لجريدة عمان:
2025-04-29@05:02:04 GMT

«نزوح».. ابتسامة على حائط مُهدم !

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

ترددتُ كثيرا في متابعة فيلم «نزوح» في رحلتي الأخيرة بالطائرة، خشية التورط في آلام إضافية فوق ما يقترحه الواقع العربي المثخن بالجراح، فالعنوان يقبضُ على مفردة بالغة القسوة بتنا نسمعها كل يوم وكل لحظة. إذ تتجاوز كلمة «نزوح» الواقع السوري -الذي يتناوله الفيلم- لتلقي بظلالها البشعة على مشهد عربي تطحنه الحروب، لكن المخرجة سؤدد كنعان في فيلمها «نزوح» ٢٠٢٢، الحائز على جائزة الجمهور في الدورة التاسعة والسبعين من مهرجان البندقية السينمائي، تمكنت بفطنة عالية من تجنيبنا رؤية الحرب، لتبني أغلب مشاهد القصّة في البيت.

فنحن لا نرى الأعداء، وإنّما محاولة الأب الدؤوبة لجعل البيت قابلا للعيش، لا نرى الصواريخ والمدفعيات، نرى الخواء الذي يُعبئ المكان، فلا بشر ولا شجر ولا طيور.

الصورة النقيضة لفعل النزوح تكمن في البيت الذي أراد الأب أن يتشبث به في ذلك المكان المرعب، حيث يغدو مجرد رؤية أحدهم يعبر في الشارع محض سراب في العقل المسكون بالوحدة.

يظهر الأب كمصدر للحماية، منذ اللقطة الأولى التي يجاهدُ فيها لإعادة الكهرباء، أو عندما يُغامر بحياته تحت أنظار القناصة ليحضر الماء أو القليل من الطعام، فالبيت يجسد صورة الوطن. لكن الأمّ والبنت لم تعودا تحتملان العيش فيه، ترغبان بفرصة عيش سوية كالآخرين، وهنا نقع أمام سؤال جوهري: أنختار البقاء أم النزوح في عنفوان الحرب؟!

تلعبُ المخرجة بذكاء على المعنى ونقيضه في آن، فعندما سقط سقف غرفة البنت -الغرفة التي تظهر بأسِرة كثيرة كانت لأخواتها اللواتي غادرن مع أزواجهن لقصص غير مأمونة تماما- غدت الغرفة مفتوحة على السماء.

يظهر جسد البنت الضئيل على سريرها -في لقطة علوية- ناظرا إلى النجوم وإلى نسمة الهواء الباردة وإلى البعوض الذي يمص دمها. لكن سقوط السقف الذي قلل الحماية من جهة، صار مصدرا لطمأنينة من نوع آخر عندما انكشف على صبي يحلم هو الآخر، الصبي الذي أتاح لها فسحة للأحاديث والأمنيات ومشاهدة فيلم مصور.

عندما تكاثرت ثقوب البيت، وقع الأب في حيرة من أمره، وتوهجت رغبته في صون العائلة، فكان أن وضع الشراشف بكل ألوانها المتباينة، لكيلا ينظر الغرباء إلى نساء بيته، لكيلا ينكشفن، إلا أنّ أقلّ نسمة عابرة كانت كفيلة بهدم مجهود الأب الطويل. لفتني اختيار الشراشف إذ بقدر ما تعكس ألوانا مبهجة فإنها تحمل أيضا دلالة الهشاشة والضعف والتمزق تماما كأحلام الأب غير الواقعية. كما أنّ المبالغة في الخوف من انكشاف نساء البيت إزاء اختفاء الجيران التدريجي، يُحيل أيضا على التشبث المحموم بعادات أهل الشام، ومحاولة تأكيد الوجود والبقاء.

الخيال أنقذ البنت الصغيرة من متاهة خيباتها، كانت تقذف الأحجار في الفراغ، فتصطدم ببحيرة خلابة، وفجوات البيت المغطاة بالشراشف الملونة -التي تعبث بها الرياح- قدّمت لوحة جمالية آسرة لعينيها، والصبي الصغير الذي عرف وجهة النزوح أرانا هو الآخر نظرة متفائلة بجيل مُتسلح بمعرفة مغايرة.. في التصوير والسينما والتعاطي مع الشبكات التقنية الحديثة.

عمّق الفيلم فكرة البيت وإمكانية إصلاحه وترميمه، عمّق الأمل، لكن ما لبث أن أحدث نكوصا مفاجئا نحو النزوح، عندما بدأ وجها الأمّ والابنة يشعان بأمل لقاء البحر والحرية، وكأنّهما أمران لا يتحققان إلا بالمغادرة، حتى الأب آخر المتحصنين بفكرة البيت لحق بالعائلة!

وبقدر خشيتي من تناول قضية «النزوح» من منظور كئيب، إلا أنّه من الصعب أيضا أن ينتهي الأمر بحالة رومانسية، فرفض النزوح هو رفض لحالة الطمس والتشويه، رفض الاغتراب خارج حدود البيت، لا سيما وأنّ المخرجة اعتمدت على قصص واقعية لأناس حقيقيين عاشوا التجربة، ثمّ جعلتنا ننظرُ بأعينهم لما تُحدثه الحروب من مشقة وآلام.

أعطت المخرجة النزوح طابعا من الانفتاح على أماكن جديدة، فلم يتكثف حزن الرحيل وأوجاعه في وجوههم، بل عبروا إليه جميعا بشيء من التسليم المباغت، وهو ما قد جعل المتفرج يشعر بأنّه مخدوع!

ولعلي أتذكر ما قاله بطل الفيلم سامر المصري «معتز» حول طريقة المخرجة في تناول فعل النزوح: «تتناولُ موضوعا مأساويا بطريقة لطيفة وقريبة من القلب، وكأنّها ترسمُ ابتسامة على حائط مهدم»، فلم يظهر وجه السياسة القبيح وأدواتها القذرة وإنّما ترددات خافتة في حياة شخصيات ترغب في العيش.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

يعود لمليارات السنين.. جسم غريب يظهر من جديد| ما السبب؟

شهد العلماء علي كوكب الأرض اكتشاف جديد يمكن رؤيته بالعين المجردة، حيث أمكن خلال الأسابيع القليلة الماضية رؤية مذنب لونه اخضر عمره مليارات السنين قادم من خلف كوكب بلوتو إلا أنه من المحتمل اختفاء المذنب عند مروره بالقرب من الشمس فما القصة؟.

جسم أخضر يمكن رؤيته بالعين المجردة

يقترب المذنب الأخضر  من التفكيك أثناء مروره بالقرب من الشمس، حيث كان المذنب سوان، القادم من سحابة أورت خلف كوكب بلوتو ، مرئيا من خلال التلسكوبات والمناظير على مدى الأسابيع القليلة الماضية بذيله المتدفق، لكن الخبراء قالوا إنه ربما لن ينجُ من رحلته الأخيرة عبر الشمس ويتلاشى بسرعة.

كشف لغز فضائي محير قبل 200 عام عن طريق الصدفة.. ما القصة؟اكتشاف 55 مليار طن من الحديد يعيد تشكيل اقتصاد العالم.. ماذا حدث؟

وقال عالم الفيزياء الفلكية كارل باتامز من مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية وفق وكالة اسيوشيتد برس : "سيفكك المذنب و سوف نتبقى قريبًا مع كومة من الأنقاض المغبرة فقط".

ماهى المذنبات؟

المذنبات هي كرات من الغاز والغبار المتجمد تعود لمليارات السنين، بين الحين والآخر، يمر مذنب عبر النظام الشمسي الداخلي.

وقال جيسون يبارا، مدير مرصد جامعة غرب فرجينيا: "هذه بقايا من بداية تشكل النظام الشمسي".

متى اُكتشف المذنب؟

تم اكتشاف المذنب الأحدث من قبل علماء الفلك الهواة، الذين رصدوه في الصور التي التقطتها كاميرا على متن مركبة فضائية تديرها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية لدراسة الشمس.

لن يقترب المذنب من الأرض كما فعل تسوتشينشان-أطلس العام الماضي، ومن بين عمليات التحليق الأخرى البارزة للمذنبات نيووايز في عام ٢٠٢٠، وهيل-بوب وهياكوتاكي في التسعينيات.

كان المذنب، المُسمّى أيضًا C/2025 F2، مرئيًا بعد حلول الظلام مباشرةً شمال نقطة غروب الشمس بقليل، وكان من الصعب رؤية لونه الأخضر بالعين المجردة.

تعد رحلة المذنب أول رحلة من الشمس، مما يجعله عرضة للتفكك بشكل خاص، وفقًا لباتامز، بعد مروره، سيختفي ما تبقى من المذنب في الأطراف الخارجية للنظام الشمسي، بعد المكان الذي يعتقد العلماء أنه جاء منه.

وقال باتامز "إنها ستذهب إلى أبعد من ذلك لدرجة أننا لن يكون لدينا أي فكرة عما إذا كانت ستعود أم لا".

طباعة شارك جسم فضائي المذنب الأخضر مذنب اخضر ناسا اكتشاف جديد

مقالات مشابهة

  • ضابط يطلق النار على ابنته وزوجها في حفل زفاف
  • الإهمال.. تحقيق أولي يظهر سبب انفجار ميناء رجائي
  • تقرير: أكثر من 4 آلاف نازح داخلي منذ بداية العام الجاري
  • «الفارس الشهم 3» تدعم تكيات طعام في غزة
  • السودان يشهد أكبر «أزمة نزوح» في العالم
  • بطل فيلم الساحر .. سري النجار يظهر بعد غياب طويل في مهرجان الإسكندرية
  • مصرع طفلة وإصابة 2 في انهيار حائط منزل بأسيوط
  • العشب الأخضر ينقذ آلاف العراقيين من النزوح (صور)
  • يعود لمليارات السنين.. جسم غريب يظهر من جديد| ما السبب؟
  • استطلاع يظهر رأي الأمريكيين في فترة حكم ترامب حتى الآن.. ماذا قالوا؟