المقال الأسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط
معضلة الترتيبات الأمنية
فيصل محمد صالح
مع اقتراب بداية عملية التفاوض بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أيّاً كان المنبر الذي يتم التفاوض فيه، فإن قضية الترتيبات الأمنية ومستقبل الجيوش المتعددة والميليشيات والحركات المسلحة ستبقى القضية الأصعب والأكثر تعقيداً.
في بداية الثورة الشعبية التي أسقطت النظام السابق كان هناك شعار بسيط وواضح تتفق عليه القوى كلها، التي شاركت في الثورة، «العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وهي دعوة واضحة لابتعاد العسكر عن العمل السياسي وعودتهم لممارسة مهامهم المحددة في الدستور والقوانين، مع الحفاظ على وحدة القوات المسلحة عبر حل «قوات الدعم السريع»، التي تتم تسميتها شعبياً «الجنجويد». وهو شعار رفضته قيادة الجيش وقيادة «الدعم السريع» أيضاً، ويا لسخرية الأقدار.
البساطة لم تكن في الشعار فقط، وإنما في إمكانية تنفيذه في ذلك الوقت، فقد كان المطروح، والممكن في الوقت نفسه تنفيذ ذلك بطريقة سلمية وبترتيبات متفق عليها، يتم عبرها حل «قوات الدعم السريع» عبر عملية الدمج والتسريح المعروفة دولياً، التي تم تنفيذها في السودان أكثر من مرة، بطرق ووسائل مختلفة. كانت التجربة الأولى التي تم تطبيقها هي عملية دمج وتسريح قوات حركة «أنيانيا» في جنوب السودان، التي كانت تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية، وذلك بعد اتفاقية سلام أديس أبابا عام 1972. وقد تم تطبيق العملية أكثر من مرة بعد ذلك عبر اتفاقات متفرقة مع الحركات التي كانت تحمل السلاح في دارفور ومناطق أخرى.
الوضع الآن ليس كما كان، تعقدت الأمور، ومرت مياه ومياه تحت الجسر، وفوقه أيضاً، صارت هناك جيوش متعددة، وتدور حرب كبيرة، وداخلها حروب صغيرة، حدث انقسام كبير في المجتمع السوداني، وتوسّعت التدخلات الإقليمية والداخلية.
مع انخراط القوات والميليشيات المتعددة في الحرب، صارت هناك مواقف متشنجة وعدائية تجعل أطرافاً لا تقبل بأطراف أخرى، وترفض أن يتم التعامل معها بالتساوي، وحتى داخل الكتلة الواحدة فإن اختلاف التصورات قد يؤدي لتناقض في المواقف. فقد صرّح رئيس حركة «تحرير السودان» مني أركو مناوي مرة بأنهم يريدون مقعداً لهم في منبر التفاوض: «فنحن جيش وهم جيش». وربما تظهر مواقف أخرى من «كتائب الحركة الإسلامية»، المتحالفة مع الجيش، قد تصل لرفض مبدأ التفاوض. وفي داخل «قوات الدعم السريع» هناك كتلة القوات الرسمية، ثم هناك مجموعات قبلية انضمت لها خلال الحرب، ومن الممكن أيضاً أن تبرز لها مواقف تختلف مع مواقف «قوات الدعم السريع»، مثلما هو حادث الآن مع الجنرال جلحة الذي دخل في ملاسنات مع بعض قادة «الدعم السريع» قد تقود لانشقاقه.
بهذه الصورة فإن أمر ووضع قوات الجيش و«قوات الدعم السريع» وكيفية التعامل معها ضمن اتفاقات وقف إطلاق النار والاتفاق المتوقع لفصل القوات، رغم صعوبته، سيبدو ممكناً بالاسترشاد بتجارب إقليمية ودولية مماثلة، مثلما حدث في ورش الاتفاق الإطاري، التي ناقشت الإصلاح الأمني والعسكري، ووضعت أساساً يمكن استنساخه ومن ثم تعديله.
الصعوبة الحقيقية ستكون في مناقشة وضع الحركات المسلحة والميليشيات المتعددة، خصوصاً إذا قامت بفك ارتباطها بالطرف المتحالفة معه، وبالتالي يستلزم الوضع مناقشتها في جلسات منفصلة. بالنسبة إلى الحركات المسلحة التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فإن هناك اتفاقاً موقعاً للترتيبات الأمنية ناقش بالتفصيل عملية دمج وتسريح القوات والجدول الزمني لذلك، وحتى آليات تحديد حجمها وتسليحها. لكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق في حينه؛ لأن ذلك لم يكن من أولويات المكون العسكري (الجيش، والدعم السريع)، حيث كانت الأولويةُ الانقلابَ على القوى المدنية واتخاذ هذه الحركات حليفاً مرحلياً حتى انتهاء هذه المهمة. المتوقع الآن أن هذا الاتفاق القديم لم يعد صالحاً للتطبيق، وأنه يحتاج تعديلاً يستوعب التطورات الجديدة، ومن ضمن ذلك أيضاً توقعات قيادات هذه الحركة بمكافأتهم على وقوفهم مع قيادة الجيش في معاركها السياسية والعسكرية. ثم هناك أيضاً ميليشيات تكونت خلال الحرب في شرق السودان، وربما مناطق أخرى تنتظر لحظة ما للإعلان عن نفسها ومطالبها.
التجارب السودانية السابقة في تسريح ودمج القوات والميليشيات لن تكفي وحدها في معالجة الوضع المعقد وغير المسبوق الذي تعيشه الدولة السودانية حالياً، لذلك لا بد من توسيع آفاق الحوار منذ الآن، والنظر في التجارب الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك الاستعداد لتبني رؤى جديدة تتجاوز الكليشيهات ونماذج المؤسسات القديمة التي ثبت أنها عاجزة عن التعامل مع واقع التعدد والتنوع السوداني.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم
أفادت مصادر سودانية، اليوم الاثنين، بسيطرة الجيش السوداني على محطة 13 بشرق النيل وتقدمه ضد قوات الدعم السريع واقترابه من جسر المنشية الرابط بين وسط الخرطوم ووسط محلية شرق النيل.
وأوضحت مصادر عسكرية أن الجيش أحرز تقدما في أحياء عدة بشرق النيل، فيما قال مصدر مطلع في قوات "درع السودان" التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، إن الجيش والقوات المساندة له اقتربت من الوصول إلى الناحية الشرقية من جسر المنشية.
وأضاف المصدر أن السيطرة على الجسر باتت مسألة وقت، وأن قوات الدعم السريع بدأت في الانسحاب، "ولم يتبق منها سوى قناصة يتخندقون في بعض البنايات، ويجري التعامل معهم".
كما قال مصدر عسكري للجزيرة، إنّ الجيش تقدم في أحياء عدة بشرق النيل من بينها أحياء النصر، والهدى، ومرابيع الشريف، إلى جانب تقدمه نحو حي القادسية.
وكان مصدر ميداني قال للجزيرة، إن الجيش سيطر على المحطة رقم 13 بشرق النيل، واقترب من جسر المنشية، في حين أظهرت صور بثها سلاح المدرعات بالجيش السوداني اقتراب وحداته من وسط العاصمة الخرطوم.
وقد تعهد قائد منطقة الشجرة العسكرية وسلاح المدرعات في الجيش اللواء نصر الدين عبد الفتاح لدى تفقده دفاعات الجيش بجسر الحرية الرابط بين وسط الخرطوم وجنوبها، "بتحقيق النصر" والوصول إلى القصر الجمهوري وجزيرة توتي خلال شهر رمضان.
إعلانبدورها، قالت الخارجية السودانية إن القوات المسلحة تتقدم في جميع المحاور توطئة لبسط السلام والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.
من جهتها، أفادت غرفة طوارئ شرق النيل، بولاية الخرطوم في وقت سابق، بأن تصاعد الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى نزوح آلاف الأسر السودانية من مدينة شرق النيل، شمالي العاصمة الخرطوم.
وأشارت غرفة الطوارئ إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءا، بسبب تكدس السكان في مناطق النزوح، تزامنا مع دخول شهر رمضان، ما يجعل الحاجة ملحة لتوفير الملاجئ الآمنة والغذاء والماء والرعاية الطبية لأصحاب الأمراض المزمنة.
كما ناشدت الغرفة المنظمات الإنسانية والجهات ذات الصلة بضرورة المساهمة الفورية، وتقديم الدعم الإنساني العاجل.
مواجهات الفاشروفي الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أعلن الجيش السوداني أن عشرات من الدعم السريع سقطوا بين "قتيل وجريح" في 4 غارات شنها بمحيط المدينة.
وكان إعلام الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش بمدينة الفاشر قال أمس الأول، إن ما سماها المليشيا استهدفت بالمسيّرات والمدافع عددا من المواقع بالمدينة، من بينها حيي أبو جَربون "دون وقوع خسائر".
وأوضح إعلام الجيش أن قيام قوات الدعم السريع بقصف الفاشر يأتي بعد أن "منيت بخسائر" بمناطق ودَعة ودارالسلام جنوبي وغربي الفاشر، حسب البيان.
كما أضاف أن الجيش أوقع خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الدعم السريع القادمة من مدينتي نِيالا بولاية جنوب دارفور، والضِعين بولاية شرق دارفور القادمة "بغرض الهجوم على الفاشر".
وتسيطر قوات الدعم السريع على 4 ولايات في إقليم دارفور (غرب) من أصل 5 ولايات، في حين تخوض اشتباكات ضارية مع الجيش في مدينة الفاشر التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات الإقليم.
ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدّر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
إعلانوتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.