«سدايا» تدشن مراكز بيانات بقدرات عالية
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
البلاد ــ الرياض
دشّن رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي الدكتور عبدالله الغامدي أمس عدداً من مشاريع التوسعة للبنية التحتية التقنية، ومراكز البيانات بمدينة الرياض.
وأوضحت “سدايا” أن هذه المراكز تعد الأولى من نوعها في المملكة، وتتمتع بقدرة كهربائية تصل إلى 65 كيلوواط لكل كابينة، إضافة إلى تمتعها بأنظمة كهربائية وميكانيكية بكفاءة تشغيلية عالية.
وأضافت أن هذه المشاريع تهدف إلى زيادة السعة الاستيعابية لمراكز البيانات، ورفع كفاءتها التشغيلية، حيث ستتمكن من استضافة المشاريع التوسعية، ومبادرات الخدمات والأنظمة المختلفة، ما يضمن استمرارية استضافة الجهات الحكومية في مراكز البيانات التابعة لسدايا بفعالية وكفاءة أعلى.
يشار إلى أن هذه المشاريع جزء من إستراتيجية سدايا لتطوير واستحداث مراكز بيانات مستدامة، تم تصميمها وفق أفضل الممارسات والمعايير العالمية والمعتمدة من قبل معهد “UPTIME” الجهة العالمية المختصة في تقييم وتصنيف مراكز البيانات حول العالم، وبمعدل لفعالية استخدام الطاقة PUE منخفض، ومن شأنها استضافة مبادرات الهيئة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، والإسهام في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: مراکز البیانات
إقرأ أيضاً:
بين بارت والذكاء الاصطناعي.. رحلة النص من نبض القلب إلى نبض الآلة
حين أعلن رولان بارت عام 1967 أن «ولادة القارئ تُبنى على موت المؤلف»، لم يتخيّل أن قاتل الكاتب الحقيقي سيكون خوارزمية بلا قلب ولا ذاكرة. ما أراده بارت، في جوهره، لم يكن اغتيالا لفعل الكتابة، بل إزاحة مركز الثقل من المؤلف إلى القارئ، من السلطة إلى التلقي كما فهمناه من دراستنا للنقد البنيوي على مقاعد الدراسة. وبعد أكثر من نصف قرن، تُعاود أطروحة بارت الظهور في سياق مغاير تماما: لقد مات المؤلف مرة ثانية، لكن القاتل هذه المرة ليس النقد البنيوي، بل الذكاء الاصطناعي، الذي يكتب دون تجارب حياتية، ودون عذابات، وينتج نصوصا دون توقيع أو إمضاء.
***
كانت الكتابة على امتداد التاريخ محاطة بأثر إنساني لا يخطئه القارئ، بدءا من رعشة اليد إلى توتر اكتشاف المعنى ودهشته، ذلك الذي تسميه الناقدة الأمريكية كيثرين هايلز بـ«الحمض النووي للخبرة»؛ فهو ما يفصل بين رواية ودفتر إحصاءات، وبين قصيدة ووصفة طعام على حد تعبيرها. لكن خوارزميّات التوليد اللغوي تُنتج اليوم قصصا تكاد تكتمل فيها الحبكة، وتحكم الاستعارة وأساليب البلاغة الأخرى، من دون أن يجرحها قلق وجودي أو يُرهقها سؤال التجربة الإنسانية.. فهل يكفي الإتقان ليولد الأدب أم أن الأدب يولد من عذابات الإنسان وتجاربه وانكساراته؟
لكن المشكلة لا تبدو تقنية فقط، فحين يقرأ القارئ نصّا جميلا لا يعرف صاحبه، يتضاءل فضول نسبته إلى كاتبه ويعلو فضول الاستخدام: «أمتعني إذا هو جيّد»!. هنا نستعيد تحذير الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين من أن تَغلُّب التقنية على العمل الفني يُحوّل المتلقي من شريك في التجربة إلى مُستهلك سريع للسلعة. النصّ المولد قد يُشبع جوع السرد، لكنه يُفرغ الكتابة من دورها الأعمق: أن تكون انعكاسا للوجود لا ترفا لحظيا يولد دون معاناة.
وإذا وسعنا الدائرة النقدية من بارت وبنيامين إلى ميشيل فوكو، فإن صدى محاضراته «ما المؤلِّف؟» يعود إلينا اليوم مضاعفا: إذا كان دور المؤلف، عند فوكو، وظيفة خطابية تنظم النص وتضبطه، فإن الذكاء الاصطناعي يُجرد هذه الوظيفة من لحمها وذاكرتها تاركا جملة بلا «سلطة اسم».. نحن إذا أمام خوارزمية تكتب خارج التجربة الشخصية وخارج الصمت الفلسفي معا، فهل يكون المؤلف الأخير هو القادر على أن يزرع شقا إنسانيا في هذه اللغة المحسوبة؟
***
تتحدث الكثير من الصحف والمجلات والكثير من الجامعات أنها استعملت الذكاء الاصطناعي بطريقة أو بأخرى سواء في توليد النصوص أو في تحريرها أو في إعداد الملخصات البحثية. وتلقت جريدة عمان، على سبيل المثال، خلال الأشهر الماضية عشرات المقالات إن لم يزد، بدا واضحا أنها مولدة بالذكاء الاصطناعي دون أدنى تدخل أو تحرير بشري، ونشرت مجلة Clarkesworld بيانا يشرح كيف اضطرّت إلى إغلاق باب استلام النصوص السردية مؤقتا بعد أن تلقت 700 قصة مولدة بالذكاء الاصطناعي خلال 48 ساعة فقط. هذه الوقائع تُشير إلى أننا نُغادر زمن السؤال الفلسفي الذي يمكن البحث عنه في النصوص الإبداعية إلى زمن الإجراءات التي تجعلنا نطور أدواتنا للتحقق من نسبة النص، هل نفرض وسما «كتبَته خوارزمية» كما نوسِم الصور المُعدَّلة أم نُسلم، كما يقترح البعض بأن «المؤلّف الجديد هو شبكة بشرية ـ خوارزمية»؟
إنه تحوّل يخلخل وظيفة المحرر الثقافي كما يخلخل وظيفة المتلقي. لم يعد المحرر الذي يفرز الغثّ من السمين؛ بل بات، حارس الحدود بين البشر والذكاءات اللاعضوية. عليه أن يختبر النص لا بجمالياته وحدها، بل بحقيقة التجربة فيه: هل هذه تراكيب بشرية أم تراكيب ذكاء اصطناعي تخلو من الحياة؟ هل تتعثر الاستعارة لأن الذاكرة خانت الكاتب الحقيقي؟ هل نسمع تأوها خافتا خلف بناء سردي متماسك؟ تلك الهفوات قد تُصبح توقيع الكاتب الأخير.
***
غير أنّ ذعر «سرقة الحكاية» قد يحجب فرصة أخرى: لعل الذكاء الاصطناعي هو المرآة التي تُرينا سطحية كثير مما نُنشره بأيدينا. فالآلة تستطيع محاكاة البلاغة المألوفة، لكنها، حتى اللحظة على الأقل، تفشل في توليد النبرة الخاصة بكل مبدع التي معها لا يحتاج القارئ إلى كثير عناء ليعرف نسبة النص إلى كاتبه حتى لو توارى اسمه. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن النصوص عندما تتحول إلى نصوص نمطية متشابهة في الأسلوب وتغيب عنها النبرة الخاصة يزداد الطلب في الصحف والمجلات والملاحق الثقافية على الكتابة التي لا تُشبه إلا صاحبها. ما يعني أن التكنولوجيا التي تهمش المؤلف قد تعيدنا، بطريقة أو بأخرى، إلى الاحتفاء بالفرادة، بالأسلوب الذي لا يُشبه إلا نفسه. ولذلك يجادل بعض النقاد بأن المهنة الإبداعية المقبلة ليست إنتاج النص، بل منح النص قيمة الاختلاف، ونبرته الخاصة التي تشبه كاتبا محددا.
***
يبقى أن نسأل: هل نُسلم بنهاية المؤلّف لأن الآلة قادرة على تركيب الحكاية، أم لأننا ـ نحن القرّاء ـ استبدلنا اللذة الغامرة للدهشة بلذّة النقر السريع؟ إذا كان موت المؤلّف حدثا نقديا تسبب فيه البنيويون، فإن «نهاية المؤلّف» الآن حدث اجتماعي واقتصادي يشارك فيه الجميع: القارئ الذي يكتفي بالتلخيصات، والناشر الذي يطارد التكاليف الأقل، والجامعة التي تُقايض أصالة الفكرة بسرعة التخرج.
ومع ذلك، لا تزال هناك مسافة يقف عندها الذكاء الاصطناعي مدهوشا: تلك المنطقة الرمادية التي يسميها الروائي خوسيه ساراماجو «حيرة اليد قبل أن تجرؤ على النقطة الأخيرة»، فالآلة لا تعرف التردّد، ولا تشك في ضرورتها، ولا تعاني تناقض الرغبة والواجب ولا تقف حائرة بين الخوف والرجاء، وما دام هذا الصراع قائما في نفس الكاتب، سيبقى هناك نص ينتظر أن يُكتَب تحت بصيص ضوء، وأن يُوقع باسم قابل للخطأ والنسيان.
***
حين نُطلق هذا الملف بعنوان «الكاتب الأخير.. أو زمن النصوص بلا ذاكرة»، لا نفعل ذلك لنشيّع الكتابة إلى قبر مفتوح، بل لنحاول مراجعة شروط وجودها. نحن لا نواجه ذكاء غريبا فقط، بل نواجه هشاشتنا: اكتشفنا أن كثيرا من «أدبنا» يمكن استنساخه؛ وأن كثيرا من استطراداتنا يمكن ضغطها في محركات توليد ملخصات. ما يتبقى هو ما لا يُلخص: التأتأة، الرائحة، التردد، والدمع الخفي بين السطور الذي يولد هُوية كل كاتب.
قد يأتي يوم لا نستطيع فيه تمييز القصيدة الأصيلة من القصيدة المصطنعة.. قد يكون ذلك قريبا، بل إنه حدث مع البعض في هذا الملف، لكن حتى في ذلك اليوم سيظل شيء واحد عصيا على الخوارزمية: أن تعرف لماذا احتاج الإنسان، منذ الكهوف الأولى، إلى أن يحكي حكاية لا ضرورة لها سوى أنه سيبات خاوي القلب إن لم يحكها أو أنه قد يفقد حياته فجرا إذا لم يختر الوقت المناسب للسكوت عن الكلام المباح كما كان حال شهرزاد.
وقبل أن نطوي هذه الصفحة، لعلّنا نسأل سؤال رولان بارت على نحو مغاير: إذا كان النص بلا مؤلّف، فهل يظل قارئه إنسانا؟
ربما يكون الجواب في الصفحات التالية، حين يقرأ النقاد قصصا كتبتها الآلة ثم يختلفون: من أين يأتي هذا النبض إن لم يكن ثمة قلب؟
إنه، باختصار، رثاء للمؤلّف.. ومحاولة إنعاش أخيرة للنص.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان