قطع الإنترنت وسيلة أفريقية لقمع الاحتجاجات
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
في الوقت الذي تهيمن فيه الثورة الرقمية على السياسة والاقتصاد في أغلب أرجاء العالم، تعيش القارة الأفريقية موجات من قطع شبكات الإنترنت، أغلبها يكون متعمدا ويتزامن مع الانتخابات والمظاهرات السياسية.
ورغم تحذيرات المفوضية السامية لحقوق الإنسان من خطورة حجب الإنترنت واعتباره عائقا رئيسيا في وجه الجهود المبذولة لسد الفجوة الرقمية، فإن الحكومات الأفريقية ترى في قطع الشبكة العنكبوتية سلاحا فعالا للحد من الاحتجاجات السياسية والتوترات الأمنية التي تصاحب أي انتخابات ترى المعارضة أنها مزورة أو تفتقر للمصداقية.
ومثلما يشكل حجب الشبكة صورة سيئة للمظهر الديمقراطي، فإنه يلحق أضرارا كبيرة بقطاع الاقتصاد والأعمال.
"Internet shutdowns violate fundamental rights of people, including freedom of expression and access to information, they enable governments to cover up atrocities against people". Felicia works with @accessnow to fight #internetshutdowns and #KeepItOn. @UNHumanRights pic.twitter.com/ADP8IXltHT
— European External Action Service – EEAS ???????? (@eu_eeas) August 15, 2022
سلاح في وجه المظاهراتووفقا لبيانات المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فإنه في الفترة الواقعة بين عامي 2016-2021 تم تسجيل 931 حالة انقطاع للإنترنت في 74 دولة من أنحاء العالم أغلبها في أفريقيا وآسيا، وخلال تلك الفترة أثرت الانقطاعات على 52 عملية انتخابية.
وتفيد البيانات الأممية بأن نصف عمليات الحجب التي وثقتها منظمات المجتمع المدني خلال السنوات الست الماضية تم تنفيذها في سياق قمع الاحتجاجات والمظاهرات المنددة بتزوير الانتخابات والمظالم الاقتصادية والاجتماعية.
ففي منطقة غرب أفريقيا، تعمد الحكومات إلى تعليق الشبكة مع كل أحداث مرتبطة بالمظاهرات والاحتجاجات السياسية، وفي فبراير/شباط الماضي حجبت وزارة الاتصالات في السنغال خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة بسبب احتجاجات المعارضة على قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية الذي أصدره الرئيس السابق ماكي سال.
وقالت الحكومة في دكار إن حجب الاتصالات جاء بهدف الحد من أعمال الشغب التي عرفتها المدن الكبرى.
بسبب احتجاجات المعارضة على قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية في السنغال حجبت وزارة الاتصالات الإنترنت عن الهواتف (رويترز)وفي شرق أفريقيا، التحقت دولة كينيا بقائمة الدول التي تتخذ من قطع الإنترنت وسيلة لإنهاء المظاهرات، ذلك أن البلاد شهدت اضطرابات أمنية منذ يونيو/حزيران الماضي بسبب قانون الضرائب الذي تقدم به الرئيس وليام روتو، فعمدت الحكومة إلى تعليق الشبكة لإعاقة التواصل والتنسيق بين أصحاب المبادرات المناهضة للحكومة.
وقد تأثرت دول مجاورة لكينيا من تعليق الإنترنت مثل بوروندي ورواندا وأوغندا وتنزانيا وتسببت في خسائر متعددة، لكن الحكومة لم تستطع إخماد المظاهرات في العاصمة نيروبي إلا بعد قطع الاتصالات، إذ اقتحم المعارضون لقرارات الحكومة مبنى البرلمان وعددا من المكاتب الإدارية في مدن مختلفة.
أما موريتانيا التي تقع في شمال غرب أفريقيا، فقد قطعت خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة في الثاني من يوليو/تموز الجاري بالتزامن مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس محمد ولد الغزواني لمأمورية ثانية، ولكن لم يعترف بها المرشح المعارض بيرام الداه اعبيد.
وقد قطعت السلطات خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة بعد احتجاجات واسعة في نواكشوط ومدينة كييهيدي في الجنوب الموريتاني التي قتل فيها 3 أشخاص في أماكن الاحتجاز، ومواطن آخر بعد نقله للمستشفى.
وقال وزير الابتكار والتحول الرقمي الموريتاني إن حجب الشبكة يستند إلى أطر قانونية، وأرجع السبب فيه إلى أهمية الحفاظ على الأمن العام.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، عرفت موريتانيا انقطاعات متكررة لخدمة الإنترنت أغلبها كانت على خلفية نتائج انتخابات أو تظاهرات سياسية وحقوقية.
ففي يونيو/حزيران 2019، قطعت السلطات في نواكشوط خدمة الإنترنت بعد أعمال شغب وعنف في كبرى المدن بسبب رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس ولد الغزواني لمأمورية أولى.
ما قصة انقطاع خدمة الإنترنت في #موريتانيا بعد الانتخابات الرئاسية التي شكك البعض في صحتها؟#موريتانيا_بلا_إنترنت pic.twitter.com/NInhmZ0iFC
— شبكات (@AJA_Networks) June 26, 2019
وفي مارس/آذار 2023، حُجبت الشبكة بعد فرار 4 سجناء سلفيين من السجن المدني في نواكشوط بعد أن قتلوا اثنين من حرس السجن.
وفي مايو/أيار من العام نفسه، قُطعت شبكة الإنترنت في كامل التراب الموريتاني بسبب الفوضى العارمة التي جاءت بعد وفاة مواطن يدعى عمر جوب في أحد مراكز التحقيق التابعة للشرطة.
وفي جميع أنحاء القارة الأفريقية يتم تقييد الإنترنت غالبا مع كل أحداث أمنية وسياسية، فقد التحقت مؤخرا ملاوي وزيمبابوي والكونغو والغابون والنيجر وتشاد بقائمة الدول الأفريقية التي تتخذ من حجب الشبكة العنكبوتية وسيلة لقمع المظاهرات السياسية.
وحسب تقرير نشره موقع "ذي إيست أفريكان"، فإن القارة الأفريقية تقع في المرتبة الثانية على المستوى العالمي من حيث الرقابة على الإنترنت بعد آسيا التي شهدت 620 حالة انقطاع للإنترنت على مدى السنوات العشر الماضية.
وقد أثرت عمليات تعليق الوصول إلى شبكة الإنترنت على ما لا يقل عن 52 عملية انتخابية بين عامي 2016-2021.
ويشير تقرير -نشره مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة- إلى أنه في عام 2019 وحده لجأت 14 دولة أفريقية إلى تعطيل الوصول لشبكة الإنترنت بسبب الانتخابات السياسية.
وأشار التقرير ذاته إلى أن قوانين الرقابة على الاتصالات في أفريقيا هدفها إسكات الأصوات المناهضة للحكومات.
الأضرار الاقتصادية الناتجة عن المظاهرات والتوترات الأمنية في كينيا تقدر بـ13 مليون دولار في الساعة (رويترز) خسائر اقتصاديةفي عام 2021 تأثر 171 مليون مستخدم للإنترنت في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جراء قطع الشبكة المتعمد، وقُدرت الخسائر الاقتصادية بـ1.93 مليار دولار، وفي عام 2023 بلغ مجموع الخسائر نحو 1.74 مليار دولار بسبب عمليات الإغلاق التي تفرضها الحكومات.
وسجلت أثيوبيا سنة 2023 خسائر اقتصادية تقدر بـ1.5 مليار دولار بسبب القيود المفروضة على الإنترنت في مواقع النزاع.
وفي كينيا التي تشهد توترات أمنية بسبب المظاهرات المناهضة لسياسة الحكومة، تقدر الأضرار الاقتصادية بـ13 مليون دولار مقابل ساعة واحدة من حجب الشبكة الإلكترونية، بينما يُقدر حجم الخسائر في موريتانيا بـ1.5 مليون دولار عن كل ساعة.
وفي السنغال التي عرفت بداية العام الجاري حالات من حجب الاتصال عن الفضاء الإلكتروني، قُدرت الخسائر المالية بنحو 2.5 مليون دولار عن كل ساعة.
ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن حجب الإنترنت يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر في جميع القطاعات الاقتصادية وإلى تقويض تدفق التحويلات المالية، إذ تسبب قطع الشبكة في ميانمار بين فبراير/شباط وديسمبر/كانون الأول 2021 في أضرار اقتصادية تقدر بـ2.8 مليار دولار.
وتشير دراسة أعدها "مرصد الموارد المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان" إلى أن قطع الإنترنت والحد من الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي أصبح يكلف الاقتصاد الأفريقي خسائر مالية باهظة الثمن، إذ إن الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات تركز على الشبكات الاجتماعية للترويج لمنتجاتها، كما أن تعليق الشبكة يحد من حركة الأموال وعمليات البيع والشراء بسبب عدم القدرة على تحويل الأموال.
وفي عام 2022، تسبب قطع الإنترنت المتعمد في خسائر مالية تقدر بـ24 مليار دولار على المستوى العالمي، بينما أشارت تقارير متخصصة إلى أن قطع الشبكة الالكترونية مدة 60 دقيقة في جميع أنحاء العالم قد يخلف خسائر تصل إلى 1.5 مليار جنيه إسترليني (الجنيه الإسترليني يساوي 1.29 دولار).
وتقول منظمة "نت بلوكس" إن انقطاعات الإنترنت عادة ما تكون مكلفة للاقتصادات، إذ تتسبب في خسائر تقدر بمليارات الدولارات في الإنتاج الوطني للبلدان التي تعتمد على الرقمنة في نطاق المال والأعمال.
انقطاعات الإنترنت عادة ما تكون مكلفة للاقتصادات إذ تتسبب في خسائر تقدر بمليارات الدولارات (شترستوك) الجرائم الإنسانيةوفي يونيو/حزيران 2022، أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريرا عن التداعيات القانونية لحجب الإنترنت، وجاء فيه أن حجب الشبكة أصبح أداة للتستر على الجرائم الإنسانية ويقف عائقا أمام توثيقها، وأضاف أن عمليات الحجب غالبا ما تنفذها الحكومات بنية التستر المعتمد على حقوق الإنسان.
وفي دولة مالي، عمدت السلطات إلى عزل عدد من مناطق النزاع لإبقائها بعيدة عن الاتصال الخارجي بهدف التعتيم على الانتهاكات التي قالت الأمم المتحدة إن بعثاتها تمكنت من توثيق الكثير منها.
وفي أغسطس/آب 2022، قال الخبير الأممي إليون تاين إن الانتهاكات التي تقوم بها قوات الدفاع والأمن المحسوبة على الحكومة أصبحت أمرا مقلقا.
وتلجأ عديد من الدول الأفريقية لقطع الإنترنت في حالات قمع المتظاهرين التي غالبا ما تحدث فيها انتهاكات بشعة، ففي يونيو/حزيران 2023 قطعت الحكومة السنغالية الإنترنت بالتزامن مع القمع الشديد للمظاهرات التي خرجت ضد الرئيس حينها وتسببت في مقتل 9 مدنيين.
وفي عام 2020، أصدرت محكمة العدل التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) حكمي إدانة لعمليات الحجب المتعلقة بالشبكة، وأكدت المحكمة نفسها أن قطع الإنترنت في توغو 3 أيام في سبتمبر/أيلول 2023 قد انتهك الحق في حرية التعبير.
وفي عام 2021، تقدمت عدة منظمات من نيجيريا بطلب التماس إلى محكمة إيكواس بهدف إصدار أمر قضائي ينهي الحظر المفروض على منصة تويتر (إكس حاليا).
وقد أوصت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة -في تقريرها الصادر عام 2022 حول التداعيات المترتبة على قطع الإنترنت- بأن تبتعد الحكومات عن استخدام الشبكة وسيلة لقمع المتظاهرين، واعتبرت أن تلك الأفعال تتعارض مع الجهود الرامية إلى سد الفجوة الرقمية ومع آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحذر التقرير من التمادي في استخدام حظر الإنترنت، إذ يحد من قدرة الناس من الحق في الوصول للمعلومة، ومن المشاركة في القرارات والنقاشات التي تهم حياتهم وواقع بلدانهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المفوضیة السامیة لحقوق الإنسان الانتخابات الرئاسیة خدمة الإنترنت قطع الإنترنت یونیو حزیران الإنترنت فی ملیار دولار ملیون دولار قطع الشبکة فی خسائر وفی عام إلى أن فی عام
إقرأ أيضاً:
احتجاجات كوريا الجنوبية.. بين السخرية والحيوانات الأليفة في مواجهة الأحكام العرفية
شهدت شوارع كوريا الجنوبية في الأيام الأخيرة احتجاجات غير تقليدية، حيث لجأ المواطنون إلى وسائل مبتكرة للتعبير عن غضبهم تجاه حكومة الرئيس يون سوك يول، وعلى الرغم من الجدية السياسية التي تحيط بقضية عزل الرئيس، فقد اختار البعض إضفاء أجواء من الفكاهة والمزاح على هذه الاحتجاجات عبر رفع لافتات ساخرة وأعلام تحمل رسائل غريبة وعجيبة.
احتجاجات غير تقليدية في كوريا الجنوبية
في حين أن الكوريين الجنوبيين قد نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بعزل الرئيس يون بسبب إصداره مرسومًا طوارئًيا في ديسمبر، تميزت هذه الاحتجاجات بلمسة من الفكاهة والسخرية التي جعلت منها حدثًا غير تقليدي.
ورفع المتظاهرون لافتات وأعلامًا تحمل رسومات لقطط وثعالب البحر وأطعمة مثل البيتزا والمعجنات، مما جعل الاحتجاج يبدو أكثر شبهًا بمهرجان شعبي منه بحركة سياسية.
هذه الاحتجاجات الفريدة جسدت حالة من السخرية ضد قرارات الحكومة، حيث قال البعض إن الأحكام العرفية التي فرضها الرئيس يون أجبرتهم على مغادرة منازلهم، ليظهروا في الشوارع للمطالبة بتغيير الوضع.
وساهمت هذه الأجواء في تعزيز التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث لاقت صور هذه الأعلام واللافتات رواجًا كبيرًا.
رمزية جمعية الزلابية وأعلامها الساخرة
لم تقتصر الاحتجاجات على مظاهر السخرية فحسب، بل ابتكر المتظاهرون أيضًا جمعيات وهمية مثل "جمعية الزلابية" التي تمثل محاكاة ساخرة لجماعات حقيقية مثل النقابات أو الأندية الطلابية.
هذه الرمزية لم تكن مجرد لعبة سياسية، بل كانت محاولة لإظهار تنوع المشاركين في الاحتجاجات، حيث قال أحد المتظاهرين، كيم سي-ريم، 28 عامًا، "أردت فقط أن أوضح أننا هنا كجزء من الشعب حتى وإن لم نكن جزءًا من جماعة مدنية فعلية".
ويعكس ذلك محاولة العديد من الكوريين الجنوبيين إظهار اعتراضهم على الوضع القائم، حتى أولئك الذين لا ينتمون لأحزاب سياسية أو جماعات منظمة، معبرين عن استيائهم من تصرفات الحكومة.
الفكاهة كأداة للتخفيف من التوتر
أوضح لي كي هون، أستاذ التاريخ الكوري الحديث، أن الأعلام المبتكرة التي ظهرت في هذه الاحتجاجات تعكس التحدي ضد الرئيس يون بشكل غير مباشر.
فبدلًا من استخدام الرموز السياسية التقليدية، استخدم المحتجون أساليب فكاهية ليوضحوا رفضهم لممارسات الحكومة، مؤكدين أن الوضع أصبح لا يمكن تحمله.
هذه الأجواء المفعمة بالضحك والابتسامات كانت بمثابة تخفيف للتوتر، رغم الجدية السياسية وراء الاحتجاجات.
الأجواء الاحتفالية في خضم الاحتجاجات
وبينما كانت الأجواء السياسية مشحونة، أصر المتظاهرون على الاحتفاظ بروح معنوية مرتفعة.
في اليوم الذي صوت فيه المشرعون على عزل الرئيس، لوح المحتجون بالأعلام وركبوا على أنغام موسيقى البوب، ما أعطى الاحتجاجات طابعًا مرحًا، على الرغم من الحدث الجاد الذي كان يشهده اليوم.
وتعتبر هذه الاحتجاجات في كوريا الجنوبية مثالًا على كيف يمكن للمواطنين التعبير عن غضبهم بأساليب مبتكرة تجمع بين الجدية والفكاهة، مما يضيف بُعدًا جديدًا إلى ثقافة الاحتجاج في البلاد.