لجريدة عمان:
2024-12-22@06:58:17 GMT

«نزوح».. ابتسامة على حائط مُهدم !

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

ترددتُ كثيرا في متابعة فيلم «نزوح» في رحلتي الأخيرة بالطائرة، خشية التورط في آلام إضافية فوق ما يقترحه الواقع العربي المثخن بالجراح، فالعنوان يقبضُ على مفردة بالغة القسوة بتنا نسمعها كل يوم وكل لحظة. إذ تتجاوز كلمة «نزوح» الواقع السوري -الذي يتناوله الفيلم- لتلقي بظلالها البشعة على مشهد عربي تطحنه الحروب، لكن المخرجة سؤدد كنعان في فيلمها «نزوح» ٢٠٢٢، الحائز على جائزة الجمهور في الدورة التاسعة والسبعين من مهرجان البندقية السينمائي، تمكنت بفطنة عالية من تجنيبنا رؤية الحرب، لتبني أغلب مشاهد القصّة في البيت.

فنحن لا نرى الأعداء، وإنّما محاولة الأب الدؤوبة لجعل البيت قابلا للعيش، لا نرى الصواريخ والمدفعيات، نرى الخواء الذي يُعبئ المكان، فلا بشر ولا شجر ولا طيور.

الصورة النقيضة لفعل النزوح تكمن في البيت الذي أراد الأب أن يتشبث به في ذلك المكان المرعب، حيث يغدو مجرد رؤية أحدهم يعبر في الشارع محض سراب في العقل المسكون بالوحدة.

يظهر الأب كمصدر للحماية، منذ اللقطة الأولى التي يجاهدُ فيها لإعادة الكهرباء، أو عندما يُغامر بحياته تحت أنظار القناصة ليحضر الماء أو القليل من الطعام، فالبيت يجسد صورة الوطن. لكن الأمّ والبنت لم تعودا تحتملان العيش فيه، ترغبان بفرصة عيش سوية كالآخرين، وهنا نقع أمام سؤال جوهري: أنختار البقاء أم النزوح في عنفوان الحرب؟!

تلعبُ المخرجة بذكاء على المعنى ونقيضه في آن، فعندما سقط سقف غرفة البنت -الغرفة التي تظهر بأسِرة كثيرة كانت لأخواتها اللواتي غادرن مع أزواجهن لقصص غير مأمونة تماما- غدت الغرفة مفتوحة على السماء.

يظهر جسد البنت الضئيل على سريرها -في لقطة علوية- ناظرا إلى النجوم وإلى نسمة الهواء الباردة وإلى البعوض الذي يمص دمها. لكن سقوط السقف الذي قلل الحماية من جهة، صار مصدرا لطمأنينة من نوع آخر عندما انكشف على صبي يحلم هو الآخر، الصبي الذي أتاح لها فسحة للأحاديث والأمنيات ومشاهدة فيلم مصور.

عندما تكاثرت ثقوب البيت، وقع الأب في حيرة من أمره، وتوهجت رغبته في صون العائلة، فكان أن وضع الشراشف بكل ألوانها المتباينة، لكيلا ينظر الغرباء إلى نساء بيته، لكيلا ينكشفن، إلا أنّ أقلّ نسمة عابرة كانت كفيلة بهدم مجهود الأب الطويل. لفتني اختيار الشراشف إذ بقدر ما تعكس ألوانا مبهجة فإنها تحمل أيضا دلالة الهشاشة والضعف والتمزق تماما كأحلام الأب غير الواقعية. كما أنّ المبالغة في الخوف من انكشاف نساء البيت إزاء اختفاء الجيران التدريجي، يُحيل أيضا على التشبث المحموم بعادات أهل الشام، ومحاولة تأكيد الوجود والبقاء.

الخيال أنقذ البنت الصغيرة من متاهة خيباتها، كانت تقذف الأحجار في الفراغ، فتصطدم ببحيرة خلابة، وفجوات البيت المغطاة بالشراشف الملونة -التي تعبث بها الرياح- قدّمت لوحة جمالية آسرة لعينيها، والصبي الصغير الذي عرف وجهة النزوح أرانا هو الآخر نظرة متفائلة بجيل مُتسلح بمعرفة مغايرة.. في التصوير والسينما والتعاطي مع الشبكات التقنية الحديثة.

عمّق الفيلم فكرة البيت وإمكانية إصلاحه وترميمه، عمّق الأمل، لكن ما لبث أن أحدث نكوصا مفاجئا نحو النزوح، عندما بدأ وجها الأمّ والابنة يشعان بأمل لقاء البحر والحرية، وكأنّهما أمران لا يتحققان إلا بالمغادرة، حتى الأب آخر المتحصنين بفكرة البيت لحق بالعائلة!

وبقدر خشيتي من تناول قضية «النزوح» من منظور كئيب، إلا أنّه من الصعب أيضا أن ينتهي الأمر بحالة رومانسية، فرفض النزوح هو رفض لحالة الطمس والتشويه، رفض الاغتراب خارج حدود البيت، لا سيما وأنّ المخرجة اعتمدت على قصص واقعية لأناس حقيقيين عاشوا التجربة، ثمّ جعلتنا ننظرُ بأعينهم لما تُحدثه الحروب من مشقة وآلام.

أعطت المخرجة النزوح طابعا من الانفتاح على أماكن جديدة، فلم يتكثف حزن الرحيل وأوجاعه في وجوههم، بل عبروا إليه جميعا بشيء من التسليم المباغت، وهو ما قد جعل المتفرج يشعر بأنّه مخدوع!

ولعلي أتذكر ما قاله بطل الفيلم سامر المصري «معتز» حول طريقة المخرجة في تناول فعل النزوح: «تتناولُ موضوعا مأساويا بطريقة لطيفة وقريبة من القلب، وكأنّها ترسمُ ابتسامة على حائط مهدم»، فلم يظهر وجه السياسة القبيح وأدواتها القذرة وإنّما ترددات خافتة في حياة شخصيات ترغب في العيش.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السيسي يظهر بقصره الجديد.. ما الأية القرآنية التي كُتبت على جدرانه (شاهد)

كشف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن القصر الرئاسي الجديد في العاصمة الإدارية، خلال استقباله رؤساء دول وحكومات مجموعة الثماني النامية، الخميس.

ويمتد القصر الجديد على مساحة تزيد على مليوني ونصف مليون متر مربع، ويقام على مساحة تبلغ 607 أفدنة، بتكلفة مالية تقدر بمليارات الجنيهات.



خليكم فاكرين ان ده قصر السيسي اللي قال للشعب جوعوا علشان مصر.
وانت بتتفرج علي القصر افتكر ان الناس ف مصر مش لاقيه تاكل و لا تصرف علي ولادها.#لازم_يسقط #نقدر pic.twitter.com/P3qpTYiPtY — MOHAMED????ABDELRAHMAN???? (@mohamed041979) December 19, 2024
"أليس لي ملك مصر"
كان اللافت أثناء استعراض السيسي للقصر الرئاسي الجديد٬ ما كتب في جانب من زخارف، حيث وُضعت الآية 51 من سورة الزخرف: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}، بعد حذف جملة {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ}.

بدأوا ب "قال يا قوم" ولم يكتبوا أول الآية 51 من سورة الزخرف التي تقول "ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر ..... " وكأن شعب مصر لا يدري أن المتحدث في الآية هو فرعون! مرة يتخيل #السيسي_عدو_الله أنه #عزيز_مصر ومرة أنه فرعون، فاللهم اجعل نهايته مثل نهاية فرعون وأسوأ. pic.twitter.com/LwGevgCGBr — المجلس الثوري المصري (@ERC_egy) December 19, 2024
رسمة تجسد الانقلاب
كما ضمّ القصر الرئاسي الجديد رسمة تجسد صورة الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، عندما كان السيسي وزيراً للدفاع وأطاح بأول رئيس مدني منتخب في البلاد بعد عام واحد من حكمه.

في القصر الرئاسي الجديد بالعاصمة الإدارية..
السيسي يحتفي بصورة انقلابه على أول تجربة ديمقراطية بمصر، التي عطل فيها العمل بالدستور واستولى فيها على الحكم عام 2013 pic.twitter.com/FpHPSqH3r1 — شبكة رصد (@RassdNewsN) December 19, 2024
السيسي: أنا عامل قصور رئاسية
في عام 2019، قال رئيس النظام المصري مخاطباً المصريين: "أنا عامل قصور رئاسية، وهاعمل تاني.. أنتم هاتخوفوني، ولا إيه؟ أنا أعمل وأعمل، لكن مش باسمي، مافيش حاجة باسمي، ده باسم مصر.. هو مش هايبقى موجود في مصر غير قصور محمد علي.. أنا ببني دولة جديدة في العاصمة الإدارية الدنيا كلها هاتتفرج عليها، هي مصر شوية ولا إيه؟"
انا عامل قصور رئاسيه اه وهاعمل واعمل واعمل هى ليا دى عشان مصر
طب ياعبيط ياهبل هى مصر محتاجه للقصور دي...؟!
السيسي الصهيوني أبن اليهودية.. pic.twitter.com/zytddV2VsM — مصرية حرة????️☢️Marbella glory (@alqahira2) December 19, 2024
قصور مع ارتفاع الديون
ارتفعت ديون مصر الخارجية من 45.2 مليار دولار عند تولي السيسي السلطة في 2014 إلى نحو 152.9 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي، بزيادة نسبتها 238%. تواجه الحكومة نقصاً متزايداً في العملة الأجنبية منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ثم اشتعال الحرب الإسرائيلية في غزة عام 2023، وخسارة حوالي 70% من عائدات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.

سعر الصرف يتراجع
وتراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار من 7.05 جنيهات في عام 2014 إلى نحو 51 جنيهاً في البنوك حالياً. يأتي هذا التراجع على وقع توسع الرئيس السيسي في الاقتراض الخارجي لإقامة مشاريع "تجميلية" لا تعود بالنفع على الاقتصاد أو المواطن، ولعل أبرزها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي قدرت كلفته بنحو 58 مليار دولار.

مواقع التواصل.. "احنا فقرا أوي"
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إثر انتشار صور وفيديوهات القصر الرئاسي، في وقت قفز فيه عدد الفقراء إلى نحو 60 مليوناً، من أصل 107 ملايين مصري تقريباً في الداخل، وفق تقديرات البنك الدولي.

دائما ما يصف السيسي الشعب المصري بالفقير، ففي خطابه 28 كانون الثاني/يناير 2017 ٬ قال في مداخلته بمؤتمر الشباب في أسوان، ردًا على مداخلة سيدة تطالب بالاهتمام بأهل النوبة: "خلي بالك إنك فقير أوي، أه لازم نقول الحقيقة، إحنا فقرا أوي".
ابن القحبة بيقولك ان احنا فقرا اوي
و سرق فلوسنا و لبسنا فى ديون لحد احفاد احفادنا
و محدش عارف يوقف ابن الوسخة ده #القصر_الجمهوري #مصر #السيسى pic.twitter.com/GTu9Be1Jr4 — Dr. Youssef Mansi???????????? ???????????? ???????????????? (@YoussefmansiDr) December 19, 2024
كتب الإعلامي محمد جمال هلال على حسابه على منصة إكس: " تخيل السيسي يستضيف اجتماع دول الثماني النامية للاقتصاد. -ونامية يعني فقيرة! - في العاصمة الإدارية وفي قصر ليس له مثيل في كبرى الدول الغنية كلف المليارات من البزخ وبحضور قادة من دول مختلفة ليتحدث السيسي عن حاجته للمال من أجل الاستثمار وتخطي التحديات وانقاذ البلد من كوارث اقتصادية!".
تخيل السيسي بيستضيف اجتماع دول الثماني النامية للاقتصاد.
-ونامية يعني فقيرة!- في العاصمة الإدارية وفي قصر ليس له مثيل في كبرى الدول الغنية كلف المليارات من البزخ وبحضور قادة من دول مختلفة ليتحدث السيسي عن حاجته للمال من أجل الاستثمار وتخطي التحديات وانقاذ البلد من كوارث اقتصادية! pic.twitter.com/wZ34cq84LA — محمد جمال هلال (@gamal_helal) December 19, 2024
بينما كتب حساب اخر على منصة إكس " ده مش مبني البيت الابيض ولا مبني الكرملين ولا مبني قصر الإليزيه ولا مبني قصر باكنغهام.. ده قصر السيسي في العاصمة الادارية الجديدة يا شعب مش لاقي يأكل فلوسك اهى".
ده مش مبني البيت الابيض
ولا مبني الكريملين
ولا مبني قصر الإليزيه
ولا مبني قصر باكينغهام
ده قصر السيسى ف العاصمة الادارية الجديدة
يا شعب مش لاقي ياكل فلوسك اهى pic.twitter.com/XvHkUFkHdI — مصــري غلبان ⭑????️ (@msr3y1) December 19, 2024

مقالات مشابهة

  • فيديو متداول يظهر حالة الخراب والدمار بصالة القطار بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة
  • اللاجئون السوريون بين النزوح والعودة: لا قرار بحلّ الأزمة!
  • حجار جال في البقاع مطلعاً على مستجدات واقع النزوح السوري: نشجع العودة الطوعية
  • استطلاع رأي يظهر موقف الألمان من إعادة السوريين إلى بلادهم
  • عمر كمال عبد الواحد يظهر بدعامة بعد قطع شريان اليد
  • الحكومة الأمريكية تقترب من الإغلاق بعد رفض الجمهوريون مشروع قانون الإنفاق الذي يدعمه ترامب
  • نبات قزمي لا يظهر إلا في الشتاء.. 10 فوائد لن تتوقعها
  • السيسي يظهر بقصره الجديد.. ما الأية القرآنية التي كُتبت على جدرانه (شاهد)
  • سماهر موصلي تقدم فيلمها روج بـ أيام قرطاج السينمائية
  • عاملناه بأصلنا فخان، فعاملناه بأصله فصان