و بالإضافة إلى إحباط محاولة التصعيد السعودية المساندة لـ"إسرائيل"، أثبتت صنعاء قدرة استثنائية كبيرة على فرض ومراكمة معادلات ردع واسعة ومتزامنة ترسخ موقعها الجديد كلاعب إقليمي كبير، ووازن يمسك بالعديد من الخيوط الرئيسية التي تشكل مستقبل المنطقة، الأمر الذي لم يعد حتى الأعداء قادرون على التغطية عليه، في ظل تتابع إخفاقاتهم الفاضحة في كبح جماح الجبهة اليمنية التي لا يمكن وضع حدود لتوسع تأثيراتها.

لقد مثل توصل صنعاء مؤخرا إلى اتفاق مع النظام السعودي من أجل إلغاء قرارات التصعيد الاقتصادية ضد البنوك التجارية، وإعادة فتح مطار صنعاء مع إضافة وجهات ورحلات جديدة، انتصارا كبيرا ومحطة مهمة للغاية في مسار الإنجازات التراكمية للجبهة اليمنية المساندة لغزة، فالتصعيد الاقتصادي والإنساني لم يكن منفصلا عن الصراع مع العدو الصهيوني، بل كان في الأساس بمثابة هجوم من الجبهة الصهيونية على اليمن لكبح استمراريتها وتفخيخ مسار تقدمها بخلق مشكلة داخلية كبيرة، ويمكن القول إن العدو الصهيوني والولايات المتحدة كانا يعولان كثيرا على نتائج ذلك التصعيد، ولهذا فإن إفشاله يمثل إخفاقا مدويا لا يقل أهمية عن الإخفاق العسكري في البحر الأحمر.

ومما يجعل هذا الاتفاق إنجازاً استراتيجياً مهماً هو أنه بني على معادلة ردع هامة استطاعت صنعاء أن تراكم معطياتها وتثبتها طيلة سنوات العدوان، ثم عززتها بإعلان الاستعداد للعودة إلى مواجهة النظام السعودي عسكرياً بالتزامن مع مواجهة العدو الصهيوني والأمريكيين والبريطانيين، وبالتالي فإن الاستجابة السعودية لإنذارات القيادة والشعب كانت تتويجاً هاماً لهذه المعادلة الرادعة التي عنوانها "العين بالعين" مهما كانت الظروف وتعددت الجبهات المشتعلة.

وقد أكدت وكالة "بلومبرغ" هذا الأسبوع هذه الحقيقة، حيث نقلت عن مصادر مطلعة قولها إن النظام السعودي قام بإلغاء قرارات التصعيد الاقتصادي بدافع "خشيته" من الرد اليمني الذي حرص قائد الثورة بنفسه على تأكيد حتميته، ونطاق تأثيراته الاقتصادية الواسعة بشكل صريح، وهو ما يعني أن اليمن قد استطاع أن يخلق لدى النظام السعودي إدراكاً واضحاً ومسبقاً بالعواقب الحتمية بالشكل الذي أجبره على إنهاء التصعيد قبل المخاطرة بتنفيذه، وهو التعريف الأوضح للردع.

وقد جاء ردع النظام السعودي عن التصعيد متوازياً مع تثبيت معادلات ردع أوسع لا شك أنه كان لها دور في توضيح الصورة أمام الرياض، فالمعركة التأريخية التي تخوضها صنعاء على مسرح بحري ممتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي قد تحولت إلى شاهد حي على أن اليمن صار محترفاً بشكل استثنائي في تثبيت معادلات لا يمكن زعزعتها بأي قوة، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على قائمة الاعترافات الطويلة للضباط الأمريكيين والبريطانيين الذي عملوا في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، للتأكد من أن اليمن لا يمكن ردعه، و يكفي النظر إلى هروب حاملة الطائرات الأمريكية "ايزنهارو" وابتعاد بديلتها "روزفلت" عن منطقة العمليات اليمنية، للتأكد من أن اليمن هو من أصبح يفرض واقع الردع حتى على القوى التي تعتبر "عظمى" على مستوى العالم.

وقد جاء الاعتراف بذلك مؤخراً من الجبهة الصهيونية نفسها على لسان وزير خارجيتها الذي أكد أن الغارات على اليمن لن تردع اليمنيين، وهو اعتراف نابع من قناعة منتشرة على نطاق واسع داخل الكيان الصهيوني نفسه، حيث قال أحد المحللين الصهاينة في تصريحات نشرتها القناة العبرية الثانية عشرة قبل أيام إن "إسرائيل" لا تعتبر سوى حلقة في سلسلة مواجهات يخوضها اليمنيون على أكثر من جبهة، وبالتالي فإن خيار القصف الجوي لا يمكن أن يحقق أي ردع، فيما اعتبر محللون آخرون أن اليمن "عدو خطير للغاية" و"عنيد ومصمم" و"تصعب السيطرة عليه".

وبالمحصلة، استطاعت صنعاء خلال عشرة أشهر أن تثبت قدراتها على تحقيق الردع وتثبيته في ثلاث جبهات رئيسية  (تشكل في الواقع معسكراً واحداً) وهي الجبهة السعودية، والجبهة الأمريكية البريطانية، والجبهة الصهيونية، حيث حاولت هذه الجبهات الثلاث أن توجه أقصى جهودها لفرض شيء واحد على اليمن: هو وقف العمليات المساندة لغزة، لكن النتيجة كانت هي اعتراف الجبهات الثلاث بالفشل، وفي المقابل أضاف اليمن معادلات ومكاسب جديدة وانتزع المزيد من حقوقه، ولا يزال يتأهب لمراحل تصعيد ستثبت واقع الردع بشكل أكبر، وتضع كل الجبهات المعادية أمام حقيقة أن صعود اليمن كلاعب إقليمي رئيسي أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إلغاؤه.

 

*المسيرة 

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: النظام السعودی أن الیمن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

من هو شريك قيصر الذي سرّب صور التعذيب في سوريا؟ (شاهد)

كشف أسامة عثمان، المعروف باسمه المستعار "سامي"، عن هويته كأحد مهربي صور التعذيب من السجون السورية. وشارك عثمان بالتعاون مع "قيصر" في توثيق جرائم التعذيب داخل هذه السجون، ما أسهم في صدور "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات مشددة على رموز النظام السوري المخلوع.

وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" كشف أسامة عثمان، المعروف بلقبه "سامي" والشاهد الثاني إلى جانب "قيصر"، عن هويته خلال حديث صحفي. وأوضح عثمان، الذي يرأس حاليًا مجلس إدارة منظمة "ملفات قيصر للعدالة"، أنه كان يعمل مهندسًا مدنيًا عندما اندلعت الأحداث في سوريا عام 2011.



كان سامي يعيش في ريف دمشق، في منطقة خاضعة لسيطرة فصائل تنتمي إلى "الجيش الحر"، بينما كان شخص قريب منه، عُرف لاحقًا باسم "قيصر"، يعمل ضمن مناطق سيطرة الجيش السوري.


وكانت مهمته توثيق الوفيات داخل أقسام أجهزة الأمن بالصور، التي كشفت عن بشاعة المشهد: جثث مشوهة بلا أجزاء من الرأس، قتلى بلا عيون، وآخرون يحملون آثار تعذيب وتجويع شديد، جميعهم عراة وموسومون بأرقام.

وتضمنت الصور آلاف الضحايا، نساءً ورجالًا وأطفالًا، حيث اتُهم كثير منهم بجرائم وصفها النظام بـ"الإرهاب". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن أن تُدرج طفلة ضمن قائمة "الإرهابيين"؟

دفعت بشاعة الجرائم "سامي" و"قيصر" إلى العمل معًا لتوثيق ما يحدث في السجون السورية، وتحديدًا في دمشق حيث كان يعمل "قيصر"، الذي كان يوثق أحيانًا موت ما لا يقل عن 70 شخصًا يوميًا.

وبدأ الرجلان التعاون في جمع وثائق التعذيب في أيار/ مايو 2011. وكان "قيصر" يهرب الصور عبر محرك أقراص محمول "يو أس بي" ويعطيها لسامي في مناطق المعارضة.


تمكن "سامي" و"قيصر" من تهريب عشرات آلاف الصور لجثث ضحايا التعذيب إلى خارج سوريا. وكُشف عن الصور للمرة الأولى في عام 2014 بعدما صارا خارج سوريا.

واليوم، باتت الصور التي هرباها جزءًا من "لائحة الاتهام" ضد الأجهزة الأمنية التي كانت تابعة لرئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.

حذر سامي السلطات الجديدة في سوريا من تجاهل المحاسبة، ودعا إلى توثيق القضايا الحقوقية المتعلقة وأرشفة البيانات والأدلة التي ستقود إلى مرحلة من المحاسبة والعدالة الانتقالية، وذلك لتحقيق الاستقرار في المجتمع السوري.

وأعرب عن قلقه من استمرار موظفي النظام البائد في العمل، مما يمكنهم من "طمس الملفات في كل فروع وملحقات حزب البعث العربي الاشتراكي التي يعلم جميع السوريين أنها كانت مؤسسات أمنية بامتياز".

ورفض سامي تقديم معلومات عن طريقة مغادرته وقيصر سوريا ووصولهما إلى دول الغرب، واكتفى بالقول، رداً على سؤال: "أنا أسامة عثمان، مهندس مدني من ريف دمشق. كثيرون يعرفونني حتى وإن اختفيت تحت اسم (سامي). كان لا بد من أن اتخذه درعًا يحميني أثناء فترة العمل الشاق على هذا الملف المعقد الذي ساهم في صنعه الكثير من الأبطال المجهولين".


بدأت الولايات المتحدة في 17 حزيران/يونيو 2020 بتطبيق "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي يتضمن فرض عقوبات على 39 شخصية وكيانا على صلة بالسلطات السورية، بما في ذلك رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وعقيلته أسماء الأسد.

مقالات مشابهة

  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • قيادي جنوبي: مخطط مرعب ينتظر جنوب وشرق اليمن
  • اليمن تتعرض لاقسى 48 ساعة وتحذيرات من اجواء سيبيرية
  • ما الذي يحدث في المنطقة؟
  • الخارجية الفلسطينية: التصعيد الإسرائيلي والضم التدريجي وتسريع وتيرته يزيد من الموقف خطورة
  • الخارجية الفلسطينية: التصعيد الإسرائيلي والضم التدريجي وتسريع وتيرته يزيد من الموقف خطورة بالغة
  • الجولاني يعلق على التصعيد الإسرائيلي ويؤكد أهمية بناء دولة مستقرة في سوريا
  • من هو شريك قيصر الذي سرّب صور التعذيب في سوريا؟ (شاهد)
  • أين يختبئ رجل الظل الذي هز عرش سوريا؟
  • مكونات تدعمها الإمارات تعلن الحكم الذاتي في سقطرى…ما الذي يجري في جنة اليمن الطبيعية؟