الاندماج التواصلي.. هل يكفي للانسجام؟
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
تشكل القضايا الاجتماعية أهمية كبيرة، لأنها انعكاس لما يدور بين أفراده من تفاعلات، ورصد هذه التفاعلات تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، ليس فقط لمعرفة حجم هذه التفاعلات ومآلات نتائجها في نهاية المطاف، ولكن للوقوف على الأسباب التي بعثتها من مرقدها، فكل أسباب مسببات، وهذه المسببات هي التي تقض المضجع، وتشغل الفكر، وتقلق النفس، ولذلك يشكل الوقوف عليها الخطوة الأولى نحو حلها، وعدم تكرارها، أو الحد من الأسباب التي دعت إليها، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الاهتمام، وعدم غض الطرف عنها، فاستقرار المجتمع يظل تحقيقا لأمن أفراده، وعدم تكدرهم، ومن هنا لا يجب إغفال ثيمة «الاجتماعية» وهي الحاضنة الكبرى لمفهوم المجتمع، عند مناقشة أية قضية ذات طابع اجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبا وقبائل - لا لنتعارك ونتقاتل - بل لنتعارف، أي لنتقارب، ونتعاون، ونتكاتف، ونتكامل في مختلف شؤون الحياة، وليس معنى ذلك، بالتأكيد، أن يلغي بعضنا بعضا بغية هذا التكامل، بل تبقى خصوصيات كل واحد له، وله فيها اتساع الأفق من حيث الآمال والطموحات، وتوظيف الطاقات، وبيان مختلف التمايزات الموجودة بين البشر، وتوظيف كل ذلك بما يعود على حاضنة المجتمع بالخير والمحبة والرضى.
ومن هنا يسعى الاندماج التواصلي وهو مستوى متقدم من التقارب والتفاهم بين الأفراد إلى إيجاد مساحة آمنة للتواصل بينهم، سواء هؤلاء الأفراد يضمهم مجتمع واحد، أو هم من مجتمعات مختلفة، ولنا في مقولة: «من عرف لغة قوم أمن مكرهم» الكثير من العبر، والتيقن بأهمية هذا التواصل، حيث تمثل اللغة أهم عامل على الإطلاق لمفهوم التواصل، والأعجمية في بعض جوانبها ليست فقط أن اللغة مختلفة عن اللغة لشعب ما في بقعة جغرافية معينة، ولكنها تنضم إلى أي معوق لا يمكن أن يتيح فرصة للتواصل بين أي طرفين، ولذلك يشكل التواصل أهم عامل لتسهيل الكثير من الإشكاليات التي قد تقع، لأن أحد الأطراف لا يعي لغة الآخر، وأن الآخر هو كذلك لا يعي لغة الطرف المقابل، وإذا توقفت المسألة عند هذا الحد، فلن تتقارب المجتمعات، ولن يتواصل الأفراد، ولن تتحقق الثيمة الاجتماعية من وجود هذا الطوفان من الأمم على اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وتباين أديانهم ومذاهبهم، وبالتالي فالذي يحل كل هذه التباينات عن الوصول إلى حالات من الانفصام والانفصال، والتصادم هو مشروع الاندماج التواصلي، ومن ثم ما يتبع ذلك من اندماجات في مختلفة في الثقافة، وفي الدين، وفي العقائد المختلفة، لتكون محصلة ذلك الكثير من التعاون بين البشرية.
والسؤال هنا: متى يصل مستوى التواصل إلى مستوى الاندماج بين طرفي التواصل؟ فالاندماج لحاله أسما مرحلة من مراحل التواصل بين أي طرفين، والاندماج إن حصل فإنه لن يقتصر على التواصل اللفظي فقط، بل له عوائد إيجابية كثيرة، فينقل حالة التواصل اللفظي إلى كثير من حالات الاندماج الأخرى كالثقافي والمعياري، ولعل الأخير «المعياري» أهمها فهو الذي يفضي إلى كثير من التعاون بين الناس، وهو الذي يؤسس الكثير من الثقة لهذا التعاون، لأن فيه تبادل السلوكيات، والأعمال التفاعلية بين الطرفين أو الأطراف، وفيه الكثير من ترسيخ الثقة، والمعرفة اللصيقة بالآخر منن خلال تبادل المعارف والقيم الضابطة للسلوكيات المختلفة، فالسلوكيات هي التي تعزز الثقة، وتشرع في اتساع رقعة التعاون والتكامل، حيث تجسر المسافات الفاصلة بين الأطراف، وتقضي على كثير من هواجس الشك وعدم اليقين بنزاهة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر مهم في شأن العلاقات القائمة بين الناس، وما أتعس العلاقات وأربكها بل ودمرها إلا حالات الانفصال عن الآخر، وعدم الالتحام به، والاندماج معه بصورة شبه تامة، قبل أن تصل المسألة إلى مراحلها الرسمية، وهي المراحل التي توثق فيها العلاقات بين الأفراد وتنظيماتها من خلال العهود والمواثيق الرسمية المكتوبة، حيث تظل الحاكمة بين الأطراف، فلا يحيد عنها طرف دون آخر، ولذلك عندما تصل المسألة إلى هذه المرحلة في العلاقات بين الأطراف، لن يكون للاندماج حضوره الاجتماعي، الذي تسعى هذه المناقشة إلى تبرير وجوده، وإنما تلبس العلاقات عندها العباءة الرسمية، وهذه حالة عامة يعيشها كل البشر، ومعلنة من الجميع، ويسلم لها الجميع.
يأتي التركيز في هذه المناقشة هنا على الاندماج التواصلي أكثر من غيره، لأن الكلمة هي المفتاح لأي علاقة يمكن لها أن تنشأ بين أي طرفين، ومن خلال الكلمة يمكن الحكم على الأفراد بما يكنّونه من مخزون معرفي، وأخلاقي «قيمي» ومواهب فطرية، ومكنونات نفسية، حيث تفصح الكلمة عن مكنونات الإنسان، من اللقاءات الأولى بين الناس، ولذلك قد يجفل أحدنا عند أول لقاء بآخر، ويساوره الحذر والترقب، حتى تبدأ الكلمات المبثوثة عبر أثير اللقاء تخفف شيئا فشيئا من حالة الترقب هذه، ومن ثم يأتي السلوك المتبادل ليزيل الكثير ما تبقى من الغموض المفتعل في البدايات الأولى للتواصل، ويؤصل نقاوة النفس، أو العكس أيضا، ولأن المكنون يظل مكنونا حتى يفضحه أو يستره السلوك، لكن تبقى الكلمة أثرها الكبير في اصطياد الآخر والاستحواذ عليه، ولذلك فهناك من يحذر من عدم التسليم المطلق «الاندماج» مع أي طرف قبل التأكد من هويته، والهوية هنا ليس مقصود بها الانتماء الجغرافي أو العرقي، أو الديني، ولكن هي هوية النفس الذاهبة إلى احتواء الآخر، لأن الوصول إلى مستويات الاندماج معناه الوصول إلى مستويات متقدمة من العلاقة بين الأطراف، وما يصاحب ذلك من تبادل المصالح في بعديها المادي والمعنوي، والأنفس لا تتأخر كثيرا في الإفصاح عن حقيقتها، وقد يحدث كثيرا أن تفصح النفس عن حقيقتها في الدقائق الأولى من اللقاء، وهناك أناس غير قليلين يتميزون بحالة اندماج سريعة جدا، حتى يجد أحدنا نفسه في مأزق أو ورطة في كيفية التخلص من ذلك، خاصة إذا قُيِّمَتْ العلاقة في تلك اللحظة ليست بذات أهمية كبرى، إنما هي لظرف استثنائي عابر، ليس من الضرورة استمرار أسبابه، ولذلك يقال أيضا: أنه ما بني على عجلة، لا يؤمن سقوطه السريع، وفي المقابل هناك حالات لا يقل وصفها عن أن توصف بأنها «عصة» وأن أفرادها «عصيون» أي ليس يسيرا اندماجهم مع الآخر، وعلى هذا الآخر أن يعيش معركة حامية الوطيس حتى يحظى بهذا الاندماج معه، وقد يستعين بـ «صديق».
ولذلك يلاحظ أنه قد يفشل التواصل اللفظي في تحقيق مراحل الاندماج لأن هناك ما يشبه القبضة أو الانكسار داخل النفس فلا تستطيع تقبل هذا الطرف أو هذه الأطراف مجتمعة، فيحول ذلك دون الاندماج التام أو الفعلي، حيث تتراوح النسبية هنا فتؤثر على ذلك، فيكون اندماج قاصر وغير مكتمل، وقد يصرح البعض بـ «أنه غير مرتاح لفلان» مع أن هذا فلان يلتقيه أول مرة، وفي تصريح آخر قد يقول لك: « لقد ارتحت لفلان أكثر من غيره» مع أن هذا الأخير يلتقيه أيضا أول مرة، فسبحان الله مقلب القلوب، ولنا في قول أمنا عائشة - رضي الله عنها - مبلغ الأثر، ففي روايتها - حسب المصدر - تقول: سمعت النبي -، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» - انتهى النص - ففي هذا الائتلاف أو الاختلاف رسائل ضمنية تنقلها الأنفس على وجه السرعة بين الأطراف ليتخذ كل طرف قراره الحاسم من هذه العلاقة أو تلك، وفي كلا الحالتين (القبول/الرفض) هنا مستحق لا بد أن يكون وهو تحقق «العشرة» بين أي طرفين، فلا يمكن إطلاقا بناء مواقف رافضة بالمطلق، أو مقبولة بالمطلق دون أن تكون هناك مساحة زمنية متحققة يتم فيها تبادل الكثير من التعاطي في أشكاله المختلفة، لأن حالة الاندماج التي من المتوقع أن تتم، أن تكون آمنة، ومستقرة، وليست قابلة فض جلستها لأي موقف يكون، وإلا عد ذلك نوعا من تهلهل الشخصية، وارتباكاتها واهتزازها.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین الأطراف الکثیر من کثیر من
إقرأ أيضاً:
فتاوى وأحكام| ما حكم إخراج الزكاة لأسر شهداء غزة؟.. هل يكفي رفع اليدين في الصلاة وعدم نطق تكبيرة الإحرام؟.. هل الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي بدعة؟
فتاوى وأحكام
ما حكم إخراج الزكاة لأسر شهداء غزة؟
هل يكفي رفع اليدين في الصلاة وعدم نطق تكبيرة الإحرام
هل الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي بدعة؟
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى والأحكام التى يتساءل عنها كثير من الناس نستعرض بعض منها فى التقرير التالى.
ما حكم إخراج الزكاة لأسر شهداء غزة؟
ما حكم إخراج الزكاة لأسر شهداء غزة؟ سؤال عنه دار الإفتاء المصرية.
وقال الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك: شُرعت الزكاة أصالةً لأجل بناء الإنسان وسد حاجاته وكفاية متطلبات معيشته، فإذا تعلق الأمر باستبقاء المُهَج واستنقاذ الأرواح، ومواجهة خطر الجوع والعطش والمرض -كما هو حال أهل غزة- فإن توجيه الزكاة ونقلها إليهم جائز شرعًا، ولا حرج في ذلك، شريطة أن يكون ذلك عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة، ضمانًا لوصول الأموال إلى مستحقيها.
دعاء لأهل غزة قصير
اللهم سخر لأهل غزة ملائكة السماء وجنود الأرض .
اللهم بردًا وسلامًا على أهل غزة .
اللهم بحق عينك التي لا تنام وعزك الذي لا يُضام أرنا عجائب قدرتك في نصرهم.
اللهُم كُن لأهل غزة عوناً ونصيراً يا رب العالمين.
اللهم نستودعك أهالي غزّة وفلسطين فانصرهم واحفظهم بعينك التي لا تنام، واربط على قلوبهم وأمدهم بجُندك وأنزل عليهم سكينتك وسخر لهم الأرض ومن عليها.
اللهم لا تخيب رجاءنا وأنت أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك باسمك القّهار أنْ تقهر من قهر إخواننا في غزة وفلسطين، ونسألك أن تنصرهم على القوم المجرمين.
اللهم بارك جهاد المجاهدين في غزة و فلسطين، وأيدهم بجنودك ونصرك يا قوي يا كريم.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في غزة وفلسطين، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم.
اللهم انتقم من أعدائهم، واقذف الرعب في قلوبهم وردّ كيدهم في نحورهم.
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم أن تجعل المسجد الأقصى في حفاظتك؛ فلا يدنّسه غاصب، ولا يعتدي حرمته ظالم يا جبار السموات والأرض يا رب العالمين.
اللهم انصرهم، وارزقهم القوة والصبر، واربط على قلوبهم، وأنزل عليهم من رحماتك
دعاء لأهل غزة
اللهم داوِ جرحاهم، واشف مرضاهم، وتقبّل شهدائهم.
اللهم رد إليهم شبابهم الأسرى، يا رب يا الله.
اللهم حرر المسجد الأقصى من دنس الصهاينة الغاصبين المعتدين.
اللهم احفظ أهل غزة وفلسطين والمسجد الأقصى من كيد الظالمين، وأيدهم بنصرك وقوتك.
اللهم احفظ أرواحهم وأبناءهم وردهم إلى ديارهم مردًا كريمًا آمنًا.
اللهم رد إلينا فلسطين والمسجد الأقصى.
اللهم انصر أهل غزة على من عاداهم.
اللهمّ ارفع الضرر عن أهلنا فى غزة وفلسطين.
اللهم قوهم بإيمانك الكبير وانصرهم على أعدائهم وأعداء الإسلام يا رب العالمين.
اللهم غزة وفلسطين في حِماك فرد كيد اليهود على أنفسهم.
هل يكفي رفع اليدين في الصلاة وعدم نطق تكبيرة الإحرام
أوضح الدكتور مجدي عاشور، المستشار السابق لمفتي الجمهورية، أن تكبيرة الإحرام هي قول المصلي عند افتتاح الصلاة «الله أكبر»، مشيرًا إلى أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أنها ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، بينما رأى الحنفية – وهو وجه عند الشافعية – أنها شرط؛ لأنها تسبق الصلاة وليست من صميمها.
وخلال حديثه في برنامج “دقيقة فقهية”، بيّن عاشور أن الفقهاء اختلفوا في حكم النطق بتكبيرة الإحرام، حيث اشترط جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة أن يتلفظ بها المصلي بصوت يسمعه نفسه إذا كان صحيح السمع، بينما ذهب المالكية إلى عدم اشتراط سماع الصوت، مكتفين بأن يحرك المصلي لسانه ويُخرج الحروف دون رفع الصوت، وهو ما يُعد الحد الأدنى للسر عندهم.
وأوضح أن المالكية قرروا أنه إذا حرّك المصلي لسانه وشفتيه بتكبيرة الإحرام فإن صلاته صحيحة، حتى وإن لم يُسمع صوته، وإن كان الأفضل أن ينطق بها بصوت يسمعه نفسه خروجًا من الخلاف.
وفيما يتعلق برفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الصحابي عبد الله بن عمر وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يرفع يديه حتى تكون بحيال أعالي أذنيه، ويكون الإبهام بحيال شحمتي الأذن.
وأضاف أمين الفتوى في بث مباشر لدار الإفتاء، أن هذه الهيئة من سنن الصلاة، فلو كبّر المصلي دون أن يرفع يديه فالصلاة صحيحة، وكذلك لو كبّر لتكبيرات الانتقال دون رفع اليدين فصلاته صحيحة، لكن اتباع هدي النبي يكون برفع اليدين حتى تحاذي أطراف الأذنين.
وفي سياق متصل، تحدث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، موضحًا الفرق بين السهو والنسيان في الصلاة، إذ إن النسيان يكون عند تذكّر الشخص فور تنبيهه، بينما السهو هو غياب الاهتمام بالصلاة أصلًا.
وأشار جمعة إلى أن الصلاة تتكون من ثلاثة ملفات أساسية، أولها الأركان التي لا تصح الصلاة بدونها، وتأتي تكبيرة الإحرام في مقدمتها، مؤكداً أنه إذا دخل المصلي الصلاة دون أن يأتي بتكبيرة الإحرام بطلت صلاته.
وتابع أن الركن الثاني هو قراءة الفاتحة، ثم الركوع، فالرفع منه، فالسجود، فالقيام من السجود، ثم السجود الثاني والتشهد، وأخيرًا التسليم، مشددًا على أن ترتيب هذه الأركان واجب، فلا يجوز تقديم السجود على الركوع أو العكس.
واختتم علي جمعة حديثه موضحًا أنه إذا نسي المصلي أحد هذه الأركان فعليه أن يأتي به فورًا لتصح صلاته.
هل الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي بدعة؟
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: اعتدتُ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نسيان شيءٍ ما، رجاء أن يفتح الله عليَّ لتذكُّرِه، ثمَّ رماني أحدهم بالابتداع لصنيعي هذا؛ فما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نسيان شيءٍ ما؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عن السؤال قائلة: إن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة مطلوبة عند نسيان شيءٍ، وكذا في كلِّ الأحيان وفي جميع الأزمان وهذا ما نص عليه العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ».
فضل الصلاة على النبي عليه السلام وبيان معناها
وأوضحت أن الصلاة في اللغة: معناها الدعاء والاستغفار، والجمع صلوات. ينظر: "لسان العرب" للعلامة ابن منظور (14/ 464، ط. دار صادر).
ومعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود. ينظر: "فتح الباري" للإمام ابن حجر العسقلاني (11/ 156، ط. دار المعرفة).
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجلِّ الطاعات التي يتقرَّب بها الْخَلْقُ إلى الْخَالِقِ؛ لذلك حثَّنا الله تعالى عليها بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (7/ 184، ط. الأميرية): [﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ اعتنوا أنتم أيضًا؛ فإنَّكم أولى بذلك] اهـ.
جاءت السُّنَّة المطهرة بالحضِّ عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
حكم الصلاة على النبي لتذكر الشيء المنسي والأدلة على ذلك
نصَّ العلماء على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتأكَّد استحبابها في بعض المواطن منها: عند نسيان شيءٍ.
قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 518، ط. دار الفكر) في مطلب نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع: [(قوله ومستحبة في كل أوقات الإمكان) أي: حيث لا مانع. ونصَّ العلماء على استحبابها في مواضع.. وزيد يوم السبت والأحد والخميس.. وعند نسيان الشيء] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 169، ط. دار المعرفة) عند عدِّه المواطن التي يتأكَّد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها: [ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء.. وعند نسيان الشيء] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "المواهب اللدنية" (2/ 668-672، ط. المكتبة التوفيقية): [المواطن التي تشرع فيها الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.. ومنها: عند نسيان الشيء] اهـ.
وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/ 429، ط. دار العروبة): [فصل: الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إذا نسي الشيء، أو أراد ذكره] اهـ.
وقال الحسين اللاعي المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 394-409، ط. دار هجر): [تشرع الصَّلاة عليه صَلَّى الله عليه وسلم في أمور مخصوصة، وهي ستة وأربعون.. -ومنها:- عند تذكر منسيٍّ أو خوف نسيان] اهـ.
وممَّا يدلُّ على ذلك: ما روي عن عثمان بن أبي حرب الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة".
كما يستدل على ذلك بعموم حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» أخرجه الإمام الترمذي في "جامعه".
فالحديث يدل على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب كفاية الهم، فيدخل فيه كفاية كل أسبابه، من نحو النسيان؛ قال المُلَّا عَلِي القَارِي في "مرقاة المفاتيح" (2/ 746، ط. دار الفكر): [والهمُّ ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي: أعطيت مرام الدنيا والآخرة، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكفي في قضاء حوائجه ومهماته] اهـ.
وأكدت بناءً على ذلك: أن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة مطلوبة عند نسيان شيءٍ، وكذا في كلِّ الأحيان وفي جميع الأزمان.