لجريدة عمان:
2025-04-26@08:06:03 GMT

الاندماج التواصلي.. هل يكفي للانسجام؟

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

تشكل القضايا الاجتماعية أهمية كبيرة، لأنها انعكاس لما يدور بين أفراده من تفاعلات، ورصد هذه التفاعلات تبقى على درجة كبيرة من الأهمية، ليس فقط لمعرفة حجم هذه التفاعلات ومآلات نتائجها في نهاية المطاف، ولكن للوقوف على الأسباب التي بعثتها من مرقدها، فكل أسباب مسببات، وهذه المسببات هي التي تقض المضجع، وتشغل الفكر، وتقلق النفس، ولذلك يشكل الوقوف عليها الخطوة الأولى نحو حلها، وعدم تكرارها، أو الحد من الأسباب التي دعت إليها، وهذا أمر يحتاج إلى كثير من الاهتمام، وعدم غض الطرف عنها، فاستقرار المجتمع يظل تحقيقا لأمن أفراده، وعدم تكدرهم، ومن هنا لا يجب إغفال ثيمة «الاجتماعية» وهي الحاضنة الكبرى لمفهوم المجتمع، عند مناقشة أية قضية ذات طابع اجتماعي، فالله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبا وقبائل - لا لنتعارك ونتقاتل - بل لنتعارف، أي لنتقارب، ونتعاون، ونتكاتف، ونتكامل في مختلف شؤون الحياة، وليس معنى ذلك، بالتأكيد، أن يلغي بعضنا بعضا بغية هذا التكامل، بل تبقى خصوصيات كل واحد له، وله فيها اتساع الأفق من حيث الآمال والطموحات، وتوظيف الطاقات، وبيان مختلف التمايزات الموجودة بين البشر، وتوظيف كل ذلك بما يعود على حاضنة المجتمع بالخير والمحبة والرضى.

ومن هنا يسعى الاندماج التواصلي وهو مستوى متقدم من التقارب والتفاهم بين الأفراد إلى إيجاد مساحة آمنة للتواصل بينهم، سواء هؤلاء الأفراد يضمهم مجتمع واحد، أو هم من مجتمعات مختلفة، ولنا في مقولة: «من عرف لغة قوم أمن مكرهم» الكثير من العبر، والتيقن بأهمية هذا التواصل، حيث تمثل اللغة أهم عامل على الإطلاق لمفهوم التواصل، والأعجمية في بعض جوانبها ليست فقط أن اللغة مختلفة عن اللغة لشعب ما في بقعة جغرافية معينة، ولكنها تنضم إلى أي معوق لا يمكن أن يتيح فرصة للتواصل بين أي طرفين، ولذلك يشكل التواصل أهم عامل لتسهيل الكثير من الإشكاليات التي قد تقع، لأن أحد الأطراف لا يعي لغة الآخر، وأن الآخر هو كذلك لا يعي لغة الطرف المقابل، وإذا توقفت المسألة عند هذا الحد، فلن تتقارب المجتمعات، ولن يتواصل الأفراد، ولن تتحقق الثيمة الاجتماعية من وجود هذا الطوفان من الأمم على اختلاف أشكالهم، وألوانهم، وتباين أديانهم ومذاهبهم، وبالتالي فالذي يحل كل هذه التباينات عن الوصول إلى حالات من الانفصام والانفصال، والتصادم هو مشروع الاندماج التواصلي، ومن ثم ما يتبع ذلك من اندماجات في مختلفة في الثقافة، وفي الدين، وفي العقائد المختلفة، لتكون محصلة ذلك الكثير من التعاون بين البشرية.

والسؤال هنا: متى يصل مستوى التواصل إلى مستوى الاندماج بين طرفي التواصل؟ فالاندماج لحاله أسما مرحلة من مراحل التواصل بين أي طرفين، والاندماج إن حصل فإنه لن يقتصر على التواصل اللفظي فقط، بل له عوائد إيجابية كثيرة، فينقل حالة التواصل اللفظي إلى كثير من حالات الاندماج الأخرى كالثقافي والمعياري، ولعل الأخير «المعياري» أهمها فهو الذي يفضي إلى كثير من التعاون بين الناس، وهو الذي يؤسس الكثير من الثقة لهذا التعاون، لأن فيه تبادل السلوكيات، والأعمال التفاعلية بين الطرفين أو الأطراف، وفيه الكثير من ترسيخ الثقة، والمعرفة اللصيقة بالآخر منن خلال تبادل المعارف والقيم الضابطة للسلوكيات المختلفة، فالسلوكيات هي التي تعزز الثقة، وتشرع في اتساع رقعة التعاون والتكامل، حيث تجسر المسافات الفاصلة بين الأطراف، وتقضي على كثير من هواجس الشك وعدم اليقين بنزاهة هذا الطرف أو ذاك، وهذا أمر مهم في شأن العلاقات القائمة بين الناس، وما أتعس العلاقات وأربكها بل ودمرها إلا حالات الانفصال عن الآخر، وعدم الالتحام به، والاندماج معه بصورة شبه تامة، قبل أن تصل المسألة إلى مراحلها الرسمية، وهي المراحل التي توثق فيها العلاقات بين الأفراد وتنظيماتها من خلال العهود والمواثيق الرسمية المكتوبة، حيث تظل الحاكمة بين الأطراف، فلا يحيد عنها طرف دون آخر، ولذلك عندما تصل المسألة إلى هذه المرحلة في العلاقات بين الأطراف، لن يكون للاندماج حضوره الاجتماعي، الذي تسعى هذه المناقشة إلى تبرير وجوده، وإنما تلبس العلاقات عندها العباءة الرسمية، وهذه حالة عامة يعيشها كل البشر، ومعلنة من الجميع، ويسلم لها الجميع.

يأتي التركيز في هذه المناقشة هنا على الاندماج التواصلي أكثر من غيره، لأن الكلمة هي المفتاح لأي علاقة يمكن لها أن تنشأ بين أي طرفين، ومن خلال الكلمة يمكن الحكم على الأفراد بما يكنّونه من مخزون معرفي، وأخلاقي «قيمي» ومواهب فطرية، ومكنونات نفسية، حيث تفصح الكلمة عن مكنونات الإنسان، من اللقاءات الأولى بين الناس، ولذلك قد يجفل أحدنا عند أول لقاء بآخر، ويساوره الحذر والترقب، حتى تبدأ الكلمات المبثوثة عبر أثير اللقاء تخفف شيئا فشيئا من حالة الترقب هذه، ومن ثم يأتي السلوك المتبادل ليزيل الكثير ما تبقى من الغموض المفتعل في البدايات الأولى للتواصل، ويؤصل نقاوة النفس، أو العكس أيضا، ولأن المكنون يظل مكنونا حتى يفضحه أو يستره السلوك، لكن تبقى الكلمة أثرها الكبير في اصطياد الآخر والاستحواذ عليه، ولذلك فهناك من يحذر من عدم التسليم المطلق «الاندماج» مع أي طرف قبل التأكد من هويته، والهوية هنا ليس مقصود بها الانتماء الجغرافي أو العرقي، أو الديني، ولكن هي هوية النفس الذاهبة إلى احتواء الآخر، لأن الوصول إلى مستويات الاندماج معناه الوصول إلى مستويات متقدمة من العلاقة بين الأطراف، وما يصاحب ذلك من تبادل المصالح في بعديها المادي والمعنوي، والأنفس لا تتأخر كثيرا في الإفصاح عن حقيقتها، وقد يحدث كثيرا أن تفصح النفس عن حقيقتها في الدقائق الأولى من اللقاء، وهناك أناس غير قليلين يتميزون بحالة اندماج سريعة جدا، حتى يجد أحدنا نفسه في مأزق أو ورطة في كيفية التخلص من ذلك، خاصة إذا قُيِّمَتْ العلاقة في تلك اللحظة ليست بذات أهمية كبرى، إنما هي لظرف استثنائي عابر، ليس من الضرورة استمرار أسبابه، ولذلك يقال أيضا: أنه ما بني على عجلة، لا يؤمن سقوطه السريع، وفي المقابل هناك حالات لا يقل وصفها عن أن توصف بأنها «عصة» وأن أفرادها «عصيون» أي ليس يسيرا اندماجهم مع الآخر، وعلى هذا الآخر أن يعيش معركة حامية الوطيس حتى يحظى بهذا الاندماج معه، وقد يستعين بـ «صديق».

ولذلك يلاحظ أنه قد يفشل التواصل اللفظي في تحقيق مراحل الاندماج لأن هناك ما يشبه القبضة أو الانكسار داخل النفس فلا تستطيع تقبل هذا الطرف أو هذه الأطراف مجتمعة، فيحول ذلك دون الاندماج التام أو الفعلي، حيث تتراوح النسبية هنا فتؤثر على ذلك، فيكون اندماج قاصر وغير مكتمل، وقد يصرح البعض بـ «أنه غير مرتاح لفلان» مع أن هذا فلان يلتقيه أول مرة، وفي تصريح آخر قد يقول لك: « لقد ارتحت لفلان أكثر من غيره» مع أن هذا الأخير يلتقيه أيضا أول مرة، فسبحان الله مقلب القلوب، ولنا في قول أمنا عائشة - رضي الله عنها - مبلغ الأثر، ففي روايتها - حسب المصدر - تقول: سمعت النبي -، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» - انتهى النص - ففي هذا الائتلاف أو الاختلاف رسائل ضمنية تنقلها الأنفس على وجه السرعة بين الأطراف ليتخذ كل طرف قراره الحاسم من هذه العلاقة أو تلك، وفي كلا الحالتين (القبول/الرفض) هنا مستحق لا بد أن يكون وهو تحقق «العشرة» بين أي طرفين، فلا يمكن إطلاقا بناء مواقف رافضة بالمطلق، أو مقبولة بالمطلق دون أن تكون هناك مساحة زمنية متحققة يتم فيها تبادل الكثير من التعاطي في أشكاله المختلفة، لأن حالة الاندماج التي من المتوقع أن تتم، أن تكون آمنة، ومستقرة، وليست قابلة فض جلستها لأي موقف يكون، وإلا عد ذلك نوعا من تهلهل الشخصية، وارتباكاتها واهتزازها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الأطراف الکثیر من کثیر من

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: نزوح جماعي من مخيم زمزم في السودان ويجب حماية المدنيين

قالت الأمم المتحدة إن سكان الفاشر وطويلة وأجزاء أخرى من ولاية شمال دارفور يواجهون "وضعا مروعا" بسبب النزوح الجماعي وسقوط ضحايا من المدنيين وتزايد الاحتياجات الإنسانية، حيث سعى العديد من المدنيين إلى إيجاد الأمن والمأوى بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مخيم زمزم.

وأفاد شركاء الأمم المتحدة في المجال الإنساني على الأرض أن مئات الآلاف من سكان المخيم فروا إلى مواقع أخرى. وفي مؤتمر صحفي اليوم الأربعاء، ذكّر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن بعض سكان المخيم كانوا يعيشون فيه منذ بداية الصراع في دارفور عام 2003، وأنه تم تأكيد ظروف المجاعة هناك مؤخرا.

وقال: "إن التدفق الهائل للنازحين إلى المجتمعات والبلدات المضيفة حيث الاحتياجات مرتفعة بالفعل يخلق ضغطا حرجا على الخدمات الصحية والبنية التحتية للمياه وأنظمة الغذاء المحلية في جميع أنحاء شمال دارفور".

القدرة على الاستجابة
وقال السيد دوجاريك إن المنظمة وشركاءها الإنسانيين يوسعون نطاق عملياتهم لتلبية الاحتياجات المتزايدة في مناطق متعددة من الولاية، إلا أن حجم النزوح، إلى جانب انعدام الأمن والقيود اللوجستية المتزايدة التي أعاقت وصول المساعدات الإنسانية، "يُثقل كاهل القدرة على الاستجابة بشدة".

وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة إلى العمل على تنسيق مهمة عبر الحدود من تشاد إلى دارفور في الأيام المقبلة، ستحمل مساعدات لما يصل إلى 40 ألف شخص. بالإضافة إلى ذلك، تدير المنظمات غير الحكومية المحلية في الفاشر عيادات صحية متنقلة وعيادات تغذية، وقد أطلقت مشروعا لنقل المياه بالشاحنات، يوفر 20 مترا مكعبا من المياه يوميا لعشرة آلاف شخص.

ودعا السيد دوجاريك جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان المرور الآمن للمدنيين، وتسهيل وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

لعمامرة يكثف المساعي
وفي سياق متصل، وصل المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، إلى بورتسودان، حيث التقى بالجنرال عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الآخرين.

وتأتي هذه الزيارة في إطار تكثيف مشاوراته وتواصله مع الأطراف وجميع الجهات المعنية لاستكشاف سُبل تعزيز حماية المدنيين وأي جهد لتهدئة الصراع.

وقال السيد دوجاريك إن المبعوث الشخصي سيؤكد من جديد خلال زياراته دعوة الأمم المتحدة إلى حوار عاجل وحقيقي بين أطراف الصراع من أجل وقف فوري للأعمال العدائية.

وجدد المتحدث دعوات الأمم المتحدة إلى عملية سياسية شاملة لمنع مزيد من التصعيد، وحماية المدنيين، وإعادة السودان إلى مسار السلام والاستقرار.

وأضاف: "نحث الأطراف على اغتنام فرصة زيارة السيد لعمامرة إلى البلاد والمنطقة للالتزام بالانخراط في طريق شامل للمضي قدما وتعزيز حماية المدنيين، بما في ذلك من خلال محادثات غير مباشرة محتملة".  

مقالات مشابهة

  • الحصادي: تيتيه لم تتواصل بالشكل الصحيح مع كافة الأطراف السياسية والاجتماعية
  • تليجراف: الهيمنة الأمريكية تتراجع وصفقات ترامب تصطدم بواقع عالمي جديد
  • الراهب: السومة يركز على التسجيل وعسيري يعلق: ما يقدمه لا يكفي لبقاء العروبة.. فيديو
  • الأمم المتحدة: نزوح جماعي من مخيم زمزم في السودان ويجب حماية المدنيين
  • رمضان صبحي بين الملاعب والمحاكم.. معركة الطعن تشتعل من جديد
  • وزير الخارجية البولندي لروسيا: أليس لديكم ما يكفي من الأراضي؟
  • تطورات جديدة في قضية رمضان صبحي
  • البرازيل: دول “بريكس” ستدافع عن النظام العالمي المتعدد الأطراف
  • الهوية العُمانية في الميادين الدبلوماسية
  • الرئيس الصيني يؤكد أن الرسوم الجمركية "تضر" بالتجارة الدولية