البحث عن الكفاءة الاقتصادية وراء فوضى «كراود سترايك»
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
أنا على استعداد للمراهنة بأن الناس حتى صباح 19 يوليو لم يسمعوا أبدا باسم شركة «كراود سترايك» للأمن السيبراني والتي تتخذ مقرها في أوستن بالولايات المتحدة. فقط بعدما دفعت الشركة بتحديث سيئ إلى حواسيب «ويندوز» وأوجدت بذلك أكبر كارثة تقنية معلومات على الإطلاق أدرك معظمنا إلى أي حد يعتمد جزء كبير من حياتنا عليها.
من الطبيعي أن نسأل كيف يمكن أن يحدث هذا وكيف يمكننا أن نتأكد من عدم حدوثه مرة أخرى. لكن هنالك سؤال آخر يلزم أن يحظى بالأولوية وهو: إلى أي حد نحن على استعداد للتضحية من أجل الحماية من هذا الخطر؟
في اللحظة الراهنة قد يبدو هذا سؤالا عبثيا. فبالنسبة للناس الذين تقطَّعت بهم السُّبُل بإلغاء الرحلات الجوية أو فقدوا مواعيد مراجعة الأطباء من المفيد إنفاق أي شيء تقريبا لتجنب الفوضى التي عصفت بخطوط الطيران والمشافي وباستجابات فرق الطوارئ والخدمات الحيوية الأخرى.
لكن هذا يبدو مثل القول بأن المفيد تأمين سيارتك عند أعلى حد ممكن بعد أن تتعرض لحادثة كبرى. فالعديد من أصحاب السيارات يقررون عدم شراء وثيقة التأمين الأكثر سخاء لأن تغطيتها الـتأمينية تنطوي أيضا على دفع أقساط أعلى.
كذلك الأمر مع التأمين عند الحد الأقصى ضد الأعطال الكارثية المماثلة للفوضى التي أحدثتها كراود سترايك. فالقيام بذلك يتطلب دفع ثمن يتمثل في التقليل من الكفاءة. (تقصد الكاتبة الكفاءة الاقتصادية والتي تعني تحقيق أفضل أداء بأقل قدر من الموارد أو النفقات وتقليلها يعني ضمنا استخدام المزيد من الموارد أو النفقات- المترجم.) لذلك علينا أن نقرر نوع المقايضات التي نحن على استعداد للقيام بها.
ليكن واضحا أن تجنب هذه الكارثة بالتحديد قد لا يكلف أموالا كثيرا. لكن كراود سترايك حالة واحدة فقط من عدد لا يُحصى تقريبا من حالات الفشل المحتملة في اقتصادنا المعولم والرقمي. فخلال ما يزيد عن خمسين سنة، سَعْيُ السوق الذي لا هوادة فيه وراء الكفاءة الاقتصادية والتمدُّد جعل مثل هذه الأعطال في نقاط الربط الجماعية أكثر تواترا. وزاد من احتمال كارثيَّتِها وصعوبة رصدها قبل وقوعها. ومن جهة أخرى يتيح لنا حراك السوق هذا تواصلا فوريا بكل ثقافات العالم ومعظم معلوماته إلى جانب الحصول على سلع وخدمات أكثر وأرخص وأفضل ويمنحنا اقتصادا عالميا ينتشل في كل عام ملايين الناس من وهدة الفقر.
بلغتُ سِنَّ الرشد في التسعينيات عندما كان هذا التحول لا يزال في أيامه الأولى نسبيا. كانت شبكة الإنترنت قد بدأت لتوها وشرَعت التجارة العالمية في نقل الصناعة التحويلية من الولايات المتحدة إلى البلدان التي لديها ميزات في التكلفة مثل الصين والمكسيك أو تملك خبرة فنية خاصة كألمانيا واليابان.
في الوقت ذاته كان الأمريكيون يستوردون فنون الإنتاج الأجنبية مثل نموذج «التصنيع عند الطلب» والذي أحلَّ المورِّدين المحليين المفتقرين إلى الكفاءة وقطع الغيار المكدسة بسلاسلِ توريدٍ نائية ولكنها مبسَّطة قدمت المدخلات المطلوبة عند الحاجة إليها بالضبط.
كان هذا في أحيان كثيرة صعبا على الناس الذين يعملون للصناعات المحلية. لكنه نعمة للعاملين في البلدان الفقيرة وللمستهلكين الأمريكيين. قارنوا أي منتج استهلاكي اليوم بمنتج مكافئ له في عام 1990 وغالبا ما ستجدون إما تحسنا مثيرا في نوعيته كما في السيارات أو هبوطا حادا في السعر كما في الملبوسات. وفي حالة التلفزيونات ومنتجات عديدة أخرى ستجدون كلا الميزتين (تحسن النوعية وانخفاض الأسعار).
عززت الإنترنت هذا الاتجاه لأن آثار شبكتها (ازدياد عدد مستخدميها وبالتالي ارتفاع قيمة خدماتها) واقتصاديات حجمها الكبير (مزايا تكلفتها) غالبا ما تدفع بالأسواق إلى أحضان قلة من الشركات الكبيرة. فهذه الصحيفة مثلا (واشنطن بوست) كانت واحدة من بين آلاف الصحف المحلية التي تتنافس كلها على اجتذاب القراء في سوق محدودة جغرافيا. أما الآن فهي تسعى إلى أن تكون من بين قلة من المطبوعات الإخبارية اليومية التي تخدم البلد بأكمله، بل ربما حتى كل العالم الناطق باللغة الإنجليزية.
توسيع الأسواق ووضع المزيد من البيض في سلال أقلّ لهما فوائد حقيقية. إذ يمكن لعدد قليل من الصحف الكبيرة تغطية المزيد من المجالات المهمة وبعمق أكبر من عدد كبير من الصحف الصغيرة. لكن لها أيضا جوانبها السلبية الحقيقية. فهنالك احتمال كبير في أن تغفل كل تلك الصحف القليلة بعض الأخبار وخصوصا المحلية أو تخطئ خطأ جسيما في أحدها.
على نحو شبيه بذلك وكما اتضح أثناء الجائحة يمكن لسلاسل التوريد العالمية «حسب الطلب» تعريض الشركات وزبائنها لمتاعب عندما تغلق الحكومات الحدود وتلجأ إلى تخزين المواد بالغة الأهمية لمصلحة مواطنيها.
في حالة شركات البرمجيات من الجيد تماما بمعايير الكفاءة الاقتصادية أن تخدم شركة واحدة عددا كبيرا من الزبائن المُهمّين وذلك على نحو ما تفعل «كراود سترايك» أو حتى عمليا أن تخدم كل الزبائن كما هي الحال مع البحث على الإنترنت.
على نحو ما، تركُّز الخدمة هذا في عدد قليل من الشركات قد يتيح قدرا أكبر من الموثوقية لأنها تطور خبرة واسعة بخدمة مستخدمين عديدين. ويمكنها استثمار المزيد في البحث والتطوير والأمان بأكثر مما يمكن أن تفعل أية شركة برمجيات محلية.
لكن عندما تحدث الأعطال فإنها، كما يبدو، تشمل الجميع في كل مكان وفي الوقت نفسه وتترك المستخدمين من دون بدائل.
إذن ما هي أفضل طريقة لمحاولة تدبير المقايضة بين الكفاءة الاقتصادية وبين الاستغناء عن نظم احتياطية أو مكونات إضافية لتأمين استمرارية الخدمة؟ (المقايضة بين تعظيم الإنتاجية وتقليل الهدر وبين تضمين عناصر وعمليات قد تكون غير ضرورية للنظام لكنها تحوطية ويمكن اللجوء إليها عند تعرض النظام إلى أعطال– المترجم.)
هذا سؤال صعب ينتظر الإجابة في يوم آخر. أما الشيء المهم الآن فهو الإقرار بأنه سؤال مطروح ولا سبيل للتخلص منه.
ربما كان يلزمنا إمعان التفكير في مثل هذه المقايضات أثناء فترة الاندفاع الكبير نحو تحقيق الكفاءة الاقتصادية. علينا الآن أن نفكر فيها بقدر أكبر من الجدية.
ميجان مكاردل كاتبة رأي في صحيفة واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکفاءة الاقتصادیة کراود سترایک
إقرأ أيضاً:
ألمانيا .. مجموعة بوش الألمانية تعتزم شطب المزيد من الوظائف بسبب “ظروف السوق الصعبة”
ألمانيا – صرحت مجموعة بوش التكنولوجية الألمانية لمستلزمات السيارات إنها تخطط لشطب المزيد من الوظائف في بعض مواقعها، نظرا للظروف الصعبة في السوق.
وفي تصريحات أدلى بها لصحيفتي “شتوتجارتر تسايتونج” و”شتوتجارتر ناخريشتن” الألمانيتين الصادرتين قال الرئيس التنفيذي للشركة، شتيفان هارتونج، :”لن يكون بإمكاننا تجنب شطب المزيد من الوظائف”. وأوضح أن السبب في ذلك يعود إلى ضعف الاقتصاد العالمي في قطاع السيارات، واحتدام المنافسة مع الشركات الصينية، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين التي يشعر بها المستهلكون.
وأشار هارتونج إلى أن التحول من محركات الاحتراق الداخلي إلى الدفع الكهربائي سيؤدي أيضًا إلى فقدان عدد كبير من الوظائف. لكنه أوضح أن هذا التحول لا يحدث بالسرعة المتوقعة، وهو ما يعد أمرا إيجابيا، حيث يسمح ذلك بالاستفادة لفترة أطول من الطاقة الإنتاجية الحالية لمحركات الاحتراق.
وتابع هارتونج أن العديد من الموظفين سيصلون إلى سن التقاعد قبل أن يفقدوا وظائفهم بسبب عملية التحول. ورأى هارتونج أن التغيرات الديموغرافية وحدها لن تكون كافية لحل المشكلة، مشيرا إلى أن التحول إلى التنقل الكهربائي أمر لا مفر منه وأن شركته التي يقع مقرها في مدينة جرلينجن بالقرب من شتوتجارت، تستعد لهذا التغيير.
وبحسب الأرقام الأولية تراجع الربح قبل احتساب الفوائد والضرائب لدى بوش في العام الماضي بنسبة الثلث ليصل إلى 3.2 مليار يورو، وذلك بعدما كانت الشركة حققت أرباحًا تشغيلية بقيمة 4.8 مليار يورو في عام 2023. كما انخفضت الإيرادات في العام الماضي بنسبة 1% لتصل إلى 90.5 مليار يورو، مما يعني أن الشركة لم تحقق أهدافها وفقا لهارتونج.
المصدر : وكالة الأنباء الألمانية