لجريدة عمان:
2025-02-12@07:02:07 GMT

مَـرثية ريفية من أجل أوكرانيا والغرب

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

في تعليق نشرته صحيفة نيويورك تايمز في أبريل الماضي، اقترح جيمس ديفيد فانس، المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الآن، استراتيجية «دفاعية» لأوكرانيا والتي لم تكن سوى وصفة للهزيمة. لا شك أن كلماته قُـرِئَـت بعناية، واستقبلت بالترحاب، في بكين وموسكو. إن استرضاء روسيا على حساب أوكرانيا يرقى إلى كونه خسارة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة، وبالتالي انتصارا لخصومها.

لا ينبغي لدفاع فانس عن الاسترضاء أن يكون مفاجئا لأحد. ففي بودكاست يرجع إلى عام 2022 قال ستيف بانون، مُـرشِد دونالد ترامب السياسي (المسجون حاليا): «أنا لا أبالي حقا بما يحدث لأوكرانيا بأي شكل من الأشكال». تتلخص حجته في الأساس في أن روسيا، بما أنها أكبر من أوكرانيا، يمكنها أن تطلق قنابل وصواريخ أكثر مما يستطيع الأوكرانيون وداعموهم الغربيون التعامل معه. لا شك أن روسيا أكبر من أوكرانيا. ولكن إذا كان هذا سببا كافيا لقبول أوكرانيا بالهزيمة، فإن الحجة ذاتها يمكن تطبيقها على ثماني دول مجاورة أخرى كانت عند مرحلة ما جزءا من الإمبراطورية الروسية/ السوفييتية. الواقع أن فانس يعطي الضوء الأخضر فعليا لطموح فلاديمير بوتين لإحياء الإمبراطورية القديمة من خلال الغزو. الجارة الوحيدة المتبقية ستكون الصين، شريكة روسيا «بلا حدود». إن روسيا العظمى الـمُـنبَـعِـثة من جديد، بالتحالف مع الصين اليوم، تتمنى لو تتمكن من تغيير النظام العالمي. الواقع أن هذه هي النتيجة التي يريدها قادة البلدين على وجه التحديد. إن أمريكا المتراجعة استراتيجيا -التي تتخلى عن كابول ثم كييف- من شأنها أن تشجع الكتلة الأوراسية على الشروع في الهجوم. وسوف تصبح أيام تايوان معدودة، وقد تنهار دول أخرى حتى قبل أن يحدث ذلك. لقد عَـلَّـمَـنا الـمُـنَـظِّـر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز أن الحرب عبارة عن صراع إرادات سياسية. من المؤكد أن الترسانات والكتائب عناصر مؤثرة، لكنها غالبا ليست ما يهم في النهاية. فـلم تتحدد نتيجة الحرب في أفغانستان استنادا إلى أي جانب كان يمتلك من الذخيرة العسكرية قدرا أكبر مقارنة بالجانب الآخر. ومرة أخرى، إذا كنت تعتقد أن القوة النارية هي كل شيء، فلا بد وأن تعتقد أيضا أن تايوان يجب أن تستسلم. لم يحاول بوتين إخفاء أهدافه من الحرب. أثناء مقابلة أجراها مع الزعيم الروسي في فبراير من عامنا هذا، أسدانا الناشط اليميني تاكر كارلسون صنيعا كبيرا عندما سمح لموضوع الحديث بأن يحوم حول حلم بوتين بمحو أوكرانيا من على الخريطة. لم تكن القضية حقا تتعلق قَـط بالأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية أو توسع حلف شمال الأطلسي أو أي شيء آخر. بل إن بوتين، بعد أن أعاد إحياء الرؤية الإمبريالية الروسية الكلاسيكية، يعتقد أن أوكرانيا ببساطة ليس لها الحق في الوجود كدولة مستقلة.

لا يسع أي منا إلا أن يخمن أين قد ينتهي هذا المنطق. ذلك أن بولندا، وفنلندا، ولاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا، وجورجيا، وأذربيجان، وكازاخستان كانت جميعها ذات يوم جزءا من الإمبراطورية التي يسعى بوتين إلى استعادتها. إذا كان من الممكن إلحاق الهزيمة بأوكرانيا لأن الولايات المتحدة قررت الانسحاب، فإن كل الرهانات تصبح خاسرة. فمع وجود عدد كبير من البلدان الأصغر حجما من روسيا، سيضطر فانس إلى تكرار حجته السطحية على نحو يثير الغثيان.

من الواضح أن الدفاع عن أوكرانيا يقع في المقام الأول على عاتق الأوكرانيين. فدماؤهم هي التي تسيل في ساحة المعركة، وهم الذين تحمّلوا المسؤولية الـمُـخيفة المتمثلة في الدفاع عن الغرب على الرغم من كل الصعوبات التي تواجههم. عندما بدأت الحرب، لم يتوقع أحد أن يستمروا أكثر من بضعة أسابيع، إن لم يكن بضعة أيام. لكنهم صمدوا، وألحقوا أضرارا جسيمة بالمؤسسة العسكرية الروسية. وهذا وحده يشكل انتصارا. الثمن الذي يدفعه بقيتنا ضئيل للغاية. بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يبلغ هذا الثمن نحو 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط -وهو ما يزيد قليلا على عُشر إنفاقنا الدفاعي؛ وفي حالة الولايات المتحدة، يقل هذا الثمن كثيرا. صحيح أن أوروبا سمحت لقواعدها الصناعية الدفاعية -القدرة على إنتاج كل شيء من ذخيرة المدفعية إلى صواريخ الدفاع الجوي- بالتآكل والتدهور. لكن السماح لروسيا بابتلاع أوكرانيا لن يعفينا من عبء تصحيح هذا الخطأ. بل على العكس من ذلك، سوف نجد أنفسنا في بيئة استراتيجية أكثر تهديدا. وسوف يواصل المعتدي في الكرملين مسيرته. لم يخطئ فانس عندما زعم أن استراتيجية أوكرانيا الآن لا بد وأن تكون دفاعية في المقام الأول. فقد عجزت الهجمة المضادة التي شنتها أوكرانيا في العام الماضي عن إحراز تقدم كبير وجاءت نتائجها بعيدة كثيرا عن تحقيق غاياتها.

ولكن بدلا من سحب الدعم المقدم لأوكرانيا، ينبغي لنا أن ندرك أن هذه هي الاستراتيجية الوحيدة الجديرة بالثقة لتحقيق بعض مظاهر السلام في المستقبل. أما الوقوف موقف المتفرجين والسماح للقاذفات الروسية بتدمير خاركيف وأوديسا فمن شأنه أن يطلق العنان لأدوات الحرب لسنوات قادمة. في نهاية المطاف، سوف تصمت المدافع. لكن أي سلام حقيقي لن يتسنى إلا بعد إحباط حلم بوتين الإمبراطوري. يتعين على روسيا أن تتقبل دورها كدولة قومية طبيعية بين دول أخرى، ولا بد من تأمين ديمقراطية أوكرانيا وأمنها من خلال التكامل مع المؤسسات الأوروبية الأطلسية. عندئذ فقط يصبح من الممكن تسوية تفاصيل العلاقة بين كييف وموسكو. أنا أتفق مع فانس في أن الأوروبيين يتحمّلون مسؤولية ضخمة هنا. ولكن ينبغي له أن يدرك أن الدعم المالي الأوروبي يتجاوز بالفعل الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة، وأن الاتحاد الأوروبي بدأ عملية إلحاق أوكرانيا بعضويته رسميا. وهذه خطوة ضخمة ومهمة استراتيجيا. لكن الأمن الأوروبي ليس وحده على المحك. في خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأمريكي في أبريل الماضي، لم يحاول رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا تلطيف عبارته وأعرب عن رأيه صراحة قائلا: «أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غدا». فهل يدعو فانس إلى الاسترضاء هناك أيضا؟ إذا كان الأمر كذلك، وإذا فاز الجمهوريون برئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر، فسوف نجد أنفسنا في عالم حيث تتقهقر القيم والمصالح الغربية تماما.

كارل بيلدت دبلوماسي معروف شغل منصب وزير خارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيسًا للوزراء من عام 1991 إلى عام 1994، وعمل مبعوثًا خاصًا للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

خلال اتصال مع «بوتين».. «ترامب» يكشف عن «خطة سريعة» لإنهاء نزاع أوكرانيا

نقلت صحيفة “نيويورك بوست” عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوله إنه تحدث هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في محاولة للتفاوض على إنهاء النزاع في أوكرانيا.

جاء تصريح ترامب في مقابلة حصرية أجرتها معه الصحيفة على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس ون” مساء الجمعة.

وعندما سئل ترامب عن عدد المرات التي تحدث فيها مع بوتين، قال: “من الأفضل ألا أقول”، بحسب الصحيفة.

وأعرب ترامب عن اعتقاده بأن الرئيس الروسي “يهتم” بما يحدث من قتل على أرض المعركة، وقال: “يريد أن يتوقف الناس عن الموت، كل هؤلاء القتلى الشباب..”.

وجدد ترامب قوله “إن النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات “لم يكن ليحدث أبدا” لو كان هو الرئيس عام 2022، وأضاف: “كانت علاقتي دائما جيدة مع بوتين”، على عكس سلفه جو بايدن، الذي وصفه ترامب بأنه “كان مصدر إحراج كبير لأمتنا”.

وأكد ترامب أن لديه خطة ملموسة لإنهاء النزاع في أوكرانيا، وقال: “آمل أن يكون (وقف النزاع) سريعا. كل يوم يموت الناس. هذه الحرب في أوكرانيا سيئة للغاية. أريد إنهاء هذا الشيء اللعين”.

وتوجه ترامب إلى مستشار الأمن القومي مايك والتز، الذي انضم إليه في مكتبه على متن الطائرة الرئاسية، بالقول: “لنبدأ هذه الاجتماعات. هم يريدون الاجتماع. كل يوم يموت الناس. جنود شباب يقتلون، شباب مثل أبنائي، من الجانبين، في كل مكان على أرض المعركة”.

ومن المتوقع أن يلتقي نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس مع فلاديمير زيلينسكي في مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع المقبل.

وكان ترامب قد صرح سابقا بأنه يرغب في عقد صفقة بقيمة 500 مليون دولار مع زيلينسكي للوصول إلى المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل ضمانات أمنية في أي تسوية سلمية محتملة.

والثلاثاء الماضي أعلن ترامب أن واشنطن تجري مفاوضات “بناءة للغاية” مع موسكو وكييف بشأن حل الصراع في أوكرانيا، كما وصف تقدم المحادثات بالإيجابي وأعرب عن أمله في أن “تتجاوز الاتفاقات المحتملة كل التوقعات”، كما أعرب ترامب أكثر من مرة عن رغبته في الاجتماع مع بوتين شخصيا.

من جانبه، كان بوتين أكد استعداده للتواصل مع ترامب وإيجاد حل جذري للنزاع في أوكراني، إلا أن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف ذكر للصحفيين يوم الجمعة أن روسيا والولايات المتحدة لم تشرعا بعد في مناقشة لقاء محتمل بين زعيمي البلدين.

آخر تحديث: 9 فبراير 2025 - 10:06

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي: مساعداتنا لـ أوكرانيا ليست صدقة بل استثمار في أمننا
  • روسيا: استيفاء شروط بوتين السبيل الوحيد للتسوية في أوكرانيا
  • بوتين: روسيا تواصل تعزيز التعاون الدولي رغم التوترات الحالية
  • ترامب: تحدثتُ إلى بوتين حول إنهاء حرب أوكرانيا
  • ترامب: تحدثت مع بوتين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ترامب ناقش مع بوتين أزمة أوكرانيا
  • «الكرملين» يكذب «ترامب» وينفي حدوث اتصال مع «بوتين» لبحث النزاع في أوكرانيا
  • بين وعود ترامب وطموحات بوتين.. هل باتت أوكرانيا خارج الحسابات؟
  • ترامب تحدثت مع بوتين بشأن إنهاء حرب أوكرانيا في مكالمة هاتفية ..تفاصيل
  • خلال اتصال مع «بوتين».. «ترامب» يكشف عن «خطة سريعة» لإنهاء نزاع أوكرانيا