استهداف الأمن لكوادر الحرية والتغيير وبيان «محامو الطوارئ» حول أبناء الغرب
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
استهداف الأمن لكوادر الحرية والتغيير وبيان «محامو الطوارئ» حول أبناء الغرب
صلاح شعيب
مع بدء لحظة الحرب وجد أمنجية نظام البشير الفرصة لاستئناف القمع من ناحيتين: استهداف كادر قوى الحرية والتغيير، واعتقال من يسمونهم المنتمون لحواضن الدعم السريع. ومع اشتداد حملات القتل المعنوي المستمرة ضد شخصيات هذا الكادر الوطني، وصدور قرارات الولايات بحل لجان المقاومة، وإصدار أوامر قبض قادة التحالف الذي قاد الثورة ضد الكيزان، خلا الجو للأمن فباض منسوبوه، وأصفرت أوداجهم.
وقبل يومين أصدرت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية بيانا حول اعتقال مئات المدنيين على أساس عرقي وجهوي، بعد اتهامهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع لمجرد انحدارهم من غرب السودان. وقالت المجموعة الحقوقية، إن “ما تسمى الخلية الأمنية في ولاية القضارف شرقي السودان ما زالت تواصل استهداف المدنيين على أسس عرقية، بإشراف قيادة الفرقة الثانية مشاة التابعة للجيش السوداني”، وفقا لبيان المجموعة.
إن ما يكمل فكرة الحرب الكيزانية هو استهداف كادر الحرية والتغيير، وحل لجان المقاومة، وقرارات مطاردة قادة تقدم قضائياً، واعتقال قادة شيوعيين في شندي، وكسلا، ومناطق متفرقة من البلاد، وتضييق مساحة نشطاء منظمات المجتمع المدني داخل البلاد، ومنع أي نشاط حزبي عبر الندوات السياسية، ومنع سودانيين معارضين للحرب من استخراج أوراقهم الثبوتية. ولا نعتقد أن الكيزان يفرقون بين التقدميين والجذريين فكلهم سينالون الجزاء المؤجل لإسقاطهم المشروع الحضاري الذي ضاع بانتفاض سلمي، وهذا هو لب القضية.
مهما ركز الكيزان طوال زمن الحرب على الحرق المعنوي لشخصيات تقدم فإنهم يدخرون معركتهم الآن مع الشيوعيين لوقت يتفرقون لهم بالكامل. ولا ننسى المحاولات السابقة لتلطيخ سمعة الحزب بواسطة الإسلاميين، وقتل كوادرهم حتى بضرب المسمار على الرأس، كما حدث الأمر مع الشهيد علي فضل، وتعذيب المئات منهم، والتحرش الجنسي بالرجال والنساء منهم في المعتقلات.
أما الاستهداف العرقي الذي نشط فيه الأمن تجاه أبناء دارفور وكردفان الأبرياء فهو جزء من إستراتيجية لقلب السودان بؤرةً للتناحر العرقي. ولعلها ذات استراتيجية الكيزان التي حطمها ثوار ديسمبر حين هتفوا ثائرين “كل البلد دارفور” فأسقطوا مؤامرة الزج بفصيل عبد الواحد لكونه هو الذي يقتل الثوار مثلما كذبوا. فإسلاميو المؤتمر الوطني يحترفون سلوكاً، وتفوهاً، العنصرية المقيتة التي هي أسوأ بما لا يقاس عما قاله المخلوع البشير في “حديث الغرباوية”. فالمؤتمر الوطني بخلاف أيدلوجيته فهو تنظيم قائم على العنصرية، ويتغذى بها، لتمرير أجندته التشطيرية الأميبية للمجموعات المخالفة لهم. وما إنتاجه فكرة المليشيات في دارفور إلا محاولة لإبادة حواضن الحركات المسلحة التي تقاتل بجانبه الآن نتيجة شراء ذمم قادتها، وشحنهم عرقياً بذات الطريقة التي استهدفوها سابقاً من قبل قوات الجنجويد.
أرى أن جميع القوى السياسية والمدنية التي وقعت على إعلان الحرية والتغيير – وبموجبه تمكن المدنيون من رمي المشروع الحضاري في الزبالة – بحاجة إلى معرفة عدو المشهد السياسي السوداني التاريخي، أو الفيروس السياسي الذي استوطن البلاد منذ الخمسينات ليفتتها جغرافياً، ومجتمعياً، وهكذا فصل جزءً عزيزاً من الوطن. فاعتقالات أمنجية الكيزان التي شملت التقدميين والجذريين دلالة واضحة على أن ثأراتهم شاملة تجاه كل من شارك في إسقاط تجربتهم التي استندت على أن السودان غنيمة حربهم. ولو تواتت لهم الفرصة السيطرة على البلاد مرةً ثانية فإنهم سيعلقون رموز الحركات المسلحة، والشيوعيين الذين كان لهم القدح المعلى إبان ثورة ديسمبر، في مشانق الخرطوم.
أمنجية الكيزان من ناحية أخرى يخطأون للمرة الألف إذا رأوا أن قتل وسحل أبناء غرب السودان، وقصف مدنهم، ومناطق سكنهم في الخرطوم – استجابةً لرغبة العنصريين من دعاة الحرب – سيكسبهم انتصارا أكيداً في الحرب، وتصفير عدادها عرقياً حتى يتدمر السودان بعد أن خاب سعيهم للعودة للحكم.
فهذا السلاح مجرب من قبل، وعليهم أن يعلموا أن الفئة الغالبة من الجنود إنما هم من غرب السودان. وأشك أنهم سيستمرون في القتال طويلاً لصالح جيش الحركة الإسلامية العنصري إذا تواصل هذا الاستهداف العرقي لمناطقهم، وأهلهم. ولكنه عموما هو ذا المؤتمر الوطني الذي ظل طوال فترة الإنقاذ يحترف سن سياسات لتشطير مكوناتنا السياسية والمدنية المركزية، ونهج إستراتيجيات عسكرية لإبادة مجتمعات بعينها، وتفتيت نسيجها الاجتماعي، وقصف شعوبها بالبراميل، واغتيال طلابها، وإبعاد مكونات عرقية محددة من الخدمة المدنية، والعسكرية، وتجفيف فرص حصولهم على الوظائف في القطاعين العام والخاص.
مهما تصاعدت الحرب فلا مستقبل البتة لنجاح سياسة المؤتمر الوطني الحربية لدق أسفين وسط مكوناتنا المدنية القومية، والمجتمعية. فالشعب السوداني أوعى في معرفة دور تياراتنا السياسية القومية في مقاومة الاستبداد. وفي ذات الوقت فالشعب الذي اسقط المشروع الحضاري عبر الثورة العظيمة أذكى من جره لتناحر عرقي يهدف إلى تفتيت وحدة أبناء وبنات السودان كليةً. وخاب من دساها.
الوسومالجيش الحرية والتغيير القضارف غرب السودان محامو الطوارئ
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحرية والتغيير القضارف غرب السودان محامو الطوارئ
إقرأ أيضاً:
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
بقلم: إبراهيم سليمان
ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
عند الحديث عن خسارة أمرٍ ما، لابد من توضيح الحساب بكافة المعطيات، ورصد الناتج والمحصلة النهائية التي لا تقبل الجدل، ورغم ذلك هنالك تقديرات، يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة، ولا يحمد السوق إلا من ربح. وقديما قيل، "الجمرة بتحّرق واطيها" وقيل أيضا "من يده في الماء ليس كمن يده في النار"
يبدو أن حكومة بورتسودان، بقيادة الجنرال البرهان، تشمر، للتعري من ثيابها، وتستعد للخروج عن طورها، من خلال اتخاذها عدة إجراءات تعسفية، تنم عن اليأس وعدم المسؤولية الوطنية، منذ اندلاع الحرب الحالية، قطعت خدمات الاتصالات عن أقاليم غرب السودان، وحرمت مواطنين على الهوية من الأوراق الثبوتية، حظرت عليهم خدمات السجل المدني، وأخيراً عمدت الإتلاف الإجمالي للعملة والوطنية في حوالي أكثر من ثلثي أقاليم البلاد، من خلال تغيرها في مناطق سيطرة الجيش على ضآلتها، حرمان الآخرين منها، وأخراً الإصرار على إجراء امتحانات الشهادة السودانية لحوالي مائتي ألف طالب طالبة، وحرمان حوالي أربعمائة آخرين في بقية أرجاء البلاد!
بهذه الخطوات المتهورة، وغير المسؤولة، لم تترك حكومة بورتسودان، للمستهدفين من أبناء الشعب السوداني، الذين يمثلون الغالبية العظمي، سوى المضي قدماً ودون التردد أو الالتفات إلى الوراء، في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش، والمحررة من عنف وظلم دولةـــ 56 لتضلع بمهام توفير الخدمات الضرورية لحياتهم اليومية والملحة لأن يعيشوا بكرامة وعدالة. وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للذين يستحقونها، بدلاً من المتاجرة فيها من قبل تجار الحرب في بورتسودان.
لماذا يدفع أبناء الولايات، التي يستهدفها الطيران الحرب لحكومة بورتسوان، وتحرمها من حقوقها الإنسانية والدستورية، تكاليف بقاء السودان موحداً؟ طالما أن هذه الحكومة غير الشرعية تدفع بعنف وإصرار لتمزيق وحدة البلاد!، وما هي قيمة الوحدة الوطنية، التي تزهق أرواح عشرات الملايين من مكونات بعينها؟ وطالما أن هنالك خمس ولايات فقط، بإدارة مواطنيها أو بغيرها، غير مباليين، بهموم وآهات بقية الإقليم، فلينفصلوا هم إن أرادوا ويتركوا الآخرين وشأنهم.
وليس هناك ما هو أغلى من أرواح الأبرياء، والحفاظ عليها، وحقن دماء أبناء الشعب السوداني مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها والوحدة الوطنية القسرية. لذا نرى أن تشكيل حكومة مدنية في المناطق المحررة والتي هي الآن خارج سيطرة الجيش، وهي المناطق التي لا تعني شيئا لحكومة بورتسودان الانقلابية، ضرورة حياتية، ويعتبر التقاعس عنه، أو التردد فيه حماقة، وخذلان في حق عشرات الملايين المستهدفين، من قبل الحكومة العنصرية في بورتسودان، وجيشها القاتل.
المنوط بالحكومة المدنية المرتقبة، توفير خدمات التربية والتعليم، وخدمات السجل المدني والأوراق الثبوتية، وفتح معابر تجارية لتصدير المنتجات واسترداد كافة الضروريات المنقذة للحياة، وطباعة عملة وطنية مبرأة للذمة، استباقاً للكارثة الاقتصادية التي تلح في الأفق، ونزع الشرعية من حكومة بورتسودان التي تصر على استمرار الحرب، وترفض كافة النداءات الوطنية الدولية للجلوس للتفاوض بشأن وقف الحرب وإحلال السلام في البلاد، وتقول أنها مسعدة لمواصلة الحرب مائة عام!
وطالما أن هنالك صراع بين قوتين عسكريتين، فليكن هنالك تنازع بين حكوميتين، لتتعادل الكفتتين، وربما يسرع ذلك إيجاد حلول للحكومتين، لكن لا ينبغي أن تتوقف حياة أغلبية الشعب السوداني، من أجل خاطر الحفاظ على وحدة البلاد، التي لم يحرص عليها دعاة الحرب.
ولا نظن أن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة في الخرطوم، ستضر بوحدة البلاد، أكثر حرب كسر العظام الدائرة حالياً، وتأجيج نيران خطاب الكراهية الممنهجة، من دعاة دويلة النهر والبحر، الذين يعادون كافة مكونات البلاد، يرفضون المساواة بين مكوناتها!
ليس هناك ما يمكن خسارته، من تشكيل حكومة موازية مرتقبة بالخرطوم، حتى إن لم يعترف بها أحد، يكفي أن المأمول منها، فك ارتهان مصير غالبة مكونات الشعب السوداني، لمزاج ورعونة حكومة بورتسودان غير المسؤولة. ومما لا شك فيها أن الأوضاع الإنسانية في ليبيا واليمن، وحتى جمهورية أرض الصومال، أفضل ألف مرة منها في معظم أرجاء البلاد. تمزيق وحدة السودان المسؤول عنه حكومة بورتسودان بإجراءاتها التعسفية وقائد الجيش، الذي أعلن على رؤوس الأشهاد، استهداف حواضن قوات الدعم السريع، ويظل يمطرهم بالبراميل المتفجرية بشكل يومي.
وفي الحقيقة، فإن حكومة بورتسودان المعزولة دولياً، قد مزّقت وحدة البلاد فعلياً، بالتصعيد المنتظم من قبلها بشأن اتخاذ إجراءات مست جوهر قومية الدولة السودانية، وأن تشكيل الحكومة المدنية المرتقبة ما هو إلا تحصيل حاصل.
والغريق لا يخشى البلل.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 181//