أحمد ياسر يكتب: ما وراء "تحصين ترامب".. أعداء الناتو الحقيقيون
تاريخ النشر: 28th, July 2024 GMT
كانت فكرة أن حلف شمال الأطلسي يعمل على "تحصين" ترامب بنفسه، أطروحه لازمة شائعة قبل وبعد القمة التاريخية التي عقدت الأسبوع الماضي لزعماء الحلفاء في واشنطن في الذكرى الخامسة والسبعين.
لكن فكرة "تحصين ترامب" من قبل الناتو مضللة: فالتهديد الأكبر للحلف هو فلاديمير بوتين، وليس دونالد ترامب... كانت الجهود التي بذلها الحلفاء لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي "تحصين بوتين" هي النتيجة الرئيسية لقمة واشنطن، وأعلن الحلفاء أيضًا عن إجراءات للتعامل مع التهديد المتزايد لأمنهم من بكين.
لكي نكون واضحين، ترامب هو عامل في مستقبل الناتو، وإذا عاد إلى منصبه في نوفمبر من العام الجاري، فإن سياساته "أمريكا أولا" قد تؤدي إلى إبطال الكثير من جهود إدارة بايدن لتعزيز الأمن عبر الأطلسي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وقد هدد ترامب بتقليص وجود القوات الأمريكية في أوروبا، والحد من تبادل المعلومات الاستخباراتية مع حلفاء الناتو، وعقد صفقة مع روسيا بشأن أوكرانيا، وحتى خفض مستوى الضمانة الأمنية الأساسية بموجب المادة 5 من حلف شمال الأطلسي لأولئك الذين يفشلون في دفع "فواتيرهم".
ومن غير المؤكد إلى حد كبير ما إذا كان ترامب سيتابع أيًا من هذه الإجراءات أم لا نظرًا لمدى عدم القدرة على التنبؤ به، وقد أطلق الرئيس ترامب تهديدات مماثلة خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، ولكن في الممارسة العملية، عززت سياساته قوة الردع الأمريكية في أوروبا.
وكما نصح كبار الجمهوريين قادة الناتو: خذوا ترامب على محمل الجد، وليس حرفيا.
مثل هذه العوامل ستشكل مستقبل الناتو أكثر من ترامب، والأهم هو عودة النزعة الانتقامية الروسية، والذي يتخذ شكل شهية فلاديمير بوتين التي لا يمكن كبتها لاستعادة مجال نفوذ روسيا في محيطها القريب.
وأدت وجهة نظر بوتين إلى محاولته غزو أوكرانيا في عام 2022 بعد العديد من المحاولات الفاشلة على مر السنين لإبقاء كييف في فلك موسكو، وقد أدى ذلك إلى اندلاع أول حرب واسعة النطاق في أوروبا منذ عام 1945، وكانت مخاطر هذه الحرب أكثر وضوحًا بالنسبة لشعب أوكرانيا، ولكن كثيرين يشكون في أن بوتين قد يتوقف في كييف إذا حقق النصر هناك. وحتى مع تعثر القوات الروسية في أوكرانيا، يحذر القادة الأوروبيون ومسؤولو دفاع الناتو من أن موسكو قد تكون مستعدة لمهاجمتهم خلال ثلاث إلى خمس سنوات.
ومن ناحية أخرى، تشتد حدة "الحرب الهجين" التي تشنها روسيا على حلفائها في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك أعمال التخريب والقرصنة والتضليل.
إذن كيف ساعدت قمة واشنطن حلف شمال الأطلسي في "مقاومة بوتين"؟
أولًا، وافق الحلفاء على حزمة جديدة من الدعم لأوكرانيا تتألف من ثلاثة عناصر: العضوية، والمهمة، والمال، وفيما يتعلق بالعضوية، اتفق الحلفاء على أن أوكرانيا أصبحت الآن على "طريق لا رجعة فيه"، ولإدارة هذه الرحلة، اتفق الحلفاء على مهمة جديدة لإدارة دعمهم لأوكرانيا من داخل هياكل الناتو.
ويتكون هذا من ثلاثة أجزاء: قيادة جديدة مقرها ألمانيا لتنسيق المساعدات والتدريب، ومركز جديد للتعاون العملي بين حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا في بولندا، ومبعوث كبير جديد لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، باتريك تورنر.
ولتمويل المهمة، وافق الحلفاء على تعهد طويل الأمد بتقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا لضمان الحفاظ على مستويات التمويل الحالية (ما لا يقل عن 43 مليار دولار سنويًا، مقسمة بشكل متناسب بين الحلفاء) والبقاء مستدامًا.
كما تم الإعلان عن عدة حزم مساعدات قصيرة الأجل، بما في ذلك «العشرات» من أنظمة الدفاع الجوي، وتسليم طائرات إف-16 بحلول الصيف، وتعهدات أخرى من كندا والمملكة المتحدة ودول أخرى.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين يعتقدون أن القمة كان من الممكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك، إلا أن أندريه يرماك، رئيس أركان زيلينسكي، قال: "يمكننا أن نرى أن التحالف قد اتخذ خطوات حقيقية إلى الأمام…أعتقد أن المحطة التالية هي أن أوكرانيا بحاجة إلى تلقي الدعوة”.
المهمة والمال يضمنان أن "الجسر" إلى العضوية المذكور في الإعلان هو أكثر من مجرد استعارة، وسوف تعمل على تعزيز المؤسسة العسكرية الأوكرانية وقابلية التشغيل البيني حتى تتمكن القوات الأوكرانية عندما يحين الوقت السياسي من الاندماج بسلاسة في حلف شمال الأطلسي -تمامًا كما فعلت فنلندا والسويد.
ثانيًا، ساعدت قمة واشنطن في تعزيز قوة الردع والدفاع لدى حلف شمال الأطلسي، وتعزيز هذه القوى يساعد أوكرانيا أيضًا، حيث يسمح للحلفاء بدعم كييف دون خوف من الانتقام الروسي، لقد اتفق قادة الحلفاء لأول مرة على إصلاح نظام الردع والدفاع لديهم قبل عامين في مدريد لتقديم مفهومهم الاستراتيجي الجديد، وفي واشنطن، قام زعماء الناتو بتقييم التقدم الذي أحرزوه من أجل تقديم "أكبر تعزيز لدفاعنا الجماعي منذ جيل واحد".
أسفرت القمة عن تقدم في أربعة مجالات بالغة الأهمية لتعزيز قوة الردع والدفاع لدى حلف شمال الأطلسي، وخاصة بين الحلفاء الأوروبيين: المال، والقوة القتالية، والقدرات، والتعاون، وأشار الحلفاء إلى أن استثمارات الحلفاء غير الأميركيين زادت بنسبة 18% هذا العام - وهي أكبر زيادة سنوية منذ عقود - واتفقوا على إنفاق المزيد، لكنهم تجنبوا الالتزام بهدف جديد يتجاوز نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي المتفق عليها في عام 2014.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 اخبار فلسطين غزة الشرق الأوسط الخليج العربي الصين النفط دونالد ترامب جو بايدن روسيا أخبار مصر الاقتصاد حرب غزة الدولار حلف شمال الأطلسی الحلفاء على
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: مشادة ترامب وزيلينسكي.. وقود حرب عالمية ثالثة
المشادة الكلامية الحادة بين ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، ليست فقط حدثا تاريخيا غير مسبوق حدوثه بهذا الشكل في البيت الأبيض، ولكنها محطة نحو تطورات مؤلمة على صعيد الحرب الأوكرانية – الروسية وأحداث مخيفة بالنسبة للعالم أجمع.
الحاصل أن، الخلاف الحاد بين كل من ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض أمام عيون مئات الصحفيين وأمام العالم، ليس خلافا سياسيا يمكن حله، بل هو خروج للولايات المتحدة من الحرب الأوكرانية الروسية بعد 3 سنوات كاملة على بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية فبراير 2022. فترامب وقبل توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض يؤكد أنه قادر على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي كلفت الولايات المتحدة الأمريكية وفق تقارير دولية قرابة 200 مليار دولار ما بين مساعدات عسكرية واقتصادية. لكنه لا يطرح خطة واضحة للسلام. ترامب يتصور أنه قادر على فرض السلام عبر الضغط على أوكرانيا للانسحاب من الحرب وتسوية الأمور بهذا الشكل!!
والمأساة إنه لم يأخذ في الاعتبار إعطاء أي ضمانات أمنية لأوكرانيا لردع روسيا، عن التفكير في غزو كييف مجددا، أو حتى الحديث عن انضمامها للناتو، بل تجاهل كذلك دعوة بوتين إلى الانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها قواته في انقلاب مفاجىء وغريب في السياسة الأمريكية، وهو ما يظهر اختلافا حادا في رؤية أسس واستراتيجيات الأمن القومي الأمريكي.
ففي الوقت الذي كان فيه بايدن يدافع عن أوكرانيا، وورط بوتين في حرب استنزاف طويلة ومد زيلينسكي بالمساعدات ليس دفاعا عن أوروبا فقط ولكن وقوفا أمام أطماع روسية ستمتد لدول أوروبية أخرى قد تكون ألمانيا أو فرنسا، حال نجح بوتين في قضم أوكرانيا وهو تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي ولحلفاء واشنطن، والحدود بين المعسكرين الغربي والشرقي منذ الحرب العالمية الثانية، فإن ترامب لا يرى في هذه أدنى مشكلة، بل يرى فيها استنزافا للموارد الأمريكية، وأن على زيلينسكي أن يوقع اتفاق صفقة المعادن الثمينة مع الولايات المتحدة لتسترد عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها في الحرب الأوكرانية - الروسية.
لقاء ترامب وزيلنسكي فضح الحقيقة كاملة، فقد قام بطرد زيلينسكي من البيت الأبيض بعد مشادة حادة قال له فيها أمام أعين العالم كله:-
أنت لست فى موقف جيد وأنتم تقامرون بإشعال حرب عالمية ثالثة، وتصريحاتك تفتقر بشدة إلى الاحترام وما تقوم به يظهر قلة احترام للولايات المتحدة، مشيرا: عليك التوصل إلى اتفاق وإلا سننسحب.
وأضاف ترامب في لهجة حادة لزيلينسكى:"جنودك يتناقصون وأنت تخبرنا أنك لا تريد وقف إطلاق النار".
وأضاف ترامب لزيلينسكي: بلادك فى ورطة وأنت لا تنتصر في الحرب. مضيفا: "عليك أن تكون ممتنا وعليك الموافقة على وقف لإطلاق النار"، وواصل ترامب لزيلينسكىي: ليست لديك أى أوراق للعب بها بدون دعمنا، في تهديد واضح بالانسحاب من الحرب وتركه عاريا أمام بوتين.
وشدد ترامب لزيلينسكى: "يمكنك العودة للبيت الأبيض مجددا عندما تكون مستعدا للسلام".
تصريحات ترامب ومواجهته لزيلينسكي لم يكن ينقصها سوى أن يقوم ترامب بضرب زيلينسكي كما علقت وزارة الخارجية الروسية.
والمهم أن، ما حدث بين ترامب وزيلينسكي قسم العالم هكذا إلى قسمين، فالولايات المتحدة توشك على إعلان خروجها وانسحابها من الحرب، وقد يكون ذلك بالفعل خلال ساعات أو الفترة القريبة القادمة، في حين علق الرئيس الفرنسي ماكرون أن أوكرانيا ليست لوحدها وأن الأوروبيين كانوا على حق بدعم أوكرانيا منذ البداية، وهو الموقف كذلك الذي اتخذته ألمانيا بإعلان دعمها للرئيس الأوكراني زيلينسكي.
ترامب الذي أهان زيلينسكي على الهواء مباشرة وقال له إنك تدفع لحرب عالمية ثالثة، هو نفسه من يورط العالم بفعلته وما سيتبع ذلك من قرارات في حرب عالمية ثالثة حقيقية، فلو أعلن سحب الدعم العسكري الأمريكي من أوكرانيا ووقف المساعدات تماما قبل اتفاق سلام حقيقي، فهذا يعني انه يقدم أوكرانيا وليمة على الغذاء للرئيس الروسي بوتين دون التواصل لتسوية حقيقية أو اتفاق لوقف إطلاق النار، خصوصا وإن بقى زيلينسكي في مكانه.
في نفس الوقت فإن فرنسا وألمانيا وباقي الدول الأوروبية لن تترك كييف لوحدها، لأنها تدافع عن أمنها وأمن أوروبا، في مواجهة أطماع روسية حقيقية، خصوصا وأن بوتين خسر الكثير في هذه الحرب ويريد تعويض خسائره، التي وصلت إلى أكثر من 150 ألف جندي وخسارة 300 مليار دولار.
الخلاصة.. مشادة ترامب وزيلينسكي مرحلة فارقة في حياة الحرب الروسية الأوكرانية والعالم، وأوروبا قد تجد نفسها في مواجهة موسكو دون أي غطاء أمريكي دفاع عن أوكرانيا والأمن القومي الأوروبي وهو ما قد يدفع لاشتباك عالمي حقيقي، فالحرب العالمية الثالثة اليوم أكثر قربًا من أي وقت مضى ما لم تحدث معجزة.