جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@20:58:17 GMT

إيلان بابيه وتحدي "فكرة إسرائيل" (1-3)

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

إيلان بابيه وتحدي 'فكرة إسرائيل' (1-3)

 

 

د. هيثم مزاحم *

المؤرِّخ الإسرائيلي إيلان بابيه معارض للصهيونية، وقد انتقل إلى بريطانيا منذ فترة طويلة وقام في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين" بتفنيد فكرة "حرب الاستقلال" الإسرائيلية، وأثبت أنها لم تكن أكثر من عملية تطهير عرقي تتّسق مع مسمّى النكبة الذي يستعمله الفلسطينيون.

في كتابه "فكرة إسرائيل.

. تاريخ السلطة والمعرفة"، يبحث بابيه في جذور التناقض بين فكرة إسرائيل وبين التاريخ والواقع، وذلك بشكل عميق ساخر، ليبرهن أن إسرائيل فشلت في تسويق نفسها أمام العالم كفكرة إنسانية طبيعية.

ويقول بابيه إنَّ فكرة الكتاب جاءته بداية بإلهام مصدره المفكّر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، الذي أكد في مقالة له في العام 1983 على أنه لا بدّ للرواية الفلسطينية أن تُحكى. ويوضح أن هدفه هو تحليل مواقف أولئك الإسرائيليين الذين ينظرون بعين النقد إلى فكرة إسرائيل وتحوم في أذهانهم شكوك جديّة حولها.

وحين تصاعد تحدّي فكرة إسرائيل من الداخل، فإن ذلك كان يعني أن النموذج المثالي للصهيونية قد أعيد النظر فيه وأُخذ على أنه أيديولوجيا، وصار من الممكن إخضاعه للتقييم النقدي. وهذا ما جرى بالتحديد مع مجموعة من الإسرائيليين خلال التسعينات من القرن العشرين، فيما يميل بابيه إلى وصفها بأنه اللحظة ما بعد الصهيونية في إسرائيل.

كان تركيز مجموعة المنتقدين هؤلاء مُنصبًّا على أصول الفكرة، وذلك من أجل التحقق من وضعها وتفسيرها في تلك اللحظة. لكن ما كاد العقد ينقضي حتى وُصفت هذه الحركة من قِبل "الكيان" وأطياف واسعة من الشعب الإسرائيلي اليهودي بأنها خطيرة ومدمّرة، وأن من شأنها لو استمرّت أن تنتزع عن إسرائيل شرعيتها الدولية وتهدّم أساسها الأخلاقي. وهكذا صارت ما بعد الصهيونية حركة معادية للسامية في نظر مُخالفيها، وشهد العام 2000 هزيمتها واختفاءها شبه التام.

ويسلِّط كتاب بابيه الضوء على الرحلة الفكرية والبحثية لهؤلاء المؤرّخين، ويتتبّع مسارها من بدايتها إلى نهايتها، والتي انضمّ إلى قافلتها عشرات من الأكاديميين وعدد من الصحافيين والفنّانين الذين غاصوا في السجلّات الأرشيفية الحكومية والخاصة، وأصغوا لأوّل مرّة في حياتهم إلى أشخاص يعدّون أنفسهم ضحايا للصهيونية. لقد ألّفوا كتباً وكتبوا مقالات وأنتجوا أفلاماً وكتبوا أشعاراً وروايات، وكان المشترك فيما بينهم هو التاريخ بما هو إعادة تقييم للماضي لغايات فهم الحاضر.

ويرى الكاتب أنه تبيّن في النهاية أن فكرة إسرائيل كانت أكثر قوّة ممّن تحدّوها، ولم تكن تلك القوّة نابعة من قسر أو ترهيب بقدر ما اكتسبت شرعيتها من القبول بها كأمر واقع. 

في القسم الأوّل من الكتاب، بعنوان "فكرة إسرائيل بين الدرس الأكاديمي والسرد الخيالي"، يبيّن بابيه فكرة إسرائيل في الإنتاج الأدبي الصهيوني السائد، وكيف صُوّرت على أنها المشروع المثالي والأكثر نجاحاً للحداثة والتنوير. وعليه، فإن عدم القبول بتلك الصورة لم يكن يعني معارضة السرديّة الوطنية وحسب، بل كان يعني معارضة سرديّة تمثّل النموذج الأمثل للتميّز والفرادة. لذلك كان تحدّي فكرة إسرائيل يستلزم أن يقوم المرء بادّعاء أن الحقائق على أرض الواقع لا تتوافق مع الفكرة التي يحتفي بها أصحابها، أو أن يصل إلى فهم أفضل للطريقة التي تمّ بها استغلال تلك الحقائق ذاتها لإنتاج سرديّات مختلفة كتلك التي شكّلها الصهاينة من جهة، والتي شكّلها الفلسطينيون من الجهة المقابلة.

إن السرديّة التاريخية التي يضعها الجهاز الأكاديمي تصبح الأداة الأساسية لبناء الذاكرة القومية الجمعية وترسيخها. هذه السرديّة المعروفة -بحسب زعمهم- قد "أعادت تشكيل الصهيونية كحركة قومية جلبت التحديث والتقدم إلى فلسطين البدائية، وجعلت "الصحراء جنّة"، وأتت بأحدث تقنيّات الزراعة والصناعة لنفع العرب واليهود على السواء؛ أما مقاومة الصهيونية، فلم تكن سوى مزيج من التطرّف الإسلامي والاستعمار الإنجليزي المحابي للعرب وشيء من التقاليد المحليّة التي تشجّع على العنف السياسي".

يقول المؤلّف إنَّ حركة التأريخ الصهيونية دأبت في بحوثها الأكاديمية إلى افتراض أن مقاومة الفلسطينيين للوجود الصهيوني في فلسطين هي ممارسة للإرهاب. وبدأ المؤرّخون الصهاينة بالبحث عن أوّل ضحايا هذا العنف الفلسطيني؛ وهو كان حاخاماً وصل في العام 1811 للحجّ إلى القدس. ورغم أنه قُتِل جرّاء خلاف على مواد للبناء في القدس عام 1851، إلاّ أن قصّته "صُهينت" على يد المؤرّخين الإسرائيليين ووضِع على رأس قائمة في نصب تذكاري لضحايا الإرهاب موجود في مدينة تل أبيب.

كان الحاج أمين الحسيني بمثابة قائد للفلسطينيين أثناء حكم الانتداب البريطاني، وقد وُصف "بالإرهابي" حين أخذت التظاهرات الفلسطينية تحت قيادته شكلاً أكثر تنظيماً (أثناء الثورة العربية الكبرى- 1936). أما رأس "الإرهاب" الفلسطيني خلال فترة الانتداب، بحسب المؤرّخين الإسرائيليين أيضاً، فكان عزّ الدين القسّام، والذي نشط في ثلاثينات القرن العشرين.

كما عدَّ المؤرخون الصهاينة الرفض الفلسطيني لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1947، "فعلاً إرهابياً فلسطينياً، وذا طبيعة إبادية كذلك".

وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، وبداية الكفاح الفلسطيني المسلّح لتحرير فلسطين، بمختلف أشكاله، وأهمها حرب العصابات، توسّعت النظرة الإسرائيلية "للإرهاب الفلسطيني" لتشمل أيّ شكل من أشكال المقاومة، سواء ضدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي أو المستوطنين أو الأهداف "المدنية" داخل إسرائيل.

وهكذا، كانت الرؤية الأكاديمية للمؤرّخين الإسرائيليين متطابقة نسبياً مع رؤية السياسيين والعسكريين للأقليّة الفلسطينية في إسرائيل، باعتبارهم "طابوراً خامساً" وخطراً أمنياً داهماً، خاصة في مرحلة ما بعد قيام "الدولة" عام 1948.

وفي المقابل، اقترح مفكّرو ما بعد الصهيونية قلباً كاملاً للصورة الشائعة عن الفلسطينيين وفلسطين في الخطاب اليهودي الإسرائيلي، وارتأوا استبدال صورة الفلسطيني الشرّير بصورة الفلسطيني الضحيّة بينما يصبح الصهيوني مضطهِداً وجانياً.

ويقول بابيه إن غياب أي ذكر للمأساة الفلسطينية في كتب التاريخ الإسرائيلية كان مؤشراً لنظرة استشرافية إسرائيلية أكثر شمولاً. وهذه النظرة الأحاديّة والقائمة على خلق الصور النمطية تجلّت صوتاً وصورة؛ في الكتب والمؤلّفات التاريخية للمؤرّخين الإسرائيليين التقليديين، كما في الأفلام السينمائية والوثائقية التي تمّ إنتاجها حول أسباب الصراع مع الفلسطينيين وأحداث العام 1948، والحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين.

 

في الحلقة الثانية "ما بعد الصهيونية في إسرائيل".

 

*رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ترامب يطرح فكرة ترشحه لولاية ثالثة في البيت الأبيض.. نخبرك ما نعرفه

طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة جديدة، فكرة ترشحه لولاية ثالثة في 2028،  خلال احتفال بمناسبة شهر "تاريخ السود"، على الرغم من أن الدستور يحدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط.

ما اللافت في الأمر؟

قد يكون ترامب قالها على سبيل المزاح لكنه "هزل يراد به جد" إذ أنها ليست المرة الأولى التي يثير ترامب فيها القضية، لكنه بالتأكيد لا يريد أن يكون ديكتاتورا يخرق دستور البلاد.

مؤخرا

وصف ترامب نفسه بـ"الملك"، وكتب على صفحته على منصة "تروث سوشيال" التي يملكها بعد أن قرر إنهاء تعرفة الازدحام في نيويورك، قائلا: "يحيا الملك".

وتطرّق ترامب إلى فرضية ترشّحه لفترة ثالثة، خلال خطاب ألقاه أمام أعضاء ‏ونواب منتخبين من الحزب الجمهوري في واشنطن، بعد فوزه في الانتخابات بمواجهة الرئيس السابق، جو بايدن.

ماذا يقول الدستور؟

يمنع الدستور في التعديل الثاني والعشرين انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من ولايتين، ويمنع أي شخص تولى مسؤوليات الرئاسة أكثر من عامين خلفا لرئيس منتخب - لسبب أو آخر - من أن يصبح رئيسا لأكثر من مرة.

هل هو مستحيل؟

لا ليس مستحيلا، هنالك طريقتان - نظريا - يمكن لترامب من خلالهما أن يصل إلى منصب الرئاسة لمرة ثالثة بشكل صحيح دستوريا.

خيارات ممكنة

◼ وإن كان الدستور يمنع انتخاب شخص ما لمنصب الرئاسة مرتين، إلا أنه لا يمنعه من الترشح لمنصب نائب الرئيس، وعليه يمكن أن يصبح رئيسا في حال، مات، أو أقيل، أو استقال الرئيس الذي ينوبه.

◼ الحالة الثانية؛ هي أن يقنع ترامب الكونغرس الأمريكي، والولايات الأمريكية، بتعديل الدستور للسماح للرئيس بحكم البلاد لولاية ثالثة، وهو أمر ممكن وإن كان شبه مستحيل.

ماذا قالوا؟

◼ قال ترامب أمام أعضاء الحزب الجمهوري العام الماضي: "أظنّ أنني لن أترشّح إلا إذا اعتبرتم أنني جيّد ولا بدّ إذن من التفكير في شيء آخر".

◼ قال المستشار السابق لترامب، ستيف بانون: "نريد ترامب في عام 2028 وهذا ما لا يستطيعون تحمله (خصوم ترامب) رجل مثل ترامب يأتي مرة أو مرتين فقط في تاريخ البلد.

◼ قال وزير العمل السابق، روبرت رايش إن "الخيار الآن هو الديمقراطية أو الديكتاتورية. ونحن ننزلق بشكل أسرع مما كنت أعتقد".

◼ قال حذر حاكم ولاية إلينوي جي. بي. بريتزكر: "ليس لدينا ملوك في أمريكا ، ولا أنوي الانحناء لواحد".

◼ قالت حاكمة نيويورك كاثي هوشول إن "دونالد ترامب ليس ملكا ولن نسمح له باستغلال سكان نيويورك".

◼ قالت النائبة الجمهورية لورين بويبرت: "نحن بحاجة إلى ضمان بقاء أغلبيتنا الجمهورية في مجلس النواب قوية، ويجب أن نتجمع وراء الرئيس ترامب لتأمين فترة ولايته الثالثة".

◼ قال النائب الجمهوري تيم بورشيت: "كانت تلك مزحة. من الواضح أنها كانت مزحة ".



◼ قال النائب الجمهوري آندي بيغز: "ستكون العناوين الرئيسية غدا بأن ترامب يحاول إعاقة الدستور".

◼ قال النائب الجمهوري إيلي كرين: "كانت مزحة وهو يمزح طوال الوقت لكن لا يمكنك أن تقول نكتة دون أن تتعرض للانتقاد".

◼ قالت أستاذة السياسة في جامعة كورنيل، ومديرة مركز الديمقراطية العالمية، راشيل بيتي ريدل، إن خطاب ترامب دليل واضح على أجندة لرفض المبادئ الديمقراطية.

◼ قالت المتحدثة السابقة باسم وزارة العدل الأمريكية سارة إيسغور إن تعديل الدستور أمر صعب جدا في ظل الانقسام الجمهوري الديمقراطي.

هل فعلها رئيس قبله؟

نعم، كان الرئيس فرانكلين روزفلت أول وآخر رئيس انتخب لأكثر من ولايتين، إذ وصل إلى البيت الأبيض أربع مرات، لكنه توفي قبل أن ينهي ولايته الرابعة، بل قبل أن يتم 100 يوم فيها عام 1945.

بعد ولايات روزفلت الأربع، اتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على تحديد ولايات الرئيس وتم الموافقة على التعديل الثاني والعشرين في عام 1951 بموافقة 36 ولاية من أصل 48 آنذاك.

ماذا يلزم لتعديل الدستور؟

لتعديل الدستور في الولايات المتحدة، يجب اتباع طريق صعب الهدف منه الحد من التعديلات الدستورية لإبقاء البلاد في استقرار سياسي.

يتعين على ثلثي أعضاء مجلسي النواب (288 من 435) والشيوخ (67 من 100) في الكونغرس الأمريكي الموافقة على طرح التعديل الدستوري ليوسد الأمر بعد ذلك إلى الولايات.



يتعين بعد ذلك على ثلاثة أرباع برلمانات الولايات الأمريكية الخمسين الموافقة على التعديل (38 من 50) وإرسال إخطار بالموافقة إلى مكتب السجل الفيدرالي ليتم إعلانه تعديلا دستوريا معتمدا.

ومنذ اعتماد الدستور الأمريكي عام 1787 تم اقتراح ما يزيد على 11 ألف تعديل، نجح منها 27 تعديلا فقط في اجتياز العملية المعقدة.

الخلاصة

لن نرى ترامب في البيت الأبيض عندما يغادره في نهاية ولايته الثانية، وفي غالب الأمر لن يفكر الكونغرس في اقتراح تعديل دستوري آخر يضاف إلى آلاف التعديلات التي لم تنجح من أجل ضمان ولاية ثالثة.

مقالات مشابهة

  • مان سيتي ضد ليفربول اليوم وتحدي بين صلاح ومرموش
  • الحلو و أبكر ينحران فكرة الهامش و المركز
  • الهباش: موقف مصر والأردن كان حجر الأساس لإجهاض فكرة التهجير
  • حصيلة الإبادة الصهيونية في غزة ترتفع إلى 48,329 شهيدًا
  • ترامب يطرح فكرة ترشحه لولاية ثالثة في البيت الأبيض.. نخبرك ما نعرفه
  • الاتحاد الوطني: الموقف العربي الموحد هو السبيل لإفشال كافة المخططات الصهيونية
  • تدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.. وثيقة عربية جديدة للتحرك ضد إسرائيل
  • ليبيا تنفي المزاعم الصهيونية بشأن محاولات ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا
  • انفجارات تهزّ تل أبيب.. إسرائيل تعلن: إحدى الجثث التي تم تسليمها «مجهولة الهوية» وتتوعد!
  • الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث التي تسلمتها إسرائيل من حماس ليست للرهينة شيري بيباس