جلست في تلك الكافيه الساحرة بأجوائها الفكتورية في طرف حديقة عامة، أحتسي فنجان قهوة وأقرأ رواية (الخيميائي) بنسختها الإنجليزية هذه المرة، مدركة أنه شتان بين هذه القراءة والقراءات السابقة لهذه الرواية التي تعدت الخمس قراءات في تلك الفترة، ذلك أنني حققت كثيرا من أهدافي وأحلامي بعد القراءة والتي ألهمتني بشكل عجيب، وكما يقول المثل اللاتيني (احذر رجل الكتاب الواحد) أظن أن هذه الرواية هي كتابي الواحد الذي لا أملّ من قراءته والحديث عنه، وكانت دائما العبارة التي وردت فيه (إذا أراد الإنسان أمرا فإن الكون كله يتآمر معه لتحقيق ما يريد) ماثلة أمامي، وقد شهدت تحققها مرارا وتكرارا في حياتي، فقد سخر الله لي الظروف بشكل إعجازي في تجربتي الحياتية خلال العقود الماضية.
حتى هذا المشهد الذي أكتب عنه كان حلما حلمت به بكل تفاصيله وتمنيته وأنا أستمع قبل سنوات إلى حوار بين زوجي وشاعر عماني يعيش متنقلا بين سلطنة عمان وأوروبا، بدت الصورة التي كان يرسمها بأسلوبه الشاعري جميلة وساحرة، فصلت عن اللحظة آنذاك، وتخيلت نفسي أعيش هذه اللحظات، حتى فنجان القهوة ذاك والبخار المتصاعد منه في شتاء أوروبا البارد، والنقوش الجميلة التي تزينه، ورائحة القرفة المنبعثة من فطيرة التفاح الساخنة التي اخترت أن ترافق فنجان قهوتي ورواية الخيميائي.
أستحضر هذه الذكريات، وأنا أستمع لنقاش يدور في مجموعة (واتساب) وجدت نفسي عضوة فيها، والأعضاء يتحدثون عن (تفاهة التنمية البشرية)، بطبعي لا أحب الجدال، لكنّ حوارا داخليا كان يتردد داخلي: ليتهم فقط جربوا خوض هذه الرحلة قبل الحكم عليها، مدركة أن كثيرين لم يجربوا، وكثيرون غيرهم وقعوا ضحية لمدعي العلم في هذا المجال.
هذا العصر استثنائي حقا، والتجارب التي من الممكن أن يعيشها المرء تجارب استثنائية بحق، لكن لعيش هذه التجارب علينا التحلي بالشجاعة للتجربة، العمر قصير جدا، أقصر بكثير مما يتراءى لنا، بعض التجارب لا تصلح للخوض فيها عندما يتقدم بنا العمر، فقد يكون أوانها قد فات، رغم ذلك يعيش الكثيرون حبيسي (أعذار واهية) تمنعهم من عيش الحياة التي يتمنونها.
حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: