سودانايل:
2025-01-31@05:04:43 GMT

معضلة الترتيبات الأمنية

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

المقال الأسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط
معضلة الترتيبات الأمنية
فيصل محمد صالح
مع اقتراب بداية عملية التفاوض بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أيّاً كان المنبر الذي يتم التفاوض فيه، فإن قضية الترتيبات الأمنية ومستقبل الجيوش المتعددة والميليشيات والحركات المسلحة ستبقى القضية الأصعب والأكثر تعقيداً.


في بداية الثورة الشعبية التي أسقطت النظام السابق كان هناك شعار بسيط وواضح تتفق عليه القوى كلها، التي شاركت في الثورة، «العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وهي دعوة واضحة لابتعاد العسكر عن العمل السياسي وعودتهم لممارسة مهامهم المحددة في الدستور والقوانين، مع الحفاظ على وحدة القوات المسلحة عبر حل «قوات الدعم السريع»، التي تتم تسميتها شعبياً «الجنجويد». وهو شعار رفضته قيادة الجيش وقيادة «الدعم السريع» أيضاً، ويا لسخرية الأقدار.
البساطة لم تكن في الشعار فقط، وإنما في إمكانية تنفيذه في ذلك الوقت، فقد كان المطروح، والممكن في الوقت نفسه تنفيذ ذلك بطريقة سلمية وبترتيبات متفق عليها، يتم عبرها حل «قوات الدعم السريع» عبر عملية الدمج والتسريح المعروفة دولياً، التي تم تنفيذها في السودان أكثر من مرة، بطرق ووسائل مختلفة. كانت التجربة الأولى التي تم تطبيقها هي عملية دمج وتسريح قوات حركة «أنيانيا» في جنوب السودان، التي كانت تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية، وذلك بعد اتفاقية سلام أديس أبابا عام 1972. وقد تم تطبيق العملية أكثر من مرة بعد ذلك عبر اتفاقات متفرقة مع الحركات التي كانت تحمل السلاح في دارفور ومناطق أخرى.
الوضع الآن ليس كما كان، تعقدت الأمور، ومرت مياه ومياه تحت الجسر، وفوقه أيضاً، صارت هناك جيوش متعددة، وتدور حرب كبيرة، وداخلها حروب صغيرة، حدث انقسام كبير في المجتمع السوداني، وتوسّعت التدخلات الإقليمية والداخلية.
مع انخراط القوات والميليشيات المتعددة في الحرب، صارت هناك مواقف متشنجة وعدائية تجعل أطرافاً لا تقبل بأطراف أخرى، وترفض أن يتم التعامل معها بالتساوي، وحتى داخل الكتلة الواحدة فإن اختلاف التصورات قد يؤدي لتناقض في المواقف. فقد صرّح رئيس حركة «تحرير السودان» مني أركو مناوي مرة بأنهم يريدون مقعداً لهم في منبر التفاوض: «فنحن جيش وهم جيش». وربما تظهر مواقف أخرى من «كتائب الحركة الإسلامية»، المتحالفة مع الجيش، قد تصل لرفض مبدأ التفاوض. وفي داخل «قوات الدعم السريع» هناك كتلة القوات الرسمية، ثم هناك مجموعات قبلية انضمت لها خلال الحرب، ومن الممكن أيضاً أن تبرز لها مواقف تختلف مع مواقف «قوات الدعم السريع»، مثلما هو حادث الآن مع الجنرال جلحة الذي دخل في ملاسنات مع بعض قادة «الدعم السريع» قد تقود لانشقاقه.
بهذه الصورة فإن أمر ووضع قوات الجيش و«قوات الدعم السريع» وكيفية التعامل معها ضمن اتفاقات وقف إطلاق النار والاتفاق المتوقع لفصل القوات، رغم صعوبته، سيبدو ممكناً بالاسترشاد بتجارب إقليمية ودولية مماثلة، مثلما حدث في ورش الاتفاق الإطاري، التي ناقشت الإصلاح الأمني والعسكري، ووضعت أساساً يمكن استنساخه ومن ثم تعديله.
الصعوبة الحقيقية ستكون في مناقشة وضع الحركات المسلحة والميليشيات المتعددة، خصوصاً إذا قامت بفك ارتباطها بالطرف المتحالفة معه، وبالتالي يستلزم الوضع مناقشتها في جلسات منفصلة. بالنسبة إلى الحركات المسلحة التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فإن هناك اتفاقاً موقعاً للترتيبات الأمنية ناقش بالتفصيل عملية دمج وتسريح القوات والجدول الزمني لذلك، وحتى آليات تحديد حجمها وتسليحها. لكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق في حينه؛ لأن ذلك لم يكن من أولويات المكون العسكري (الجيش، والدعم السريع)، حيث كانت الأولويةُ الانقلابَ على القوى المدنية واتخاذ هذه الحركات حليفاً مرحلياً حتى انتهاء هذه المهمة. المتوقع الآن أن هذا الاتفاق القديم لم يعد صالحاً للتطبيق، وأنه يحتاج تعديلاً يستوعب التطورات الجديدة، ومن ضمن ذلك أيضاً توقعات قيادات هذه الحركة بمكافأتهم على وقوفهم مع قيادة الجيش في معاركها السياسية والعسكرية. ثم هناك أيضاً ميليشيات تكونت خلال الحرب في شرق السودان، وربما مناطق أخرى تنتظر لحظة ما للإعلان عن نفسها ومطالبها.
التجارب السودانية السابقة في تسريح ودمج القوات والميليشيات لن تكفي وحدها في معالجة الوضع المعقد وغير المسبوق الذي تعيشه الدولة السودانية حالياً، لذلك لا بد من توسيع آفاق الحوار منذ الآن، والنظر في التجارب الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك الاستعداد لتبني رؤى جديدة تتجاوز الكليشيهات ونماذج المؤسسات القديمة التي ثبت أنها عاجزة عن التعامل مع واقع التعدد والتنوع السوداني.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟

 

دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة، حقق خلالها الجيش السوداني انتصارات كبيرة و«سريعة» في وسط البلاد، بينما يتراجع «الدعم السريع» بوتيرة متسارعة، بدأت بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم عمليات العاصمة الخرطوم التي استعاد خلالها الجيش مقر قيادته العامة، ومناطق «حاكمة»، خصوصاً في أم درمان والخرطوم بحري.

التغيير ــ وكالات

وأثارت «انسحابات الدعم السريع» المتسارعة أسئلة عدة؛ من بينها: هل «قواته» دخلت «مرحلة الانهيار»، أم إن ما حدث كان نتيجة «اتفاق غير معلن» يهيئ طاولة التفاوض عبر «السماح» بتحسن «موقف الجيش التفاوضي»، أم هل اختارت قيادة «الدعم» التراجع عن الانتشار الواسع «تكتيكياً» لتقليل خسائرها أمام الجيش الذي عزز قواته وجدد تسليحه؟
بدأت عمليات الجيش لاسترداد مناطق استراتيجية وسط البلاد، باستعادة منطقة جبل موية الحاكمة لـ3 ولايات: النيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، في أكتوبر الماضي، وبعد ذلك، استجمع مع حلفائه قوتهم، ووجهوها نحو مدينة ود مدني، واستعادوها في 11 يناير  الحالي «دون قتال يُذكر»، وقالت «قوات الدعم السريع» إنها «انسحبت»، بينما قال الجيش إنه دخل المدينة «عنوة»، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة «الدعم» على المدينة الاستراتيجية «دون قتال» أيضاً.

ومهدت عملية استعادة ود مدني لعمليات الخرطوم بحري، ووصول جيوش أم درمان وشمال الخرطوم بحري، إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة الواقعة تحت حصار «الدعم السريع» منذ بداية الحرب.

بدأت العملية في 26 سبتمبر  الماضي بعبور القوات الآتية من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وسرّعت عملياتها بعد استرداد مدينة ود مدني.
وفوجئ الناس السبت الماضي بالجيش يعلن عبور جسر النيل الأزرق ويصل إلى مقر «القيادة العامة»، وبالقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يخاطب جنوده «المحاصرين» داخل «القيادة العامة»، معلناً فك الحصار عنها وعن مقر «قيادة قوات سلاح الإشارة»، وقرب «تحرير» الخرطوم من قبضة «الدعم السريع».

بث الجيش مقاطع فيديو من داخل «القيادة العامة» و«قيادة قوات سلاح الإشارة»، ومع ذلك نفت «قوات الدعم» بشدة «فك الحصار» عن «القيادة العامة»، وعدّت فيديوهات الجيش دعايةً حربيةً، معلنة أن قوات محدودة «تسللت»، وأنه ليس هناك «التحام» للجيوش، ونشرت، الاثنين، مقاطع فيديو من على جسر «المك نمر» باتجاه الخرطوم، ومن جسر «كوبر» باتجاه الخرطوم بحري، ومن جسر «توتي» قرب النيل الأزرق، وقالت إنها لا تزال تسيطر على مواقعها، وإن «إمداداً» كبيراً وصل إليها لتشديد الحصار على المناطق المذكورة.

كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ«قوات الدعم» من مناطق جديدة في الخرطوم، وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه «قوات الدعم» بإصرار، بينما تتضارب المعلومات الصادرة عن الطرفين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.

وفي تحليله أوضاع ما بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة «انهيار الدعم السريع»، وعدّ، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأمر «مجرد عمليات كرّ وفرّ»، وأضاف: «سيطرة أي من الطرفين ستكون وقتية، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة».
وأكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تنتهي إلا بـ«التفاوض» الذي يوقف إطلاق النار، ويؤدي إلى الفصل بين القوات، وأضاف: «السلاح منتشر في كل جهات البلاد بيد الأفراد والميليشيات. ومع وجود مجموعات تسعى إلى الانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، فلن تنتهي الحرب»، وتابع: «وجود السلاح بيد الناس خارج القانون ووجود نيات انتقامية، يصعبان عودة الناس إلى مناطقهم. لذلك؛ فلن تقف الحرب إلا بإرادة قوية، وليس بأمنيات».

ودعا اللواء المتقاعد طرفَي الحرب إلى العودة للتفاوض «والذهاب إلى جدة (بالسعودية) لمناقشة الإشكالات المترتبة على الحرب». كما دعا القوى السياسية المدنية إلى الاجتماع من أجل وقف «الشقاق» الوطني «الذي تعيشه البلاد، ويهدد وجودها»، وأضاف: «ما لم تتوحد القوى السياسية، فلن يكون هناك سلام».

وأرجع تراجع «الدعم السريع» إلى ما سماه «إنهاك طرفَي الحرب»، وقال إن نتيجته هي «عمليات الكرّ والفرّ» التي أشار إليها سابقاً، وأضاف: «الجيش والميليشيات الموالية له، حتى لو استردوا الخرطوم، فهذا لا يعني السلام. والحرب قد تمتد لأكثر من 20 عاماً، ولا يمكن حسمها عسكرياً».

واستبعد المحلل السياسي، محمد لطيف، افتراض «انهيار (قوات الدعم السريع)»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوصف الدقيق أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره غير دقيق، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك؛ من الصعب الحديث عن بداية انهيار».
وفي سياق الاحتمالات التي حددها لطيف لتفسير الأوضاع، أشار إلى «أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين… والتحول السريع في طبيعة السيطرة من دون مواجهات عسكرية، يعزز من فرضية الاتفاق».

لطيف قال إن «انسحابات (الدعم السريع)» جاءت «منظمة» دون أن يتعرض لمطاردات أو ملاحقات؛ مما يعزز فرضية «الاتفاق غير المعلن»، وتابع: «أيضاً غابت الحملات الإعلامية المعتادة حال سيطرة طرف على مناطق جديدة بعرض فيديوهات الضحايا والأسرى والغنائم؛ مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو التفوق العسكري للجيش».

ورجح لطيف أن تكون «انسحابات (الدعم) تكتيكية يريد عبرها إعادة تموضعه في مناطق محددة تكفيه شر الانتشار الواسع والمسؤولية المترتبة على قدراته وحركته».

نقلاً عن الشرق الأوسط ــ أحمد يونس

الوسوماتفاق الجيش الخرطوم الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يقترب من استرداد القصر الرئاسي .. قال إنه صدّ هجوماً كبيراً شنته «الدعم السريع» في شمال كردفان
  • سودان تربيون: الدعم السريع تنقل عتادًا ثقيلًا من ليبيا إلى دارفور
  • مقتل القائد بالدعم السريع جلحة.. بسلاح الجيش أم ببندقية أهله؟
  • الجيش يشن هجومًا على الدعم السريع في محيط أم روابة غربي البلاد
  • وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات
  • مصادر رسمية تكشف للجزيرة نت خطة الدعم السريع العسكرية
  • الجيش السوداني يقترب من القصر الرئاسي وسط انسحابات مستمرة لقوات الدعـ ـم السريع
  • بالفيديو..ياسر العطا من غرفة سيطرة العمليات يعلق على دخول الجيش مدينة بحري ويتوعد بملاحقة قوات الدعم السريع في هذه المناطق
  • السودان: قصة ناجٍ من الموت بين مطرقة الدعم السريع وسندان الجيش 
  • معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟