د. عبدالله باحجاج

تُقدِّم لنا محافظة شمال الباطنة نموذجًا مُلهِمًا آخر في قضية الباحثين عن عمل بعد مبادرة محافظة البريمي التي تناولناها في مقال سابق بعنوان "مبادرة البريمي.. مُلهمة للمحافظات الأخرى"، ومضمونها أنَّ مجلسها البلدي -برئاسة محافظ البريمي- يستدعي رؤساء الشركات والمؤسسات الواقعة في نطاقها الترابي ويناقش معهم قضايا التعمين والإحلال وإيجاد آليات عمل لتوظيف أبناء المُحافظة، بينما تنطلق مبادرة شمال الباطنة لحمل الشركات والمؤسسات على استكمال تحقيق نسبة الحد الأدنى للتعمين المُقررة من وزارة العمل.

وقد أصْدَرت محافظة شمال الباطنة بيانًا موصوفاً بـ"هام"؛ نصَّت فيه على عدم تعاقدها مع أي شركة أو مؤسسة لم تُحقق نسبة "الحد الأدنى" للتعمين المقررة قانونا، وفكرة هذه المبادرة غير اعتيادية؛ بمعنى أنَّ التفكير قد انتقل من الأفكار التقليدية إلى الأفكار الابتكارية التي تضمن تحقيق مثل هذه الأهداف الوطنية المركزية، وهذا مطلب مُلح الآن تُمليه عدة اعتبارات؛ أبرزها أنها تتماهى مع تبني نظام اللامركزية في البلاد الذي يمنح كل محافظ المسؤولة الكاملة عن كل الملفات داخل محافظته؛ بما فيها الملفات التابعة للامركزية المباشرة، والتي يكون لها تمثيلات رسمية كدوائر أو مديريات في كل مُحافظة، ومن هنا تصبُّ مبادرة شمال محافظة الباطنة في الفهم الصحيح للامركزية، وممارسة عملياتية له -أي الفهم.

ونرى أنَّه ينبغي أن يعمم هذا الفهم، فقد لاحظنا قصورًا فيه...إلخ، ولو عمم سنجد تدخلات اللامركزية/ المحافظين في قضايا محلية سريعاً وعاجلاً حتى لا تتصاعد، فتأخير المركزية وعدم تدخل اللامركزية رغم اختصاصها الترابي والدستوري يعني زيادة الحدية الاجتماعية وكثرة اللغط في حقبة جيوإستراتيجية معقدة جدًّا؛ لذلك تلامس مبادرة شمال الباطنة وعينا بالدور غير الاعتيادي للامركزية في نجاح الأجندات وإدارة الاحتقانات قبل وبُعَيْد وقوعها، مما يحتم على اللامركزية هنا أنْ يكون فيها مفكرون وأعلام قويو الفهم بالأدوات، وعدم جعلها تتراكم في الاحتقانات؛ مثل: قضية خفض رحلات الطيران العماني في فصل الخريف ورفع الأسعار بصورة خيالية في هذه المرحلة الحرجة والحساسة جدًّا.

لذلك؛ نعتبر مبادرة محافظة شمال الباطنة فعلًا مُلهِمة للمحافظات الأخرى على غرار فكرة المجلس البلدي لمحافظة البريمي سالفة الذكر، وتمنينا في المقال السابق ونجدده الآن لو يتلازم مع هاتين المبادرتين -أو مع أي جهود ترفع المعنويات وتعزز التفاؤل- تغطية إعلامية ميدانية؛ بهدف وضع الرأي العام في صلب تطبيقاتها ونتائجها، فذلك من دواعي إدارة الحقبة الراهنة.

وما يلفت الانتباه في بيان محافظة شمال الباطنة حرص المحافظة على استكمال تطبيق نسبة الحد الأدنى المُقرَّرة للتعمين في الشركات والمؤسسات؛ لذلك وُصِف البيان بأنَّه هام من ناحيتين؛ الأولى: من حيث العلم به، والثانية: من حيث إن هناك شركات ومؤسسات لم تحقق الحد الأدنى للتعمين، وهنا إشكالية كبرى؛ إذ لا نزال في المربع الأول، فكيف ننتقل منه؟ وكيف نواكب تحديات قضية الباحثين عن عمل؟ وهل يعقل أن نسبة الحد الأدنى للتعمين لا تتوافر لها ضمانات قانونية للوفاء بها؟ من المؤكد هناك ضمانات، لكن، كيف لم تنجح في استحقاق تلك النسبة حتى الآن.

وهذا يُعلي من شأن ما كشفه تقرير اللجنة المؤقتة للباحثين عن عمل التابعة لمجلس الشورى -أشرنا إليه في مقال سابق- عندما قال إنَّ نسبة التعمين في القطاع الخاص منخفضة جدا مقارنة بالقطاع الحكومي؛ بحيث انخفضت في العام 2023 إلى (%21.5) عن عام 2021 التي بلغت (%25.3)، وارجع ذلك إلى ارتفاع أعداد العمالة الوافدة بمقدار (%7)، كما كشف أن عملية التوظيف في القطاع الخاص غير متوازنة وتسير ببطء مقارنة بعدد الباحثين عن عمل وعملية التوظيف بالقطاع الحكومي؛ بحيث يقوم القطاع الخاص بتوظيف أكثر من 6 وافدين مقابل كل عماني.

كما أنَّ وجود ارتفاع للعمالة الوافدة بمعظم الأنشطة هو دليل على وجود فرص وظيفية يمكن إحلال العمانيين فيها، ومعالجة مشكلة الباحثين عن عمل في بعض التخصصات -والقول هنا للتقرير- ويرى كذلك أنه من الوظائف الجديدة في العام 2022 كانت من نصيب الوافدين ما عدا 4% منها فقط...إلخ، ومثل الأفكار التي تقدمها محافظتا البريمي وشمال الباطنة ينبغي أن تصل إلى الرأي العام لأن طبيعة المرحلة في أمسِّ الحاجة التي رفع المعنويات والتفاؤل، وهذا ينبغي أن يكون عنوانها -أي المرحلة- وأن تعمل كل المحافظات بصورة تنافسية على تجسيد هذا العنوان، وأن يكون ذلك ملموسًا؛ لأنَّ المرحلة تحتم ذلك، وربما تكون أفكارا وجهودا إبداعية في محافظات أخرى، لكن تفتقر للإعلام؛ لذلك نُكرِّر مطالبتنا بأن يكون لكل محافظة إعلام مهني يكون مصدرا أخباريا لوسائل الاعلام المختلفة في البلاد، لكي نصل برسالة المحافظات إلى كل مجتمعاتها المحلية.

وكلما يمرُّ الوقت بأحداثه الداخلية والجيوإستراتيجية على مقترحنا السابق بإمكانية تصفير أعداد الباحثين، تزداد قناعتنا به من جهتين أساسيتين؛ هما لاقتناعنا بإمكانية التصفير أو على الأقل تخفيض أعداد الباحثين بصورة ملموسة، وبيان محافظة شمال الباطنة يعزز المقترح، والآخر أنَّ ذلك من دواعي شغل المرحلة الراهنة، وانشغال شبابها ورفع التفاؤل والآمال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

8 مليارات تبرعات "إحسان".. ومختصون لـ "اليوم": المملكة نموذج عالمي في العطاء

تجاوز إجمالي التبرعات في المنصة الوطنية للعمل الخيري "إحسان" أكثر من 8 مليارات ريال سعودي، في حين بلغ إجمالي تبرعات وقف إحسان أكثر من 1.3 مليار ريال.
وبلغ عدد عمليات التبرع حوالي أكثر من 155 مليون عملية من خلال 26 مجال للتبرع ، فيما وصل عدد المستفيدين من البرامج الخيرية والتنموية خلال عام 2024 حتى الآن أكثر من 2.9 مليون مستفيد.اليوم العالمي للعمل الخيريوتحتفل دول العالم في الخامس من سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للعمل الخيري، وهي مناسبة تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية العمل الخيري ودوره في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وتضامنًا.
أخبار متعلقة قنصلية المملكة في هونغ كونغ تنبة المواطنين من اعصارالسديس: تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ مخرجات ندوة "الفتوى في الحرمين"ويعد العمل الخيري من الركائز الأساسية التي تسهم في تحسين جودة حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وتلعب دورًا حيويًا في دعم الفئات الأكثر احتياجًا، سواء كان ذلك من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، أو المشاركة في المبادرات التنموية والاجتماعية.
وأوضح مختصون لـ "اليوم"، أن المملكة تبرز كنموذج رائد على المستوى العالمي في العمل الخيري والإنساني، إذ تنتهج نهجًا شاملاً ومستدامًا في دعم المحتاجين، سواء داخل المملكة أو خارجها، وذلك تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.جهود كبيرة للسعودية في العمل الخيريوقال الدكتور ضيف الله بن أحمد النعمي، الرئيس التنفيذي لجمعية الوداد لرعاية الأيتام، قائلاً: "يأتي اليوم العالمي للعمل الخيري كفرصة مهمة لتذكيرنا بأهمية العطاء والتضامن وتعزيز روح العمل الخيري، والمساهمة في تحسين حياة الأفراد والمجتمعات.
وأضاف: المملكة العربية السعودية بذلت جهودًا كبيرة في مجال العمل الخيري، وتتميز بمبادراتها الإنسانية التي تشمل المستويات المحلية، الإقليمية، والدولية، وذلك بدعم وتمكين من ولاة الأمر – حفظهم الله ورعاهم".
وأضاف النعمي: "من أبرز تلك الجهود على المستوى الدولي، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي يعتبر منارة عالمية للعمل الإنساني، حيث يقدم المركز المساعدات الإنسانية والإغاثية للدول التي تعاني من الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } د ضيف الله النعميإنشاء الأوقاف الخيرية لتمويل المشاريعكما تسهم المملكة في إنشاء الأوقاف الخيرية لتمويل المشاريع الخيرية المستدامة مثل بناء المساجد والمدارس والمستشفيات، بالإضافة إلى برامج الإسكان الخيري التي تهدف إلى توفير السكن للأسر المحتاجة، من خلال مشروعات بناء مساكن منخفضة التكلفة.
وتجسد هذه المبادرات التزام المملكة بمبادئ العمل الخيري وتعزيز التعاون الإنساني لخدمة المحتاجين في جميع أنحاء العالم".
وفيما يتعلق برعاية الأيتام، أوضح الدكتور النعمي أن المملكة تولي اهتمامًا خاصًا باليتيم، إذ تعتمد وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على استراتيجية الدمج الاجتماعي للأيتام من خلال برنامج الاحتضان، والذي تقوم جمعية الوداد الخيرية لرعاية الأيتام بتنفيذه على مستوى المملكة، باعتبارها الذراع التنفيذي للوزارة في هذا المجال.
وبين أن "الهدف من البرنامج هو أن يعيش الطفل اليتيم الذي فقد الرعاية الوالدية في كنف أسرة محبة تحتضنه وتوفر له سبل العيش الكريم"، أضاف النعمي.السعودية نموذج عالمي رائدوفي ذات السياق، تحدث إبراهيم بن محمد الحماد، رئيس مجلس إدارة جمعية الزواج والتنمية الأسرية بمحافظة رياض الخبراء، قائلًا: "إن المملكة العربية السعودية تعد نموذجًا عالميًا رائدًا في العمل الخيري والإنساني.
وبين أن جهود المملكة لم تتوقف عند تقديم الدعم المالي فحسب، بل امتدت إلى مشاريع التنمية المستدامة مثل بناء المدارس والمستشفيات، وتقديم الإغاثة العاجلة لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية".
وتابع الحماد: "تجسد جهود المملكة في العمل الإنساني القيم الراسخة في المجتمع السعودي، التي تعزز مبدأ التكافل الاجتماعي والتضامن مع الدول والمجتمعات المحتاجة. وبتوجيهات القيادة الرشيدة، تسعى المملكة باستمرار إلى دعم الفئات الأكثر احتياجًا عبر برامج ومبادرات متنوعة، مما يعزز دورها كدولة رائدة في مجال العمل الإنساني".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ابراهيم الحماد
وأكد الحماد على أن العمل الخيري هو من صميم تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يحثنا على العطاء والبذل، مشيرًا إلى أن العمل الخيري لا يقتصر على الجمعيات الخيرية فقط، بل هو مسؤولية فردية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع.
وقال: "حكومتنا الرشيدة – حفظها الله – جعلت من السهل على الجميع المشاركة في العمل الخيري، من خلال دعم انتشار الجمعيات الأهلية في كافة مناطق المملكة، التي تهدف إلى نشر ثقافة العمل الخيري بين أفراد المجتمع.
وواصل: وحتى أبسط الأفعال، مثل إماطة الأذى عن الطريق، تعد في ديننا صدقة. لذا، في هذا اليوم العالمي للعمل الخيري، ينبغي علينا جميعًا أن نحرص على تعزيز ونشر ثقافة العمل الخيري ليصبح مسؤولية يتشاركها الجميع".

مقالات مشابهة

  • اليوم.. انطلاق فعاليات «أسبوع الخير» بمدينة العريش لدعم 4 آلاف أسرة
  • ترامب من ويسكونسن: إسرائيل لن يكون لها وجود إذا انتخبت هاريس
  • استشاري نفسي: "التمرد على نموذج السلطة" عنوان مرحلة المراهقة
  • مختبر ووهان الصيني قد يكون وراء انتشار شلل الأطفال
  • «ESTA «تطلق نموذج محاكاة سوق المال لطلاب الأعمال بجامعة الإسكندرية
  • أدميرال أمريكي يرى أن الحروب المستقبلية ستُخاض تحت الأرض بعد نموذج أنفاق حماس
  • 9 أطباء يشاركون في العيادات الخارجية بـ «الصحفيين» الأسبوع المقبل
  • الخدمة المدنية: تسجيل الباحثين عن عمل للفترة الـ88 يبدأ غدا ولغاية 20 الجاري
  • 8 مليارات تبرعات "إحسان".. ومختصون لـ "اليوم": المملكة نموذج عالمي في العطاء
  • خبراء: الإمارات نموذج عالمي في مكافحة الفقر ودعم المحتاجين