لجريدة عمان:
2024-09-08@10:54:49 GMT

الاندماج التواصلي.. هل يكفي للانسجام؟

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

تشكل القضايا الاجتماعية أهمية كبيرة، لأنها انعكاس لما يدور بين أفراده من تفاعلات، ورصد هذه التفاعلات تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، ليس فقط لمعرفة حجم هذه التفاعلات ومآلات نتائجها في نهاية المطاف، ولكن للوقوف على الأسباب التي بعثتها من مرقدها، فكل أسباب مسببات، وهذه المسببات هي التي تقض المضجع، وتشغل الفكر، وتقلق النفس، ولذلك يشكل الوقوف عليها الخطوة الأولى نحو حلها، وعدم تكرارها، أو الحد من الأسباب التي دعت إليها، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الاهتمام، وعدم غض الطرف عنها، فاستقرار المجتمع يظل تحقيقا لأمن أفراده، وعدم تكدرهم، ومن هنا لا يجب إغفال ثيمة «الاجتماعية» وهي الحاضنة الكبرى لمفهوم المجتمع، عند مناقشة أية قضية ذات طابع اجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبا وقبائل - لا لنتعارك ونتقاتل - بل لنتعارف، أي لنتقارب، ونتعاون، ونتكاتف، ونتكامل في مختلف شؤون الحياة، وليس معنى ذلك، بالتأكيد، أن يلغي بعضنا بعضا بغية هذا التكامل، بل تبقى خصوصيات كل واحد له، وله فيها اتساع الأفق من حيث الآمال والطموحات، وتوظيف الطاقات، وبيان مختلف التمايزات الموجودة بين البشر، وتوظيف كل ذلك بما يعود على حاضنة المجتمع بالخير والمحبة والرضى.

ومن هنا يسعى الاندماج التواصلي وهو مستوى متقدم من التقارب والتفاهم بين الأفراد إلى إيجاد مساحة آمنة للتواصل بينهم، سواء هؤلاء الأفراد يضمهم مجتمع واحد، أو هم من مجتمعات مختلفة، ولنا في مقولة: «من عرف لغة قوم أمن مكرهم» الكثير من العبر، والتيقن بأهمية هذا التواصل، حيث تمثل اللغة أهم عامل على الإطلاق لمفهوم التواصل، والأعجمية في بعض جوانبها ليست فقط أن اللغة مختلفة عن اللغة لشعب ما في بقعة جغرافية معينة، ولكنها تنضم إلى أي معوق لا يمكن أن يتيح فرصة للتواصل بين أي طرفين، ولذلك يشكل التواصل أهم عامل لتسهيل الكثير من الإشكاليات التي قد تقع، لأن أحد الأطراف لا يعي لغة الآخر، وأن الآخر هو كذلك لا يعي لغة الطرف المقابل، وإذا توقفت المسألة عند هذا الحد، فلن تتقارب المجتمعات، ولن يتواصل الأفراد، ولن تتحقق الثيمة الاجتماعية من وجود هذا الطوفان من الأمم على اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وتباين أديانهم ومذاهبهم، وبالتالي فالذي يحل كل هذه التباينات عن الوصول إلى حالات من الانفصام والانفصال، والتصادم هو مشروع الاندماج التواصلي، ومن ثم ما يتبع ذلك من اندماجات في مختلفة في الثقافة، وفي الدين، وفي العقائد المختلفة، لتكون محصلة ذلك الكثير من التعاون بين البشرية.

والسؤال هنا: متى يصل مستوى التواصل إلى مستوى الاندماج بين طرفي التواصل؟ فالاندماج لحاله أسما مرحلة من مراحل التواصل بين أي طرفين، والاندماج إن حصل فإنه لن يقتصر على التواصل اللفظي فقط، بل له عوائد إيجابية كثيرة، فينقل حالة التواصل اللفظي إلى كثير من حالات الاندماج الأخرى كالثقافي والمعياري، ولعل الأخير «المعياري» أهمها فهو الذي يفضي إلى كثير من التعاون بين الناس، وهو الذي يؤسس الكثير من الثقة لهذا التعاون، لأن فيه تبادل السلوكيات، والأعمال التفاعلية بين الطرفين أو الأطراف، وفيه الكثير من ترسيخ الثقة، والمعرفة اللصيقة بالآخر منن خلال تبادل المعارف والقيم الضابطة للسلوكيات المختلفة، فالسلوكيات هي التي تعزز الثقة، وتشرع في اتساع رقعة التعاون والتكامل، حيث تجسر المسافات الفاصلة بين الأطراف، وتقضي على كثير من هواجس الشك وعدم اليقين بنزاهة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر مهم في شأن العلاقات القائمة بين الناس، وما أتعس العلاقات وأربكها بل ودمرها إلا حالات الانفصال عن الآخر، وعدم الالتحام به، والاندماج معه بصورة شبه تامة، قبل أن تصل المسألة إلى مراحلها الرسمية، وهي المراحل التي توثق فيها العلاقات بين الأفراد وتنظيماتها من خلال العهود والمواثيق الرسمية المكتوبة، حيث تظل الحاكمة بين الأطراف، فلا يحيد عنها طرف دون آخر، ولذلك عندما تصل المسألة إلى هذه المرحلة في العلاقات بين الأطراف، لن يكون للاندماج حضوره الاجتماعي، الذي تسعى هذه المناقشة إلى تبرير وجوده، وإنما تلبس العلاقات عندها العباءة الرسمية، وهذه حالة عامة يعيشها كل البشر، ومعلنة من الجميع، ويسلم لها الجميع.

يأتي التركيز في هذه المناقشة هنا على الاندماج التواصلي أكثر من غيره، لأن الكلمة هي المفتاح لأي علاقة يمكن لها أن تنشأ بين أي طرفين، ومن خلال الكلمة يمكن الحكم على الأفراد بما يكنّونه من مخزون معرفي، وأخلاقي «قيمي» ومواهب فطرية، ومكنونات نفسية، حيث تفصح الكلمة عن مكنونات الإنسان، من اللقاءات الأولى بين الناس، ولذلك قد يجفل أحدنا عند أول لقاء بآخر، ويساوره الحذر والترقب، حتى تبدأ الكلمات المبثوثة عبر أثير اللقاء تخفف شيئا فشيئا من حالة الترقب هذه، ومن ثم يأتي السلوك المتبادل ليزيل الكثير ما تبقى من الغموض المفتعل في البدايات الأولى للتواصل، ويؤصل نقاوة النفس، أو العكس أيضا، ولأن المكنون يظل مكنونا حتى يفضحه أو يستره السلوك، لكن تبقى الكلمة أثرها الكبير في اصطياد الآخر والاستحواذ عليه، ولذلك فهناك من يحذر من عدم التسليم المطلق «الاندماج» مع أي طرف قبل التأكد من هويته، والهوية هنا ليس مقصود بها الانتماء الجغرافي أو العرقي، أو الديني، ولكن هي هوية النفس الذاهبة إلى احتواء الآخر، لأن الوصول إلى مستويات الاندماج معناه الوصول إلى مستويات متقدمة من العلاقة بين الأطراف، وما يصاحب ذلك من تبادل المصالح في بعديها المادي والمعنوي، والأنفس لا تتأخر كثيرا في الإفصاح عن حقيقتها، وقد يحدث كثيرا أن تفصح النفس عن حقيقتها في الدقائق الأولى من اللقاء، وهناك أناس غير قليلين يتميزون بحالة اندماج سريعة جدا، حتى يجد أحدنا نفسه في مأزق أو ورطة في كيفية التخلص من ذلك، خاصة إذا قُيِّمَتْ العلاقة في تلك اللحظة ليست بذات أهمية كبرى، إنما هي لظرف استثنائي عابر، ليس من الضرورة استمرار أسبابه، ولذلك يقال أيضا: أنه ما بني على عجلة، لا يؤمن سقوطه السريع، وفي المقابل هناك حالات لا يقل وصفها عن أن توصف بأنها «عصة» وأن أفرادها «عصيون» أي ليس يسيرا اندماجهم مع الآخر، وعلى هذا الآخر أن يعيش معركة حامية الوطيس حتى يحظى بهذا الاندماج معه، وقد يستعين بـ «صديق».

ولذلك يلاحظ أنه قد يفشل التواصل اللفظي في تحقيق مراحل الاندماج لأن هناك ما يشبه القبضة أو الانكسار داخل النفس فلا تستطيع تقبل هذا الطرف أو هذه الأطراف مجتمعة، فيحول ذلك دون الاندماج التام أو الفعلي، حيث تتراوح النسبية هنا فتؤثر على ذلك، فيكون اندماج قاصر وغير مكتمل، وقد يصرح البعض بـ «أنه غير مرتاح لفلان» مع أن هذا فلان يلتقيه أول مرة، وفي تصريح آخر قد يقول لك: « لقد ارتحت لفلان أكثر من غيره» مع أن هذا الأخير يلتقيه أيضا أول مرة، فسبحان الله مقلب القلوب، ولنا في قول أمنا عائشة - رضي الله عنها - مبلغ الأثر، ففي روايتها - حسب المصدر - تقول: سمعت النبي -، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» - انتهى النص - ففي هذا الائتلاف أو الاختلاف رسائل ضمنية تنقلها الأنفس على وجه السرعة بين الأطراف ليتخذ كل طرف قراره الحاسم من هذه العلاقة أو تلك، وفي كلا الحالتين (القبول/الرفض) هنا مستحق لا بد أن يكون وهو تحقق «العشرة» بين أي طرفين، فلا يمكن إطلاقا بناء مواقف رافضة بالمطلق، أو مقبولة بالمطلق دون أن تكون هناك مساحة زمنية متحققة يتم فيها تبادل الكثير من التعاطي في أشكاله المختلفة، لأن حالة الاندماج التي من المتوقع أن تتم، أن تكون آمنة، ومستقرة، وليست قابلة فض جلستها لأي موقف يكون، وإلا عد ذلك نوعا من تهلهل الشخصية، وارتباكاتها واهتزازها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الأطراف الکثیر من کثیر من

إقرأ أيضاً:

“إصبع القاهرة” الذي أدهش العلماء!

مصر – سبقت الحضارة المصرية الفرعونية عصورها  في الكثير من المجالات وتركت لنا صروحا مدهشة  لا نعرف حتى الآن بالضبط كيف شيدت. المدهش أيضا أنها صاحبة أول أطراف صناعية بشرية في التاريخ.

علماء الآثار كانوا اكتشفوا هلال حفريات في جبانة الشيخ عبد القرنة بالقرب من الأقصر، مومياوات بأصابع كبيرة اصطناعية. العلماء توصلوا بعد دراسة هذه المجموعة إلى استنتاج مدهش مفاده أن الأجزاء الاصطناعية كانت أطرافا اصطناعية.

كان المصريون القدماء أثناء عمليات التحنيط لأشخاص فقدوا بعض أطرافهم، يضعون مكانها أطرافا خشبية تساعد المتوفي في حياته الأخرى، بحسب معتقداتهم. لكن بعض الأطراف تبين أنها صنعت بطريقة خاصة، وأن أصحابها استعملوها في حياتهم.

من الأمثلة الشهيرة على الأطراف الصناعية المصرية القديمة، إصبع القدم الكبير صنع من الخشب والجلد ويتكون من ثلاثة أجزاء، ويسمى “إصبع القاهرة”، وآخر مصنوع من مادة تشبه الورق المعجون، ومن دون أجزاء للحركة.

اعتقد العلماء في البداية أن هذين الإصبعين الاصطناعيين مثل غيرهما وضعها في مكانهما للتجميل أثناء عملية التحنيط بغرض إخفاء مثل هذه النواقص.

استبعد هذا الاحتمال حين لاحظ المختصون أن الطرفين الاصطناعيين كانا مثبتين في مكانهما بطريقة تشير إلى أن صاحبيهما سارا على أقدامهم بهذه الأصابع البديلة.

علماء من جامعة مانشستر قاموا بتجربة للتأكد من صحة هذه الفرضية. صنعوا نسختين طبق الأصل من هذين الإصبعين الاصطناعيين، واستعانا باثنين من المتطوعين اللذين فقدا هذين الإصبعين.

أجريت التجربة العملية، واتضح أن “إصبع القاهرة” المصنوع من الخشب والجلد، وهو يعود إلى سيدة نبيلة تدعى ” تاباكيتنموت”، عاشت بين عامي “710  – 950″، يسمح بالسير كما لو كان إصبعا أصليا.

أجهزة الاستشعار الخاصة أظهرت أيضا أن الطرف الاصطناعي يسمح بتوزيع ضغط القدم بشكل مثالي على السطح. الإصبع الثاني المصنوع من الورق المعجون، لم يكن بنفس الفعالية ولكن يمكن الاعتماد عليه.

خلص العلماء بعد التجربة إلى أن صناعة الأطراف الاصطناعية ازدهرت في مصر القديمة، وان أشخاصا من ذوي الإعاقات استخدموا الأطراف الاصطناعية وظيفيا وليس للتجميل.

من الإنجازات الطبية الأخرى، ما أظهرته بردية “هيرست” التي عود تاريخها إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد. هذه الوثيقة الطبية المصرية القديمة احتوت على حوالي 250 وصفة طبية لعلاج أمراض الزحار والحمى والنزيف وكسور العظام والاستسقاء والوذمة والأمراض الطفيلية وأمراض القلب والكبد وانسداد الأمعاء والسكري وأمراض المعدة والجهاز التنفسي والحروق والقرحة والاسقربوط وأمراض الأذن والأنف، والسيلان والعجز الجنسي وكذلك لدغات العقارب والثعابين.

هذه البردية احتوت أيضا في نهايتها على قسم لعمليات التجميل وتضمن إرشادات عن كيفية التخلص من التجاعيد وتغيير لون البشرة وإزالة الشامات وصبغ الشعر والحواجب وتعزيز نمو الشعر.

المختصون يؤكدون أن المصريين القدماء أجروا عمليات جراحية معقدة بما في ذلك على الجمجمة منذ حوالي القرن العشرين قبل الميلاد، وأنهم استخدموا أساليب للتخدير باستخدام أوراق الخشاش التي تم استيرادها من قبرص.

التقدم الطبي الفريد في مصر القديمة لم يكن مجهولا في تلك العصور. كان الأطباء الرئيسون لدى ملوك وحكام بابل وأشور واليونان وروما من أبناء ضفاف النيل الذين برعوا في فنون الطبابة. الأمثلة كثيرة في هذا المجال وجميعها فريد ويزيد من وقع الذهول والدهشة العارمة التي تنتاب كل من يقترب من إنجازات مصر القديمة في جميع لمجالات.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • «اللافي» يبحث مع «خوري» مستجدات العملية السياسية
  • بعد محاولات إفسادها من قبل بعض الأطراف.. الزمالك يسعى لإنقاذ هذه الصفقة
  • توفير الطعام للأطفال وحده لا يكفي..استشاري: الأهم تناول الطعام بمكوناته الصحية
  • مستشار حكومي يحدد المكاسب المالية من اندماج شركتي التأمين الوطنية والعراقية
  • وزير التموين: احتياطي مصر الاستراتيجي من القمح يكفي 6 أشهر
  • وزير التموين: الاحتياطي من القمح يكفي لمدة 6 أشهر
  • كرة النار الخماسية في الأحضان اللبنانية
  • “إصبع القاهرة” الذي أدهش العلماء!
  • نجم البحر يكشف عن أسرار جديدة في آليات تجديد الأطراف
  • أحمد خالد صالح ينتظر "الهوى سلطان".. ويؤكد: الحب وحده لا يكفي