يبدو أن خطة تحريك الأسعار التى أعلن عنها الدكتور مصطفى مدبولى هى الخطة الأوضح التى نعيش تفاصيلها دون رادع، ولا يحتاج أحد إلى دليل ليعرف، ويعى ويدرك أن هذا التحريك المستمر للأسعار فاق توحشه قدرة التعايش معه، أو التكيف مع مخالبه وأنيابه التى باتت تنهش إدراكنا البصرى والسمعى والعصبى، وأياً كانت الأسباب والمسببات الدافعة لحالة التبخر اللاإرادى لمخزون «جيوبنا» الاستراتيجى، كل هذا لا يهم ولن يفيد، تعددت الأسباب و«النهش» واحد!!.
لقد كتبت وغيرى كثيراً عن حالة الشكوى من انفلات الأسعار، ولم أجد الجديد الذى أكتبه، لذلك أعيد ما نشرته «اللطائف المصورة» لصاحبها «إسكندر مكاريوس» فى عددها الصادر الاثنين 12 مارس 1917، تحت عنوان «قانون الغلاء الفاحش نحن الجوع الكافر»، تنتقد فيه وبه جشع التجار وأطماعهم بطريقة فكاهية كما نفعل الآن فى محاولة التكيف مع أزماتنا، ووضعت الجريدة 14 مادة لهذا القانون الصادر فى «كَفْرْ التجار الطمَّاعين».
وقبل أن أسرد تفاصيل هذا القانون الهزلى الذى نشرته «اللطائف المصورة»، ألفت انتباه القارئ الكريم، أن وقت نشر هذه المواد التخيلية- عام 1917- كانت الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد، وشهدت بلدان كثيرة مجاعات كبرى فى هذا العام.. وإلى نص مواد القانون:
بدأت الجريدة استهلال القانون كالتالى: بعد الاطلاع على «المادة إيدها للتسول»، وبناء على ما عرضه علينا أحد التجار القاطنين بكفر الطمَّاعين، وبعد موافقة مجلس الأُنس الهنى أمرنا بما هو آتٍ:
المادة الأولى: بيع العيش الاعتيادى يكون بمعرفة التجار الطمَّاعين بعد استجلابه من المخابز المغشوشة.
المادة الثانية: العيش الخاص يصير بيعه فى الأجزاخانات داخل برشامة يتعاطى بها من عضه الجوع بنابه، بناء على شهادة تعطى له من طبيب كفر الطمَّاعين، وتناولت المادة الثالثة حق الخبازين فى أن يضيفوا على العيش البلدى ما يشاءون من الجبس المعصراوى و«القصرمل» القصرمل مادة تنتج من مخلفات الحرق بالأفران- ويحق للمقاولين الإشراف على المخابز والجباسات، وأقرت المادة الرابعة من هذا القانون أنه: يتحتم على كل جائع أن يأكل عشرة أرغفة كل مرة، هذا إن استطاع دفع المبلغ وإلاَّ يموت جوعاً.
ونصحت المادة الخامسة المخابز بأن تصغر العيش بقدر الإمكان حتى يكون مما خف حمله وغلا ثمنه، وجعلت المادة السادسة العيش «الملدن» من الأحجار الكريمة والعيش «الفينو» من الآثار القديمة، ولا يجوز بيعه إلا فى خان الخليلى.
أما المادة السابعة فقد نصحت كل صاحب بيت أو رئيس عائلة، أن يبيع منقولات بيته ليأتى لأولاده بعشوة ليلة، وقدمت الثامنة النصح لأصحاب المخابز وجميع الخبازين والعجانين بأن ينزعوا الرحمة من قلوبهم كما نزعوا القمح من الخبز، وحددت المادة التاسعة من هذا القانون الساخر عقوبة كل من يعثر على رغيف عيش أيام وسنوات الرخاء، ولم يسلمه للجنة حفظ الآثار، بأن يعاقب بأكل وشه، وأخلت المادة العاشرة مسئولية المخابز وتجار الدقيق عما يحدث للأمعاء من النزلات الشعبية والإمساك وعسر الهضم.
وجاء نص باقى مواد القانون الساخرة والساحرة كالتالى:
المادة الحادية عشرة: على تجار القمح أن يعملوا من الحبة قبة، وأن يعتبر قولهم كالسعر الداير فى البلد مثل الأمراض والأوبئة بدون تداخل مصلحة الصحة.
المادة الثانية عشرة: على عموم الجزارين ألا يذبحوا المواشى، ويكتفوا بذبح أصوات الزبائن «سلفاً» ولا يجوز لأحد إدخال اللحمة على أولاده إلا إذا كان من عضمة خشنة، وللجزارين الحق فى تقطيع الفروة ومن خالف ذلك نسلخ جلده.
المادة الثالثة عشرة: على تجار السمن أن يسيحوا فى عموم البلاد، وأن يكون مركزهم بركة الرطل، ولهم حق بيع الجوز بدل المفرد، كذلك يخول لهم استجلاب بضائعهم من الشحم النقى المخصص لعجلات قطارات السكة الحديد.
المادة الرابعة عشرة: على عموم التجار والمصريين تنفيذ هذا القرار كل فيما يخصه.
صدر القانون بسراى رأس الحكمة مخافة الله فى عبيده البائسين.
الإمضاء: كُل بعضك.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب الدكتور مصطفى مدبولي دون رادع هذا القانون
إقرأ أيضاً:
لا يمكن العيش بأقل من 900 دولار شهريًا!
كتبت" النهار": في بلد يتآكله الانهيار الاقتصادي وتنهشه الأزمات المتلاحقة منذ عام 2019، يقف الاتحاد العمالي العام على خط النار، محاولًا الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق العمال.يرد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر في حديث خاص إلى "النهار" على هذه الاتهامات بالتأكيد أن عمله يجري "ضمن فن الممكن"، مع مراعاة واقع المؤسسات اللبنانية.
يشدد الأسمر على أن مفاوضات رفع الحد الأدنى للأجر لا تزال تراوح مكانها، رغم إصراره على أن "الراتب المقبول يجب أن لا يقل عن 900 دولار، وهو رقم يستند إلى دراسات علمية أُجريت أخيرًا. أما في العاصمة، فيُقدَّر الحد الأدنى للعيش الكريم بأكثر من 1200 دولار شهريًا، نتيجة الغلاء الفاحش وكلفة الإيجارات". مع ذلك، تصطدم هذه الأرقام برفض قاطع من الهيئات الاقتصادية التي تدّعي عدم القدرة على الدفع، رغم أنها استفادت من الدعم الحكومي، من قروض على سعر صرف 1500 ليرة، ومن منصة صيرفة، ومن سياسات نقدية لم تَصب في مصلحة العمال.
ويشير إلى أن "الزيادات التي حصلت في القطاع الخاص منذ بداية الأزمة لم تكن عادلة ولا شاملة، واقتصرت بمعظمها على بعض موظفي الشركات الكبرى أو المراكز الإدارية، بينما تُركت الغالبية من العمال في المصانع، والزراعة، وسائقي النقل، والمياومين، من دون أي تصحيح يلحظ حجم الكارثة التي يعيشونها". ويضيف: "هناك اليوم من لا يزال يتقاضى أقل من خمسة ملايين ليرة شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي حتى لكلفة التنقل اليومي".
في الختام، يدعو الأسمر إلى واقعية جديدة في مقاربة ملف الأجور، "ترتكز على العدالة لا على الشعارات"، مؤكداً أن "غياب الدولة عن مسؤولياتها وتهرّب أصحاب العمل من التصريح الحقيقي، يُهدّدان ما تبقى من الضمان الاجتماعي ومن كرامة العمل في لبنان". وهو إذ يعترف بصعوبة المرحلة، يؤكد أن "النضال سيستمر، ضمن حدود الممكن، لحماية ما تبقى من الحقوق، في انتظار أن تستفيق الدولة وتعود إلى دورها الحقيقي في حماية الفئات الأكثر هشاشة".
مواضيع ذات صلة بالليرة.. كم تحتاج العائلة اللبنانية شهرياً للعيش؟ Lebanon 24 بالليرة.. كم تحتاج العائلة اللبنانية شهرياً للعيش؟