تحتفل الكنيسة المارونية في الثاني من آب المقبل بتطويب البطريرك اسطفان الدويهي الذي حمل في قلبه وعقله بلده لبنان ومد جسور التلاقي بين أبنائه ، وسار على طريق القداسة ، فكانت سيرته مكللة بعبقها. وهو الذي عرف بألقاب عدة من " مجد لبنان والموارنة" إلى " عظيم الأمة المارونية " و"ذهبي الفم الثنائي " .
البطريرك الدويهي الذي يطوب في ذكرى ميلاده هو البطريرك السابع والخمسين للكنيسة المارونية وكان كاتبا ومناضلا وفيلسوفا ومعلما وعالما، وتميز بصلابته واندفاعه وشجاعته وذكائه وقبل ذلك بأيمانه الكبير ، وهو الذي طلب الشفاء من مريم العذراء بعدما أصيب بالعمى ، فتحققت اعجوبة شفائه وكرس حياته لأجلها.


ليس مستغربا حمله لقب"النسر المحلق"، لأنه كان كذلك طيلة حياته ، والتاريخ يشهد على أن البطريرك المكرم تفوق في دراساته وفي فقهه الأمور واستبسل في وجه الطغيان.
في الرابع عشر من آذار الفائت أعلن قداسة البابا فرنسيس رسميا قرار تطويبه وذلك بصدور مراسيم دائرة قضايا القديسين اثناء الاستقبال الذي حظي به الكاردينال مارسيليو سيميرارو عميد مجمع القديسين وابلاغه الموافقة على الأعحوبة المنسوبة إلى شفاعة الدويهي . وكانت لجنة الأطباء المكلفة من مجمع القديسين في حاضرة الفاتيكان وافقت بالإجماع في آذار من العام ٢٠٢٣ على اعتبار الشفاء بشفاعة البطريرك الدويهي اعجوبة تمت مع السيدة روزيت زخيا كرم التي كانت تعاني من مرض لا دواء له .
ويروي الاب بولس قزي طالب دعوى تطويب البطريرك الدويهي ل " لبنان ٢٤" أن الطوباوي تميز بالحكمة وبعد النظر، وقاوم الأحتلال العثماني وكانت له مواقف بطولية في محطات عدة رافضا حملات الاضطهاد التي تعرض لها البطاركة الموارنة ، ويؤكد أنه نسج علاقات طيبة مع أهالي منطقة الشوف ولاسيما مع الطائفة الدرزية، وكان واعظا ،وطور مفهوم الليتورجيا وادخل تصحيحات في مفهوم المارونية ،ومكث في حلب وروما وعاش حياة قداسة وساهم في تأسيس مدارس لطائفة السريان الكاثوليك وتنقل بين ودادي قنوبين وغوسطا ومجدل المعوش ، وقد طلب أن يدفن في وادي قنوبين .
وشكز قزي "البطريرك الماروني مار بشارة الراعي على تنسيقه دعوى التطويب مشيرا الى أن البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير عمل لهذه الغاية، ولم يهدأ بال أبناء اهدن وزغرتا لأتمام الأمر ،وفق قول الأب قزي.

ويقول رئيس المركز الكاثوليكي للأعلام الاب عبدو ابو كسم إن تطويب البطريرك الدويهي هو علامة رجاء وامل للمسيحيين المدعوين إلى عدم الاستسلام والهجرة والخوف ، فلطالما كانوا منارة الشرق ، معلنا أن التطويب هو علامة من علامات الأزمنة للمسيحيين خاصة في لبنان وفي زمن الضيق وغياب الحلول، ويجب عليهم إلا يخافوا وإن يكونوا مثل حبة الحنطة، ففي الحرب العالمية الأولى تمت إبادة ثلثي المسيحيين والبعض الآخر تضور جوعا .
ويشير إلى أن لبنان أرض القداسة والإيمان منذ السبعينيات مع القديس شربل والقديسة رفقا والقديس نعمة الله الحرديني ، داعيا الجميع إلى الصلاة وإن يكونوا على مثال البطريرك المكرم الذي جاهد من أجل الكنيسة والى التمسك بتقاليدنا وايماننا وكنيستنا.
وهذا الحدث الكبير في لبنان هو محور اهتمام اللبنانيين الذين ينظرون بكثير من الأمل إلى هذا التطويب في بلد يعاني ما يعانيه .ومدينة اهدن مسقط رأس المكرم
على موعد مع الأحتفال بهذا الحدث، كما غيرها من المناطق اللبنانية، وبكركي تحديدا تشهد تطويب البطريرك الدويهي في احتفالية تعكس الرجاء الذي ينشده أبناء هذا الوطن . المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: البطریرک الدویهی

إقرأ أيضاً:

كيف نحول الأزمات إلى فرص واعدة!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يواجه الإنسان منذ نعومة أظفاره التحديات والعقبات التي يجد نفسه مُحاطًا بها من كل صوب، وهناك من يرى تلك التحديات أكبر منه ويستسلم لها ويعيش حياة يسودها الحزن والخضوع للأمر الواقع، ويصبح أسيرًا للهواجس والأفكار والوساوس الشيطانية التي تقتلع كيانه وتفكيره، وبالتالي تتحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق.

وليس ما يُسيطر على مخاوفنا ونخاف منه أمرا حقيقيا؛ بل في كثير من الأحيان ما ذلك إلّا أوهام رسمناها لأنفسنا وتخيلناها ومنحناها كل وقتنا وجل تفكيرنا. وعلى الرغم من ذلك، لا نبحث عن حلول واقعية أو أساليب علمية للخروج من المأزق الذي اخترناه لأنفسنا، ونعتبره بكل أسف من الحقائق الأزلية والقدر الذي لا يمكن الهروب منه بأي حال من الأحوال!

صحيحٌ أن هناك من الأشخاص الذين يدركون مع مرور الأيام تلك الدروس القاسية التي دفعوا فيها أثمانًا باهظة من حياتهم، وخاصةً سنوات الشباب التي تُعد أفضل سنوات العمر، وفي بداية المشوار يكون الأمر صعبًا، نظرًا لقلة الخبرة وعدم الإدراك بأن هناك ذئابًا بشرية همُّها الأول هو أن ترى تقويض نجاح الآخرين ومحاولة نشر الإحباط والفشل بكل الطرق لأقرب الناس، خاصة الأصدقاء الذين يُنظر لهم على أنهم منافسون مفترضون.

لا شك أننا نحتاج إلى إرادة وقوة وتفسير منطقي للحياة والبشر من حولنا، وقبل ذلك تحليل الأحداث والوقائع التي نتعرض لها بشكل دائم، وعلى وجه الخصوص الذين أجبرتنا الظروف على أن نتعامل معهم؛ سواء في المنزل أو المدرسة أو حتى في العمل. نحن في كثير من المواقف مُجبرين على التعامل مع أُناس قد يكونون السبب في تعاستنا، لكوننا قد أحسنَّا الظن بهم، على الرغم من أنهم قد تحولوا إلى أداة خطرة علينا. وربما يكون هذا هو قدرنا في هذه الحياة الصعبة التي قدمنا إليها دون أن يكون لنا قرار في ذلك؛ فهناك من الفلاسفة والعلماء الذين يُجزمون بأنَّ الإنسان مُسيَّرٌ في شيئين وهما: ولادته وموته. وتلك أقدار إلهية لا دخل للمخلوق فيها، ولكونه في نفس الوقت- أي الإنسان- مُخيَّر في حياته في هذه الدنيا في ما بين الولادة والموت من قرارات، هُنا تظهر مساحة واسعة لكي نتخذ القرارات السليمة التي توصلنا إلى النجاح في الدنيا وحسن الخاتمة في الآخرة. كل ذلك يحدث من خلال العقل والتفكير السليم، الذي هو عبارة عن كرم من الله للإنسان الذي خصه عن غيره من المخلوقات بتلك الكنوز والتميز، لكي ينجح ويُعمِّر الأرض ويعبد الخالق ويفوز في الدنيا والآخرة إذا عمل صالحًا.

يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار" (آل عمران: 191).

والسؤال المطروح الآن: كيف نُغيِّر مسار الأحداث في حياتنا ونحول الأزمات إن وجدت إلى فرص واعدة؟!

لا شك أنَّ الإرادة والعقل الراجح السليم كفيلين بتغير المعادلة، وقبل ذلك كله النظرة الإيجابية الثاقبة للأمور التي تعتمد على التفاؤل الذي يصنع المعجزات، الذي هو عكس النظرة التشاؤمية القاتلة التي تقضي كل شيء إيجابي في هذه الدنيا؛ بل وتدمر طرق النجاح التي يمكن لنا الولوج إليها لتحقيق طموحاتنا وراحة البال بعيدا عن النكد والمعاناة، فإذا نظرنا بإمعان وتدبُّر إلى تعريف الأزمة في الثقافة الصينية منذ آلاف السنين مثلًا، نجدها عبارة عن كلمتين مركبتين (Ji-Wet) الأولى بمعنى خطر، والثانية تشير إلى الفرصة التي يمكن استثمارها وتحويلها إلى مفهوم إيجابي ومكسب، بعد زوال الخطر والسيطرة على المشاكل التي سبق أن تحولت بمرور الأيام إلى أزمة حقيقة.

وفي الختام.. الحياة لا تخلو من المشاكل والمؤامرات التي يحيكها البعض من أصحاب النفوس الخبيثة الذين يسعدهم أن يروا المصائب على وجوه الآخرين، ولمواجهة ذلك بحزم ونجاح؛ نحتاج إلى إخلاص وإيمان بالله وبالقدر خيره وشره، والصفح عن الأخطاء والعفو عند المقدرة عن الناس، والأهم من ذلك كله القناعة بكل ما قسمه الله لنا من أرزاق ومحن في بعض الأحيان، فتلك هي مفاتيح السعادة؛ وجواز سفر للعبور إلى بر الأمان لمن يُريد منَّا التخلص من الأزمات والكوارث سوى ما كان منها حقيقيا أو ما تخيلناه في أذهاننا واكتشفنا لاحقاً أنه لا يعدو ذلك أنه كوابيس وأحلام مزعجة تعمل على زلزلة مقومات الحياة والطمأنينة في نفوسنا ومن تحت أقدامنا.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • معلومات... هذا الهدف الذي سيقصفه العدوّ الإسرائيليّ في الضاحية
  • غبطة البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق يشارك في صلوات وداع قداسة البابا فرنسيس
  • كيف نحول الأزمات إلى فرص واعدة!
  • البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق يشارك في صلوات وداع قداسة البابا فرنسيس
  • أستراليا تحتفل بتأسيس جريدة سفير الشمال بحضور سياسي رسمي
  • هل سيرأس البطريرك الراعي القداس غدا؟
  • الكنيسة والمشهد اللبناني في غياب البابا فرنسيس: دعم قوي لعون والطائف
  • الرئيس عون من روما: لبنان سيبقى منارة للقيم الإنسانية رغم جراحه
  • الرئيس عون من روما: وجودي هنا اليوم لأجدد التأكيد على الدور الروحي والرسالي الذي يحمله لبنان
  • العبسي في رسالة تعزية بالبابا: دافع عن المحتاجين والمهمّشين