في الوقت الذي يُنشر فيه هذا التقرير، يبدو أن الأمور في بنغلاديش أصبحت في طريقها إلى الهدوء (النسبي) في أعقاب أسابيع عاصفة. ويُنظر إلى قرار القضاء البنغالي في 21 يوليو/تموز الحالي بخفض العمل بنظام الحصص "الكوتا" من 30% إلى 5% فقط على أنه استجابة واضحة لمطالب المحتجين الذين عمّروا الشوارع منذ مطلع الشهر الماضي، رغم أن الممارسات القمعية للحكومة البنغالية خلال الأسابيع الماضية، والمظالم العميقة التي تقف وراء الاحتجاجات، دعت الكثير من المراقبين للافتراض أن هذه الهبَّة الجماهيرية سوف تكون لها تداعيات طويلة الأمد وواسعة النطاق.

كانت الشرارة الأولى للاحتجاجات هي قرار المحكمة العليا في بنغلاديش، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، إحياء العمل بنظام الحصص، وعكس العمل بالتدابير الإصلاحية التي ألغت النظام في أعقاب احتجاجات جماهيرية عام 2018. ويمنح نظام "الكوتا" عائلات قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد باكستان مطلع السبعينيات نسبة كبيرة (يراها المُحتجون غير عادلة) من وظائف الخدمة المدنية، إضافة إلى امتيازات استثنائية أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، كسرت خطوطا حمراء غير مسبوقة منذ صعود رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996، وعودتها إليها مُجددا عام 2008.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ابن بطوطة في الصين.. انتبه للقبضة الأمنية ورأى أول عُملة ورقية في العالمlist 2 of 2حفلة التصفيق.. الدلالات النفسية لخطاب نتنياهو في الكونغرسend of list

جلبت الاحتجاجات التي تصدَّرها الطلاب، وعُرفت إعلاميا باسم "احتجاجات الحصص"، اهتماما عالميا كبيرا، خاصة بعد أن اختار النظام مواجهتها بقبضة قمعية حديدية. وحتى اللحظة، تسبب القمع النظامي في سقوط 204 قتلى على الأقل، وقالت صحيفة "بروثوم ألو" البنغالية إن جثث معظمهم عليها آثار طلقات نارية، وإن هناك إصابات بالآلاف قد وقعت، فضلا عن اعتقال ما لا يقل عن 5500 شخص. وقد نشرت الحكومة 27 ألف جندي في جميع أنحاء البلاد، مع فرض حظر التجوال وقطع خدمات الإنترنت (زعمت الحكومة أن سبب القطع هو تخريب المتظاهرين لكابلات وموصلات الخدمة).

وفي حين أن قرار القضاء البنغالي بـ"تقليص الحصص"، جنبا إلى جنب مع إعلان الحكومة إجراء تحقيق قضائي برئاسة أحد قضاة المحكمة العليا في البلاد للوقوف على الانتهاكات التي أدت إلى سقوط هذا العدد المرتفع من الضحايا، وتعهد السلطات بألا يتعرض الطلاب الذين قاموا بالانتفاضة لأي مضايقات أو إجراءات، كل ذلك قد جلب هدوءا مشوبا بالحذر إلى الشارع، وسارعت الحكومة لاستغلال هذا الهدوء لتصفية حساباتها مع قادة الاحتجاجات مُنقلِبة على تعهداتها، ومستهدفة على وجه الخصوص قادة الحراك الطلابي الذين أشعلوا الشرارة الأولى للانتفاضة وكانوا وقودا لها على مدار الأسابيع الماضية، وفي مقدمتهم ناهد إسلام زعيم الحركة الطلابية الرئيسية المنظمة للاحتجاجات الذي اعتُقل بصحبة آخرين من داخل مستشفى أثناء تلقيهم العلاج.

تُهدِّد هذه السياسة الانتقامية بإشعال التوترات مرة أخرى، خاصة بعدما أكد الطلاب المنتفضون أنهم سيواصلون الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم التي تتضمن اعتذار الشيخة حسينة واجد للمتظاهرين عما حدث، ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين وإسالة دماء مَن خرجوا في الانتفاضة. ويُهدِّد هذا التصعيد بتقويض محاولات استعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية الطبيعية في بنغلاديش التي يبدو أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، فضلا عن الكثير من الحكمة المتطلّبة التي أثبت النظام أنه لا يتحلى بها في الوقت الراهن، فلا يزال هناك انقطاع محدود للإنترنت بعد قطعه عن معظم أنحاء البلاد، في حين بدأت السيارات تعود باستحياء إلى الشوارع بعد تخفيف حظر التجوال لمدة سبع ساعات، كما فتحت البنوك والمكاتب أبوابها جزئيا فقط لتعمل من الساعة الحادية عشرة صباحا حتى الخامسة مساء، وعادت المصانع تدريجيا إلى العمل.

وأيًّا كان ما ستُسفر عنه موجة الاحتجاجات الحالية، وإذا ما كانت ستتجدد أم ستكتفي بما حققته، فمن المؤكد أن ما شهدته بنغلاديش في الأيام الماضية كان حدثا فريدا، فرغم أن المظاهرات والاحتجاجات كانت سِمة حاضرة دائما منذ عودة الشيخة حسينة واجد إلى الحكم في عام 2008 (قبل أكثر من 15 عاما)، فإن المدى الذي وصلت له المظاهرات هذه المرة يُعَد غير مسبوق، كما ظهرت بشكل أوضح من ذي قبل الهتافات المطالبة بإسقاط رئيسة الوزراء وحكمها "الديكتاتوري". يدعونا ذلك للتكهن أنه حتى وإن هدأ الشارع بعض الشيء، فإن ما حدث يظل مؤشرا قويا على أزمات عميقة ودلالة على غليان كبير تحت السطح يوشك أن ينفجر، ومن ثم يظل شبح تكرار الانتفاضة على نحو أكبر ممكنا ومرجحا، وهو ما يدفعنا إلى محاولة استكشاف الأسباب العميقة التي حرَّكت كرة الثلج في الشارع البنغالي، التي من المؤكد أنها أكبر بكثير من نظام الحصص الذي كان العنوان العريض للاحتجاجات.

الكاتب: حتى اللحظة، تسبب القمع النظامي في سقوط 204 قتلى على الأقل بحسب الصحف البنغالية (الفرنسية) احتجاجات الطلاب.. أبعد من "الكوتا"

تأسس نظام الحصص "الكوتا" لأول مرة قبل أكثر من خمسة عقود على يد رئيس الوزراء آنذاك الشيخ مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة الذي يُجِلُّه البنغال باعتباره قائد مسيرة استقلال البلاد، وذلك بهدف ضمان فرص العمل لقدامى المحاربين في "حرب التحرير" وأُسرهم، وكذلك للأشخاص القاطنين في المناطق الجغرافية النائية والفئات الأكثر ضعفا. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى النظام باعتباره وسيلة لتكريم أولئك المحاربين، لكنه أخذ يفقد قيمته تدريجيا مع ظهور أجيال جديدة لم تشهد الحرب من الأساس، وبمرور الوقت تحول النظام إلى طريقة لتمويل المحسوبية السياسية لحزب "رابطة عوامي" الحاكم.

ففي الوقت الراهن، لا يُشكِّل أحفاد "المقاتلين من أجل الحرية" سوى جزء صغير من سكان بنغلاديش يُقدَّر بما بين 0.12% إلى 0.2%، وفقا لصحيفة "بروثوم ألو" المحلية، لذلك فإن "حصة مقاتلي الحرية كانت تذهب بلا شك لشعب [حسينة واجد] المختار"، وفق تعبير نافيدا خان، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة جونز هوبكنز. من جانبها، كانت رئيسة الوزراء جريئة في دعمها لنظام الحصص فيما سبق، محتجة بأن أولئك الذين شاركوا وضحّوا في حرب الاستقلال ضد باكستان، والنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب في تلك الحرب -بحسبها-، لا بد أن يُمنحوا وذووهم أعلى درجات التقدير في المجتمع، بل واتهمت الشيخة حسينة المنتفضين ضد نظام الكوتا بأنهم من "الرازكار"، وهو مصطلح يُطلق على مَن تعاونوا مع الجيش الباكستاني خلال حرب 1971.

ظل الاستياء يتراكم من نظام الحصص، خاصة في ظل مواجهة البلاد معدلات عالية للبطالة بين الشباب، فضلا عن ارتفاع في التضخم، الأمر الذي أثمر موجة من الاحتجاجات الطلابية عام 2018 أسفرت عن إلغاء الكوتا التي حصرت 30% من الوظائف الحكومية الجديدة في أبناء وأحفاد مَن شاركوا في حرب استقلال بنغلاديش ضد باكستان، و26% من الوظائف للفئات المهمشة في نظر النظام مثل النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، تاركة أقل من نصف الوظائف ليتنافس عليها باقي المؤهلين للعمل من سكان بنغلاديش البالغ عددهم 171 مليون شخص.

كان إصلاح عام 2018 إحدى ثمرات الاحتجاجات الطلابية المتكررة في بنغلاديش التي كثيرا ما أثمرت "تصحيحا" لمسيرة البلاد السياسية. فحتى قبل استقلال البلاد، اشتعلت مظاهرات الطلاب البنغال عام 1952 بسبب رفض باكستان آنذاك الاعتراف باللغة البنغالية لغةً وطنيةً، ضمن ما عُرف آنذاك بـ"بهاشا أندولان" أي حركة اللغة. وقد بلغت الاحتجاجات الطلابية ذروتها خلال حرب استقلال بنغلاديش قبل عقدين من الزمان، وكان الطلاب من بين أول مَن قُتلوا على يد القوات الباكستانية في عام 1971 خلال تلك الحرب.

لاحقا في عام 1987، تصدَّر الطلاب حركة المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية للرئيس الأسبق حسين محمد إرشاد، ما أدى إلى استقالته في النهاية عام 1990. وفي عام 2013، احتج آلاف الطلاب في داكا، مطالبين بعقوبة أشد قسوة على أولئك الذين تعاونوا مع باكستان أثناء الحرب. وتبع ذلك المزيد من الاحتجاجات في عام 2015 ضد الضرائب، وفي عام 2018 من أجل سلامة الطرق.

تُعَد الاحتجاجات الحالية إذن في جزء منها استمرارا للمشهد الاحتجاجي في بنغلاديش الذي يتصدَّره الطلبة بالأساس، بما يشمل طلاب الجامعات الحكومية والخاصة والمدارس، الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لجلب المزيد من الزخم إلى المشهد الاحتجاجي. ومع انضمام أحزاب وفصائل المعارضة والفئات الاجتماعية الأخرى إلى الطلاب، تحولت التظاهرات بسرعة من احتجاجات على نظام الكوتا فقط إلى انتفاضة واسعة غير مسبوقة منذ الإطاحة بالحكم العسكري سقط فيها المئات من الضحايا.

وقد حدث هذا التحول بحسب مجلة "إيكونوميست" حين خرجت الشرطة ومعها "الطلاب البلطجية" التابعون للحزب الحاكم، بحسب تعبير المجلة البريطانية، لقمع الطلاب المحتجين بعنف بالغ، وقد انتهت تلك المعركة بسيطرة الطلاب الثائرين على شوارع العاصمة "داكا"، واقتحام هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، وعدد من مقار الشرطة وحتى السجون، وامتد النشاط الثوري ليشمل نصف مقاطعات بنغلاديش تقريبا.

في النهاية، حقق المحتجون انتصارا جزئيا مع قرار المحكمة العليا الجديد بأن تصبح 93% من الوظائف الحكومية الجديدة مطروحة على أساس الجدارة وليس الحصص، وأن تحصل أُسر المحاربين القدامى على 5% فقط من تلك الوظائف، و2% أخرى للمهمشين والأقليات. لكن الحكومة لم تتخذ بعد الخطوات الكافية لتحمل المسؤولية عن ضحايا الاحتجاجات، مُفضِّلة توجيه الاتهامات لـ61 ألف شخص بإسالة الدماء في الشوارع في الأيام الماضية، على رأسهم بالطبع معارضو الشيخة حسينة ونظامها، وقادة الاحتجاجات، في استمرار لتقليد طويل الأجل لدى الشيخة حسينة ونظامها بتحميل المعارضة المسؤولية عن جميع المشكلات التي تصيب الدولة، بحسب تعبير "إيكونوميست".

الجذور العميقة

حين انطلقت الانتفاضة الحالية في بنغلاديش، سرعان ما اتهم كبار الوزراء والمسؤولين في نظام حسينة واجد المعارضة في البلاد بأنها هي مَن حرَّضت على الاحتجاجات والعنف لتحقيق مكاسب خاصة بها على حساب الشباب الأصغر سِنًّا، وهو ما نفته المعارضة وعلى رأسها حزب بنغلاديش الوطني، أبرز أحزاب المعارضة. ويتجاهل هذا الاتهام حقيقة أن "نظام الحصص" لم يكن أكثر من رمز احتشد حوله الشباب المحتجون والعديد من فئات الشعب الغاضبة ضد المظالم المتراكمة. بعبارة أوضح، لا يمكننا أن نفهم تلك الانتفاضة غير المسبوقة باعتبارها هبَّة ضد نظام الحصص في الوظائف الحكومية فقط، بقدر ما يتعين النظر إلى الأسباب الأكثر عمقا التي ولَّدت كل هذا الغضب.

بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، لطالما نجحت الشيخة حسينة واجد في رواية حكاية جميلة ومقنعة للجميع حول نفسها، فهي تلك المرأة العلمانية قوية الشخصية التي ترتدي لباس بلادها التقليدي المبهج في ألوانه، وفي الوقت نفسه تحكم بلدا مسلما كبيرا وتحارب "التطرف الديني"، وتنتشل الملايين في بلادها من الفقر، كما أنها استطاعت في الوقت نفسه أن تُشكِّل علاقات قوية مع جيرانها، خاصة الصين والهند، رغم الخصومة بينهما، لكن الحقيقة أن خلف تلك الصورة الخلابة تقبع حقيقة دميمة وقاسية.

فالشيخة حسينة -بحسب نيويورك تايمز- اعتمدت خلال فترة حكمها على تقسيم سكان بلادها إلى شطرين، الشطر الأول يشمل المؤيدين لها الذين كافأتهم رئيسة الوزراء وتعهَّدتهم بالرعاية، ومنحت البارزين منهم النفوذ وحق الإفلات من العقاب، والشطر الثاني هم المعارضون الذين قادت الشيخة حسينة واجد حملات قمع عنيفة ضدهم وعاقبتهم بالسجن دائما، وقد أثبتت ردة فعلها العنيفة على الاحتجاجات الأخيرة الطبيعة القمعية لنظامها، وهي الطبيعة التي ربما كانت أحد الأسباب العميقة لانطلاق تلك الانتفاضة من الأساس.

منذ سنوات، يتهم المعارضون الشيخة حسينة بأنها حولت البلاد إلى أرض يسكنها الخوف، حيث يخشى معارضوها من المكوث في بيوتهم خوفا من "زوار الفجر"، ويقول هؤلاء المعارضون أيضا إنها لا تُفرِّق في قمعها بين إسلامي وعلماني، فلديها دائما مسوغات جاهزة تعطيها للإعلام لتبرير القمع الذي تمارسه ويسعى في الحقيقة إلى تحقيق هدف واحد فقط: ضمان بقائها في الحكم لأطول فترة ممكنة، وهو ما تبدو ناجحة فيه حتى الآن.

وحتى صورة القائدة التي تحكم بلدا ديمقراطيا بعد حقبة قاسية من الحكم العسكري باتت مزينة بالكثير من الخروق. فبعد كل شيء، يعتقد المعارضون أن الشيخة حسينة لم تكن لتحكم كل هذه الفترة دون مباركة من الجيش، خاصة وهي تقوض النظام الديمقراطي يوما بعد يوم. وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت في يناير/كانون الثاني الماضي، التي فازت بها الشيخة حسينة بولايتها الرابعة على التوالي، وولايتها الخامسة عموما، قاطعت جماعات المعارضة الرئيسية الانتخابات، إذ أعلن الحزب الوطني البنغالي اعتقال 20 ألفا من أعضائه ومؤيديه خلال فترة الحملة الانتخابية، وكانت تلك هي المرة الثانية التي تقاطع فيها المعارضة الانتخابات كُليًّا بعد عام 2014، في حين جرت انتخابات عام 2018 تحت أجواء بوليسية وتبعتها اتهامات واسعة النطاق بالتزوير.

وكان تقرير لمجلة "إيكونوميست" العام الماضي قد رصد "ضيق صدر" المرأة الحديدية على نحو استثنائي تجاه أي إشارة، ولو من بعيد، لنقد سجلها في الحكم. وذكر التقرير حينها أن فترة حكم حسينة تتسم بالتضييق والتخويف الممنهج ضد وسائل الإعلام، وتتميز أيضا بالسيطرة التامة على الشرطة والقضاء اللذين أصبحا أكثر الهيئات فسادا في البلاد، بحسب التقرير.

لم تكن الأمور على هذا النحو بالنسبة إلى زعيمة بنغلاديش في البداية. وبحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فإن حسينة واجد نُظر إليها في البداية بوصفها بطلة الديمقراطية البنغالية، حين انتُخبت رئيسة للوزراء سنة 1996، بعد فترة طويلة من الحكم العسكري، لكن المرة الثانية التي عادت فيها للحكم عام 2008 بعد خسارتها عام 2001، تحولت إلى شخصية جديدة، بعد أن وجدت وصفتها الخاصة للبقاء في السلطة. وتكمن هذه الوصفة ببساطة في تصوير أي شكل من أشكال المعارضة السياسية في البلاد على أنه "معارضة إسلامية متطرفة"، وهو الأمر الذي ساعد حسينة على اكتساب دعم الهند والدول الغربية. ويُعَد دعم الهند تحديدا واحدا من الأسباب العميقة للغضب الشعبي ضد رئيسة الوزراء، لأن موالاة ناريندرا مودي ونظامه القومي الهندوسي الذي اشتهر بقمعه للمسلمين في الهند بات عاملا محفزا للغضب داخل الشارع البنغالي.

بعد أكثر من 15 عاما متتالية في السلطة، فقد طال عنف النظام كثيرا من شرائح المجتمع، بمَن في ذلك رجل في مكانة البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل، الذي يواجه سلسلة من القضايا التي يقف وراءها الحزب الحاكم داخل البلاد، بجانب هجوم مستمر على لسان رئيسة الوزراء. وفي العام الماضي (2023)، وقَّع 170 شخصية عالمية رسالة مفتوحة تطالب بوقف اضطهاد يونس، حيث يظن عدد من المراقبين أن الشيخة حسينة ترغب في تقويض سمعة البروفيسور خوفا من شعبيته الكبيرة التي تناهز شعبية والدها الراحل الشيخ مجيب الرحمن.

وبحسب مراقبين، يُعَد قمع الاحتجاجات الأخيرة  تتويجا لنظام "بوليسي" كان يتشكَّل على مدار قرابة عقد ونصف. لكنَّ عاملا فارقا ساهم في خروج القمع بتلك الصورة الوحشية هذه المرة، وهو أن هذه الاحتجاجات (الاقتصادية في طابعها) ضربت في مقتل آخر "الصور المشرقة" لرئيسة الوزراء باعتبارها "بطلة اقتصادية" أنقذت شعبها من الفقر. وتشير التقديرات إلى أن معدلات الفقر في بنغلاديش انخفضت من نحو 12% عام 2010 إلى 5% عام 2022، كما تمكنت البلاد من تحقيق متوسط سنوي للنمو بلغ 6.6% على مدار العقد الماضي، مع توقعات بخروجها من تصنيف "البلدان الأقل نموا" في الأمم المتحدة بحلول عام 2026.

لكن تلك الأرقام المضيئة تُخفي بين طياتها مشكلات هيكلية عميقة، فمن بين كل 8 شباب في البلاد هناك شاب واحد على الأقل عاطل عن العمل، كما أن ربع الباحثين عن عمل في البلاد تتراوح أعمارهم بين 15-29 عاما، في حين يشتكي ثلثا الشباب في البلاد من عدم الحصول على وظيفة ثابتة منتظمة، ويتنافس 400 ألف خريج جامعي كل عام على 3000 وظيفة حكومية فقط، في ظل سوق عمل محفوف بالمخاطر.

كذلك يشكو الشباب في بنغلاديش من استشراء الفساد والمحسوبية، في الوقت الذي يستخدم فيه النظام الوظائف الحكومية بوصفها غنائم يوزعها على مؤيديه وفقا للمحسوبية السياسية وليس الكفاءة. لذلك، من غير المرجح أن يكون إصلاح نظام الكوتا وحده كافيا لمعالجة المظالم طويلة الأمد بين صفوف البنغال وخاصة الشباب، وحتى إذا هدأت الاحتجاجات الحالية فلن يكون ذلك أكثر من هدوء مؤقت، يُخفي وراءه زلزالا عنيفا سوف يهز عرش المرأة الحديدية، عاجلا أو آجلا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الوظائف الحکومیة احتجاجات الطلاب رئیسة الوزراء فی بنغلادیش نظام الحصص فی البلاد فی الوقت أکثر من فی حین فی عام عام 2018 وهو ما الذی ی

إقرأ أيضاً:

ما العقبات التي تعوق عودة زخم الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية؟

عادت المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية إلى بعض الجامعات في الولايات المتحدة، لكن القيود الجديدة ومجموعة جديدة من الطلاب قد تبطئ الزخم مقارنة بالاحتجاجات الجماعية التي انتشرت خلال فترة الربيع الماضي.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها إن حوالي 50 متظاهرا مؤيدا للفلسطينيين اعتصموا خارج البوابات الرئيسية لجامعة كولومبيا في اليوم الأول من الفصل الدراسي، وحثوا الطلاب على مقاطعة الفصول الدراسية ووزعوا منشورات تتهم جامعة كولومبيا بالتواطؤ في الإبادة الجماعية.

وأضافت الصحيفة أن "خطوط الدخول إلى الحرم الجامعي امتدت لمسافة أطول من خط الاعتصام، وداخل البوابات استرخى الطلاب في الشمس وقدم رئيس الجامعة المؤقت الجديد الآيس كريم.. ولم يكن العرض الجماعي للدعم للمتظاهرين، والذي تسبب في إغلاق كولومبيا لحرمها الجامعي المركزي إلى حد كبير في الربيع، واضحا بعد".

وذكرت أنه "حتى أكثر أعمال الشغب جرأة في ذلك اليوم، والتي تمثلت في رش الطلاء الأحمر على تمثال جامعة كولومبيا الشهير، ألما ماتر، تم تنظيفها من قبل الجامعة في غضون ساعات، وتوقع البعض أن يكون هناك معسكر جديد في اليوم الأول، ولكن من وجهة نظر الإدارة، فإن بداية الفصل الدراسي سارت بسلاسة نسبية".

لقد كان مسؤولو كليات جامعة كولومبيا وفي جميع أنحاء البلاد، يستعدون لهذه اللحظة طوال الصيف، كما أن هناك قواعد احتجاج وتدابير أمنية جديدة. إذ لا يمكن إلا للأشخاص الذين يحملون بطاقات هوية صالحة دخول الحرم الجامعي الرئيسي، وكان الطلاب الذين لم يكن لديهم بطاقة هوية يوم الثلاثاء مضطرين إلى الانتظار في طوابير طويلة، وتذمر البعض من الإزعاج.


واستمر الخطاب المناهض لـ "إسرائيل" في الاحتجاجات وأزعج بعض الطلاب الذين مروا، وهتف المحتجون "لا يوجد سوى حل واحد، الثورة والانتفاضة".

ولكن المظاهرة، التي ضمت مجموعة منتقاة من الأشخاص الذين لم يكونوا طلابا، بما في ذلك اليهود الأرثوذكس المناهضون للصهيونية، كانت على رصيف عام، خارج نطاق صلاحيات الجامعة، وكان عدد كبير من ضباط الشرطة يقفون في مكان قريب.

 وقالت الشرطة إن اثنين من المحتجين تم اعتقالهما واتهامهما بالسلوك غير المنضبط وعرقلة العمل.

وأوضحت الصحيفة: "يمتد العام الدراسي الطويل أمامنا، وتستمر الحرب في غزة. ولكن في مختلف أنحاء البلاد، هناك دلائل تشير إلى أن المحتجين الطلاب سيضطرون إلى إعادة بناء الزخم. بدأ المسؤولون عن الكليات استعدادهم أكثر مما كانوا عليه في الخريف الماضي، عندما فاجأ حجم وكثافة الاحتجاجات العديد منهم. فالطلاب الجدد، أو أولئك الذين لم يكونوا في الحرم الجامعي العام الماضي، يجلبون وجهات نظر جديدة".

أخذت ليلي مايرز، وهي طالبة في السنة الأخيرة في جامعة كولومبيا وهي يهودية، إجازة العام الماضي وقالت إن العام الدراسي الجديد كان مختلفا بالفعل. ومع ذلك، فهي ليست قلقة كثيرا، قائلة: "في نيويورك، هناك أشخاص يقولون أشياء بغيضة طوال الوقت".

في الوقت الحالي، كانت لوجستيات فحص الهوية في الحرم الجامعي هي التي تقلقها أكثر من غيرها. وقالت: "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستسير الأمور في الأسابيع المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أن الناس يأملون في الوصول إلى الفصول الدراسية في الوقت المحدد".

وشهدت الجامعات في جميع أنحاء البلاد التي استضافت المخيمات أنشطة احتجاجية متفرقة مع استئناف الفصول الدراسية، ولكن لم يكن هناك سوى عدد قليل من الاضطرابات الكبيرة.

في جامعة كورنيل، احتشد نحو 150 متظاهرا مؤيدا للفلسطينيين، يتألفون من طلاب وأفراد من المجتمع، في الحرم الجامعي الأسبوع الماضي في أول يوم دراسي هناك. 

وفي الليلة السابقة، تعرضت قاعة داي هول للتخريب، فقد حطمت مجموعة من المتظاهرين بابا زجاجيا ورسموا على الجدران الخارجية عبارات مثل "إسرائيل تقصف، وكورنيل تدفع الثمن" و"الدماء على أيديكم".


وفي تصريح لصحيفة "كورنيل ديلي صن"، قال الناشطون وراء الكتابة على الجدران: "كان علينا أن نقبل أن الطريقة الوحيدة لجعل صوتنا مسموعا هي استهداف الشيء الوحيد الذي تهتم به إدارة الجامعة حقا: الممتلكات".

ومع ذلك، استمرت الفصول الدراسية، وفي يوم الاثنين، تجمع نحو 150 عضوا من كورنيل وإيثاكا في الحرم الجامعي لإقامة وقفة احتجاجية تكريما لستة رهائن إسرائيليين عُثر عليهم مقتولين في غزة. ولم ترد أنباء عن أي تعطيل لهذا الحدث. وبحلول يوم الأربعاء، تم إصلاح المبنى وتفرق المحتجون.

وقالت شيفاني فيل، 20 عاما، وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية الطب، إن المناخ ما زال مختلفا، مضيفة: "من الواضح أن المخيم قد انتهى، لكن الناس ما زالوا يتحدثون عنه. وهذا يُظهِر مدى فعالية مظاهرة كهذه".

وفي جامعة بنسلفانيا، حيث انتهى مخيم مؤيد للفلسطينيين باعتقال حوالي 33 شخصا، بما في ذلك تسعة طلاب، في الفصل الدراسي الماضي، لم تكن هناك لافتات أو ملصقات أو متظاهرون على الكلية الخضراء صباح الأربعاء. كانت المنطقة مسيّجة جزئيا بحواجز للسيطرة على الحشود عُلق عليها لافتات "ممنوع الدخول".

وأفادت صحيفة الطلاب أن الجماعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين أعلنت أنها ستشارك يوميا "تحديثات من غزة" أمام تمثال بنيامين فرانكلين في الجامعة. لكن العديد من الطلاب قالوا يوم الأربعاء إنهم لم يروا أي احتجاجات حتى الآن في هذا الفصل الدراسي.

في جامعة هارفارد، استخدمت مجموعة من خمسة أساتذة الطباشير والفكاهة يوم الثلاثاء للاحتجاج على المبادئ التوجيهية الجديدة التي تحظر كتابة الرسائل بالطباشير أثناء التجول في الحرم الجامعي. وجاء في إحدى الرسائل المكتوبة على الأرض: "لماذا يتمتع أطفال ما قبل المدرسة بحرية أكاديمية أكبر من طلاب هارفارد؟".

لكن حفل التخرج الطلابي، الذي غالبا ما يعطله المتظاهرون، لم يُقطع يوم الاثنين. وذكرت صحيفة هارفارد كريمسون أن الناشطين المؤيدين للفلسطينيين وزعوا كتيبا بعنوان "The Harvard Crimeson" [تحويرا لاسم الصحيفة الطلابية the harvard crimson ]، لكنهم لم يصرخوا بين المتحدثين.

وأوضحت الصحيفة: "ربما كانت القواعد الأكثر صرامة في الحرم الجامعي قد حدت من الاحتجاجات. لكن تقييد الحرية الأكاديمية وحرية التعبير بشكل صارم للغاية قد يتسبب أيضا في رد فعل عنيف، مما يزيد من دعم الطلاب للمحتجين، على غرار ما حدث في الفصل الدراسي الماضي. يقول بعض الأساتذة والطلاب بالفعل إنهم يواجهون مرة أخرى قمعا غير مناسب للتعبير عن آرائهم".

في جامعة ميشيغان، تجمعت مجموعة من حوالي 50 شابا في مظاهرة "موت" في معرض نادي المدرسة، فيستيفول، يوم الأربعاء الماضي. وجلسوا واستلقوا على الأرض وهم يهتفون "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر" وهم يحملون لافتات عليها صور الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة ويقرأون أسماءهم. ورفعت مجموعة من المتظاهرين المناوئين الأعلام الأمريكية والإسرائيلية، ورددوا "أعيدوهم إلى ديارهم".


وتم اعتقال أربعة منهم، بينهم طفل يبلغ من العمر 16 عاما، وهو ابن موظف جامعي عولج لاحقا في مستشفى الأطفال من إصابات مرتبطة بالاعتقال، وفقا لعضو هيئة التدريس في الجامعة، ريبيكا مودراك، التي أدانت رد الشرطة ووصفته بأنه عدواني للغاية.

وقالت سيلك ماريا فاينيك، أستاذة الأدب المقارن والدراسات الألمانية، التي كانت هناك أيضا: "لقد كان عرضا ساحقا للقوة ضد المتظاهرين العزل المسالمين للغاية".

وأشارت شرطة الحرم الجامعي والإداريون إلى أن أيا من المعتقلين لم يكن من الطلاب الحاليين. وكتبوا في بيان: "لأكثر من ساعة، تلقوا تحذيرات متعددة أوضحت أنهم كانوا يحجبون حركة المشاة وينتهكون سياسة الجامعة".

في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، تم تنظيف درجات قاعة سبرول، موقع معسكر الفصل الدراسي الماضي، استعدادا للعام الدراسي الجديد. في الأسبوع الماضي، تجمع بعض المتظاهرين هناك للاحتجاج على إرشادات جديدة لجامعة كاليفورنيا بحظر المخيمات والأقنعة التي يرتديها المحتجون لإخفاء هوياتهم.

لكن بعض الطلاب قالوا إنهم شعروا وكأن النشاط قد تضاءل.

قالت تريستا لينفورد، وهي طالبة في السنة الثالثة تدعم الحركة المؤيدة للفلسطينيين: "انتهى الزخم بسرعة كبيرة. لقد تحولت الطاقة. لقد اختفت خلال الصيف".

في كولومبيا، تجمع الناشطون المؤيدون للفلسطينيين يوم الأربعاء للاعتصام خارج الفصل الذي تدرسه هيلاري كلينتون في كلية الشؤون الدولية والعامة.

على الرغم من أن أعدادهم كانت صغيرة، حوالي 30 متظاهرا عندما كان من المقرر أن يبدأ الفصل، فإنهم اختاروا الحدث ضمن تغطية صحفية لتضخيم قضيتهم. هتفوا "الصهاينة غير مرحب بهم هنا. كولومبيا سوف تشاهدين، فلسطين ستكون حرة".

كانت كلينتون قد وصلت إلى الفصل من باب مختلف. وبعد حوالي ساعتين، تفرق المتظاهرون.

مقالات مشابهة

  • عضو بـ«الشيوخ» تطالب بتوعية طلاب المرحلة الابتدائية من مخاطر الإنترنت
  • إعلام ألماني: توقف خدمات السكك الحديدية بوسط البلاد بسبب عطل فني
  • تفاصيل مشروع تكافل.. كيف أعانت السعودية طلاب الفقر بالمملكة
  • الشيخة فاطمة: المرأة نصف السوق .. والنساء أغلبية مصادر المواهب
  • نجوم غانا السوداء تسقط على ملعبها امام أنجولا
  • ما العقبات التي تحول دون عودة زخم الحركة الاحتجاجية في جامعات أمريكا؟
  • ما العقبات التي تعوق عودة زخم الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأمريكية؟
  • آلاف البنغاليين يحتشدون في العاصمة دكا احتفاء بمرور شهر على تنحي الشيخة حسينة
  • طلاب جامعة أسيوط يحصلون على المراكز الأولى بـ "فرنكوفونية" مكتبة الإسكندرية
  • ثورة خضراء في بنها الأهلية.. طلاب يبتكرون سيارات تعمل بالهيدروجين الأخضر