تلقى الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، تقريرًا عن حصاد جهود الجامعة في ملف تأسيس خطاب ديني جديد، تفعيلاً للمبدأ الخامس من وثيقة التنوير الصادرة عام 2017، والذي ينص على ضرورة تأسيس تيار عقلاني عربي يقاوم الإرهاب ويفكك الفكر المتطرف، ويرفض التشدد والتعصب والرجعية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، باعتبار الجامعة واحدة من المؤسسات العقلانية التي يقع عليها دور كبير في مشروع بناء الإنسان الحديث.

وكشف التقرير نجاح جامعة القاهرة على مدار 7 سنوات في تأسيس خطاب ديني جديد والعودة إلى المنابع الصافية من خلال تطوير علوم الدين، وتفعيل دورها الفكري على المستوى المحلي والعالمي، حيث حرصت في السنوات الأخيرة، على تجارب التجديد بصور عملية من خلال شراكات واتفاقيات مع مؤسسات مرموقة وتبادل الخبرات والتجارب، والمشروعات البحثية المشتركة، وكذلك الدرجات العلمية الهادفة إلى تلاقح الأفكار، ونقل التجارب بما يثرى التجارب العريقة للجامعة الرائدة، كما حرصت الجامعة على ربط الإصلاح في كل صور الخطاب الدينى والشبابى والتربوى والإعلامى والتثقيفى بخطط التنمية ومشروعات التقدم الاقتصادى، بما تنعكس آثارها إيجابًا على المواطن في تفعيل قيم التقدم من العلم والعمل وتحمل المسؤولية، والاعتماد على الذات ودعم المبادرات الوطنية.

إطلاق رئيس جامعة القاهرة مشروع متكامل لتأسيس خطاب ديني جديد

وأشار التقرير إلى إطلاق رئيس جامعة القاهرة مشروع متكامل نحو تأسيس خطاب ديني جديد، منذ أغسطس 2017 من خلال الإصلاح الديني وعلاقته بالتنمية الاقتصادية، والذي يهدف إلى العودة بالدين إلى المنابع الصافية، لتحرير الدين مما علق به عبر التاريخ من أساطير وإسرائيليات مكذوبة وآراء تجاوزت حدود القرآن والسنة المتواترة، وذلك من خلال تطوير علوم الدين وتجديد فكر المسلمين وليس الإسلام، والعودة إلى الإسلام المنسي، والتمييز بين المقدس والبشري في الإسلام، وتغيير طرق تفكير المسلمين، وتغيير رؤية العالم، وتأسيس مرجعيات جديدة.
بالإضافة إلى تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة على العلوم الأخرى، والتعلم من دوائر معرفية أخرى، واحداث التفاعل بين العلوم الشرعية والإنسانية والاجتماعية، واستعادة روح عصور الابداع الفكري،  وهو ما سعت الجامعة إلى تحقيقه من خلال عقد العديد من البروتوكولات والدورات التدريبة للأئمة والواعظات في العديد من المجالات الحياتية، من بينها تجديد الخطاب الديني واللغة العربية وآدابها، والارشاد النفسي، وعلم الاجتماع، ومهارات الإعلام وفنون الاتصال، بهدف أن يمتلك علماء الدين عقلية "جامعة"، وتتسع مداركهم لعلوم أخرى، منها القانونية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

وأكد التقرير على إطلاق رئيس الجامعة مشروع تطوير العقل المصري استجابة لتحديات ومتطلبات العصر، وتغيير طرق التفكير بهدف خلق جيل قادر على التفكير بطريقة علمية ونقدية وعقلانية يساهم في بناء مجتمع جديدمتقدم، وذلك من خلال العديد من الإجراءات، من بينها تطوير المناهج الدراسية ومحتوياتها، وتطوير اللوائح، واستحداث برامج جديدة، وتطبيق كل من مقرر التفكير النقدي الذي يدفع الطلاب إلى التعمق في طرق التفكير والتوصل إلى الأسباب الحقيقية وراء المشكلة أو الظاهرة محل الدراسة، ومقرر ريادة الأعمال الذي يدعم عقولهم بالمهارات اللازمة لنجاحهم كرواد أعمال، وإكسابهم أساسيات بدء المشروعات، ووضع خططها، مما ينعكس على اقتصاد الدولة.

وأشار التقرير إلى أنه إيمانا بدور الجامعة نحو طلابها وخريجيها وتصدير خريجين على قدر كبير من الوعي والتخلص من العقول المغلقة القابلة للأفكار المتطرفة، أقامت الجامعة معسكر قادة المستقبل لطلابها في 5 نسخ متتالية لفتح الباب أمام مشاركتهم في تطوير قدراتهم نحو التفكير العلمي والنقدي ومن ثم المساهمة في بناء المجتمع، من خلال تنظيم لقاءات مع قادة الجامعة وكبار العلماء والأدباء، ومجموعة من الأنشطة الثقافية والتوعوية لتطوير الوعي الوطني في علاقته بتطوير الوعي الديني، إلي جانب اطلاق العديد من المبادرات والأنشطة الثقافية والفكرية، مثل إطلاق مبادرة أخلاق التقدم، وأكبر مبادرة لتوزيع الكتابات والمطبوعات الفكرية التنويرية مجانا لرفع الوعي القومي، و"مكتبة ثقافية بكل غرفة بالمدن الجامعية" لنشر ثقافة القراءة.

واستعرض التقرير، العديد من مشروعات جامعة القاهرة الثقافية التي أطلقها الدكتور محمد الخشت  لتطوير التفكير الديني وعلوم الدين، في السنوات الماضية، ويأتي في مقدمتها مشروع تطوير العقل، من خلال إعادة بناء الوجدان، وتطوير الوعي الوطني، ومشروع تطوير اللغة العربية وتأسيس مفوضية اللغة العربية، وتأسيس مجلس الثقافة والتنوير الذي ضم نخبة من قادة الرأي والمفكرين، وإطلاق وثيقة التنوير بـ17  لغة، والتي تُحدد المبادئ التي تحكم الجامعة، وتؤكد أن النظرة العقلانية المستقبلية هي الحاكمة لمسيرتها.وأطلق رئيس الجامعة مبادرة لتطوير اللغة العربية، وإطلاق "مشروع التنمية الاقتصادية والإصلاح الدينى".

وشدد التقرير على امتداد دور الجامعة لخارج الجامعة من خلال استهداف أصحاب الرأي والخطابة ليكونوا جزءا من مشروع جامعة القاهرة التنويري حيث وقع الدكتور محمد الخشت بروتوكول تعاون مشترك مع وزارة الأوقاف لتدريب الأئمة والواعظات، وذلك في إطار التعاون المستمر بين الجامعة والوزارة في الإعداد الجيد والتدريب المستمر للنهوض بالأئمة والواعظات في مختلف المجالات، وعقدت  الجامعة عدة دورات تدريبية لتدريب الائمة، وتوسعت في دورات تدريب أئمة الاوقاف، واللقاءات الفكرية حول تأسيس خطاب ديني جديد.

ونظمت الجامعة برنامجًا تثقيفيًا لـ 600 إمام وخطيب من وزارة الأوقاف، بقاعة الاحتفالات الكُبرى، حاضرهم فيها الدكتور محمد الخشت  للتعرف على الدور الفكري لجامعة القاهرة ودورها في تجديد الخطاب الديني وتاريخها ودورها محليًا وعالميًا، كما ناقشت الجامعة رسالة ماجستير مقدمة من أحد أئمة الأوقاف والباحث بكلية الآثار، وعقدت العديد من ورش العمل في تجديد الخطاب الديني والعلوم الاجتماعية والانسانية وسبل التواصل مع الجمهور من البسطاء في سياق خطاب دينى عصرى متجدد، وذلك لاستعادة عطاء عصور الإبداع الفكرى في الحضارة العربية الإسلامية التي أخذت بكل القيم الدافعة للتقدم، وأهمها توسيع دوائر الإدراك الدعوى وإبراز صورة الإسلام الوسطى من خلال الفكر المستنير، وبما يساهم في دعم توجه الدولة نحو محاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة، والسعي نحو تقديم خطاب ديني متزن خال من التعصب، ووقعت الجامعة ممثلة في كلية الدراسات الأفريقية العليا بالجامعة مع وزارة الأوقاف بروتوكول تعاون للإعداد والتدريب الجيد للأئمة الموفدين إلى أفريقيا وتطوير العقل الديني ونشر الفكر الإسلامي المستنير.

وأوضح التقرير أنه خلال الـ7 سنوات نظمت الجامعة عددا من الندوات الفكرية المشتركة بين رئيس الجامعة وعدد من علماء الدين والمفكرين مثل الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف السابق، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور أسامة الازهري، والدكتور سعد الدين الهلالي، والدكتور ثروت الخرباوي، والدكتور وجدي زين الدين، وغيرهم.

وأشار التقرير إلى أنه اتسع دور جامعة القاهرة وتأثيرها دوليًا في مجال تجدد الخطاب الديني ولم يقتصر فقط علي المستوى المحلي وشاركت في العديد من المنتديات المصرية والعربية لتأكيد رؤيتها في تجديد الخطاب الديني في علاقته بالدولة الوطنية، حيث كان الدكتور محمد الخشت متحدثاً رئيسياً مع نخبة من كبار العلماء في المؤتمر الدولي "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، والذي عقد بمكة المكرمة تحت رعاية خادمِ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كما ألقى الدكتور محمد الخشت محاضرة كاشفة لرؤى فكرية معاصرة حول بناء الدولة الوطنية وارتباطها بتأسيس خطاب دينى جديد، وذلك في ندوة بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب بعنوان "الدولة الوطنية وتجديد الخطاب الديني"، بحضور نخبة من كبار الأكاديميين والمثقفين الإماراتيين، وبعض رؤساء الجامعات الإماراتية، وكرم الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى رئيس هيئة علماء المسلمين ورئيس رابطة العالم الاسلامي، الدكتور محمد الخشت خلال فعاليات مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية والذي أقيم بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة - الإسيسكو بالمملكة المغربية تحت عنوان "تأطير الحريات وفق القيم الإسلامية ومبادئ القانون الدولي"، والذي شارك فيه رؤساء الجامعات الإسلامية من مختلف دول العالم وهيئات ومجالس الإفتاء في العالم الاسلامي ونخبة من خبراء القانون الدولي.

كما اجتمع الدكتور العيسى والدكتور محمد الخشت، لمناقشة سبل تجديد الخطاب الديني، وموقف الخطاب الديني من قضية الحريات وضوابطها القانونية والدولية، وإعادة تأويل موقف الشريعة من قضايا عديدة في ضوء إعادة قراءة النصوص والتمييز بين المقدس والبشري.

واستضافت جامعة القاهرة، المحاضرة التذكارية التي ألقاها الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي الأمين العام  لرابطة العالم الإسلامي ورئيس هيئة كبار علماء المسلمين، حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"، ومنح الشيخ العيسى"النخلة الذهبية" رمز المملكة الي الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، تقديراً لدوره البارز في تجديد الخطاب الديني  و الفكر الإسلامي. وتمنحها الرابطة لكبار الشخصيات العالمية. وسبق منحها للملك تشارلز ملك بريطانيا.
وأشار التقرير الى ترأس الدكتور محمد الخشت، جلسة "الحرية في المنظور الإسلامي" في مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية، بحضور كبار رؤساء هيئات ومجالس الإفتاء من جميع أنحاء العالم ورؤساء الجامعات الإسلامية، وطرح خلال مشاركته رؤية فكرية عقلانية تكشف الجوانب المضيئة للإسلام فى نظرته إلى الحرية، حيث أكد أن الإسلام يقدس الحرية ويميز بين مجالها العام ومجالها الخاص ويقرر أنه لا حرية بدون الالتزام بالقانون، كما أوضح أن الفهم الصحيح والقراءة الواعية للعقيدة يكشف أن الإسلام بنقائه وصفائه يكفل حرية التفكير والبحث العلمي والابتكار وما تطرحه من رهانات للمستقبل لمواجهة المشاكل الحياتية ودعم مشروعات التنمية.

كما ألقي الدكتور محمد الخشت، محاضرة تأطيرية في جناح منتدى السلم أبو ظبي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بدعوة من العلامة الدكتور عبد الله بين بيه رئيس مجلس الإفتاء الاماراتي ورئيس منتدى السلم العالمي وتناول خلالها موضوع السلام العالمي،  ودعا خلالها إلى تبنى رؤى جديدة لتحقيق السلام الحقيقي القائم على العدل والإنصاف، كما قام بمراجعة النظريات التى أخفقت فى صناعة السلام بدءا من نظريات ماركس  والديمقراطيات والتجارة الحرة والردع المتبادل وسلام العولمة، كما أكد أن الربط بين الدين والتنمية المستدامة وإعمار الكون وسعادة الإنسان مطلب ملح وحاسم في حتمية التجديد الهادف إلى ترسيخ واقع الدين بما يتضمنه من الصفح والتسامح والتيسير وقبول الآخر وإعلاء قيم المواطنة والتصالح والسلام النفسي والتعايش بين كل شعوب الأرض.

وشارك الدكتور محمد الخشت، في عدد من المؤتمرات لتقديم رؤيته حول أهمية تأسيس خطاب ديني جديد وعلاقته بتحقيق السلام والتقدم الاقتصادي، حيث شارك في الملتقي الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم الذي عقد بالعاصمة الموريتانية نواكشوط حول التعليم العتيق في إفريقيا: العلم والسلم،  والمؤتمر الدولي "الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي" بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالإمارات، ونظرا لرؤيته حول علاقة الاقتصاد بتجديد الخطاب الديني شارك رئيس جامعة القاهرة في مؤتمر ومعرض «سيملس الشرق الأوسط 2024» للاقتصاد الرقمي.

وأوضح التقرير أن الدكتور محمد الخشت، أطلق مشروعا جديداً بجامعة القاهرة لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية يتضمن 17 ملفًا من ملفات التحديات القومية ومنها ملف تطوير الخطاب الديني، وتطوير الفكر العربي والإسلامي،كما تعمل الجامعة على إنشاء كرسي لتطوير علوم الدين، حيث أن الجامعةتجاوزت مسألة تصحيح الخطاب المتطرف إلى محاولات متعددة لصياغةوتأسيس خطاب ديني جديد ينشر ظلاله على المجتمعات العربية والإسلاميةويلبي مطالب العصر في مواجهة الأفكار الظلامية ومحاولات إفساد حياةالبشر وتشويه دينهم بما هو منه براء.

وتابع التقرير ، تواصلت جهود رئيس الجامعة في تأسيس خطاب ديني جديد على صفحات المجلات والصحف، حيث تناول العديد من القضايا والموضوعات والملفات، ومن هذه الملفات: الاقتصاد بين الخطاب الديني القديم والخطاب الديني الجديد، والاقتصاد الريعي والاقتصاد الإنتاجي، واستعادة روح الإسلام المنسي في ضوء فهم مقاصدي حديث لنصوص الوحي، وتفسير الكتاب بالكتاب، وليس طبقا لثقافة رعوية وريعية قديمة، ومحاولة استعادة العناصر الحية ضمن منظومة جديدة، ومحاولة فتح طريق ومسار جديد أمام العقل المفتوح المتواري في التراث، في مواجهة العقل المغلق المتغلب على التراث بعد عصور الازدهار الأولى. واكد ان التجديد ليس خلقا من عدم، والقطيعة الإبستمولوجية (المعرفية) هي قطيعة مع العناصر الميتة والأسطورية والأفكار المتزامنة مع ظروف اقتصادية واجتماعية خاصة ومؤقتة، وليست قطيعة مع العناصر الحية في التراث. بإلإضافة الى تأويله الجديد لسورة الكهف عبر سلسلة مقالات منها: لسورة الكهف معان أخرى، والتراث والعلم اللدني، والعلم اللدني والتسويغ العقلي، والحكمة الأرضية، والحكم الرشيد كذروة لسورة الكهف، ويأجوج ومأجوج بين الإرهاب والاستعمار، وأيضًا من خلال بعض الحوارات التي أقامتها معه قنوات التليفزيون والدوريات والمجلات والصحف والإذاعات المصرية والعربية والمواقع الإلكترونية.

وأشار التقرير إلى أن الدكتور الخشت، أخذ المبادرة وحرك الماء الراكد منذ عقود طويلة من خلال مناظرته العالمية مع الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر  الشريف من داخل الأزهر، وذلك من خلال طرح رؤيتة فيما يتعلق بـ "تجديد التراث الإسلامي"؛ حيث يرى د.الخشت، ضرورة تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، وهذا لا يتضمن "ترميم بناء قديم" بل "تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة" للوصول إلى "عصر ديني جديد".، خاصة وأن التراث هو في الأساس عمل بشري غير مقدس قابل للخطأ والصواب.

وتنبهت بعض الجامعات الأخرى الى أهمية مشروع تأسيس خطاب ديني جديد، فقامت لعمل مجموعة من الابحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه عن الفلسفة التجديدية للدكتور الخشت، في الجزائر والعراق وألمانيا وسويسرا وبعض الجامعات المصرية مثل جامعة طنطا وجنوب الوادي وغيرها.

كما قام كرسي اليونسكو للفلسفة بتونس بتأليف مجلد كامل عن فلسفته تحت عنوان "فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم" شارك فيه مجموعة من كبار الأكاديميين من الجامعات العربية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جامعة القاهرة رئيس جامعة القاهرة الخشت الدكتور محمد الخشت محمد الخشت خطاب ديني تأسيس خطاب ديني الإرهاب فی تجدید الخطاب الدینی الجامعات الإسلامیة رئیس جامعة القاهرة الدکتور محمد الخشت وأشار التقریر إلى رئیس الجامعة العدید من من خلال

إقرأ أيضاً:

لحظات فاصلة في تجديد الخطاب الديني.. مشاتل التغيير (15)

تكشف متابعة "الخطاب الديني" عبر قرنين، في الأمة العربية والإسلامية عامة، عن عدد من المحدِّدات أو العوامل التي أسهمت في كل مرة -بدرجات متفاوتة- في منح هذا الخطاب خصائصه وشاكلته التي تبدّى عليها، ويمكننا من متابعة هذا التطور اكتشافُ بعض نقاطٍ فاصلة واصلة؛ نقاطِ جدال ثقافي وسجال فكري، تبلورت فيها ألوانُ الخطاب الديني: مرجعياته ومنطلقاته، ومنهجيات احتجاجه وآليات منازعته، وقابلياته ومكناته.. الأمر الذي يمكن ترتيبه حسب معيارين: أحدهما يتعلق بمجال الخطاب؛ وهو القضايا محل السجال ومحل إنتاج الخطاب وإعادة إنتاجه، والآخر يتعلق بالتطور التاريخي الواصل؛ وهو التطور التاريخي ومحطاته المتكررة أو المتجددة. ويمكن تبيُّن ثلاثة أنماط من اللحظات التاريخية الموضوعية في هذا الصدد:

- اللحظات الفارقة: وهي التي تمثل العُقد الأساسية في تطور قرنين من الزمان، واللذين يبدآن بلحظة فارقة مهمة تتمثل في الحملة الفرنسية على مصر والشام؛ يتوالى على إثرها عدد آخر من اللحظات الفرقانية التي تفرق بين ماضٍ وآتٍ، وبين موروث ووافد، وبين مقاوم ممانع من جهة ومساير متابع من جهة أخرى، ولعل أهمها اللحظة التحديثية، ولحظة الحملة الإنجليزية، واللحظة التغريبية في منعطف القرن العشرين، ولحظات الاستقلال المنقوص والقاصر للدولة العربية التي نشأت مشوهة ومشوشة، حتى لحظة الحملة الأمريكية مجددا التي تجلت في مواقف عدة؛ أعلاها اللحظة النماذجية التي يمثلها ترامب وسياساته.

اللحظة الفارقة تحث الذهن على أن يفرق ولا يغرق ولا تلتبس عليه الأمور؛ أن يقوم بعملية فرقان؛ كحالة من البيان الحق الواضح بلا اشتباه، لحظة فرقان تؤدي إلى فائدة وعي "الكيان"؛ الوعي بالذات وبحال الوهن والضعف المستولي عليها، والوعي بالمكنات والإمكانيات التي تقدمها الذات الحضارية لإعادة مياه الحياة إلى مجاريها (اللحظة النابليونية). إن اللحظة الفارقة تولد مفارقاتٍ وتصنع مفارق طرق رئيسة.

متابعة تطور وتجدد الخطاب الديني هو عبرة القرنين وخبرة التفارق والتدافع بين مشروعات العلمانيين ومشروعات الإسلاميين باسم التجديد.. ذلك في إطار عملية "تجديد الأمة" لا مجرد "تجديد الخطاب الديني" فقط على نحو ما يراد لنا ضمن الحملة الأمريكية الراهنة على الأمة، فلا بد من السؤال الصحيح قبل الجواب الصحيح.. لا بد من الخطاب الذي يحقق الوعي بالحقائق: يحقق ميلاد مجتمع يتواصل مع أصول وسنن أمة السفينة وسفينة الأمة
- اللحظات الكاشفة: وهي اللحظات الكاشفة لطبيعة القضية نفسها داخل التطور الزمني والموضوعي للخطاب، يتم فيها تتبع التطور أو التجديد في الخطاب والفكر والأداء داخل القضية الواحدة، أثناء اللحظات الفارقة وفيما بينها. فليس معنى "التطور" أن نتمادى وراء المتابعة الزمنية للقضية، ولكن ينبغي أن نقف أيضا عند لحظات كاشفة تتميز فيها الخطوط الفكرية والتوجهات التجديدية بقدرٍ قلما يتكشف في التطور التالي بعد تلك اللحظات الكاشفة. وبالطبع، يستحيل في حدود هذا المقام المضيّق أن نستقصي كل هذه اللحظات؛ والنسب في هذا المقام الوقوف عند بعض اللحظات الأكثر "كشفا".

- اللحظة المقوّمة: وهي اللحظة التي تتبدى فيها استجابات الخطاب النابع المعبِّر عن الذات تجاه الخطاب المقتحم، وتجاه الخطاب التابع، وهي لحظة تدخلنا في ثلاث قضايا مهمة أو ثلاثة أنماط أطرا لمواجهة الخطاب التغريبـي:

أ- الأطر الناقدة للأفكارِ التابعة الوافدة من نسق معرفي وافد: تعيب غيرها ولا تبني نفسها.

ب- الأطر الدفاعية المقتصرة على الدفاع عن الرؤية التجديدية الذاتية ولا تنتج تجديدا.

ج- الأطر البنائية للرؤية الإسلامية التجديدية، أو على الأقل الأطر البيانية المبيِّنة لهذه الرؤية (الرؤية البيانية البانية).

والمقصود في هذا المقام أساسا هي الرؤية البنائية، والتي في إطارها فقط يمكن قبول الرؤيتين "الناقدة" و"الدفاعية" إذا عملتا في الإطار البنائي، ولا يمكن قبول الرؤيتين الأخيرتين أو الاكتفاء بهما إلا في ظل هذه الرؤية البنائية، أو على الأقل في إطار عملية البيان. إن هذه اللحظات -خاصة المقوِّمة- تمثل الأعمدة لبناء سقف التجديد في الخطاب وتوجهاته، التي تمكننا من أن نستخلص مجموعة "السنن الحاكمة/القوانين المسيِّرة" للخطاب الديني وعمليات تجديده، حيث تتوفر ثلاثة مستويات أو خرائط في هذا الصدد:

أ- خريطة رصد الاتجاهات العامة التي تتفارق وتتفتق عنها اللحظات الفارقة الكبرى.

ب- خريطة الاتجاهات لكل قضية، والتي تكشف فيها درجات تمثل كل اتجاه لمقولاته ومبادئه وحفاظه عليها وسعيه لتفعيلها وإقرارها.

ج- الخريطة المتشابكة الجامعة للقضايا وللتوجهات حولها (الخريطة الشبكية، شبكة الخطاب).

وفي مسار البحث البصير عن الأطر البنائية والبيانية، يلاحظ أنه كانت هناك محاولات لإبرازها عبر الأزمات التي مر بها الخطاب الديني.. لكنها لم تكن بالمستوى الذي يسمح لها أن تُحدث حالة من حالات التكافؤ مع الأزمة.. هذه المحاولات قد تُحدث نوعا من الوعي، ولكنه محدود.. وقد تُحدث نوعا من السعي؛ لكنه مؤقت..

لقد أبرزت اللحظات الفارقة افتراقا بين توجهين أساسين تجاه القضايا والأزمات المختلفة التي عبر عنها تطور الخطاب الديني في الأمة عبر قرنين:

- التوجه العلماني التغريبي الحداثي: بين الإدبار عن الذات والبحث عنها في الآخر.

- التوجه الديني الإسلامي التأصيلي: أزمة المسلمين، والتجديد القاصر والقصير والمقصور.

هذه هي الإشكالية التي لا تريد أن تنفضَّ حتى الآن لغلبة الجانب النقدي أو الدفاعي على حساب الجانب البياني والبنائي في الرؤية التجديدية الإسلامية وخطابها.

من هنا نأتي إلى السؤال الشامل للأطر الثلاثة (البنائي/ الدفاعي/ النقدي) وهو: على أي أرض نقف: تجديد الخطاب الديني، مفرق الطرق يعود مع الحملة الأمريكية المستجدة؟

إن متابعة تطور وتجدد الخطاب الديني هو عبرة القرنين وخبرة التفارق والتدافع بين مشروعات العلمانيين ومشروعات الإسلاميين باسم التجديد.. ذلك في إطار عملية "تجديد الأمة" لا مجرد "تجديد الخطاب الديني" فقط على نحو ما يراد لنا ضمن الحملة الأمريكية الراهنة على الأمة، فلا بد من السؤال الصحيح قبل الجواب الصحيح.. لا بد من الخطاب الذي يحقق الوعي بالحقائق: يحقق ميلاد مجتمع يتواصل مع أصول وسنن أمة السفينة وسفينة الأمة.. إن تجزيء المسألة بالوقوف عند الخطاب دون الأمة، وبالوقوف عند القضايا فرادى يتامى لا رحم لها ولا أم ولا أمة، إنما هو خضوع للمعايير الأمريكية.

دراسة الخطاب الديني وتجديده والتي تفتتح متابعتها بدءا من الحملة الفرنسية، وتتوسط سبيلها حملة إنجليزية، تنتهي بالحملة الأمريكية مجددا: مفترق طرق وافتراق في الأدوات والأساليب.. ومن هنا نتساءل:

هل سنجدد الخطاب الديني تحت أزيز الطائرات الأمريكية والحضور العسكري اللافت؟ ومن سيجدده: هل هم هؤلاء الذين يتواردون الواحد تلو الآخر على "المذبح الأمريكي" أو ينبطحون في معيته وأمام سياساته؟

إن الأمر في حقيقته لا يمكن إلا أن يستحث الوعي والسعي لاستحداث خطاب ديني يقوم على قاعدة من الممانعة والمواجهة والمقاومة، وهكذا يكون الخطاب الديني لأمة المسلمين. إن خطاب الإقصاء أو الإخصاء أو "الإسلام منزوع الفتيل" لم يعد له مكان داخل سياج جوانتانامو الكونية الأمريكية.. فإن ذلك مما لا يعد تجديدا، بل تبديدا ونكوصا؛ فننتقل بذلك من خطاب إحياء الأمة وبعثها إلى خطاب تهدئة الخواطر وتهرئة الخمائر أو تهيئة الأرضية لاستقبال القادم، فإنه قد يتبدى أن من الواجب علميا وعمليا التركيز على عدد من الأسئلة:

- ما دور السياق الإقليمي والعالمي ووعي المفكرين المسلمين به، في تحديد خصائص خطابهم الديني، وفي تطورات سجالات تياراتهم حول تجديد الفكر أو إصلاحه؟

- ما هي أنماط هذه السياقات؟ وأنماط الاستجابة لها عبر هذين القرنين؟ بمعنى كيف كان للاقتراب الغربي المطّرد -عبر القرنين- من عالم المسلمين: من الالتفاف إلى الاحتلال، آثاره في خصائص هذا الخطاب وسجالاته؟ وكيف كان للاقتراب المصري كذلك من الغرب: انتباها (الحملة الفرنسية)، ثم مشاهدة (البعثات) ثم التقاء واصطداما (الموجة الاستخرابية) آثارها ومآلاتها؟

- ما أهم القضايا التي أثيرت ضمن "الخطاب الديني" عبر القرن؟ وما المرجعيات التي تساجلت حولها؟ وما مناهج إنتاج الخطاب في كل مرجعية؟ وكيف تطورت كل هذه المحددات للخطاب؟

هذه أسئلة رئيسية دونها أسئلة كثيرة، لكن ما ينبغي التوكيدُ عليه هو أن المناط التاريخي والموضوعي الجامع والمعلِّل للتطور الذي حاق بالمسألة التجديدية عامة وبالتجديد في الخطاب الديني بخاصة، هو أن هذا التجديد جاء متأثرا بالاحتكاك الحضاري الذي وقع بين عالم المسلمين والغرب؛ حيث صار ثمة تحدٍّ حضاريُُّ مفروض وماثل للعيان ومتصاعد الوطأة مع الزمن، خاصة أن هذا الالتقاء جاء على حينِ انكسارة وترهل في الذات الحضارية، لم تكن عناصر التجدد الذاتي تعمل بنفس كفاءتها المعتادة، كانت مفاتيح التجدد والمواجهة قد علاها صدأٌ ثقيل، وخصائص الذات غير متميزة بوضوح، اللهم إلا عند نفر قليل عزَّ ظهورهم، وكُبّل سعيهم بوطأة الحال وتفشي الوهن في القوم وسراتهم.

لقد كان سبيل التجديد بين خيارين:

- إما الالتفات إلى الذات وأمرها، وفق قواعد التجدد الذاتي الحضاري الإسلامي؛ بالتفتيش عن مصادر الوهن، وتلمس مفاتيح التجدد النابع، فيكون الصحو من الغفلة، والنهوض من الرقدة، والمضي قدما في سبل الكرامة والتقدم بعد المكوث في الذيل والذل.

- وإما الالتفات بانبهار ووله وولع إلى الآخر بمنطق المغلوبية والولع بالغالب (وفق السُّنة التي كشف عنها ابن خلدون)، وإدارة الظهر للذات وأمارات العزة والاعتزاز فيها، فيكون التغرب والتغريب، والغرق في الآخر والتبعية له.

إن سؤال النهضة المسموم وضع التيار النابع من الذات أمام خيارات غير موائمة: بين العودة إلى الذات والبحث فيها عن ماكينات التجدد والممانعة والمقاومة والنهوض، ولكن مع الوقوع في فخ الانغلاق والانكفاء بعيدا عن العصر، وبين الاختيار المضاد؛ كل ذلك لغيبة الوعي بأصول المواجهة الحضارية الجامعة بين الوعي بالذات واستبانة سبيل الآخرين
إن ناظم المسألة ومناطها هو الوعي بـ"عناصر التجدد الحضاري الذاتي"، والسعي بها في البحث عن مخرج من المأزق الحضاري الذي فرضه الاحتكاك بالآخر. إن جوهر الأزمة -كما كشف عنه مسار التجديد عبر قرنين- تمركز في "مناهج التفكير ومناهج التدبير ومناهج التغيير"، وأن بعض الذين أبدوا استعدادا لتلمس هذه المناهج والعناصر التجديدية قدموا جهودهم ومحاولاتهم؛ إما على نحو "لا يكفي" وإما على نحو "لا يكافئ" المستويات التي كانت أزمة الأمة قد بلغتها.

من هنا يمكن تضمين قضايا القرنين -بل كذلك القضايا التي ستجدُّ من بعد- في هذا الإطار: ضرورة وضوح رؤية إسلامية (حضارية ذاتية) شاملة لعناصر التجدُّد الحضاري الذاتي ومرجعيته والسنن الحاكمة له، وضرورة الجمع بين الوعي العميق بها، والسعي سعيا غير قاصر ولا جزئيا ولا ذا علة بما يتبدى في البنية التقويمية للخطاب الديني وأطره. إننا بهذا نقف بين تجديد حقيقي قوامه الذات الحضارية ومكنات التجدد فيها، وتجديد زائف على قاعدة من استبدال الأسس الحضارية للأمة، والرضاء بموقف الذيلية تجاه الآخر (الغرب).

التجديد النابع لم يكمل متسلسلة أسئلته من جهة، ولم يواجه واقعه بالوسائل المكافئة من جهة أخرى، فظل يتعامل مع القضايا إما تجزيئيا أو كردِّ فعل، ولم يلتفت إلى أن فضيلة المنظومة الإسلامية الأساس إنما هي في منظوميتها ووحدتها كنسيج لا ينقض غزله وهو على حاله؛ ومن ثم لم يكن ممكنا تناول القضايا المنبثقة عبر المسير بعيدا عن نسيجها الحضاري المتماسك. هذا الإغفال -أو هذه الغفلة- كان مجالا للخطاب التابع ليعيد تسكين القضايا في أطر الآخر وبعيدا عن الذات.

إن سؤال النهضة المسموم وضع التيار النابع من الذات أمام خيارات غير موائمة: بين العودة إلى الذات والبحث فيها عن ماكينات التجدد والممانعة والمقاومة والنهوض، ولكن مع الوقوع في فخ الانغلاق والانكفاء بعيدا عن العصر، وبين الاختيار المضاد؛ كل ذلك لغيبة الوعي بأصول المواجهة الحضارية الجامعة بين الوعي بالذات واستبانة سبيل الآخرين.

لقد عبرت مسيرة القرنين أو يزيد؛ عن حالة من الاشتباك على مائدة قضايا واحدة، لكن بين صفين أو شبكتين من المفاهيم: بين من أراد أن يداوي أزمة الواقع لكن من صيدلية الغرب والهجرة عبر المكان، ومن أراد أن يصنع أدوية الواقع المعتل من خلال الهجرة عبر الزمان. إن هذا يذكرنا بالمقولة الذهبية لابن القيم للجمع بين نوعي الوعي أو الفقه: "الفقه فقهان: فقه في الأمور الكلية، وفقه في الحوادث الجزئية، ولا بد أن نعطي الواجب حقه من الواقع، والواقع حقه من الواجب"، وهذا ما لم يفعله الفريقان إما كليا وإما جزئيا. حديث الخطاب الديني وعمليات تجديده هي في قلب تلمس طريق النهوض ومسالك الإصلاح ومشاتل التغيير.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • موعد فتح باب التقديم في جامعة القاهرة الأهلية
  • رئيس جامعة القاهرة يشارك الطلاب ماراثون الدراجات ومباراة كرة قدم خماسية
  • برلماني: كلمة الرئيس في حفل تخرج الأئمة خارطة طريق لتجديد الخطاب الديني
  • رئيس جامعة القاهرة يشهد العرض المسرحي "حاجة تخوّف" ويشيد بالفن الهادف
  • رئيس جامعة القاهرة يشهد مسرحية «حاجة تخوّف» ويشيد بتناول الفن لقضايا مجتمعية
  • سياسيون: خطاب الرئيس السيسي يمثل خريطة طريق لبناء الإنسان وتجديد الخطاب الديني
  • لحظات فاصلة في تجديد الخطاب الديني.. مشاتل التغيير (15)
  • حزب الوعي: الخطاب الديني الواعي خط دفاع لحماية المجتمع
  • متحدث الأوقاف: رؤية الرئيس السيسي الثاقبة تقود لتجديد الخطاب الديني
  • مستقبل وطن: تأهيل الأئمة بالأكاديمية العسكرية خطوة جادة لبناء وعي ديني ووطني متماسك