مَنْ يقف وراء الإرهاب؟
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
مرفت بنت عبدالعزيز العريمية
من يقف وراء الإرهاب؟ وكيف يُمكن لفكر مُتطرف أن يتلبس الإنسان؟ الموضوع تناوله الكثير من الباحثين في دراسات مُنفصلة على مدار العقود مع ارتفاع وتيرة أعمال العنف والتطرّف والأفكار الضالة، غير السويّة التي لا تتناسب مع روح التسامح واحترام الاختلاف، ولا مع روح الأديان التي كانت في الأصل تدعو إلى نشر الفضائل والأخلاق والقيم.
تناولت في مقالات سابقة أهمية تقبّل الاختلاف والتعايش مع الفكرة المختلفة، لأنَّ الأصل في الحياة الاختلاف والتنوع، ومَنْ يقل غير ذلك فهو واهم؛ فالتعايش مع مختلف الأفكار يثري الحياة، والمجتمعات التي تعايشت مع الاختلاف ازدهرت، ولا ننسى أنَّ الحضارات التي تطوّرت قد بنت نفسها من استيعاب الآخر وترجمة ثقافات وعلوم الشعوب الأخرى؛ فالحضارة مسألة تراكمية وليست فكرة واحدة تكرِّر نفسها. يمكنك أن تتخيّل العالم كله من جباله وبحاره وغاباته وكائناته بلون واحد، ونوع واحد إلى أن يصيبنا الملل والسأم من الحياة.
ما نراه اليوم من أفكار شاذّة ما هي إلا نتيجة لمجموعة من الحوادث والأحداث التي تشكّلت في الوعي المجتمعي على مدى عقود، قد تكون نتيجة ضغوطات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وبغض النظر عن الأسباب فهي تؤكد حقيقة واحدة أنَّ هناك من يريد أن يزلزل القيم والتركيبة المجتمعية لتحقيق مآرب آخرى. والإرهاب شأنه شأن أي كائن حي يتغذى وينمو وسط محيط حي ويموت إن جفّت منابعه، فهو يتغذّى على مشاعر الغضب والكراهية وعدم المساواة والفقر والتهميش والنقص والجهل والخوف وغيرها. والجهل هنا ليس المقصود به الأمية، بل قلّة الوعي وضبابية المعلومات التي يستغلها البعض لبث روح الخلاف. فالتطرف صناعة إنسانية ولا يولد الإنسان متطرفًا أو معتدلاً لكن قد تنشأ معه استعدادات للتطرف أو الاعتدال تغذّيه تحت ستار الإرهاب ومكافحة التطرّف ومحاربة كلّ ما من شأنه أن يقيّض مصالح فئة مُعينة على حساب الآخرين.
"نما التطرف"، هذا ما أشارت إليه دراسة نُشرت في أواخر السبعينيات من قبل الأمم المتحدة التي تناولت موضوع الإرهاب؛ حيث لخّصت الدراسة أن الأعمال الإرهابية التي تطال الكثير من الدول والمجتمعات هي لغايات الإخضاع والسيطرة واستنزاف الموارد، تحقيقا لمصالح قوى أخرى. فالاستعمار والحروب لم تتوقف يومًا، بل اتّخذت أشكالا جديدة لمصادرة موارد دول لصالح دول أخرى والسيطرة على مكتسباتها وقراراتها وتركيع شعوبها كي تتمكن من استنزاف مواردها حتى تنشف خزائنها، من منطلق الدارونية.. فالبقاء للأقوى.
والإرهاب أخذ أشكالا كثيرا؛ من أبرزها: محاربة الهوية الوطنية والثقافات الأصلية للشعوب، ونشر الجهل ومحاربة الأخلاق والقيم الأصيلة بوصمها بالرجعية ونشر التفاهة وصناعة الإلهاء، وتشويه صور الشعوب الأخرى في الدراما والسينما وإلصاق كل الرذائل بهم، وتزوير التاريخ وحقائقه لصالح الأقوى، وخلق صراعات بين الطوائف والأعراق والأديان والمذاهب في المجتمع الواحد تطبيقاً لنظرية فرق تسد. هذا غيض من فيض للعديد من السياسات التي أسهمت على مدى عقود في تهيئة المناخ للإرهاب العالمي.
هكذا انقسم العالم إلى دول متقدمة بموارد دول نامية ودول متخلفة عن الحضارة تُستنزف مواردها لرخاء الأول وبقائه، بدعوى توفيرالحماية والخبرات والصناعات الحديثة وغيرها من مستلزمات الحياة المتحضرة!
وفي العقود الأخيرة، ومع يقظة العالم وزيادة الوعي بفضل التطور التكنولوجي، باتت الحقائق واضحة والمعلومات متوافرة، فبدأت الصيحات تعلو رافضة التركيع والتهميش على أطراف الحضارة الإنسانية وتنادي بإنهاء الاستعمار الاقتصادي وصناعة القرار، مثلما حدث في بعض من الدول الأفريقية التي تصارع من أجل الحرية.
عند تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في أي مكان، فتّش عن المستفيد. كنت وما زلت مؤمنة بأن أفضل طريقة للسيطرة على العقول، هي نشر الجهل ومُحاربة التفكير والأفكار الإبداعية التي تنهض بالمجتمعات النامية، وأنَّ التلقين ومصادرة الفكر آثاره تمتد إلى أن يصبح الإنسان وعاءً لأي فكر سلبي أو إيجابي لأننا صنعنا منه كائنا فاقدَ القدرة على التفكير والنقد البناء.
وتلعب التنشئة الاجتماعية والتربوية دورا مهما في حماية الإنسان من التطرف؛ فكلما كانت الأسرة قادرة على نشر ثقافة الحوار والاستماع بين أفرادها كانت قادرة على مواجهة أي صوت نشاز قد يطفو بين الفينة والأخرى.
تُؤكد الدراسات أنَّ التنشئة الاجتماعية السليمة في سن الطفولة والمُراهقة من شأنها حماية الفرد من التطرف فغياب دور الأسرة قد يصنع منه ضحية سهلة في أيدي المتطرفين الذين يزرعون فيه قيم افتقدها في الأسرة.
ولا نَنسى دور مؤسسات المجتمع الدينية التي تنشر الفكر المعتدل وتقبل الآخر؛ فالدين أولاً وأخيرا معاملة وليس فقط مجموعة من الشعائر. والإعلام الذي يناط به نشر التعددية الفكرية ورفع مستوى الوعي المجتمعي اتجاه كافة القضايا بشفافية واتزان دون تهويل أو تقليل. والأمر يكتمل بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني القريبة من المجتمع، وبتكاتف الجهود وتكاملها لن يكون للإرهاب مكانٌ لينمو فيه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السير مجدي يعقوب في بودكاست "بداية جديدة" يكشف عن حلم بناء مستشفى جديد بالقاهرة: سيقضي على قوائم الانتظار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استضاف بودكاست "بداية جديدة"، جراح القلب العالمي السير مجدي يعقوب، مؤسس مركز مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب في أسوان- الذي يُعد من أبرز المؤسسات الطبية في مصر والشرق الأوسط- وخلال اللقاء، تحدث السير مجدي يعقوب، عن دور المركز في علاج مرضى القلب والأوعية الدموية مجانًا، وكذلك دوره في تطوير البحث العلمي والتقنيات الحديثة في جراحة القلب، كما سلط الضوء على أهمية محور الرعاية الصحية بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان".
في بداية اللقاء، أشاد السير مجدي يعقوب، بالمشروع القومي للتنمية البشرية مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" وذلك لدوره في تنمية المجتمع، مشيرًا إلى ما تحظى به المبادرة من رعاية ودعم من فخامة رئيس الجمهورية، وإشراف الدكتور، خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، مقترحًا مشاركة الإنجازات التي تحققت في قطاع الرعاية الصحية بمصر مع العالم.
انتقل السير مجدي يعقوب، للحديث عن حلمه بإنشاء مستشفى جديد لعلاج مرضى القلب في القاهرة، وذلك لتخفيف معاناة السفر على الأطفال المقيمين في المحافظات القريبة من العاصمة، مضيفًا أن الطاقة الاستيعابية لمستشفى القلب الجديد بالقاهرة أكبر 5 مرات من مركز أسوان للقلب، مما يتيح تقديم العلاج بشكل أسرع للمرضى، والقضاء على قوائم الانتظار، كما أشار إلى التصميم المعماري لمستشفى القلب الجديد بالقاهرة، والذي وضعه أحد المهندسين المعماريين العالميين، بطريقة متميزة.
وتطرق السير/ مجدي يعقوب، إلى الحديث عن تجربة مركز أسوان للقلب، موضحًا أنه تم اختيار إنشاء المركز في أسوان للتسهيل على الأطفال السفر للقاهرة لتلقي العلاج، مشيرًا إلى أن فريق العمل بالمركز بدأ بسبعة أفراد فقط، لكنه تطور على مدار السنوات ليضم 700 فرد، يعملون جميعًا لخدمة المجتمع وتقديم الرعاية الصحية لمرضى القلب.
قال السير/مجدي يعقوب، إنه يجري ما بين أربع إلى خمس عمليات جراحية يوميًا، وهو ما يتطلب جهدًا ومسؤولية هائلة، خاصة أن حياة الأطفال بالنسبة له مسؤولية يتحملها بجانب ثقة الأهل والأسر التي يمنحونه إياها، وقد بلغ إجمالي عدد عمليات القلب المفتوح التي أجراها نحو 25 ألف عملية، وتختلف مدة الجراحة حسب تعقيد الحالة، وقد تتراوح بين ثلاث ساعات وحتى يومين، مشيرًا إلى أهمية استثمار كل لحظة، حيث أن أي تأخير قد يؤدي إلى تدهور حالة المريض.
وتحدث مجدي يعقوب، عن سبب منحه لقب "سير" من ملكة بريطانيا، تقديرًا لجهوده وفريق عمله في خدمة المجتمع من خلال علاج أمراض القلب، وفي ختام حديثه، وجه نصيحة للأجيال القادمة، بضرورة العمل بجد لخدمة المجتمع، والمساهمة في القضاء على الأمراض المنتشرة، من أجل مستقبل صحي أفضل.
يذكر أن الحلقات المقبلة ستستضيف شخصيات مؤثرة من مجالات الفن والرياضة، وريادة الأعمال، والسياسة، في إطار تعزيز التنمية البشرية وتمكين الشباب، يُبث بودكاست "بداية جديدة" عبر منصة Watch IT في تمام الساعة 3:15 مساءً، كما يُعرض يوميًا على قناة الحياة في الساعة 3:15 مساءً، وعلى القناة الأولى والفضائية المصرية في الساعة 6:30 مساءً.
وانطلق بودكاست "بداية جديدة" في إطار جهود مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين الشباب، ليكون مساحة تفاعلية تجمع بين الشخصيات المؤثرة، بمشاركة مقدمي الحلقات من الأطفال المصريين الموهوبين آدم وهدان، ريم مصطفى، وسيليا محمد سعد. يتيح البودكاست لضيوفه الفرصة لمشاركة تجاربهم، والتحديات التي مروا بها، والدروس التي شكلت مسيرتهم، إلى جانب تقديم رؤى حول مستقبل مجالاتهم وأثرها على المجتمع، ونقل رسائل تحفيزية للشباب الساعي لتحقيق طموحاته.
يأتي ذلك في إطار سعي المشروع القومي "مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان المصري" إلى دعم الشباب وتنمية مهاراتهم، من خلال برامج متكاملة تشمل الصحة، التعليم، والثقافة. تسعى المبادرة إلى تحسين جودة الحياة وتوفير الفرص، إيمانًا بأن بناء مستقبل أفضل يبدأ بتطوير الإنسان.