أسماء الشامسي: لا توجد كتابة لا تَحلُم.. الكتابة هي محاولة لخلق «عالم جديد شجاع»
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
أسماء التي يستفزها كل شيء للكتابة تُصدر مجموعتها القصصية الأولى: «الرجل النائم إلى جوارك»، ساردة فيها قصصًا عن الأمهات، عن النساء الوحيدات، المكتئبات، وعن مسقط، عن الكتابة وما تعلمه إياها تقول أسماء: «كل شيء يستفزني للكتابة، بما في ذلك الأثر الذي يتركه عطر إنسان غادر مقعده للتو، والهياج الذي يدفع إنسانًا ليقود سيارته في شارع هادئ، والجروح التي يتركها رجل في وجه امرأة قاتمة الملامح كندبة أبدية، كل شيء يبعث على التأمل، بالذات عندما يكون الكاتب مراقبًا، وعندما يكون أيضًا موضوعًا في حياة إنسان آخر، وموضوعًا في مكان محير يُظهر الهدوء والانصياع وعدم الرفض مثل مسقط».
في البداية، كيف يبدو إصدار الكتاب الأول بعد وقت طويل من الحرص والتأني؟
- شعور بالغرابة أول الأمر، وكأنه عملية ولادة طفل طال انتظاره، ثم يصبح الأمر عاديًا بعد ذلك، عندما يبدأ السؤال الغامض بالإلحاح.. ثم ماذا بعد؟ نسيت بسرعة تجربة الكتاب الأول حتى وأنا ألتقط أنفاسي بعد عملية التحرير المستمرة للكتاب، تلح باستمرار فكرة، مستقبل هذه العائلة التي تسمى الكتابة أن ينضم إليها حلم جديد، كتاب آخر.
لماذا حملت المجموعة عنوان «الرجل النائم إلى جوارك»، وليس «الشجعان الذين يرحلون» مثلًا؟ أو عنوان أي قصة أخرى من قصص المجموعة؟
- ارتأيت بعد عدة آراء من المحررين والأصدقاء الكتاب، أن هذا العنوان يستحوذ على الجو العام لمعظم قصص المجموعة، التي تستحوذ فيها على البطولة نساء في الغالب، حيث تظهر المشاعر المتناقضة والرغبات والارتباك بين عالمين يمثلهما الرجل والمرأة، التقارب والحميمية، الرفض والقبول، الحيرة والحسم في المشاعر المرتبكة، والمبالغة في تخيل عوالم أكثر أمانًا عاطفيًا وحميمية، انعدام العواطف أو تخفِّيها تحت عباءات المثالية والمرغوب اجتماعيًا، تعقيد العلاقات الإنسانية، والخيبات المتواصلة تجربة إثر تجربة، حيث تطفح الأسئلة دائمًا: هل يمكن لكل شيء جميل أن يدوم؟ لكنّ الخوف مترصد والحزن يخيم على جو القصص العام، والتمدن والتحديث يغيران أشكال الحياة الاجتماعية في المدن وتجليات الحالة النفسية التي تنطوي عليها طبقًا لما يريد أبطال القصص أن يكونوه ولما يريد التنظيم الاجتماعي لهم أن يكونوا عليه، يقول الفيلسوف رينهارت كوسيليك: «تتميز الحداثة بالمسافة المتزايدة بين الواقع والتطلع» الأمر الذي يولد بدوره خيبة أمل ويجعلها سمة مزمنة للحياة العصرية تنعكس على المرء، وأعتقد أن هذه ما تتمحور حوله معظم القصص.
لوهلة شعرت أن «ذا برونكس عمان» كان من الممكن عنونتها بـ «مالها الخوض؟!» وقصة «تلفاز» كذلك كان يمكن أن تكون «ما جبتيلنا!»، كيف ترينها أنتِ؟
- ممكن، فالحكايات في هذه القصص بالذات من خلال سياقات الأمكنة والأزمنة التي تجري فيها، والحوارات المتواصلة والمتأزمة يمكن أن تتخذ عناوين أكثر شمولية للقصص، لكن قصة «ذا برونْكس عمان» مثلًا تأخذ طابع المدينة النيويوركية وروحها الطاغية التي أردت مطابقتها بما فيها من تفاصيل مع جو المدينة في المعبيلة، ليأتي كل السرد شارحًا للتمثلات الاجتماعية في مدينة تأخذ أطباع المدينة المكتظة وتنعكس على أبطالها، وكذلك في «تلفاز»، فالبطل هو التلفاز المحفّز للصراع الذي تصبّ فيه التوترات وتنتهي بمجرد إطفائه، وهو الذي تأتي منه الرغائب والآمال والخيبات كذلك، خالقًا نوعًا من المفارقات بين حياتين يعيشهما أبطال متخيلون وأناس عاديون في الحياة الواقعية.
هاتان القصتان أيضًا ذا برونكس عمان وتلفاز-، ترجعنا نهاياتهما إلى البداية «النهاية التي تذكرك بالبداية»، هل تخططين لنهايات القصص عادة؟ وكيف رسمتِ نهاية القصتين؟
أظن في القصتين تم وصل النهاية بالبداية من خلال «التذكر» و«التخيّل» حيث يمكن للمشاعر الحقيقية والخيالية التداخل والاستعاضة عن بعضهما البعض، حيث الذاكرة تمضي إلى البعيد لاستحضار النموذج الشبيه المخيب للآمال كما في ذا برونكس، أو الفكرة المتخيّلة للأمومة الجميلة والرومانسية التي يناقضها الواقع مسببًا فيها الجروح، حيث يأتي التلفاز ليكشف زيف وحقيقة الفكرة المتخيلة كما في قصة تلفاز.
الموضوعات والشخصيات في قصصكِ واقعية، هل اعتمدتِ على تجارب شخصية وأحداث حقيقية في قصص المجموعة؟
ليس تمامًا، ثمة شخصيات مختلقة تمامًا وغير حقيقية، ولكن الأماكن التي سردت فيها القصة نسبيًا واقعية، والعكس كذلك.
وفرتِ وصفًا مدهشًا عن المعبيلة، أعطى القارئ إحساسًا بالمكان لكنه في الوقت نفسه قد ينفّره من التخطيط للعيش فيها، وبرأيي أسديتِ معروفًا بذلك للمعبيلة كمكان لم يعد يحتمل المزيد من الناس، ما تعليقك؟
هذه القصة هي تأطير سردي للمكان بلا شك، وأيضًا للمعاناة التي قد تجعلها مكانًا انتقاليًّا للعيش وليس مكانًا دائمًا للاستقرار، إذ أصبحت المدن الحديثة والقابلة للعيش الآدمي نادرة، في ظل التخطيط المتخبط والعشوائي، يصبح الإنسان فيها محاصرًا إما بالمساحات الضيقة أو التصاميم الرخيصة أو التشويه الجمالي أو بخلوّها من الهواء النقي والمساحات الخضراء، مدن صممت لا لكي ترحم الإنسان بل لتغذي النموذج الرأسمالي للمدينة القبيحة القائم على عوامل الاستغلال والقبض على أعلى حصة من المال مقابل المردود المادي بغض النظر عن المردود النفسي والجمالي.
قلتِ فيما معناه -في حوار سابق- أن بعض القصص عبارة عن فكرة صغيرة قامت حولها الأحداث الكبيرة للقصة، كيف تفعلين ذلك؟ وكيف تأتين بأفكار القصص شديدة الواقعية لكنها متخيلة في الأصل؟ أو فلنقل كيف تقومين بالإعداد لكتابة قصة من هذا النوع؟
أحيانًا تأتي الفكرة بمحض الصدفة بلا أي مُحرّضات. نفسية أو مشاهدة حيّة لوقائع أو أحداث بعينها، وأحيانًا من خلال بناءات سردية متعمّدة لكتابة قصة، تبدأ بكتابة وصف لشيء معين، ثم محاولة مساءلته ببعض الأسئلة وخلق حديث معه، ثم يبدأ استفزاز كتابة ذلك النموذج المبدئي من خلال تطعيمه بالشخصيات والحوارات والأمكنة والأحداث، ويحدث أن أرى فكرة قصة في حلم، فأستيقظ ليلاً لتدوينها، وفي أحيان كثيرة تستفزني أعمال المنزل للكتابة، لأنها كما أحسب تجعل الدماغ منشغلا بعمل آلي ومكرر ما يزيل محفزات القلق والمشتتات المربكة ويجعل الدماغ جاهزا لتوليد فكرة جديدة.
هل أرادت أسماء لهذه المجموعة أن تكون مدخلا لفهم «المرأة» من خلال بطلات القصص «الأمهات، الوحيدات، المكتئبات»؟
ربما، وللتعاطف معهن أيضًا وفهم الحالة الإنسانية التي تكابد فيها النساء حياتهن اليومية، إذ تجد المرأة الحديثة نفسها أمّا وعاملة ومربية وعائلة ماليًا ومكلومة عاطفيًا أيضًا، ثمة شعرية معاصرة تبحث عنها النساء اليوم في الحب العظيم والآمن والأسرة السعيدة، لكنهنّ بدلاً من ذلك يجدن أنفسهنّ مقيدات بأطر لا تحقق أحلامهن وإن بتضحيات جمّة، فالمضحّية باعتبارها البطل الاجتماعي الذي يقال عنه نصف المجتمع كما في السردية الاجتماعية المعروفة، لكنّ هذا البطل أصبح يحتل مساحات النصف الآخر أيضًا إما بحكم الحاجة أو الضغط أو الإرغام أو رد الفعل، مولّدًا الحالات الشعورية المنخفضة الموصوفة بالاكتئاب أو الوحدة.
أنتِ تكتبين جيدًا عن مسقط وفي نصوص كثيرة، هل هو حلم بتغيير يحصل للمدينة؟
وهو عنوان لرواية ألدوس هكسلي، رغم اختلاف المضمون، لكن الحياة الجديدة الرائعة حياة شجاعة، والشجاعة تتطلب عملاً أصيلاً وحقيقيًا، والمدينة عندما تتغير للأسوأ أو للأفضل تضع أحمالها على ساكنيها، الكتابة معظم الوقت هي الوعد بالتغيير إلى الأفضل، حتى لو كان هذا الوعد مفرطًا.
أخيرًا... هل القصة هي دافع لكتابة رواية بالنسبة لك؟ وما الذي تعلمك إياه الكتابة؟ وما الذي يستفزك للكتابة؟
بالطبع، القصة وإن بدت لي صعبة أحيانًا مقارنة بالتدفق الحر في الرواية، إلا أنها أول ما كتبته، حتى لو كان إخلاصي لها متقلّبًا، فلدي منذ سنوات مسودات لمحاولات روائية، أريد أن أحاول دائمًا، فقد جربت الشعر والمسرح منذ زمن، لكنني وجدت نفسي ساردة في كل محاولة، والقصة والرواية وإن كانتا فنيا عالمين مختلفين، إلا أن الهم الإنساني المشترك يجمعهما، فنحن نكتب إفراطنا في إنسانيتنا أو تخلينا عنها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال دائم ا کل شیء
إقرأ أيضاً:
وزير الصناعة السعودي: نتعاون مع مصر لخلق مشاريع تدعم صناعات الأدوية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر بن إبراهيم الخريف، إن قطاع الصناعة والتعدين يتم التركيز على التعاون فيه مع مصر، مشيرًا إلى أن المملكة حين أقرت استراتيجيتها الصناعية كان من أهم بنودها، كيفية وضعها في سلاسل الإمداد العالمية، وكيف يمكن لها أن تسهم في أن تكون شريك مهم حول العالم، وبدأت في تطوير عدد من المنتجات الصناعية.
وأضاف «الخريف» خلال لقاء في برنامج «عن قرب مع أمل الحناوي» المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، وتقدمه الإعلامية أمل الحناوي ، أنه تم اختيار 12 مجموعة منتجات، مصر لديها خبرة وتميز في عدد من هذه المنتجات وتم البدء في مشوار النقاش والتفاوض حول كيف يمكن لمصر والمملكة أن يكون بينهم تكامل صناعي.
وأكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، ان الهدف من التكامل من الصناعي بين مصر والمملكة، هو لخدمة منتجات نهائية تصنع في المملكة، أو العكس.
وأشار إلى أنه، أنه تم تحديد مجموعة منتجات، من ضمنها الصناعات الدوائية، وتم مناقشة سبل التعاون لتوفير المنتجات الدوائية في البلدين، وسبل التعاون لخلق مشاريع تدعم صناعات الأدوية، مثل الاستثمار في مشاريع لصناعة المواد الفعالة التي تدخل صناعة الأدوية.