لجريدة عمان:
2024-11-25@19:08:18 GMT

الاندماج التواصلي.. هل يكفي للانسجام؟

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

تشكل القضايا الاجتماعية أهمية كبيرة، لأنها انعكاس لما يدور بين أفراده من تفاعلات، ورصد هذه التفاعلات تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، ليس فقط لمعرفة حجم هذه التفاعلات ومآلات نتائجها في نهاية المطاف، ولكن للوقوف على الأسباب التي بعثتها من مرقدها، فكل أسباب مسببات، وهذه المسببات هي التي تقض المضجع، وتشغل الفكر، وتقلق النفس، ولذلك يشكل الوقوف عليها الخطوة الأولى نحو حلها، وعدم تكرارها، أو الحد من الأسباب التي دعت إليها، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الاهتمام، وعدم غض الطرف عنها، فاستقرار المجتمع يظل تحقيقا لأمن أفراده، وعدم تكدرهم، ومن هنا لا يجب إغفال ثيمة «الاجتماعية» وهي الحاضنة الكبرى لمفهوم المجتمع، عند مناقشة أية قضية ذات طابع اجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبا وقبائل - لا لنتعارك ونتقاتل - بل لنتعارف، أي لنتقارب، ونتعاون، ونتكاتف، ونتكامل في مختلف شؤون الحياة، وليس معنى ذلك، بالتأكيد، أن يلغي بعضنا بعضا بغية هذا التكامل، بل تبقى خصوصيات كل واحد له، وله فيها اتساع الأفق من حيث الآمال والطموحات، وتوظيف الطاقات، وبيان مختلف التمايزات الموجودة بين البشر، وتوظيف كل ذلك بما يعود على حاضنة المجتمع بالخير والمحبة والرضى.

ومن هنا يسعى الاندماج التواصلي وهو مستوى متقدم من التقارب والتفاهم بين الأفراد إلى إيجاد مساحة آمنة للتواصل بينهم، سواء هؤلاء الأفراد يضمهم مجتمع واحد، أو هم من مجتمعات مختلفة، ولنا في مقولة: «من عرف لغة قوم أمن مكرهم» الكثير من العبر، والتيقن بأهمية هذا التواصل، حيث تمثل اللغة أهم عامل على الإطلاق لمفهوم التواصل، والأعجمية في بعض جوانبها ليست فقط أن اللغة مختلفة عن اللغة لشعب ما في بقعة جغرافية معينة، ولكنها تنضم إلى أي معوق لا يمكن أن يتيح فرصة للتواصل بين أي طرفين، ولذلك يشكل التواصل أهم عامل لتسهيل الكثير من الإشكاليات التي قد تقع، لأن أحد الأطراف لا يعي لغة الآخر، وأن الآخر هو كذلك لا يعي لغة الطرف المقابل، وإذا توقفت المسألة عند هذا الحد، فلن تتقارب المجتمعات، ولن يتواصل الأفراد، ولن تتحقق الثيمة الاجتماعية من وجود هذا الطوفان من الأمم على اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وتباين أديانهم ومذاهبهم، وبالتالي فالذي يحل كل هذه التباينات عن الوصول إلى حالات من الانفصام والانفصال، والتصادم هو مشروع الاندماج التواصلي، ومن ثم ما يتبع ذلك من اندماجات في مختلفة في الثقافة، وفي الدين، وفي العقائد المختلفة، لتكون محصلة ذلك الكثير من التعاون بين البشرية.

والسؤال هنا: متى يصل مستوى التواصل إلى مستوى الاندماج بين طرفي التواصل؟ فالاندماج لحاله أسما مرحلة من مراحل التواصل بين أي طرفين، والاندماج إن حصل فإنه لن يقتصر على التواصل اللفظي فقط، بل له عوائد إيجابية كثيرة، فينقل حالة التواصل اللفظي إلى كثير من حالات الاندماج الأخرى كالثقافي والمعياري، ولعل الأخير «المعياري» أهمها فهو الذي يفضي إلى كثير من التعاون بين الناس، وهو الذي يؤسس الكثير من الثقة لهذا التعاون، لأن فيه تبادل السلوكيات، والأعمال التفاعلية بين الطرفين أو الأطراف، وفيه الكثير من ترسيخ الثقة، والمعرفة اللصيقة بالآخر منن خلال تبادل المعارف والقيم الضابطة للسلوكيات المختلفة، فالسلوكيات هي التي تعزز الثقة، وتشرع في اتساع رقعة التعاون والتكامل، حيث تجسر المسافات الفاصلة بين الأطراف، وتقضي على كثير من هواجس الشك وعدم اليقين بنزاهة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر مهم في شأن العلاقات القائمة بين الناس، وما أتعس العلاقات وأربكها بل ودمرها إلا حالات الانفصال عن الآخر، وعدم الالتحام به، والاندماج معه بصورة شبه تامة، قبل أن تصل المسألة إلى مراحلها الرسمية، وهي المراحل التي توثق فيها العلاقات بين الأفراد وتنظيماتها من خلال العهود والمواثيق الرسمية المكتوبة، حيث تظل الحاكمة بين الأطراف، فلا يحيد عنها طرف دون آخر، ولذلك عندما تصل المسألة إلى هذه المرحلة في العلاقات بين الأطراف، لن يكون للاندماج حضوره الاجتماعي، الذي تسعى هذه المناقشة إلى تبرير وجوده، وإنما تلبس العلاقات عندها العباءة الرسمية، وهذه حالة عامة يعيشها كل البشر، ومعلنة من الجميع، ويسلم لها الجميع.

يأتي التركيز في هذه المناقشة هنا على الاندماج التواصلي أكثر من غيره، لأن الكلمة هي المفتاح لأي علاقة يمكن لها أن تنشأ بين أي طرفين، ومن خلال الكلمة يمكن الحكم على الأفراد بما يكنّونه من مخزون معرفي، وأخلاقي «قيمي» ومواهب فطرية، ومكنونات نفسية، حيث تفصح الكلمة عن مكنونات الإنسان، من اللقاءات الأولى بين الناس، ولذلك قد يجفل أحدنا عند أول لقاء بآخر، ويساوره الحذر والترقب، حتى تبدأ الكلمات المبثوثة عبر أثير اللقاء تخفف شيئا فشيئا من حالة الترقب هذه، ومن ثم يأتي السلوك المتبادل ليزيل الكثير ما تبقى من الغموض المفتعل في البدايات الأولى للتواصل، ويؤصل نقاوة النفس، أو العكس أيضا، ولأن المكنون يظل مكنونا حتى يفضحه أو يستره السلوك، لكن تبقى الكلمة أثرها الكبير في اصطياد الآخر والاستحواذ عليه، ولذلك فهناك من يحذر من عدم التسليم المطلق «الاندماج» مع أي طرف قبل التأكد من هويته، والهوية هنا ليس مقصود بها الانتماء الجغرافي أو العرقي، أو الديني، ولكن هي هوية النفس الذاهبة إلى احتواء الآخر، لأن الوصول إلى مستويات الاندماج معناه الوصول إلى مستويات متقدمة من العلاقة بين الأطراف، وما يصاحب ذلك من تبادل المصالح في بعديها المادي والمعنوي، والأنفس لا تتأخر كثيرا في الإفصاح عن حقيقتها، وقد يحدث كثيرا أن تفصح النفس عن حقيقتها في الدقائق الأولى من اللقاء، وهناك أناس غير قليلين يتميزون بحالة اندماج سريعة جدا، حتى يجد أحدنا نفسه في مأزق أو ورطة في كيفية التخلص من ذلك، خاصة إذا قُيِّمَتْ العلاقة في تلك اللحظة ليست بذات أهمية كبرى، إنما هي لظرف استثنائي عابر، ليس من الضرورة استمرار أسبابه، ولذلك يقال أيضا: أنه ما بني على عجلة، لا يؤمن سقوطه السريع، وفي المقابل هناك حالات لا يقل وصفها عن أن توصف بأنها «عصة» وأن أفرادها «عصيون» أي ليس يسيرا اندماجهم مع الآخر، وعلى هذا الآخر أن يعيش معركة حامية الوطيس حتى يحظى بهذا الاندماج معه، وقد يستعين بـ «صديق».

ولذلك يلاحظ أنه قد يفشل التواصل اللفظي في تحقيق مراحل الاندماج لأن هناك ما يشبه القبضة أو الانكسار داخل النفس فلا تستطيع تقبل هذا الطرف أو هذه الأطراف مجتمعة، فيحول ذلك دون الاندماج التام أو الفعلي، حيث تتراوح النسبية هنا فتؤثر على ذلك، فيكون اندماج قاصر وغير مكتمل، وقد يصرح البعض بـ «أنه غير مرتاح لفلان» مع أن هذا فلان يلتقيه أول مرة، وفي تصريح آخر قد يقول لك: « لقد ارتحت لفلان أكثر من غيره» مع أن هذا الأخير يلتقيه أيضا أول مرة، فسبحان الله مقلب القلوب، ولنا في قول أمنا عائشة - رضي الله عنها - مبلغ الأثر، ففي روايتها - حسب المصدر - تقول: سمعت النبي -، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» - انتهى النص - ففي هذا الائتلاف أو الاختلاف رسائل ضمنية تنقلها الأنفس على وجه السرعة بين الأطراف ليتخذ كل طرف قراره الحاسم من هذه العلاقة أو تلك، وفي كلا الحالتين (القبول/الرفض) هنا مستحق لا بد أن يكون وهو تحقق «العشرة» بين أي طرفين، فلا يمكن إطلاقا بناء مواقف رافضة بالمطلق، أو مقبولة بالمطلق دون أن تكون هناك مساحة زمنية متحققة يتم فيها تبادل الكثير من التعاطي في أشكاله المختلفة، لأن حالة الاندماج التي من المتوقع أن تتم، أن تكون آمنة، ومستقرة، وليست قابلة فض جلستها لأي موقف يكون، وإلا عد ذلك نوعا من تهلهل الشخصية، وارتباكاتها واهتزازها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الأطراف الکثیر من کثیر من

إقرأ أيضاً:

اتفاق كوب29 لا يفي بمطالب الدول النامية

باكو"أ ف ب": انسحبت الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي اليوم من المشاورات مع رئاسة أذربيجان لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ في باكو، احتجاجا على مسودة اتفاق لا تفي بمطالبها للحصول على مساعدات مالية.

وسبب الاستياء مسودة نص نهائي لم ينشرها رسميا منظمو مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، لكنها عرضت على الدول في جلسة مغلقة اليوم .

وفي المشروع تلتزم الدول الغربية (أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا) بزيادة التزاماتها التمويلية للدول النامية من 100 إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2035. لكن ذلك أقل من مطلب الدول النامية التي تطالب بضعف المبلغ على الأقل.

وتغيرت الأجواء بعد أن قاطع ممثلو البلدان النامية اجتماعا مع الرئاسة. وكان من المقرر عقد جلسة ختامية مساء بعد 24 ساعة من انتهاء مؤتمر الأطراف نظريا. لكن المندوبين كانوا يستعدون لليلة ثانية من التمديد من خلال تخزين المواد الغذائية.

وأعلن سيدريك شوستر من ساموا باسم مجموعة الدول الجزرية (Aosis) برفقة ممثل أفقر 45 دولة في العالم "لقد غادرنا.. نعتبر أنه لم يتم الاصغاء إلينا".

وصرح المبعوث الأميركي جون بوديستا "آمل أن تكون العاصفة قبل الهدوء".

و تحاول مسودة الاتفاق التوفيق بين مطالب الدول المتقدمة ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ومطالب الدول النامية التي تحتاج إلى مزيد من الأموال للتكيف مع مناخ أكثر تدميرا يتسبب به حرق البلدان المتطورة للنفط والفحم منذ أكثر من قرن.

وتطالب الدول الغربية منذ أشهر بتوسيع قائمة الأمم المتحدة، التي تعود إلى عام 1992، للدول المسؤولة عن تمويل المناخ، معتبرة أن الصين وسنغافورة ودول الخليج أصبحت أكثر ثراء منذ ذلك الحين.

لكن يبدو أن هذه البلدان حصلت على مرادها: فالمسودة تنص بوضوح على أن مساهماتها المالية ستظل "طوعية".

والجمعة اقترحت الدول الغنية زيادة التزاماتها المالية المخصصة للعمل المناخي إلى 250 مليارا بحلول العام 2035، لكن الدول الفقيرة رفضت ذلك.

ويطالب الأوروبيون بأن يكون هذا الرقم مصحوبا بتقدم آخر في نواح عدة لتسوية نهائية. ويسعى الاتحاد الأوروبي خصوصا إلى أهداف أكثر طموحا للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، لكنه يواجه معارضة من الدول المنتجة للنفط .

وقال أحد المفاوضين الأوروبيين "كان هناك جهد استثنائي من السعوديين حتى لا نحصل على شيء".

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "لن نسمح بأن تتعرض البلدان الأكثر ضعفا، خصوصا الدول الجزرية الصغيرة، للاحتيال من قبل البلدان القليلة الغنية بالوقود الأحفوري والتي تحظى للأسف بالدعم في هذه المرحلة من الرئاسة" الأذربيجانية للمؤتمر، من دون تحديدها.

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي فوبكه هوكسترا "نبذل كل ما في وسعنا لبناء جسور على كل المحاور وتحقيق نجاح. لكن من غير الواضح ما إذا كنا سننجح".

ودعت أكثر من 350 منظمة غير حكومية الدول النامية صباح اليوم للانسحاب من المفاوضات، قائلة إن عدم التوصل إلى اتفاق خير من التوصل إلى اتفاق سيئ.

وهي استراتيجية تتناقض مع الرسالة الطارئة التي وجهتها العديد من البلدان النامية. وشدد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي لديه أولويات أخرى لمؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم العام المقبل، على "عدم تأجيل" مهمة باكو حتى عام 2025.

وقال الوزير الايرلندي إيمون ريان لوكالة فرانس برس "علينا أن نعطي الأمل للعالم، وأن نثبت أن التعددية ناجحة".

وقالت بيربوك إن أوروبا تريد "تحمل مسؤولياتها لكن عليها قطع وعود لا يمكنها الوفاء بها".

وتحدد المسودة النهائية بشكل منفصل هدف جمع 1,3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 للدول النامية.

وسيشمل هذا المبلغ مساهمة قدرها 300 مليار دولار من البلدان المتقدمة ومصادر التمويل الأخرى (المتعددة الأطراف والخاصة والضرائب وبلدان الجنوب الأخرى...).

وقال برلمانيان أميركيان إنهما تعرضا لمضايقات في باكو. وتم اعتقال العديد من نشطاء البيئة الأذربيجانيين.

ورأى ألدن مايير أن لا أحد يريد تعليق مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لاستئنافه لاحقا "لان ذلك سيتطلب العمل لخمسة أشهر أخرى في ظل هذه الرئاسة".

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدعو الأطراف المعنية الى “الموافقة على وقف إطلاق النار” في لبنان
  • المبشر: الاستقرار في ليبيا هش وغير مستدام
  • عاجل | المرشد الإيراني: إصدار قرار الاعتقال لقادة إسرائيل لا يكفي بل يجب إصدار قرار إعدام
  • حرب الأعماق تستعرّ فهل انهارت المفاوضات؟
  • صفاء النجار: مؤتمر أدباء مصر يحرص على الاندماج بين الأدباء
  • الأونروا: ما يدخل غزة من المواد الإغاثية لا يكفي 6% من السكان
  • آخر بيان لـحزب الله.. ماذا أعلن؟
  • اتفاق كوب29 لا يفي بمطالب الدول النامية
  • بوتين يهدد باستخدام الصواريخ الباليستية: لدينا ما يكفي منها وسننتج المزيد
  • هدف رونالدو لا يكفي.. النصر يخسر من القادسية بالدوري السعودي