فتحت حادثة سقوط صاروخ على ملعب للأطفال في قرية عين شمس في الجولان السوري المحتل، البابَ على تحديات سياسية وميدانية على إثر اتهام إسرائيل لحزب الله بإطلاق الصاروخ من قرية "شبعا" الحدودية، وذلك على الرغم من نفي الحزب للقيام بالعملية، واعتبار أن ما حصل هو نتيجة سقوط صاروخ من القبة الحديدية المضادة للصواريخ الآتية من لبنان.
من هنا فإنّ ما حصل يمكن قراءة تداعياته بشكل أوسع من خطأ صاروخي، أو عملية مخطط لها، على اعتبار أن ما جرى يتزامن مع المفاوضات الحاصلة في روما بين أطراف الوساطة الدولية؛ لوقف الحرب في غزة، وذلك بالتوازي مع تحضير إسرائيل لورقة عمل سيجري طرحها في الاجتماعات التفاوضية مع الولايات المتحدة، وقطر، ومصر.
من هنا فإن التداعيات المباشرة للعملية ظهرت مباشرة للمتابعين والمحللين، إن كانت تداعيات في لبنان، أو في إسرائيل، أو حتى في الإطار الإقليمي الواسع المتخوّف من تدحرج الأمور لتشمل الدخول في مسارات حربية خطرة.
الموقف الأميركي بعد عملية "عين شمس" بدا أكثر تصلبًا برفض مسار الحرب الواسعة، على اعتبار أنه لا يستطيع ضبط إيقاع أي تطور ميداني، وأن هناك أخطارًا من إمكانية تحولها إلى حرب
والتداعي الأهم في لبنان، هو تكريس حالة النزاع والانقسام الداخلي اللبناني مع الحدث، والذي هو استمرار لحالة الانقسام الأكبر المتعلق بالموقف المؤيد والمعارض لفتح جبهة الجنوب المساندة لغزة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذا الانقسام انسحب على حلفاء حزب الله أنفسهم والذين باتوا يصرّحون بشكل لافت بضرورة وقف العمليات العسكرية والدخول في المسارات التفاوضية المباشرة والتي تحاط برعاية إقليمية ودولية ظهرت من خلال حركة الموفدين الأجانب منذ بداية الحرب منعًا للتصعيد.
بالمقابل فإن الانعكاس الأهم لهذه الضربة هو حالة التمايز الحاصلة بين المكونات "الدرزية" في المنطقة، وتحديدًا بين الحالة السياسية التي يمثلها دروز لبنان بزعامة وليد جنبلاط، وبين دروز إسرائيل المنخرطين مباشرة في مساندة إسرائيل في المعركة الجارية في غزة، والجنوب من خلال شيخ الطائفة موفق طريف.
وبدا أن الضغط المتزايد على وليد جنبلاط الذي كان يرتبط بعلاقات واسعة مع دروز إسرائيل والجولان بات يثير تخوفات من انقسام مذهبي داخلي للحالة الدرزية ما يزيد الضغط أولًا على جنبلاط كزعامة تاريخية، وثانيًا على حزب الله الذي استفاد لسنوات من وحدة القرار الدرزي في لبنان وسوريا؛ لتغطية موقفه السياسي والميداني منذ العام 2006 إلى اليوم.
لكن الأهم واللافت كان تصريح الحكومة اللبنانية والتي أظهرت ببيانها المقتضب حالة من الخوف والخشية من انفلات الأمور جنوبًا، عبر تأكيدها على رفض استهداف المدنيين، والمطالبة بوقف الحرب الحاصلة في غزة والجنوب، بعد أكثر من تسعة أشهر من حالة الاطمئنان السياسي والعسكري.
وهذا الاطمئنان والذي كان يثير الريبة على المستوى الداخلي، ارتبط أولًا بالتنسيق الجاري بين رئيسها نجيب ميقاتي، وحزب الله على ضبط إيقاع الحرب وعدم تمددها، والثاني من خلال رسائل الطمأنة الأميركية والغربية من أن إمكانية للسماح بحرب واسعة بين الحزب وإسرائيل، على الرغم من الرغبة الإسرائيلية الجامحة للحرب مع حزب الله وتوجيه ضربات موجعة له.
على المستوى الإسرائيلي فإن اللافت أن وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة نتنياهو غالانت، والذي استبق عودة نتنياهو من واشنطن، أجرى تقييمًا للوضع العسكري مع قادة الأجهزة الأمنية، وحدد طبيعة الرد العسكري على حزب الله، وهذا يعني تفريغ اجتماع مجلس الحرب برئاسة نتنياهو ظهر اليوم من أي محاولة لنتنياهو للإمساك بزمام الحرب ومداها وطبيعتها، ما يثبت نظرية أساسية أن غالانت ملتزم بالضوابط الأميركية تجاه لبنان.
لكن السؤال الأبرز من كل ما يجري: "هل ستؤدي ضربة عين شمس إلى حرب" وبدا أن الجواب المنطقي هو لا، لكن الأكيد أنّ ما حصل سيترتب عليه ضربة إسرائيلية بالعمق اللبناني قد تكون من أكثر الضربات الموجعة لحزب الله، لكن قد يبرز هنا سؤال أهم، وهو: "كيف سيتعاطى حزب الله مع أي ضربة بالعمق"؟ على اعتبار أن حزب الله لايزال ملتزمًا بأداء ميداني عنوانه "ضربة مقابل ضربة".
أما على المستوى الأميركي، فإن واشنطن التي استقبلت نتنياهو منذ أيام باحتفالية استعراضية في الكونغرس، أعادت التأكيد أمامه على رفضها خيار الحرب مع لبنان لاعتبارات متعددة، من هنا برزت قبيل العملية بساعات تصريحات المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين الذي أعاد خلال مقابلة له تثبيت فكرة التّرابط بين جبهة لبنان، وجبهة غزة.
وهو ردّ مبطن على محاولة إسرائيلية للفصل بين الجبهتين، إما من خلال حل دبلوماسي يسبق وقف الحرب في غزة، وهذا المسار مرفوض من قبل حزب الله، وإما من خلال ما اقترحه نتنياهو خلال زيارته لواشنطن بشنّ عملية عسكرية محدودة ضد لبنان تفرض عليه التفاوض لوقف النار قبل انتهاء الحرب في القطاع.
بالمقابل فإن الموقف الأميركي بعد عملية "عين شمس" بدا أكثر تصلبًا برفض مسار الحرب الواسعة، على اعتبار أنه لا يستطيع ضبط إيقاع أي تطور ميداني، وأن هناك أخطارًا من إمكانية تحولها إلى حرب، وهذا الموقف جرى مواكبته من خلال اتصال هوكشتاين أمس بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وتعمد البيت الأبيض لتسريب مضامين المكالمة.
وإلى جانب مواقف هوكشتاين لا تزال مؤشرات التخوف الأميركية قائمة، وتجلى ذلك بالقرار الذي اتخذه بايدن حول السماح ببقاء اللبنانيين المنتهية تأشيراتهم في الولايات المتحدة الأميركية؛ بسبب تطورات الوضع بين حزب الله وإسرائيل، وثمة اعتقاد أن الأميركيين يعتبرون ما حصل أمس في "عين شمس" فرصة مواتية لفرض المسار التفاوضي عبر فصل الساحات من خلال إبراز حالة التوتر المحتملة من الجانب الإسرائيلي.
بالمقابل برزت زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الموارد البشرية إلى لبنان، وهي كانت بدافع البحث في كل خيارات عمليات الإجلاء للأميركيين القاطنين في لبنان والاطلاع على الوضع بشكل مباشر في حال تطورت الأوضاع، وهذا يعني أن واشنطن غير واثقة تمامًا مما يمكن أن يقدم عليه بنيامين نتنياهو.
لكن وعلى المديين المتوسط والبعيد يعزز ما حصل أمس سردية الكيان الإسرائيلي أن حزب الله بات مشكلة أمنية إستراتيجية يجب الغوص في تفاصيل إبعاد خطرها عن الحدود، مع خروج الأمر من كونه أزمة نزوح لأكثر من مئة ألف مستوطن في الشمال، وتحول الخطر بالنسبة لإسرائيل باتجاه مناطق أخرى، وتحديدًا مناطق الجولان المحتل، وهنا تختلط التحديات باعتبار أن حل هذا الأمر مرتبط أولًا بانقشاع غبار المعركة الرئاسية الأميركية وانعكاساتها على الداخل الإسرائيلي، وطبيعة علاقة أي إدارة مستقبلية في واشنطن مع ايران.
من هنا يمكن أن يفهم خطاب كامالا هاريس خلال استقبالها نتنياهو في محاولة لمخاطبة مشاعر الشباب الأميركي الممتعض من موقف بايدن، حيث جرى إلغاء الكلمة المشتركة بين بايدن ونتنياهو بعد لقائهما، وترك الموقف الرسمي لنائبته المرشحة الرئاسية أن تعلن هذا الموقف.
لكن الأكيد أن لبنان كما كل المنطقة، في حالة انتظار لما ستسفر عنه هذه الضغوط والتي في حال لم تنجح فإن مؤشرات التصعيد ستكون أكبر، وخاصة أن حادثة عين شمس ستفتح الباب على محاولات نتنياهو للتسرب داخل حالة الفراغ والصراع الممتد من واشنطن إلى الشرق الأوسط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على اعتبار أن فی لبنان حزب الله من خلال إلى حرب عین شمس فی غزة ما حصل من هنا
إقرأ أيضاً:
إعلام إسرائيلي: حكومة نتنياهو قررت عدم الالتزام باتفاق غزة منذ لحظة توقيعه
تناول الإعلام الإسرائيلي إمكانية العودة للقتال مجددا في غزة، وتحدث محللون وصحفيون عن عملية واسعة، وقالوا إن مواصلة الحرب تمثل مصلحة للحكومة التي تأمل في احتلال القطاع واستيطانه بشكل دائم.
فقد أكد مراسل الشؤون السياسية في قناة "كان"، ميخائيل شيمش، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "يخطط للتصديق هذا الأسبوع على خطط لعودة الحرب بشكل أوسع في قطاع غزة"
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: نتنياهو لا يمكنه مخالفة ترامب وإسرائيل تعيش تدنيا تاريخياlist 2 of 2واشنطن بوست: قضية خليل تهديد لحقوق التعبير الدستوريةend of listوقال شيمش إن الساعات الحالية "حرجة ومصيرية، لأن استعدادات العودة إلى الحرب تتزامن مع مفاوضات جديدة لإطلاق سراح الأسرى، وكلا الأمرين مرتبط بالآخر".
أما وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، فقالت صراحة إن المجلس المصغر قرر بالإجماع عدم مواصلة اتفاق وقف إطلاق النار منذ لحظة الموافقة عليه.
ووفقا لستروك، فإن إسرائيل "أوجدت بديلا لإلحاق الهزيمة بحماس وطردها تماما من غزة، وهذا هو الإطار الذي تتحرك فيه الحكومة".
كما قال القنصل السابق في نيويورك، آسي شريب، إن إسرائيل الحكومة "لا تريد إنهاء الحرب على نحو يعود بالأمور لما كانت عليه يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وأضاف أن حماس المقاومة الإسلامية (حماس) "لن تقبل بإعادة كل الأسرى مرة واحدة، مما يعني أننا ربما نكون إزاء عملية عسكرية قد لا تكون طويلة لكنها ستكون كبيرة".
إعلان
إسرائيل غير مهتمة بالأسرى
وبالمثل، قال آلون بن ديفيد -محلل الشؤون العسكرية في القناة 13- إن هناك عملية عسكرية بدون شك، مضيفا "لكننا نأمل أن تكون بعد استعادة الأسرى وليس قبل ذلك".
كما أكد ليلور أكرمان -وهو ضابط سابق كبير في الشاباك– أن إسرائيل "لو كانت معنية باستعادة الأسرى لقبلت بصفقة الجميع مقابل الجميع وإنهاء الحرب منذ البداية"، وأنها "لا تريد ذلك لاعتبارات نعرفها جميعا وهناك من يتحدث عنها علنا في الحكومة كوزير المالية بتسلئيل سموتريتش".
وأفاد ليلور بأن الأسرى وخصوصا الأموات منهم "ليسوا مهمين بالنسبة لإسرائيل، لأن المهم هو العودة للقتال واحتلال القطاع والبقاء، وربما إعادة بناء مستوطنات فيه لو استطعنا ذلك".
وأخيرا، قال مراسل الشؤون السياسية في قناة "آي 24 نيوز"، غاي عزرائيلي، إن هناك حالة تأهب في إسرائيل بعد انقضاء المهلة التي حددها أنصار الله (الحوثيون) لفتح المعابر وإدخال المساعدات إلى غزة.
وأكد عزرائيلي أن إسرائيل "مستعدة للرد عسكريا على أي هجمات وتتوقع أن تتعرض لهجمات مجددا"، وقال "إن الأميركيين متأهبون، ويوسعون نشاطهم في البحر وسيردون على أي هجوم بشكل أعنف مما كان في عهد جو بايدن".