الشيخ عكرمة صبري والدفاع عن المسجد الأقصى
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
«سنظلّ نمارس دورَنا في الدفاع عن المسجد الأقصى من الأخطار التي تواجهه». بهذه الكلمات تحدّث الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك، تعليقًا على لائحة الاتهام التي قدّمتها النيابة العامة الإسرائيلية ضده، لأنه تحدّث عن «مكانة الشهيد في الإسلام»، وهو ما اعتبرته النيابة الإسرائيلية يندرج في إطار «دعم الإرهاب» على حد زعمها.
تعقيبًا على تقديم لائحة الاتهام، أشار خالد زبارقة - وهو أحد محامي الشيخ عكرمة - إلى أنّ جماعات يهودية متطرفة تسعى منذ سنوات وبكلّ قوتها إلى تجريم الشيخ «والهدف من هذا التجريم سياسي، لأنّ هذه الجماعات تتعامل مع الخطاب الديني الإسلامي بشكل تصادمي من جهة، وهي تسعى لإسكات كلّ صوت حر قوي ومؤثر في قضية القدس والأقصى من جهة أخرى».
في ظلّ تساقط الكثير من الدعاة، وتغيير الكثير منهم بوصلتهم مع اتجاهات السياسات العربية الخنوعة، ظلّ الشيخ عكرمة صبري صوت القدس والأقصى المسموع محليًّا وعالميًّا، لانتهاجه خطابًا علميًّا مهنيًّا دينيًّا، يفضح فيه السياسات الإسرائيلية، ويحذّر ممّا يخططه الكيان للمسجد الأقصى؛ لذا فإنّ توجيه اتهام للشيخ عكرمة، جاء في وقت مهم، نالت فيه القضية الفلسطينية تعاطفًا شعبيًّا عالميًّا، مع استمرار طوفان الأقصى منذ عشرة أشهر. وعلى ما يبدو فإنّ لإسكات الشيخ عكرمة «أهدافًا تتعلق بتغييرات جذرية في المسجد والمدينة المقدسة»، كما يقول المحامي خالد زبارقة المختص في قضايا القدس، الذي يصف تقديم لائحة الاتهام بـ«الجريمة»، لأنها «تأتي في هذه المرحلة الخطيرة ضد شخصية اعتبارية بحجم سماحة الشيخ عكرمة صبري».
لم يهتم الكيان الصهيوني بعمر الشيخ عكرمة الذي جاوز الـ 86 عامًا، لأنه - أي الكيان - لا يتحمل أيّ صوت مؤثر يبث للناس وعيًا بخصوص الهوية الفلسطينية، فمن أهدافه أساسًا طمس كلّ ما يتعلق بالهوية الفلسطينية، وبالتالي فإنّ أيَّ شخص يعرقل مشروعه يعتبره خطرًا ولا بد من إزاحته من طريقه. ولكي تضيِّق عليه الخناق، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الشيخ عكرمة من التواصل مع ثماني شخصيات من الداخل الفلسطيني المحتل، بينها الشيخ رائد صلاح وكمال الخطيب وأحمد سليمان اغبارية.
وإذا كانت إسرائيل تريد عقاب الشيخ عكرمة صبري، فإنها تعاقبه على مجمل مواقفه القديمة والحديثة، وربما موقفه من زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1977، وكان الأبرز في تاريخه؛ فما حدث في تلك الزيارة أنّ الرئيس السادات صلى صلاة عيد الأضحى في المسجد الأقصى، وخطب الشيخ عكرمة خطبة العيد، مستغلا الزيارة لأنها أتاحت له أن يتحدّث للمسلمين في العالم للمرة الأولى عبر الأثير وعبر محطات الأقمار الصناعية ومن شاشات التلفاز، فخطب موجِّهًا نظره للرئيس السادات: «تمنينا لو أنك أتيت فاتحًا مثل صلاح الدين الأيوبي»، بل إنّ الشيخ عكرمة ذهب أبعد من ذلك، وكأنه يرى مصير الرئيس السادات بعد ذلك بسنوات قليلة، عندما قال في الخطبة: «من أراد لبيت المقدس سوءا أهلكه الله»، وذكّر الرئيس السادات والرؤساء العرب بأنّ فلسطين عامة والقدس خاصة أمانة في أعناقهم، ووجّه نداء للرئيس السادات من أمهات المعتقلين والمسجونين السياسيين في الأراضي المحتلة، لإطلاق سراح فلذات أكبادهم.
إضافةً إلى أنه خطيب المسجد الأقصى، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، سبق للشيخ عكرمة صبري أن شغل منصب مفتي القدس والديار الفلسطينية، وهو مؤسس هيئة العلماء والدعاة في فلسطين ورئيسها، ورئيس مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين وله عدة مؤلفات. وتعود أول خطبة ألقاها في منبر المسجد الأقصى إلى عام 1973، ويواظب للعام الـ51 على التوالي على القيام بهذا الدور، ومن الطبيعي ألا تروق خطبه وكلماته للاحتلال الإسرائيلي، فبدأ بملاحقته منذ عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية. ومنذ ذلك الحين يتعرض للاستدعاء والاعتقال والتحقيق، بالإضافة إلى عقوبتَيْ الإبعاد عن المسجد الأقصى والمنع من السفر، ودهمت المخابرات الإسرائيلية منزله في حي الصوانة في القدس الشرقية بداعي تسليمه أمر إخلاء وهدم للبناية التي له شقة فيها.
وقف الشيخ عكرمة دائمًا ضد الانتهاكات الإسرائيلية التي تطال المسجد الأقصى، وظلّ الصوت الداعي إلى إنقاذه من عمليات التهويد، وتصدى لمحاولات إسكات صوت الأذان في مساجد القدس المحتلة، ووقف ضد القرار غير المسبوق بإغلاق باحات الأقصى أمام المصلين. وقد أصيب يوم 18 يوليو 2017 برصاصة مطاطية، بعد أن هاجمت قوات الاحتلال آلافًا ممن أدوا صلاة العشاء في منطقة باب الأسباط بالقدس المحتلة، عندما تحدى المقدسيون الإسرائيليين الذين نصبوا البوابات الإلكترونية حول المسجد الأقصى، وهي الخطوة التي رفضوها، فكان الشيخ عكرمة في مقدمة المحتجين والرافضين لتلك التدابير الأمنية التي هدفت إلى غلق المسجد الأقصى أمام المصلين، واعتبر - في حديث للجزيرة نت - أنّ الهدف من هذه البوابات هو فرض السيادة على الأقصى المبارك، وحثّ المصلين على الالتزام بالصلاة في المسجد رغم الحواجز الإسرائيلية المؤدية للأقصى، «وأنّ أجر الصلاة خارج الحواجز هو ذات الأجر داخل المسجد الأقصى نظرًا لوجود مانع سببه الاحتلال».
لم يمنع كبر السن الشيخ عكرمة صبري عن مواصلة النضال ضد تهويد المسجد الأقصى؛ فهو دائمًا في مقدمة المحتجين، وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وعُرف بمشاركته في الكثير من النشاطات والفعاليات المناهضة لتهويد القدس، وتعرّض من جراء ذلك للمضايقة والاستجواب والاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه صامد، ويعطي درسًا للشباب في الثبات، لذا فقد حث المقدسيين على شد الرحال إلى المسجد الأقصى يوم الأحد (الذي وافق) السابع من شهر يوليو الحالي بمناسبة حلول رأس السنة الهجرية الجديدة «1446»، واستثمار ذكرى الهجرة النبوية الشريفة للصلاة والمرابطة بالمسجد الأقصى المبارك، والمشاركة في حلقات الابتهالات والذكر. وكعادته أطلق دعوة للدول العربية والإسلامية أن تكثف من جهودها وتعزز مواقفها لحماية المسجد الأقصى من الأخطار المحدقة به وصون المقدسات الدينية والأملاك الوقفية في مدينة القدس وفلسطين، لكن المؤكد أنّ صيحته ذهبت أدراج الرياح.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ عکرمة صبری المسجد الأقصى الأقصى من الأقصى ا
إقرأ أيضاً:
144 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
اقتحم 144 مستوطنا إسرائيليا، باحات المسجد الأقصى على شكل مجموعات، ونفذوا جولات استفزازية، وأدوا طقوسا تلمودية.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية " وفا" اليوم/ الأحد/ أن عشرات المستوطنين اقتحموا باحات المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس الشرقية المحتلة وسط الضفة الغربية، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي.