لجريدة عمان:
2025-03-06@16:57:41 GMT

الاندماج التواصلي.. هل يكفي للانسجام؟

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

تشكل القضايا الاجتماعية أهمية كبيرة، لأنها انعكاس لما يدور بين أفراده من تفاعلات، ورصد هذه التفاعلات تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، ليس فقط لمعرفة حجم هذه التفاعلات ومآلات نتائجها في نهاية المطاف، ولكن للوقوف على الأسباب التي بعثتها من مرقدها، فكل أسباب مسببات، وهذه المسببات هي التي تقض المضجع، وتشغل الفكر، وتقلق النفس، ولذلك يشكل الوقوف عليها الخطوة الأولى نحو حلها، وعدم تكرارها، أو الحد من الأسباب التي دعت إليها، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الاهتمام، وعدم غض الطرف عنها، فاستقرار المجتمع يظل تحقيقا لأمن أفراده، وعدم تكدرهم، ومن هنا لا يجب إغفال ثيمة «الاجتماعية» وهي الحاضنة الكبرى لمفهوم المجتمع، عند مناقشة أية قضية ذات طابع اجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبا وقبائل - لا لنتعارك ونتقاتل - بل لنتعارف، أي لنتقارب، ونتعاون، ونتكاتف، ونتكامل في مختلف شؤون الحياة، وليس معنى ذلك، بالتأكيد، أن يلغي بعضنا بعضا بغية هذا التكامل، بل تبقى خصوصيات كل واحد له، وله فيها اتساع الأفق من حيث الآمال والطموحات، وتوظيف الطاقات، وبيان مختلف التمايزات الموجودة بين البشر، وتوظيف كل ذلك بما يعود على حاضنة المجتمع بالخير والمحبة والرضى.

ومن هنا يسعى الاندماج التواصلي وهو مستوى متقدم من التقارب والتفاهم بين الأفراد إلى إيجاد مساحة آمنة للتواصل بينهم، سواء هؤلاء الأفراد يضمهم مجتمع واحد، أو هم من مجتمعات مختلفة، ولنا في مقولة: «من عرف لغة قوم أمن مكرهم» الكثير من العبر، والتيقن بأهمية هذا التواصل، حيث تمثل اللغة أهم عامل على الإطلاق لمفهوم التواصل، والأعجمية في بعض جوانبها ليست فقط أن اللغة مختلفة عن اللغة لشعب ما في بقعة جغرافية معينة، ولكنها تنضم إلى أي معوق لا يمكن أن يتيح فرصة للتواصل بين أي طرفين، ولذلك يشكل التواصل أهم عامل لتسهيل الكثير من الإشكاليات التي قد تقع، لأن أحد الأطراف لا يعي لغة الآخر، وأن الآخر هو كذلك لا يعي لغة الطرف المقابل، وإذا توقفت المسألة عند هذا الحد، فلن تتقارب المجتمعات، ولن يتواصل الأفراد، ولن تتحقق الثيمة الاجتماعية من وجود هذا الطوفان من الأمم على اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وتباين أديانهم ومذاهبهم، وبالتالي فالذي يحل كل هذه التباينات عن الوصول إلى حالات من الانفصام والانفصال، والتصادم هو مشروع الاندماج التواصلي، ومن ثم ما يتبع ذلك من اندماجات في مختلفة في الثقافة، وفي الدين، وفي العقائد المختلفة، لتكون محصلة ذلك الكثير من التعاون بين البشرية.

والسؤال هنا: متى يصل مستوى التواصل إلى مستوى الاندماج بين طرفي التواصل؟ فالاندماج لحاله أسما مرحلة من مراحل التواصل بين أي طرفين، والاندماج إن حصل فإنه لن يقتصر على التواصل اللفظي فقط، بل له عوائد إيجابية كثيرة، فينقل حالة التواصل اللفظي إلى كثير من حالات الاندماج الأخرى كالثقافي والمعياري، ولعل الأخير «المعياري» أهمها فهو الذي يفضي إلى كثير من التعاون بين الناس، وهو الذي يؤسس الكثير من الثقة لهذا التعاون، لأن فيه تبادل السلوكيات، والأعمال التفاعلية بين الطرفين أو الأطراف، وفيه الكثير من ترسيخ الثقة، والمعرفة اللصيقة بالآخر منن خلال تبادل المعارف والقيم الضابطة للسلوكيات المختلفة، فالسلوكيات هي التي تعزز الثقة، وتشرع في اتساع رقعة التعاون والتكامل، حيث تجسر المسافات الفاصلة بين الأطراف، وتقضي على كثير من هواجس الشك وعدم اليقين بنزاهة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر مهم في شأن العلاقات القائمة بين الناس، وما أتعس العلاقات وأربكها بل ودمرها إلا حالات الانفصال عن الآخر، وعدم الالتحام به، والاندماج معه بصورة شبه تامة، قبل أن تصل المسألة إلى مراحلها الرسمية، وهي المراحل التي توثق فيها العلاقات بين الأفراد وتنظيماتها من خلال العهود والمواثيق الرسمية المكتوبة، حيث تظل الحاكمة بين الأطراف، فلا يحيد عنها طرف دون آخر، ولذلك عندما تصل المسألة إلى هذه المرحلة في العلاقات بين الأطراف، لن يكون للاندماج حضوره الاجتماعي، الذي تسعى هذه المناقشة إلى تبرير وجوده، وإنما تلبس العلاقات عندها العباءة الرسمية، وهذه حالة عامة يعيشها كل البشر، ومعلنة من الجميع، ويسلم لها الجميع.

يأتي التركيز في هذه المناقشة هنا على الاندماج التواصلي أكثر من غيره، لأن الكلمة هي المفتاح لأي علاقة يمكن لها أن تنشأ بين أي طرفين، ومن خلال الكلمة يمكن الحكم على الأفراد بما يكنّونه من مخزون معرفي، وأخلاقي «قيمي» ومواهب فطرية، ومكنونات نفسية، حيث تفصح الكلمة عن مكنونات الإنسان، من اللقاءات الأولى بين الناس، ولذلك قد يجفل أحدنا عند أول لقاء بآخر، ويساوره الحذر والترقب، حتى تبدأ الكلمات المبثوثة عبر أثير اللقاء تخفف شيئا فشيئا من حالة الترقب هذه، ومن ثم يأتي السلوك المتبادل ليزيل الكثير ما تبقى من الغموض المفتعل في البدايات الأولى للتواصل، ويؤصل نقاوة النفس، أو العكس أيضا، ولأن المكنون يظل مكنونا حتى يفضحه أو يستره السلوك، لكن تبقى الكلمة أثرها الكبير في اصطياد الآخر والاستحواذ عليه، ولذلك فهناك من يحذر من عدم التسليم المطلق «الاندماج» مع أي طرف قبل التأكد من هويته، والهوية هنا ليس مقصود بها الانتماء الجغرافي أو العرقي، أو الديني، ولكن هي هوية النفس الذاهبة إلى احتواء الآخر، لأن الوصول إلى مستويات الاندماج معناه الوصول إلى مستويات متقدمة من العلاقة بين الأطراف، وما يصاحب ذلك من تبادل المصالح في بعديها المادي والمعنوي، والأنفس لا تتأخر كثيرا في الإفصاح عن حقيقتها، وقد يحدث كثيرا أن تفصح النفس عن حقيقتها في الدقائق الأولى من اللقاء، وهناك أناس غير قليلين يتميزون بحالة اندماج سريعة جدا، حتى يجد أحدنا نفسه في مأزق أو ورطة في كيفية التخلص من ذلك، خاصة إذا قُيِّمَتْ العلاقة في تلك اللحظة ليست بذات أهمية كبرى، إنما هي لظرف استثنائي عابر، ليس من الضرورة استمرار أسبابه، ولذلك يقال أيضا: أنه ما بني على عجلة، لا يؤمن سقوطه السريع، وفي المقابل هناك حالات لا يقل وصفها عن أن توصف بأنها «عصة» وأن أفرادها «عصيون» أي ليس يسيرا اندماجهم مع الآخر، وعلى هذا الآخر أن يعيش معركة حامية الوطيس حتى يحظى بهذا الاندماج معه، وقد يستعين بـ «صديق».

ولذلك يلاحظ أنه قد يفشل التواصل اللفظي في تحقيق مراحل الاندماج لأن هناك ما يشبه القبضة أو الانكسار داخل النفس فلا تستطيع تقبل هذا الطرف أو هذه الأطراف مجتمعة، فيحول ذلك دون الاندماج التام أو الفعلي، حيث تتراوح النسبية هنا فتؤثر على ذلك، فيكون اندماج قاصر وغير مكتمل، وقد يصرح البعض بـ «أنه غير مرتاح لفلان» مع أن هذا فلان يلتقيه أول مرة، وفي تصريح آخر قد يقول لك: « لقد ارتحت لفلان أكثر من غيره» مع أن هذا الأخير يلتقيه أيضا أول مرة، فسبحان الله مقلب القلوب، ولنا في قول أمنا عائشة - رضي الله عنها - مبلغ الأثر، ففي روايتها - حسب المصدر - تقول: سمعت النبي -، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» - انتهى النص - ففي هذا الائتلاف أو الاختلاف رسائل ضمنية تنقلها الأنفس على وجه السرعة بين الأطراف ليتخذ كل طرف قراره الحاسم من هذه العلاقة أو تلك، وفي كلا الحالتين (القبول/الرفض) هنا مستحق لا بد أن يكون وهو تحقق «العشرة» بين أي طرفين، فلا يمكن إطلاقا بناء مواقف رافضة بالمطلق، أو مقبولة بالمطلق دون أن تكون هناك مساحة زمنية متحققة يتم فيها تبادل الكثير من التعاطي في أشكاله المختلفة، لأن حالة الاندماج التي من المتوقع أن تتم، أن تكون آمنة، ومستقرة، وليست قابلة فض جلستها لأي موقف يكون، وإلا عد ذلك نوعا من تهلهل الشخصية، وارتباكاتها واهتزازها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الأطراف الکثیر من کثیر من

إقرأ أيضاً:

القمة العربية تطالب إسرائيل بالانسحاب فوراً من الأراضي السورية المحتلة

القاهرة – أدانت القمة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والتوغل داخل أراضيها الذي يُعد خرقا فاضحا للقانون الدولي وعدوانا على سيادة سوريا وتصعيدا خطيرا يزيد من حدة التوتر والصراع.

وطالب البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الطارئة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالتحرك الفوري لتطبيق القانون الدولي وإلزام إسرائيل وقف عدوانها والانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها في خرق واضح لاتفاق الهدنة للعام 1974، وإعادة التأكيد على أن هضبة الجولان هي أرض سورية محتلة ورفض قرار إسرائيل ضمها وفرض سيادتها عليها.

وأكدت القمة العربية على دعم جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين برئاسة السعودية والمشاركة الفاعلة في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين في مقر الأمم المتحدة يونيو القادم.

وشددت البيان الختامي على الدور الحيوي الذي لا بديل عنه لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للقيام بولايتها الممنوحة لها وبالأخص في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، ودعوة المجتمع الدولي والدول المحبة للسلام إلى تقديم الدعم السياسي والقانوني والمالي لها لضمان استمرارها في أداء مهامها.

وطالبت القمة العربية الأمم المتحدة باتخاذ موقف حازم إزاء تعطيل دور إحدى وكالاتها المتخصصة عن ممارسة مسؤولياتها وواجباتها الإنسانية، ورفض أي محاولات أو إجراءات لتقليص دورها أو إلغائها ضمن الخطط الممنهجة لتصفية قضية اللاجئين في العودة إلى وطنهم.

ودعت القمة بالتعاون مع الأمم المتحدة لإنشاء صندوق دولي لرعاية أيتام غزة ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم والذين يناهز عددهم نحو 40 ألف طفل وتقديم العون وتركيب الأطراف الصناعية لآلاف من المصابين لاسيما الأطفال الذين فقدوا أطرافهم وتشجيع الدول والمنظمات على طرح مبادرات ذات صلة أسوة بمبادرة “استعادة الأمل “الأردنية لدعم مبتوري الأطراف في قطاع غزة.

وقررت القمة تكليف لجنة قانونية من الدول العربية الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 لدراسة اعتبار تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه والطرد والنقل الجبري والتطهير العرقي والترحيل خارج الأرض الفلسطينية المحتلة وخلق ظروف معيشية طاردة للسكان من خلال التدمير واسع النطاق والعقاب الجماعي والتجويع ومنع وصول الغذاء ومواد الإغاثة جزءاً من جريمة الإبادة الجماعية.

 

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • بعد قرار الاستئناف.. ما المعوقات المتبقة لتصدير نفط الإقليم؟
  • معروف يؤكد أن ما يتوفر من السلع لا يكفي لسكان غزة لأيام معدودة
  • منحة مغربية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة
  • تحركات في 3 مسارات لوقف الحرب المتصاعدة
  • تحذير أممي من مجاعة وشيكة في غزة: المخزون الغذائي لن يكفي لأكثر من أسبوعين
  • القمة العربية تطالب إسرائيل بالانسحاب فوراً من الأراضي السورية المحتلة
  • وزير الخارجية: التجويع عقاب غير مقبول وخطة إعمار غزة تحظى بدعم دولي
  • إعلام إيراني: النصر ليس قويًا بما يكفي للفوز بدون رونالدو
  • رقم صادم.. دولة تستهلك "كيتامين" يكفي لتخدير 2 مليون حصان
  • الصين تأمل التوصل لحل مستدام للأزمة الأوكرانية