحرَّكوا وقاموا بمسؤوليتهم، تحقق هذا الانتصار العظيم، الذي كان خارجاً عن الحسابات والتقديرات، قُتِلَ عددٌ مهمٌ من قادة الأعداء وأبطالهم، سبعين مقاتلاً، أُسِر منهم مثل ذلك العدد، انهزم البقية وفيهم الكثير من الجرحى الذين انهزموا، انهزموا، هزيمةً قبيحة، وهربوا مذعورين مفجوعين صوب مكة، ومصدومين مما لم يكونوا يتوقعونه من الهزيمة المُرَّة.
- لم استمع لشرح مفصل عن مجريات غزوة بدر الكبرى كما استمعت لها من السيد عبدالملك ... هكذا تحدث حازم
النتائج التي تحققت لهذا الانتصار كانت نتائج عظيمة ومهمة، كما قلنا: على ضوء التسمية القرآنية له بـ(يوم الفرقان)، أسَّس لمرحلة جديدة في واقع المسلمين، أصبح لهم هيبتهم وعِزُّهم، وكان له أهمية كبيرة في طمأنة الكثير من المترددين، والمضطربين، والقلقين؛ فاطمأنوا إلى مستقبل الإسلام، وأعزَّ الله المؤمنين بذلك النصر بعد أن كانوا مستضعفين جداً؛ ولهـذا يقول الله في القرآن: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123].
كان لهذا الانتصار أثره في التحاق آخرين بالجهاد في سبيل الله، وتشجعهم، من المسلمين أنفسهم، والبعض كذلك يلتحقون بالإسلام فَيُسْلِمون، فانطلق للجهاد أعدادٌ إضافية، بالمئات من المسلمين.
في هذه المعركة، كان لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام دورٌ بارزٌ جداً في المواجهة، وهذا مُثَبَّتٌ في كُتِبَ التاريخ والسِّيَّر، وكذلك لحمزة ابن عبد المطلب، وللأنصار أيضاً، الذين كانوا مستبسلين ومتفانين.
لأهمية غزوة بدرٍ الكبرى، وثَّقها الله مع دروس متكاملة ومهمة عن الجهاد في سبيل الله، وأهميته، وضرورته، وفضله، وعظمته، وما يترتب عليه من نتائج، وعن أسباب النصر (ما هي، وكيف هي)، وأسباب الهزيمة وما يتعلق بذلك، في (سورة الأنفال)، وهناك أيضاً حديثٌ عنها في (سورة الحج)، وفي (سورة آل عمران).
بشَّرت بغزوة بدرٍ الكبرى (سورة الروم) قبل أن تأتي بسنوات، بالانتصار نفسه، الانتصار الذي تحقق في غزوة بدر، كانت (سورة الروم) بشَّرت به قبل أن يأتي بسنوات: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:4-5]، تزامناً مع أحداث دولية وإقليمية.
ما بعد غزوة بدرٍ الكبرى استمرت الجولات العسكرية، بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقريش، وصولاً إلى فتح مكة، في السنة الثامنة، غزوة بدرٍ الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وكان فتحاً عظيماً، أزاح أكبر عقبة في الساحة العربية من العرب (قريش)، كان هم أكبر عائق، واستعاد مكة بقدسيتها وأهميتها، وأقبل الناس بعده إلى دين الله أفواجاً.
- يعدد لنا السيد عبدالملك النتائج المهمة للانتصار في غزوة بدر الكبرى ... هكذا تحدث الدكتور احمد
المسلمون في إزاء التحديات الخطيرة من قبل أعدائهم، وفي مقابل التَّعَنُّت والطغيان الأمريكي والإسرائيلي، لابدَّ لهم من الجهاد، لن يُشَكِّل حمايةً لهم من الاستعباد والذُّلّ، من هتك الأعراض واحتلال الأوطان ونهب الثروات، من الإذلال وطمس الهوية، من كل هذه المخاطر من قِبَل أعدائهم، إلَّا الجهاد في سبيل الله، وفق تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- انتهت المحاضرة وجميعهم تظهر على ملامحهم علامات الرضا والاعجاب . .