مرت السلطة الشرعية بمراحل انتكاس كثيرة بسبب قراراتها الخاطئة، لكنها اليوم في الموقف الأكثر كارثية على الإطلاق منذ بداية الحرب ضد مليشيا الحوثي، والسبب في ذلك أنها اتخذت القرار الخاطئ لإلغاء القرار الصائب.

منذ أواخر مايو الماضي وحتى منتصف يوليو الجاري، أقدم محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي على إصدار أهم القرارات التي كان يفترض أن تصدرها السلطة الشرعية منذ نقلت العاصمة إلى عدن في 2015.

لم يحدث أن التف اليمنيون حول قرار للحكومة الشرعية في حربها ضد المليشيا الانقلابية مثلما التفوا حول قرارات البنك المركزي، ولم يخرجوا في مظاهرات ومسيرات شعبية لتأييد قرار حكومي باستثناء قرارات البنك. وقد ألهمت هذه القرارات مؤسسات حكومية أخرى لتفعيل قرارها السيادي في وجه المليشيا الانقلابية، كالخطوط الجوية اليمنية ومؤسسة الاتصالات، وكان يمكن أن تتوسع دائرة تفعيل القرار السيادي في كافة مؤسسات الدولة لتشكل طوقا محكما حول رقبة المليشيا، بما في ذلك المؤسسة العسكرية في حال أقدم الحوثي على تنفيذ تهديده بالعودة إلى الحرب.

خلال الشهرين الماضيين عاش الشعب اليمني حلماً جميلاً تمثل بتفعيل القرار السيادي للسلطة الشرعية التي سبق أن اتخذت عشرات القرارات الخاطئة في مسار استعادة الدولة ومؤسساتها من قبضة المليشيا الحوثية التي أظهرت خلال الـ10 السنوات الماضية وجهها الحقيقي كمليشيا إمامية فاقدة للانتماء الوطني في أبسط صوره وأشكاله، وتقدّم مصلحة إيران على المصلحة العامة للشعب. أفاق هذا الشعب صباح الـ23 من يوليو الجاري على قرار كابوسي بقبول إلغاء قرارات البنك المركزي. الأمر الذي اعتبره مراقبون خيبة أمل شديدة المرارة للشعب الذي علق آماله على قيادة البنك المركزي ومن ورائه الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.

ثمن باهظ وتداعيات كارثية

يُجمع المراقبون على أن التداعيات الكارثية لإلغاء قرارات البنك لا تتمثل فقط في ضعف الموقف الحكومي أمام المليشيا الحوثية، بل تمتد إلى الثمن الباهظ الذي دفعه المواطنون في المناطق المحررة خصوصا. فخلال الشهرين الماضيين دفع المواطنون ثمنا باهظا لقرارات البنك من خلال تحمّلهم انهيار قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأخرى وبخاصة الدولار الأمريكي والريال السعودي. لكنهم رغم انهيار القدرة الشرائية لمداخيلهم ومدخراتهم المالية كانوا يهتفون لاستمرار البنك في اتخاذ المزيد من القرارات لإنقاذ القطاع المصرفي من العبث الحوثي. 

واليوم بعد إلغاء القرارات تحول الثمن الباهظ الذي دفعوه إلى نتائج عكسية وتداعيات كارثية تتمثل في بقاء سعر صرف الريال عند أقرب نقطة للمستوى الذي وصل إليه أثناء المعركة الاقتصادية. وحتى صباح السبت 27 يوليو وصل سعر صرف الريال 1893 للدولار و494 للريال السعودي. ومع ذلك لا يزال سعر العملة الوطنية متأرجحاً ولا يبشر بأي استقرار.

مؤشرات العملة الوطنية

بدأ الانهيار الكبير المصاحب لقرارات البنك المركزي منذ الخميس 30 مايو الماضي، حيث سقط سعر الريال فجأة من 1750 للدولار مساء 29 مايو إلى 1765 ريالاً مساء الخميس، بنقص 15 ريالا دفعة واحدة أمام الدولار.

وتدل مؤشرات التذبذب في سعر العملة الوطنية بين أواخر مايو وأواخر يوليو الجاري على حجم التلاعب بسعر العملة الوطنية، فعندما كان مجلس القيادة الرئاسي متمسكا بإنفاذ قرارات البنك استمر الريال في الانهيار المريع.

ويكشف تذبذب سعر الصرف من يوم لآخر خلال فترة سريان قرارات البنك، يكشف حجم الضغوط التي مورست على مجلس القيادة وإدارة البنك للتراجع عن هذه القرارات. حيث كان سعر الريال مساء السبت 20 يوليو، 1899 للدولار و496 للريال السعودي، وصباح الأحد 21 يوليو وصل الانهيار إلى 1920 ريالا للدولار و500 أمام الريال السعودي. وفي مساء نفس اليوم استمر الانهيار إلى 1927 للدولار و502 للسعودي. وفي مساء الاثنين، أي الليلة التي أبلغت فيها الحكومة المبعوث الأممي بتراجعها عن قرارات البنك، عاد سعر الصرف إلى 1920 للدولار و500 للسعودي، وفي مساء الثلاثاء تراجع سعر الصرف إلى 1893 للدولار و494 للسعودي. لكن مساء الأربعاء 24 يوليو شهد الريال انهيارا آخر وصل إلى 1903 للدولار و497 للسعودي. 

وتجدر الإشارة إلى أنه في نفس يوم الأربعاء نفذ البنك المركزي في عدن مزاداً بقيمة 16 مليوناً و92 ألف دولار بسعر 1884 للدولار الواحد!!

ومن الملاحظ أن سعر الريال أمام الدولار والريال السعودي في المناطق المحررة يتأرجح بين صعود وهبوط يوما بيوم، خاصة منذ إعلان إلغاء قرارات البنك المركزي، ويمكن إلقاء نظرة في الجدول التالي على هذا التأرجح المخل بتوازن الحياة في المناطق المحررة في غضون أسبوع واحد فقط:

اليوم سعر الصرف صباحا سعر الصرف مساء

السبت 20/7/2024 1904 للدولار

496 للريال السعودي

 1899للدولار

496 للسعودي

الأحد 21/7/2024 1920 للدولار

500 للسعودي 1927 للدولار

502 للسعودي

الاثنين 22/7/2024 1921 للدولار

499 للسعودي 1920 للدولار

500 للسعودي

الثلاثاء 23/7/2024 1920 للدولار

500 للسعودي 1893 للدولار

494.5 للسعودي

الأربعاء 24/7/2024 1904 للدولار

496 للسعودي 1903 للدولار

497 للسعودي

الخميس 25//7/2024 1904 للدولار

496 للسعودي 1893 للدولار

494.5 للسعودي

الجمعة 26/7/2024 1904 للدولار

496 للسعودي 1902 للدولار

495.5 للسعودي

السبت 27/7/2024 1893 للدولار

494 للسعودي 1902 للدولار

495.5 للسعودي

الحوثي يفوز بالجائزة

في الوقت الذي ينهار فيه الريال في المناطق المحررة، تستمر مليشيا الحوثي في تثبيت سعر صرف الريال في مناطق سيطرتها عند مستوى يتراوح بين 532 و524 بحسب ما تفرضه من قرارات على البنوك وشركات الصرافة. وهو الأمر الذي يثير تساؤلات شعبية ساخطة عن سبب عجز السلطة الشرعية في تثبيت سعر الريال أمام العملات الأجنبية في المناطق المحررة. وفيما كانت السلطة الشرعية بصدد فرض قيود على الرحلات الجوية من مطار صنعاء بسبب احتجاز المليشيا للطائرات الأربع، منحها الاتفاق المشؤوم امتياز استئناف الرحلات بزيادة رحلتين إلى جانب الرحلة اليومية التي كانت تقلع إلى الأردن فقط، كما منحها امتياز تسيير رحلات إلى القاهرة والهند "يوميا أو بحسب الحاجة"!

نصوص واضحة وصريحة وتراعي حاجة المليشيا كما تراها هي لا كما يراها المبعوث الأممي، هانس جروندبرج الذي سعى لدى السعودية وسلطنة عمان لفرض هذا الاتفاق على مجلس القيادة الرئاسي. وفي مقابل النصوص الواضحة لصالح مليشيا الحوثي، أحيلت المشكلات الإدارية والفنية والمالية لشركة الخطوط الجوية اليمنية إلى "اجتماعات" غير محددة ولا ملزمة للمليشيا الحوثية. أما القضايا الاقتصادية والإنسانية فأحالها الاتفاق إلى "اجتماعات" مجهولة أيضاً بناءً على "خارطة الطريق" المتعثرة.

ويرى مراقبون، أن هذا الاتفاق يذكّر باتفاق استوكهولم 2018 واتفاق الهدنة 2022 اللذين حصل بموجبهما الحوثيون على امتيازات لم يكونوا يحلمون بها، فيما أحيلت القضايا المتعلقة بالسلطة الشرعية والمواطنين في المناطق المحررة إلى "اجتماعات" لم تؤدِ إلى نتيجة، بما فيها ملف فتح الطرقات المغلقة في تعز والمحافظات الأخرى.

في النهاية حصلت المليشيا الحوثية على أكثر مما كانت تتوقعه من تهديد زعيمها بالعودة إلى مربع الحرب، فيما لم تحصل السلطة الشرعية سوى على بند يتيم ينص صراحة على التزام المليشيا الحوثية بعدم تهديد استئناف تصدير النفط والغاز، وإعادة سعر صرف العملة الوطنية في المناطق المحررة حتى إلى قيمتها قبل القرارات المغدورة.

وفي حين بررت الحكومة تراجعها عن قرارات البنك المركزي بمراعاة "الظروف الإنسانية الصعبة للشعب اليمني في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، وعملاً بمبدأ المرونة في إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية والمصرفية الشاملة"، خرج الناطق باسم المليشيا محمد عبد السلام للتصريح بأن هذا الاتفاق تم بين جماعته وبين السعودية مباشرة وليس مع مجلس القيادة الرئاسي!

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: مجلس القیادة الرئاسی قرارات البنک المرکزی فی المناطق المحررة الملیشیا الحوثیة السلطة الشرعیة العملة الوطنیة سعر الریال سعر الصرف سعر صرف

إقرأ أيضاً:

خيبة أمل إسرائيلية.. الشاباك وقع في ثلاثة إخفاقات أمنية

مع استمرار تورّط الاحتلال الإسرائيلي في العدوان الجاري على غزة ولبنان، تتواصل الانتقادات الداخلية الموجهة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، كونها وقعت في العديد من الإخفاقات المتلاحقة، خلال الشهور الأربعة عشر الماضية، ما يستدعي العمل على إجراء تحقيقات مفصّلة فيها، والحيلولة دون سقوطها كلياً، مع تصاعد التهديدات المحيطة بدولة الاحتلال.

وركّزت الكاتبة في صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية،  سارة هعتسني كوهين، في حديثها عن إخفاقات الأجهزة الأمنية على جهاز الأمن العام- الشاباك، معتبرة أنّ: "حالة التآكل التي يعيشها ليس بسبب آلة سموم متخيلة معادية له في الأوساط الحكومية، بل بسبب الإخفاقات، والطرق السيئة التي يلجأ إليها"، مشيرة إلى: "الإخفاق الأول الأخطر المتمثل في فشله في التصدي لعملية السابع من أكتوبر".

وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أنه "حتى قبل تشكيل لجنة التحقيق التي ستحقق في النقاط الرئيسية لما حصل في ذلك الهجوم، فإنها سوف تشير لمفاهيم السياسة الانتحارية التي قادت الدولة إلى هذه الكارثة".

"لأن الفشل الواضح في ذلك الهجوم أتى من الناحية العملية، فقد فشل الشاباك في قراءة الواقع في قطاع غزة، وفشل في تفعيل عناصره البشرية من الجواسيس والعملاء، واعتمد أكثر من اللازم على التكنولوجيا، وتجاهل كل المؤشرات الأولية قبل الهجوم" بحسب المقال نفسه.


وأردفت بأنه: "رغم أن رئيس الشاباك، رونين بار، هو الذي حذر المستوى السياسي من الحرب بعد شروع الحكومة في تنفيذ الانقلاب القانوني، لكنه نفسه لم يستعد للهجوم، ولم يهيّئ الجهاز تحت قيادته، رغم أنه في ليلة السادس والسابع من أكتوبر، رأى كل المؤشرات الواردة من غزة، لكنه مع ذلك لم يفعل ما يكفي لإثارة كل الأنظمة الأمنية، وبنى المتحمّسون للمؤامرة نظريات بعيدة المنال، في حين أن الواقع أبسط بكثير ويتمثل بوجود فشل مهني عميق لجهاز الشاباك".

وأوضحت أن: "جهاز الشاباك بات عقب تنفيذ عملية حماس "سفينة مفقودة"، تطفو في هذه الأثناء على سطح الماء، وتتمتع برأس المال البشري المذهل، والإنجازات الماضية، لكن البلل فيها واضح بالفعل، بسبب الإخفاقات والطرق السيئة التي يلجأ إليها الجهاز وقادته مرة أخرى، مما يكشف عن فشل مهني وقيمي، أدّى لتآكل ثقة الجمهور فيه، بسبب قلة احترافيته".

وأضافت أن: "الفشل الثاني للشاباك تمثّل أخيرا في محاولته دخول اللعبة السياسية الذي قد يكسره، خاصة عقب فشله بحماية رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، من الهجوم على بيته بالقنابل الضوئية في قيسارية"، مرددة: "صحيح أن الحادث انتهى دون وقوع إصابات، لكنه لم يكن مفاجئا، ولا يحتاج الشاباك لذكاء بشري أو تكنولوجي لرؤية تدهور الاحتجاج ضد الحكومة".


وأكدت أنه: "قبل أسبوع من حادث قيسارية، ألقت الشرطة القبض على متظاهر في القدس المحتلة وبحوزته قنابل ضوئية في حقيبته، كان ينوي إعطاءها لمتظاهرين آخرين لإطلاقها على منزل نتنياهو، ويضاف هذا لحوادث خطيرة وقعت في الماضي مثل محاولات اختراق الحواجز القريبة من منزله".

ووفق المقال نفسه، قد "نشر قفل بوابته، مما يطرح التساؤلات المشروعة: أين الشاباك، وما الذي ينتظره بالضبط، ولماذا لا توجد اعتقالات وقائية، ولا معلومات استخباراتية، ولا حتى ذرة دافع للتحرك ضد هذه الظواهر الخطيرة؟".

وأضافت أن: "الفشل الثالث للشاباك هو قضية الوثائق المتعلقة بالناطق باسم رئيس الحكومة، إيلي فيلدشتاين، صحيح أنه ليس لدي معلومات غير ما تم نشره، لكن عندما يتم احتجاز المشتبه به، الذي ليس قنبلة موقوتة، ولا مشتبهًا به في جريمة قتل، لأسابيع في أقبية الشاباك، وحرمانه من الاجتماع مع شخص ما، بمن فيهم المحامي، فهذا استخدام غير مقيد لوسائل وصلاحيات الشاباك، والجمهور يراقب، ويطرح الأسئلة، والخلاصة أن الإسرائيليين يخسرون الشاباك، المكلف بحمايتهم من الأخطار".

مقالات مشابهة

  • خيبة أمل إسرائيلية.. الشاباك وقع في ثلاثة إخفاقات أمنية
  • «بحوث الصحراء» يشارك في معرض الوادي الجديد الزراعي لتعزيز التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر
  • مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل 3 قرارات لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
  • عاجل - قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 21 نوفمبر 2024
  • قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الريال السعودي اليوم مقابل الجنيه المصري
  • عاجل | آخر تطورات أسعار الريال السعودي في مصر.. قرار مصيري من البنك المركزي
  • أسامة حماد: قرارات الحكومة منتهية الولاية تهدد الاستقرار الإداري في ليبيا
  • عاجل - اجتماع البنك المركزي: قرارات حاسمة قادمة بشأن سعر الفائدة وتأثيرها على الأسواق
  • اقتصاد الإخوان.. كيف أسقطت قرارات الجماعة مصر في فخ الفشل؟
  • حماد: قرارات الجهات منتحلة السلطة معيبة وخارجة عن مبدأ الشرعية