جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@23:50:31 GMT

الوافد السِّمسار

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

الوافد السِّمسار

 

 

ماجد المرهون

MajidOmarMajid@outlook.com

قِيل إنَّ "تِسعة أعشار الرزق في التجارة"، ويُقال كثيرًا في الحث ومراتب الترغيب على التجارة، والتي تستند إلى القانون الأزلي في العرض والطلب، وستبقى عقيدةً تُلزمُ عند استتباب شروطها المُتعاقدين ما بقي الإنسان مستمرًا بين الإيجاب والقبول بضوابطه الثلاثة -الرضا والسبب والمحل- ولن ينصرف ذهن الإنسان بدايةً إلى سوء الظن طالما أنَّ معاينة المعروض مُمكنة، ولا إلى التعسُّف بما أنَّ القبول مبنيٌّ على محض الإرادة دون إرغام، وقد يتوسَّط البائع والمشتري أو المتعاقدين طرفٌ ثالث يُعرف بالسمسار، ويقوم مقام التوفيق بين الأطراف نظير أجرٍ معلوم، وهو شأن معهود منذ القِدم ومشروع حيث لا يزال المبدأ العام يعمل تحت ضمانة الموازين الحاكمة للحرية في المُوافقة أو الرفض دون إكراه، فتبقى جميع الحقوق مكفولة بين كل الأطراف.

يجبُ علينا التفريق بين مِهنتي السَمسرة وإدارة الأعمال، فهما يختلفان عن بعضهما اختلافًا نوعيًّا، وقد يقع البعض في حالةٍ من عدم التمييز بينهما، كأن يستحوذ السمسار مثلًا على مجموعةِ عقود تأجير ليس لاسمه طرف فيها أو ملكياتٍ لا يملكها ثم يقوم بدورةِ مفاضلةٍ لا تخلو من مراوغة المزايدة أو المُناقصة والتطور إلى تحديد الأسعار برفعها أو خفضها، مُستغلًا قوة الطلب التي قد ترتفع أحيانًا في بعض المواسم أو المناسبات، وبذلك يكون هذا السِّمسار قد أدخل نفسه في التجارة وهو ليس بتاجر وتلبَّستهُ شخصية مُدير الأعمال وتسلط عليه شيطان الاحتكار، ولسان حالهِ يقول عند الصباح بلهجةٍ جميلةٍ: "بين البائع والمشتري يفتح الله"، وعند المساء: "الرزق يحب الخفِّية"، وبلا شك أنَّه شديد القناعةِ بشرعيةِ ما يقوم به؛ إذ إنه لا يزال يعمل تحت مبادئ العرض والطلب والإيجاب والقبول وقوانين الحرية واللا إكراه.

لم يعد أمر مُنافسة الوافد للمواطن في الكثير من المهن والأعمال خفيًّا، ولم يعُد بالأمر الذي نتحدث عنه في صيغة الحياء والخجل، وإن كانت تَغلِبنا العاطفة بحق الجميع للسعي في أرض الله الواسعةِ للكسب والخوف من قطع الأرزاق وغيرها من رمزيات الشَّفقة الحسيَّة، إلا أنه عندما يلجأ الوافد عامدًا بنفسه للتبطين في اقتحام مهنةٍ ليست ضمن تخصصه، بل والعمل في مهنٍ متعددةٍ تعود عليه بالمنفعة الشخصية وعلى غيره بالضرر فإن ذلك شأن يجرح الشاعرية الحانية ويقدح في القوانين الحاكمة ويستدعي وقفة تفكر ولحظة تأمل وتدخلٍ جادٍ للسيطرة والإمساك بزِمام الأمور واستعادة التوجيه إلى المسار الصحيح.

قد لا ينظُر المواطنون إلى موسم الخريف بأنَّه الدجاجة التي تبيض ذهبًا؛ حيث إنَّ الغالبية الساحقة غير مستفيدةٍ ماديًّا، بعكس بعض الوافدين الذين يترقبون البيض الذهبي وما يفقس منه، وقد أعدوا له العدة، وباتوا في ترقبٍ لموعده، وبما أنَّه موسم محدودٍ لا يزيد على ثلاثة أشهر، فإنه من الضرورة بمكان استثماره قدر الإمكان واستغلال كل الفُرص المُتاحةِ وغير المُتاحة، لتحقيق أكبر قدرٍ من الكسب بأقل قدرٍ من الإنفاق وبصرف النظر عن اعتبارات حسن التعامُل التي عرف بها مُجتمعنا والقوانين التنظيمية المؤطرة للتعاملات التجارية، فضلًا عن اللامبالاة بانعكاسات ذلك على السُمعة العامة للمنطقةِ مُستقبلًا، إنهم لا يأتون من الفضاء ولا ينزلون مع المطر عندما يكثرون فجأة في الخريف كما يكثر العشب بشكلٍ لافت للنظر ومُثيرٍ للعجَب، وحتى في المواقع التي يُفترض أن لا يعمل بها سوى المواطن ثم تقل أعدادهم بعد نهاية الموسم؛ ذلك لأنهم متواجدون بيننا، لكنهم فعَّلوا خاصية تعددية المِهن.

لا شك أنَّ أكثر ما يُؤرق الزائر لمحافظة ظفار في موسم الخريف هو ضمان محلٍ مناسبٍ لإقامته والنزول به دون منغصات، ومن الطبيعي أن يدور تفاوض وتفاهم بين المُؤجر والمستأجر، وقد يتوسطهما سِمسارٍ يسعى للمواءمة بين الطرفين، وكل ذلك ليس بغريب ولا يزال في إطار المقبول وحيز المعقول، ولكن الغريب في الأمر هو اختراق الوافد لإطار تلك الصورة التعاقدية التقليدية متحدثًا بصفةِ المالك أحيانًا ثم التاجر في صفةٍ أخرى وصولًا إلى السِّمسار النهِم والذي لن يطيل كثيرًا في التفاوض ولن يعتني بحسن اختيار كلماته أو لياقات تعبيراته، إذ إنَّ لُغة المال قد تسيدت الموقف وتسلطت على الصورة العامة جراء زيادة الطلب، ومع نشوء أية تظلمات أو نشوب خلافات، فإنَّ الوافد السِّمسار سوف يختفي من المشهد كاملًا ويذوب كما يذوب الملح في الماء ولا أقول السكَّر.

لن أُغرق كثيرًا في منافع وأضرار العمالة الوافدة، فهي عُملةٌ تحتمل الوجهين، وقد تحدَّث الكثير من العارفين في شأنها وهي موجودة في مظانها، وستستمر أهمية استجلاب الأيدي العاملة الوافدة ضمن الأولويات ومُقتضى الضرورات، ولكن إغراق سوق العمل بهم سيدفع بالأجور إلى التدني وهي نتيجة حتمية لندية المنافسة، كما سيُسهم في تقليل الجودة التي يدعمها تعدُّد المِهن على مستوى الفرد، وقد تصل إلى الغش وانتحال التخصصات، وستظهر علاقة عكسية مع تدنِّي مستوى الأجور والجودة إزاء تضخم أعداد الوافدين، وبالتالي عزوف المواطن عن بعض الأعمال لعدم الجدوى.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

27 أبريل.. محطة مضيئة في مسار الديمقراطية اليمنية

في السابع والعشرين من أبريل عام 1993، سجلت الجمهورية اليمنية محطة فارقة في تاريخها الحديث، بإجراء أول انتخابات برلمانية حرة ومباشرة، شارك فيها أبناء الشعب اليمني لاختيار ممثليهم في البرلمان عبر صناديق الاقتراع. كان ذلك اليوم بمثابة إعلان رسمي لدخول اليمن عصر الديمقراطية التعددية، وترسيخ تجربة سياسية رائدة في المنطقة.

مثل يوم 27 أبريل تجسيدًا عمليًا للإرادة الشعبية الحرة، حيث أتاحت الانتخابات للمواطنين ممارسة حقوقهم الدستورية في اختيار من يمثلهم، ليس فقط في السلطة التشريعية، بل لاحقًا أيضًا في المجالس المحلية، وحتى في الموقع السيادي الأرفع: رئاسة الجمهورية.

كما فتحت الطريق أمام جميع القوى السياسية والحزبية للتنافس العلني عبر برامج انتخابية، في مناخ ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية وحرية التعبير.

ومنذ ذلك التاريخ، شهد اليمن سلسلة من التجارب الديمقراطية، سواء في الانتخابات البرلمانية أو المحلية أو الرئاسية، حظيت بإشادات دولية، وأكدت أن الشعب اليمني قادر على التعبير عن خياراته بحرية ومسؤولية.

وأثبتت التجربة أن الديمقراطية كانت وستظل قارب النجاة لليمن، ولأي شعب يسعى لبناء دولته على أسس من العدالة والمساواة وسيادة القانون. فحين تكون صناديق الاقتراع هي الحكم، تتقدم الأوطان، وحين يغيب صوت الشعب، تحل الكوارث وتنفتح أبواب العنف والفوضى.

غير أن هذه المسيرة الديمقراطية لم تدم طويلًا دون انتكاسات. فقد تعرض النهج الديمقراطي لضربات موجعة بدأت بالانقلاب على الشرعية الدستورية في عام 2011، عندما أدت حالة الفوضى إلى الإطاحة بتوافقات دستورية وسياسية أساسية. وتفاقمت المأساة مع انقلاب ميليشيا الحوثي في سبتمبر 2014، الذي انقلب على الإرادة الشعبية بقوة السلاح، وأجهض مكتسبات ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وأعاد اليمن إلى دوامة الصراعات التي كان قد بدأ يتعافى منها.

اليوم، وبعد أكثر من عقد من تلك الانتكاسات، لا تزال اليمن تدفع ثمناً باهظًا، إذ يعيش شعبها تداعيات الحرب والانهيار الاقتصادي والمأساة الإنسانية الأسوأ عالميًا. تحولت منجزات كانت تزين وجه الوطن إلى أطلال، وباتت الحاجة أكثر إلحاحًا للعودة إلى المشروع الديمقراطي، باعتباره الطريق الآمن نحو السلام والتنمية والاستقرار.

في ذكرى السابع والعشرين من أبريل، تتجدد الدعوة لاستعادة النهج الديمقراطي بوصفه خيارًا وحيدًا للخروج من النفق المظلم، واستئناف بناء الدولة اليمنية الحديثة التي تكفل الحقوق وتصون الحريات وتحمي السيادة الوطنية.

 

مقالات مشابهة

  • سوق العقارات إلى أين؟!
  • مسار يتصدر المجموعة الأولى بدورة الترقي قبل انطلاق الجولة الخامسة
  • مرغّت انف الجنجويد وغيرت مسار الحرب.. سردية معركة مايرنو
  • «نجوم الساحل» يحتل المركز الثاني بإيرادات الأفلام بهذا الرقم
  • 27 أبريل.. محطة مضيئة في مسار الديمقراطية اليمنية
  • طاريا خارج مسار التوافق
  • إلى أين يتجه مسار الصراع المتصاعد بين واشنطن والحوثيين؟
  • من الأرجنتين إلى الفاتيكان.. البابا فرانسيس يغيّر مسار الكنيسة الكاثوليكية بإصلاحات جريئة
  • كيف ينظر الشارع الإيراني إلى مسار المفاوضات مع واشنطن؟
  • الجسر القاري.. كيف غيّر اتصال آسيا وإفريقيا مسار التطور البشري؟!