سودانايل:
2024-09-08@09:02:30 GMT

معضلة الترتيبات الأمنية

تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT

المقال الأسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط
معضلة الترتيبات الأمنية
فيصل محمد صالح
مع اقتراب بداية عملية التفاوض بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أيّاً كان المنبر الذي يتم التفاوض فيه، فإن قضية الترتيبات الأمنية ومستقبل الجيوش المتعددة والميليشيات والحركات المسلحة ستبقى القضية الأصعب والأكثر تعقيداً.


في بداية الثورة الشعبية التي أسقطت النظام السابق كان هناك شعار بسيط وواضح تتفق عليه القوى كلها، التي شاركت في الثورة، «العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وهي دعوة واضحة لابتعاد العسكر عن العمل السياسي وعودتهم لممارسة مهامهم المحددة في الدستور والقوانين، مع الحفاظ على وحدة القوات المسلحة عبر حل «قوات الدعم السريع»، التي تتم تسميتها شعبياً «الجنجويد». وهو شعار رفضته قيادة الجيش وقيادة «الدعم السريع» أيضاً، ويا لسخرية الأقدار.
البساطة لم تكن في الشعار فقط، وإنما في إمكانية تنفيذه في ذلك الوقت، فقد كان المطروح، والممكن في الوقت نفسه تنفيذ ذلك بطريقة سلمية وبترتيبات متفق عليها، يتم عبرها حل «قوات الدعم السريع» عبر عملية الدمج والتسريح المعروفة دولياً، التي تم تنفيذها في السودان أكثر من مرة، بطرق ووسائل مختلفة. كانت التجربة الأولى التي تم تطبيقها هي عملية دمج وتسريح قوات حركة «أنيانيا» في جنوب السودان، التي كانت تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية، وذلك بعد اتفاقية سلام أديس أبابا عام 1972. وقد تم تطبيق العملية أكثر من مرة بعد ذلك عبر اتفاقات متفرقة مع الحركات التي كانت تحمل السلاح في دارفور ومناطق أخرى.
الوضع الآن ليس كما كان، تعقدت الأمور، ومرت مياه ومياه تحت الجسر، وفوقه أيضاً، صارت هناك جيوش متعددة، وتدور حرب كبيرة، وداخلها حروب صغيرة، حدث انقسام كبير في المجتمع السوداني، وتوسّعت التدخلات الإقليمية والداخلية.
مع انخراط القوات والميليشيات المتعددة في الحرب، صارت هناك مواقف متشنجة وعدائية تجعل أطرافاً لا تقبل بأطراف أخرى، وترفض أن يتم التعامل معها بالتساوي، وحتى داخل الكتلة الواحدة فإن اختلاف التصورات قد يؤدي لتناقض في المواقف. فقد صرّح رئيس حركة «تحرير السودان» مني أركو مناوي مرة بأنهم يريدون مقعداً لهم في منبر التفاوض: «فنحن جيش وهم جيش». وربما تظهر مواقف أخرى من «كتائب الحركة الإسلامية»، المتحالفة مع الجيش، قد تصل لرفض مبدأ التفاوض. وفي داخل «قوات الدعم السريع» هناك كتلة القوات الرسمية، ثم هناك مجموعات قبلية انضمت لها خلال الحرب، ومن الممكن أيضاً أن تبرز لها مواقف تختلف مع مواقف «قوات الدعم السريع»، مثلما هو حادث الآن مع الجنرال جلحة الذي دخل في ملاسنات مع بعض قادة «الدعم السريع» قد تقود لانشقاقه.
بهذه الصورة فإن أمر ووضع قوات الجيش و«قوات الدعم السريع» وكيفية التعامل معها ضمن اتفاقات وقف إطلاق النار والاتفاق المتوقع لفصل القوات، رغم صعوبته، سيبدو ممكناً بالاسترشاد بتجارب إقليمية ودولية مماثلة، مثلما حدث في ورش الاتفاق الإطاري، التي ناقشت الإصلاح الأمني والعسكري، ووضعت أساساً يمكن استنساخه ومن ثم تعديله.
الصعوبة الحقيقية ستكون في مناقشة وضع الحركات المسلحة والميليشيات المتعددة، خصوصاً إذا قامت بفك ارتباطها بالطرف المتحالفة معه، وبالتالي يستلزم الوضع مناقشتها في جلسات منفصلة. بالنسبة إلى الحركات المسلحة التي وقّعت اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فإن هناك اتفاقاً موقعاً للترتيبات الأمنية ناقش بالتفصيل عملية دمج وتسريح القوات والجدول الزمني لذلك، وحتى آليات تحديد حجمها وتسليحها. لكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق في حينه؛ لأن ذلك لم يكن من أولويات المكون العسكري (الجيش، والدعم السريع)، حيث كانت الأولويةُ الانقلابَ على القوى المدنية واتخاذ هذه الحركات حليفاً مرحلياً حتى انتهاء هذه المهمة. المتوقع الآن أن هذا الاتفاق القديم لم يعد صالحاً للتطبيق، وأنه يحتاج تعديلاً يستوعب التطورات الجديدة، ومن ضمن ذلك أيضاً توقعات قيادات هذه الحركة بمكافأتهم على وقوفهم مع قيادة الجيش في معاركها السياسية والعسكرية. ثم هناك أيضاً ميليشيات تكونت خلال الحرب في شرق السودان، وربما مناطق أخرى تنتظر لحظة ما للإعلان عن نفسها ومطالبها.
التجارب السودانية السابقة في تسريح ودمج القوات والميليشيات لن تكفي وحدها في معالجة الوضع المعقد وغير المسبوق الذي تعيشه الدولة السودانية حالياً، لذلك لا بد من توسيع آفاق الحوار منذ الآن، والنظر في التجارب الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك الاستعداد لتبني رؤى جديدة تتجاوز الكليشيهات ونماذج المؤسسات القديمة التي ثبت أنها عاجزة عن التعامل مع واقع التعدد والتنوع السوداني.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

البرهان في بكين ويطلب تصنيف الدعم السريع مجموعة إرهابية

طلب قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان -من المنتدى الصيني الأفريقي المنعقد ببكين اليوم الخميس- تصنيف قوات الدعم السريع "مجموعة إرهابية" والمساعدة في القضاء عليها.

وأكد البرهان في كلمته بالمنتدى المنعقد الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر/أيلول الجاري القول "إن كثيرا من الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع وما زالت ترتكبها صنفت كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" مشيرا إلى أن ما حدث بالجنينة في ولاية غرب دارفور غير بعيد عن الأذهان، حسب تعبيره.

ووصف قائد الجيش ما يتعرض له السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023 بأنه مؤامرة كبرى، وأشار إلى أن قوات الدعم السريع "هدفت بتمردها إلى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وخدمة أطماع قوى إقليمية".

وشدد الجنرال البرهان على أن كل ما يعانيه الشعب السوداني الآن ناتج عن تمرد هذه القوات التي أصبحت مهددة للأمن والسلم المحلي والإقليمي، وفق تعبيره.

خسائر بالجملة

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت نحو 18 ألفا و800 قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

وأكد البرهان أهمية التعاون الصيني الأفريقي في مواجهة التحديات والتقلبات السياسية والمطامع الدولية. ودعا الدول الأفريقية للعب دور إيجابي داعم لمساعدة السودان لتحقيق السلام والاستقرار، وإعادة النظر في تجميد عضويته بالاتحاد الأفريقي.

وقد تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، اليوم، بزيادة دعم بلاده للقارة الأفريقية المثقلة بالديون بتمويل يبلغ نحو 51 مليار دولار، ودعم المزيد من مبادرات البنية الأساسية وتعهد بإيجاد ما لا يقل عن مليون فرصة عمل.

ودعا شي إلى إنشاء شبكة بين الصين وأفريقيا تتضمن روابط برية وبحرية وتطويرا منسقا، وطلب من الشركات الصينية العودة إلى هذه القارة بعد رفع قيود "كوفيد-19" التي عطلت خططها.

مقالات مشابهة

  • تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتحذيرات للمواطنين
  • تجدد المواجهات بين الجيش والدعم السريع في الأُبيض غربي السودان
  • نزوح كثيف من الخرطوم بسبب تبادل القصف بين الجيش والدعم السريع
  • قتلى وإصابات في مواجهات بين قوات من الدعم السريع فيما بينها
  • اشتباكات عنيفة بالخرطوم بين الجيش والدعم السريع
  • البرهان: دول غير رشيدة تساعد الدعم السريع وتحيك مؤامرة ضد البلاد
  • أمام حشد دولي في الصين .. البرهان يطالب بتصنيف قوات الدعم السريع مجموعة إرهابية
  • البرهان في بكين ويطلب تصنيف الدعم السريع مجموعة إرهابية
  • البرهان يطالب بتصنيف الدعم السريع جماعة إرهابية
  • البرهان: نطالب بتصنيف الدعم السريع "مجموعة إرهابية"