هل ينزع طوفان الأقصى خاتم الألماس عن يد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
ارتبط الاقتصاد الإسرائيلي بالألماس منذ ما قبل القرن الـ19، وظلّ الألماس أحد الأعمدة الرئيسية لاقتصاد الحركة الصهيونية وإسرائيل، ومكوّنا رئيسيا في هوية اقتصادهما وتوسيع وتعزيز شبكة علاقاتهما، إذ تعدّ إسرائيل الآن من أهم مراكز تصنيع وتجارة الألماس عالميا، ويمر منها نصف هذه التجارة في العالم.
وفي العام 2022 كان الألماس السلعة الإسرائيلية الأكثر استيرادا والأكثر تصديرا، فما قصّة هذه العلاقة؟ وهل ينجح طوفان الأقصى في التأثير على هذا القطاع الذي حافظ على قوّته واستقراره لعقود ونجا من تبعات جائحة كوفيد-19 وآثار الحرب الروسية الأوكرانيّة في تقطع سلاسل الإمداد واضطراب السوق العالمي؟
عصا الألماس الصهيونيةتعود جذور علاقة اليهودي الأوروبي (الصهيوني الإسرائيلي لاحقا) بالألماس إلى القرون الوسطى، ولم تكن علاقة اختيارية، بل أُجبر عليها نتيجة حظره من العمل في مختلف المهن والحرف والأعمال، وهو حظر لم يشمل قطاع الألماس.
ومن خلال هذه العلاقة، نجح يهود أوروبا في مراكمة الثروات وتضخيم مركزهم المالي حينها، وزاد نشاطهم في الألماس بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، وساهمت تجارته بشكل رئيسي في تمويل المنظمة الصهيونية ومخططاتها وأنشطتها.
ونتيجة لحملات ضغط استمرت سنوات بقيادة أهارون زفي موتز، نجح اليهود عام 1936 في إقناع سلطات الانتداب البريطاني بفلسطين في رفع كافة القيود والجمارك عن الألماس، مما مهّد الطريق أمام ازدهار هذا القطاع على أرض فلسطين، فبات أحد الأعمدة الرئيسية لقيام دولة إسرائيل عام 1948 وقوّتها الاقتصادية لاحقا.
وفي سنة 1937، مباشرة بعد رفع القيود والجمارك، بدأ يوسف نادل باستيراد الألماس نصف النهائي عن طريق البريد من بلجيكا، وأسس سام معاد مشغلًا لصقل الألماس في تل أبيب، وشيّد كلّ من زفي روزنبرغ وآشر داسكل أوّل مصنع للألماس في "بيتح تكفا"، وتأسس "نادي الألماس" في غرفة بمنزل عكيفا آري فايس.
ودأبت الصهيونية منذ تأسيسها على استخدام سياسات العصا والجزرة لدفع اليهود إلى الهجرة والاستيطان في فلسطين، وفي كثير من الأحيان كانت النازية عصًا توظفها الصهيونية وتدعمها لأجل ذلك، وفي بعض الأحيان كانت هذه العصا مرصّعة بالألماس.
ففي الحرب العالمية الثانية اعتمد التصنيع العسكري في ألمانيا النازية بشكل رئيسي على الألماس الذي يوفّر حوافّ حادة وصلبة لازمة لتصنيع الأسلحة المتطورة ومحركات الطائرات والطوربيدات والدبابات والرادارات والإلكترونيات والمدافع، وكان الحفاظ على إمداد الألماس من أهم أهداف أدولف هتلر اللوجيستية.
وساهمت الصهيونية من خلال كبرى شركات الألماس الاحتكارية في الحفاظ على إمداده لألمانيا.
استمرت العلاقة المركّبة والمثيرة للجدل بين شركة دي بيرز الاحتكارية وإسرائيل إلى اللحظة الحالية، إذ تشتري دي بيرز من شركات إسرائيلية الخدمات والاستشارات الأمنية لتأمين مناجم الألماس التابعة لها وخاصة في جنوب أفريقيا وبوتسوانا.
ولا تقتصر علاقة إسرائيل بالألماس الأفريقي على تقديم الخدمات الأمنية لشركة دي بيرز، فمنذ اكتشاف مناجم الألماس الأفريقية دأبت شركات الألماس الإسرائيلية على تعزيز احتكاراتها وهيمنتها عليها، ويهمين أباطرة الألماس الإسرائيليون على المناجم في الكونغو والكاميرون وسيراليون وأنغولا وليبيريا وساحل العاج وغينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وتنزانيا وجنوب السودان.
وشغّلت الشركات الإسرائيلية العمالة الأفريقية في ظروف قريبة من السخرة والعبودية، وانتهكت القوانين الدولية والإنسانية، واستخدمت سياسة الألماس مقابل السلاح في علاقتها مع الأنظمة الفاسدة والعصابات المسلحة الأفريقية، لهذا لا تعكس المؤشرات التجارية والاقتصادية الكميّة حقيقة وحجم تجارة الألماس الإسرائيلية.
ولأجل استدامة الطلب الأفريقي على السلاح، سعت الشركات الصهيونية إلى تأجيج الصراعات والاقتتالات الداخلية وافتعال الحروب الأهلية مثل الحرب الأهلية في الكونغو والحرب الأهلية في سيراليون، ودعمت أنظمة الحكم الأفريقية الفاسدة المعادية لشعوبها، وموّلت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
الهند وإسرائيلوالألماس أوّل سلعة تم تبادلها بين الهند وإسرائيل، وتُشكّل تجارته الآن نصف حجم التجارة البينية، ويمثّل حجر الأساس لتطوّر العلاقة بين البلدين التي بدأت بالعداء حين كانت الهند بزعامة حزب المؤتمر معادية للصهيونية وداعمة لحركات التحرر ولقضية الفلسطينيين، وانتهت بتورط الهند في الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وتضم بورصة الألماس الإسرائيلية في رامات غان نحو 30 شركة هندية، ويعيش في محيطها حوالي 80 شخصا يمثلون معظم العائلات الهندية التي تعمل بالألماس، ومنحتهم دولة الاحتلال مكانة خاصّة. فمنذ عام 2018 حصلوا على إقامات دائمة لهم ولعائلاتهم، ومُنحوا امتيازا لتمديد تأشيرات السفر مرة كل 3 سنوات بدل مرة كل سنتين، وتضم رامات غان فرعا لبنك الدولة الهندي "إس بي آي"، وهو البنك الأجنبي الوحيد الموجود فيها.
وشهدت العلاقة بين البلدين التي بدأت بالألماس، تطورًا مستمرا خاصة بعد سيطرة حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني الفاشي ذي التوجهات الاقتصادية الليبرالية المتطرفة، لتشمل علاقات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية وأمنية وعسكرية وشراكات على مستوى الابتكار وريادة الأعمال.
يضاف إلى ذلك المشاريع الجيوسياسية الإقليمية والدولية مثل مشروع "الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي" الذي يقع ميناء حيفا في مركزه، وساهمت الهند مؤخرا في تطوير مسيّرات "هيرميس 900" وغيرها من الأسحلة الإسرائيلية، مما يجعلها متورطة في جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
قبل الطوفان وبعدهواجهت تجارة الألماس عالميًا في السنوات الأخيرة صدمتين، الأولى في فترة جائحة كوفيد-19 وأثرها في تعطل التجارة الدولية والانخفاض الحاد في الطلب، والثانية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من انقطاع سلاسل الإمداد بما فيها سلاسل إمداد الألماس.
غير أنّ تجارة الألماس الإسرائيلية استطاعت الخروج من هذه الصدمات من دون أضرار تذكر. لكنْ مع اندلاع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما تبعه من جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، تلقى قطاع الألماس في إسرائيل -أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي والصهيونية تاريخيا- صدمة قوية.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (شهر بعد الطوفان) انخفضت واردات إسرائيل من الألماس الخام إلى الربع، وانخفضت صادراتها بمعدل 68.16% مقارنة مع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وذلك للأسباب التالية:
تعطّل سلاسل الإمداد عقب تعطل ممرات التجارة البحرية السابقة عبر باب المندب، وارتفاع الكلفة والآجال الزمنية للشحن والنقل للطرق البديلة. عزلة إسرائيل دوليا وجماهيريا، ويمكن تتبع وقياس ذلك على المستوى الرسمي من مواقف وتصريحات الدول والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ونتائج التصويت على قرار العضوية الدائمة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وعلى المستوى الجماهيري من حجم واتساع الاحتجاجات والمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية واتساع رقعة الانتفاضة الطلابية. تضرر صورة إسرائيل أمام العالم كدولة قوية وعقلانية وأخلاقية وظهورها بوصفها دولة فشلت في التحدي العسكري والأمني والاستخباراتي أمام طوفان الأقصى والجبهات المساندة، وبوصفها دولة غير عقلانية وفاقدة للتوازن الإستراتيجي والخطوات المحسوبة، ودولة غير أخلاقية وعنصرية وتمارس الإبادة الجماعية، مما سيزيد من عزلتها الدولية ويؤثر سلبًا في قدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية وبناء الشراكات التجارية، هذا إن لم تتحوّل إلى بيئة اقتصادية طاردة للاستثمار. الأزمة الاقتصادية التي ضربت كافة قطاعات الاقتصاد في إسرائيل نتيجة التكاليف المباشرة وغير المباشرة للحرب، وآثارها في مختلف المؤشرات الاقتصادية، وانعكاس ذلك على انخفاض التصنيف الائتماني العالمي لإسرائيل. تأثير طوفان الأقصى في تعطيل مخططات جيوإستراتيجية واسعة مثل مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي.مع اندلاع عملية طوفان الأقصى تلقى قطاع الألماس في إسرائيل -أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي والصهيونية تاريخيا- صدمة قوية
ولن تنتهي الآثار الاقتصادية للأسباب المذكورة في المنظور القريب، بل تتخذ طبيعة إستراتيجية بعيدة المدى، الأمر الذي يضع العديد من المخاطر العالية أمام قطاع الألماس الإسرائيلي، الذي يعتمد في معظمه على العلاقة مع الهند والدول الأفريقية المحتضنة لمناجم الألماس، ومن أهم هذه المخاطر:
تقلّص حجم تجارة الألماس البينية مع الهند، خاصة وأنّ بعض شركات الألماس الهندية شرعت في بداية العام الجاري (2024) في تصميم إستراتيجيات تسويقية لا توجد إسرائيل في مركزها. منع الشركات الإسرائيلية من العمل في بعض الدول الأفريقية بعد القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وبعد قرار 5 دول أفريقية في الثامن من مايو/أيار الجاري وقف شحن البضائع إلى إسرائيل، في سياق صحوة أفريقية متصاعدة منذ سنين نحو استعادة السيادة على الموارد والتخلّص من تركة الاستعمار.وفي ضوء السياقات والمخاطر المعروضة يكتسب هذا السؤال معقوليته ومشروعيته: هل ينجح الطوفان في نزع خاتم الألماس عن اليد الصهيونية؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الإبادة الجماعیة تجارة الألماس طوفان الأقصى الألماس ا
إقرأ أيضاً:
صحيفة: حماس فاجأت إسرائيل والوسطاء بشرط جديد في مفاوضات غزة
قالت صحيفة الشرق الأوسط، إن حركة حماس فاجأت، على الأرجح، الوسطاء وإسرائيل بشكل خاص، بشرط وضعته ضمن الرد الذي قدمته الجمعة حول المقترح الأميركي المقدم إليها بخصوص وقف النار وتبادل الأسرى في غزة .
ونقلت الصحيفة عن مصادر فلسطينية، بأن هذا الشرط يتعلق بالسماح بعودة سكان قطاع غزة الذين غادروه قبل وخلال وبعد فترة الحرب الإسرائيلية التي استمرت 15 شهراً قبل أن يتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي.
ووفق الصحيفة، فإنه لا ينص اتفاق وقف النار المعلن في حينه على فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين ضمن تاريخ محدد، وتم فقط تحديد اليوم السابع من تطبيق الاتفاق لفتحه لخروج الحالات الإنسانية من الجرحى والمرضى من داخل قطاع غزة إلى الخارج لتلقي العلاج، في حين تم ربط إعادة فتح المعبر بشكل كامل بتقدم مفاوضات المرحلة الثانية التي لم تبدأ وما زالت هناك خلافات بشأنها.
وتقول مصادر من «حماس» للصحيفة، إن ما اشترطته الحركة في ردها يعد طبيعياً في ظل محاولات إسرائيل وأميركا لتشجيع الهجرة من القطاع إلى خارجه، مشيرة إلى أن «قيادة الحركة في كل محطة من المفاوضات لم تتجاهل ذلك وكانت في كل مرة تدقق في كل نقطة بالاتفاق الموقع».
وبينت أن الحركة تنبهت لزيادة محاولات إسرائيل في تشجيع الهجرة من غزة بطرق مختلفة منها من خلال اتصالات قام بها عناصر المخابرات الإسرائيلية على السكان وغير ذلك من الخطوات المتخذة مؤخراً التي تم رصدها من قبل أجهزة أمن «حماس».
اقرأ أيضا/ نتنياهو يوعز باستمرار المفاوضات مع حمـاس بناء على مقترح ويتكوف
ولفتت المصادر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حاول في الآونة الأخيرة التدخل وفرض شرطاً على المسافرين من المرضى والجرحى عبر معبر رفح للتوقيع على أوراق فيما يبدو أنها بهدف التعهد بعدم العودة إلى قطاع غزة.
وفي العادة يتم تجهيز قوائم الدفعات من المرضى والجرحى عبر وزارة الصحة بغزة بمتابعة من منظمة الصحة العالمية وجهات أخرى، ويتم نقلها إلى إسرائيل لفحصها، وبعد الحصول على الموافقة الأمنية لهم وللمرافقين، يتم السماح لهم بالسفر وفق ترتيبات محددة، عبر معبر رفح البري الذي تنتشر به قوات من الشرطة التابعة للحكومة الفلسطينية في رام الله ، وعناصر بعثة مراقبة أوروبية، فيما تتابع قوات إسرائيلية كل ما يحدث في المعبر عبر الكاميرات الأمنية التابعة لها، ويجري تواصل مباشر مع أفراد البعثة الأوروبية.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوات الإسرائيلية دفعت الحركة لتقديم خطوة اشتراطها لفتح المعبر في كلا الاتجاهين لضمان عدم نجاح المخططات الهادفة لتهجير وتفريغ السكان من القطاع لصالح تنفيذ مشاريع إسرائيلية بالسيطرة على بعض المناطق.
وبيّنت أن هناك عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة يعيشون ظروفاً صعبة في العديد من الدول بالخارج، ويريد بعضهم العودة إلى القطاع، وهذا أحد الأسباب التي تدفع الحركة «لتحمل مسؤولياتها تجاههم خاصة أنهم تركوا القطاع بفعل الحرب والملاحقة الإسرائيلية للسكان من مكان إلى آخر»، بحسب المصادر ذاتها.
ولا توجد أرقام واضحة لأعداد السكان الغزيين الذين غادروا من معبر رفح البري قبيل سيطرة إسرائيل عليه وإغلاقه في مايو (أيار) 2024، إلا أن الأعداد تقدر أنها وصلت إلى ما يزيد على 80 ألف حالة، بينها عائلات بأكملها.
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين 90 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى مصادر لسوا : المجلس المركزي لفتح ينعقد بعد 20 أبريل المقبل المجلس الوطني: التصعيد الدموي في غزة وارتكاب المجازر إمعان في حرب الإبادة الأكثر قراءة مقرر أممي: فكرة الترحيل الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة "مجرد خيال" مقتل شابين في جريمتي إطلاق نار بزيمر وكفر قرع داخل أراضي 48 وكانت غزة أكبر كثيراً..! عن حماس وواشنطن عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025