اجتماعاتٌ دوليةٌ سريةٌ لمستقبل غزة بعد ذبحها وسلخها
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “97”
اجتماعاتٌ دوليةٌ سريةٌ لمستقبل غزة بعد ذبحها وسلخها
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
لا تنفك دول المنطقة، وخاصة أطراف السداسية العربية، جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة المغربية، ودولة قطر، ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، تجتمع وتلتقي في أكثر من دولةٍ وعاصمة، على مستوى رؤساء أجهزتها الأمنية، وفي مقدمتهم رئيس ألــــCIA، ومشاركة وزيري خارجية دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر، برعاية وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنسق للقاءات وتدعو لها، وتضع أجندتها وتحدد إطارها، وتضغط على الأطراف للمشاركة فيها والتعاون معها.
يلتقي مندوبو هذه الدول أحياناً بصورة علنية مكشوفة، في باريس وروما ولشبونة وجنيف وغيرها، وفي القاهرة والدوحة والرياض ودبي وعمان، وأحياناً بشكلٍ سري بعيداً عن الإعلام والإعلان، وفي ظل ظروف خاصة تفرض السرية والتعتيم الإعلامي، لضمان نجاحها والحيلولة دون إفشالها والاعتراض عليها، ولكنها تلتقي بصورة دائمة، ولعلها تسابق الزمن وتحاول أن تسبق الأحداث الضخمة والمتسارعة في غزة خصوصاً والمنطقة عموماً، وتتهيأ لها وتستعد قبل أن تدهمها وتفاجئها، وتفرض على المنطقة وقائع لا تريدها أو تخشى منها.
ربما لا يوجد على جدول أعمال هذه اللقاءات سوى موضوع مستقبل قطاع غزة، أو ما بات يعرف بمصطلح “اليوم التالي”، أي ماذا بعد وقف الحرب وانتهاء القتال، واستعادة الأسرى الإسرائيليين الأحياء وجثامين القتلى، وكيف سيكون وضع قطاع غزة ومن سيحكمه، وهل ستبقى حركة حماس موجودة ومعها قوى المقاومة المسلحة، وكيف يمكن إعادة إعمار القطاع وإغاثة أهله بعيداً عن سلطة حماس ونفوذها، وضرورة انسحاب جيش الاحتلال وتخليه عن مراكز تواجده في القطاع لصالح سلطة فلسطينية جديدة، أو قوات عربية مشتركة، مدعومة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية.
تجري هذه اللقاءات والمشاورات الإقليمية مع الإدارة الأمريكية، علماً أن الحرب لم تنته، والعدوان لم يتوقف، والعدو لم ينتصر، والمقاومة لم تستسلم، وما زال قطاع غزة بشعبه ومقاومته صلباً ثابتاً، واثقاً راسخاً، يقاوم ويقاتل، ويرفض الاستسلام والتنازل، والشعب لم يفوض غير نفسه للحديث باسمه أو التفكير في مستقبله، أو القبول به حاكماً أو سلطةً، ولا يبدو أنه سيقبل بقوة عربيةٍ مشتركة ولو كمرحلة انتقالية، كما لن يقبل بوجود الاحتلال في أي بقعةٍ منه، ولا على أي معبرٍ فيه، ويصر على أن يكون يومه التالي يوماً فلسطينياً خالصاً، يقرر مصيره بنفسه بالتشاور والاتفاق مع كل قواه وفصائله.
الغريب في أمر المجتمعين على غزة ومستقبلها، والمهمومين بغدها ومن يحكمها، والغيورين على شعبها ومعاناته، أولاً افتراضهم أن المقاومة هزمت وانكسرت واستسلمت ورضيت بأن تفرض عليها الحلول، وأن تخضع للشروط، وهذا أمرٌ منافي للواقع ومخالف لما نراه على الأرض وفي الميدان، حيث تبدو المقاومة كأقوى ما تكون، نشطةً فاعلةً قويةً، مترابطة متماسكة، تفرض نفسها بعملياتها، وتؤكد حضورها بجاهزيتها، وأنها باقية رغم أنف الاحتلال، الذي سينسحب من قطاعهم كله تحت وقع عملياتها، ونتيجة صمودها وشعبها.
والأمر الثاني هو استبعادهم للطرف الفلسطيني صاحب القضية والمعني بالمسألة كلها، حيث لا يشركون الفلسطينيين في حواراتهم، ولا يدعونهم إلى لقاءاتهم، ولا يستدعون مستشارين منهم، ولا أصحاب خبرةٍ وأهل رأيٍ ليسمعوا لهم ويعرفوا منهم اتجاهات الرأي الفلسطينية، علماً أنه لا يوجد في غزة من يقبل أن يكون بديلاً، أو يرضى أن يكون أداةً، ويعمل أجيراً تحت سلطة الاحتلال.
والتغييب نفسه يطال السلطة الفلسطينية التي تتفق معهم أحياناً ولا تختلف معهم غالباً، فإنهم لا يدعونها إلا نادراً، ولا يشركونها في لقاءاتهم إلا قدراً، إذ لا يقبل بها العدو شريكاً ولا يعترف بها ممثلاً، ولا يريد أن يكون لها أي دورٍ في إدارة قطاع غزة، ولا يتمنى جمع غزة والضفة تحت سيادتها، ولا يريد السماح لها بالعودة إليه كسلطةٍ فلسطينيةٍ بشكلها الحالي، فهو على الرغم من تبعيتها له والتزامها باتفاقياته معه، يريد أن يسخطها أكثر، وأن يقزم دورها أكثر، وأن يعين بعضاً منها رغماً عنها في إدارة القطاع، دون أن تكون السلطة مرجعيتها، ولا رام الله إدارتها، وإنما يريدهم أدواتٍ بيده، وسلطةً تحرسه، ينفذون أوامره، ويلتزمون بتعاليمه.
إنهم يخططون لإنتاج سلطةٍ فلسطينيةٍ جديدةٍ، فإن لم تكن عشائرية وهو ما قد بدا صعباً عليهم، فإنهم لا يعدمون وسيلةً لإنشاء وتأسيس شركاتٍ أمنية وإدارية فلسطينية، يتم التعاقد معها وتنظيم تمويلها، وتوظيف خبراء فيها ومستشارين ينهضون بها، وضمان توفير ما يلزمها، بحيث تتولى المهام المدنية والإدارية للسكان في القطاع، وتشرف على إدارة مؤسساته الصحية والتعليمية وصيانة الشوارع والطرقات، وإعادة بناء شبكات المجاري وخطوط الهاتف والكهرباء، وتتولى جباية الفواتير وإدارة المحال التجارية والمرافق العامة وغيره.
يتطلع المجتمعون لاسترضاء الكيان الصهيوني بكل السبل الممكنة، وتمكينه مما عجز عن تحقيقه بالقوة، فهم يفكرون في قطاعٍ مضبوطٍ محكومٍ، معزولٍ مراقبٍ، منزوع السلاح مجرداً من أي قوةٍ عسكرية، لا توجد فيه قوى حزبية ولا فصائل وطنية، ولا يعيش فيه قادة المقاومة ولا رموز العمل الوطني، ويخرج منه كل من يوصف بأنه خطرٌ على الكيان، أو يضر وجوده بمصالحه وأمنه واستقراره.
يظن المهرولون إلى الاجتماعات، والمتنادون إلى اللقاءات، أن المهمة سهلة، وأن الوظيفة ممكنة، وأن غزة قد استناخت وضعفت، وأنها قد ذبحت فعلاً وسقطت حقاً، وأنه من السهل عليهم بعد ذلك سلخها وتقطيعها، وإعادة تشكيلها وتكوينها أو تقسيمها، وما علموا أن غزة والقدس والضفة الغربية ستبقى عصيةً عليهم، ثائرةً ضدهم متمردةً وأهلها عليهم، وستبقى أرضها مقبرةً لهم ولعنةً عليهم.
بيروت في 28/7/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى قطاع غزة أن یکون
إقرأ أيضاً:
أزمة السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل سياسي في الأفق
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
وأوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب