“ذا اتلانتك”: أمريكا في قلب عاصفة “العنف” السياسي
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
الثورة نت../
قالت مجلة “ذا اتلانتك ” انه من الصعب جدًا التخلص من العنف السياسي عندما يصبح متوطنًا في المجتمع، كما يحصل مع الولايات المتحدة.
وتحدثت المجلة في مقالة للكاتبة “Adrienne LaFrance” عن استخدام لغة الحرب في النقاش السياسي، مضيفة أن “الناس يبنون هويتهم ليس على أساس القيم المشتركة بل الكراهية للخصوم”.
و تحدثت عن مضايقات وتهديدات بالقتل يواجهها عدد متزايد من المسؤولين المنتخبين، الأمر الذي دفع بالعديد من “القادة المقتدرين” إلى الانسحاب من الحياة السياسية بالكامل.
كذلك أفادت الكاتبة في مقالتها أن “مسؤولين على أعلى المستويات في الجيش والبيت الأبيض أبلغوها مرارًا أن الولايات المتحدة ستشهد تزايدًا للهجمات العنيفة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام”.
كما لفتت إلى أن خبراء آخرين تحدثوا عن خطر واضح في الأماكن حيث هناك تواجد للمجموعات المتطرفة، وحيث تسود ثقافة السلاح، وحيث يتصادم الخصوم. وذكرت في هذا السياق ولايات ذات أهمية سياسية كبيرة مثل بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن وأريزونا وجورجيا. وشددت على أن هذه التحذيرات كانت في محلها، مضيفة أن “هؤلاء توقعوا أيضًا أن تستمر موجة العنف الحالية لجيل من الزمن أو أكثر”.
تقول الكاتبة “البيئة المعلوماتية في أمريكا تهدد بتعزيز وتيرة اندلاع أعمال العنف، حيث يجري استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الحرب الكلامية”.
وتضيف :”إنه وبينما تنتهي فترات العنف السياسي، إلا أن ذلك عادة لا يحصل من دون أن يسبقه تقليص حريات الناس أو وقوع أحداث كارثية”.
كما تحدثت عن “أيام خطرة تشهدها حاليًا الولايات المتحدة، وأنه لمن المنطق التخوف من أن محاولة اغتيال المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب لا تمثل نهاية لدورة “العنف”، بل تصعيد في عصر شهد تعرض أعضاء في الكونغرس لإطلاق النار واقتحام مبنى الكونغرس” وفق تعبيرها.
وشدّدت الكاتبة على أن السبيل الوحيد للحد من المزيد من سفك الدماء هو من خلال اختيار قادة من كافة المستويات في المجتمع الامريكي الذين يرفضون العنف السياسي بشكل غير مشروط، سواء في الكلام أو الفعل.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
في العقل العربي.. الحل في الفصل بين «المعرفي» و«السياسي»
حين ينصرف العقل العربي لجعل كل فاعلية فيه ما هي إلا شكل من تجلٍ سياسي خشن أو مصنوع، فإنه يغلق بوابات الوعي على معنى واحد، وهو الظن بإطلاق أن السياسة هي من تشكل الظاهرة، أي أن الوعي السياسي هو المسؤول على تركيب الجمعي في المجتمع، وهنا الأذى كله، الأذى من تحقيب المعقد في البسيط، وهو القول بألا جدوى من تحليل مظاهر سلوكنا أو ردَّات فعلنا أو حتى كمون تصورنا حول الذات والعالم، والحقيقة أنه لا فائدة من أية مقاربة تريد تدبير أحوالها المعرفية بجعل السياسة أساس البنية وليست جزءًا منها، وفي ظننا أن جملة مشكلاتنا في الواقع العربي مردها هذا الوعي المقلوب، الوعي الشقي الذي يحمل صليبه ويعلن توبته من أي جهد عقلاني لتفسير الواقع لا الاعتراف به كتراكم ظاهراتي يحتاج التفكيك لأجل فهم طبائعه وتحديد مساراته. ومن مظاهر أزمة العقل العربي أنه غارق في التأملات المُجَرْمة حتى قبل تشكلها، عقل يريد من العالم أن ينحاز إليه لا أن يعمل لأجل تحريك واقعه بالصورة التي يجبر بها العالم على الاعتراف بجدارته مساهماً في اللحظة الكونية الراهنة، عقل مفارقٌ لأسباب الفعل ومختبئٌ في التنكر والانتصار لكل ما هو غير عقلاني.
فمشكلاتنا ليست قدراً مكتوباً كما نظن، هي مشكلات تركبت وتعملق حضورها بسبب الغياب الحرج للعقلاني فينا، فما ظل يمارسه العقل العربي ويشيع بين أبنائه أن أزماته قادمة من الخارج، وأنه مستهدف في وجوده لا شيء إلا لكونه يشكل خطراً على العالم، والحقيقة أن مثل هذه التصورات ليست إلا استغلالاً معيباً لتراث يحكمنا دون أن نبدي أدنى قدرة على مقاومته، والتنصيص على صلاته بالراهنية التي ننتمي، إنه تراث متحكمٌ فينا بصورة قاهرة، والحل، هو العمل على تحييد العناصر المتكلسة فيه لصالح علاقة إيجابية مثمرة.. فما السبيل إلى ذلك؟!.
إن الراهن الذي يعيشه العربي ويمارس من خلاله وصفه لذاته والعالم، يعيشه في حالات من إنكار المشكلات، والعمل على رفعها إلى أعلى، فكل الذي يصيبنا ليس من صنع أيدينا، والحل في إعادة فهم مفردات التكوين والتشكل، ولنبدأ حقاً فواجبنا العمل على الخروج من الحالة التوفيقية إلى المواجهة المنتجة، وهي معركة ثقافية بامتياز، فالحل المقترح لا يريد الذهاب بالمسألة إلى حيز التأسيسات النظرية، بل هو إيمان عميق بأننا سننجو إن واجهنا أنفسنا بأكبر متاعبنا، وهي غياب التفكير الناقد والمواجهة الصريحة مع الذات، والسبب ببساطة أن رصيدنا من التحليل الثقافي متواضع في مقابل طغيان التسييس لكل شيء، إن المجتمع العربي وهو يحزم حقائب حزنه على انهزاماته، ليس بقادر على فعل شيء أكثر من الحزن المجاني، ذلك أننا لم نفهم بعد طبيعة الاجتماعي لدينا وهو ما قيَّد فاعليتنا في الالتحام بقوة من أجل قضايانا العادلة، إن غياب أثر العامل الثقافي هو المسؤول مباشرة عن تصلَّب حضورنا السياسي والاقتصادي، فالسياسة حين ترشد تبدو أكثر طواعية لتمثيل الثقافي فينا، والاقتصاد كي ينمو ويحقق لنا اكتفاءً في الغذاء، وتحسيناً في سلوك الاستهلاك فإنه لن يستطيع ذلك دون أرضية اجتماعية قادرة على تحديد الأولويات وليست محبوسة في أفق مادي يُعَّرِف قيمة الشيء بإشباعه، بل حتى قضية التفاوت بين طبقات المجتمع العربي (الحقيقة لا توجد طبقية في الاجتماع العربي) فإنها مزيفة، والسبب فيها غياب الثقافي في السياسي/الاقتصادي، ففي الاقتصادي لو فكرنا بصورة جدية لإصلاح هذا الفضاء المعقد التركيب فإننا مطالبون بالنظر إلى الطرف الآخر من المعادلة، وهو غياب التنمية الاجتماعية مع بروز مظاهر للنماء الاقتصادي المرتبط بفئات بعينها في الظاهرة وتتمنع فيها عمليات الانتقال بين أفراد المجتمع، وهنا فسياسات مثل «التشغيل» و«الضمان الاجتماعي» وإن أثمرت في لحظات الأزمة إلا أنها ستعمق من مسألة التفاوت الاقتصادي بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ولذا فالمطلوب سياسات تجريبية تصنعها الحكومات العربية لأجل إصلاح لوائح العمل بصورة تداركية مما يسهم في توفيق العلاقة بين السوق والخريجين، ومن فوائد ذلك حتمية الإصلاح المؤسسي وإقامته على ديناميكية تراعي في المقام الأول استيعاب منظم للطاقات ومن ثم توزيعها على دوائر الفعل الاقتصادي التنموي في أي قطر عربي.
هذا اقتصادياً، أما اجتماعياً فإن المهمة الرئيس هي وكما نكتب دائماً يكمن في «السياسات الثقافية» وهي التي ستنقل القطاع الثقافي من كونه يرقص خارج الحلبة إلى فاعل رئيس في عمليات التنمية الاجتماعية، إذ تقوم هذه السياسات على ترميز الإنتاج الثقافي ما يصنع له قيمة مضاعفة في السوق، هذا عوضاً عن أنه سيركب أكثر معالم الهوية كونه يفتح الباب أمام عملية استقلال ثقافي مرتبط بالوجدان الاجتماعي المتنوع، وهذا هو الغائب عند المعنيين بإدارة الفضاء الثقافي في الوطن العربي، وبصورة أكثر وضوحاً تقوم السياسات الثقافية بدور مزدوج، فمن ناحية ستسهم هذه السياسات في تطوير الصناعات الثقافية وتحريرها، وهذا ما يمنح الفاعل الاجتماعي القدرة على تحقيق أكبر قدر من التمثيل له في تلافيف الظاهرة الجمعية، ومن ناحية أخرى لكي نستطيع فتح الطريق أمام الصناعات الثقافية فإننا نحتاج حتماً إلى دراسات ثقافية توفر الإطار النظري والمدخل لبناء اقتصاد سياسي للصناعات الثقافية يجعلها رافداً تنموياً مهماً.
إن غرض هذا المقال لفت الانتباه إلى ضرورة الفصل بين المعرفي والسياسي في المجتمع العربي، وأن ينصرف اهتمام الفاعلين الاجتماعيين بتطوير آليات الإصلاح الشعبي وأن يأخذوا مجتمعاتهم إلى ناحية الفعل المنتج وتخفيف تسييس كل شيء. والمهام الملقاة على عاتق المثقفين الوظيفيين أن يعرفوا كيفية استثمار أدواتهم لأجل بناء واقع أكثر ثراء بدلاً عن إضعاف فاعليتهم بأعذار ضيق المجال السياسي، فالسياسة في أقصى تجلياتها لا تعدو أن تكون فعل لمراقبة سريان القوانين في السياق والاطمئنان إلى استقرار البنية الشاملة في المجتمع حفظاً لأمنه وصوناً لسلامه الثقافي..
غسان علي عثمان كاتب سوداني