عبدالرحمن مراد
في ظاهرة غير مسبوقة يقفُ رئيسُ وزراء الاحتلال الإسرائيلي أمام الكونجرس الأمريكي ويقفُ له أعضاءُ الكونجرس مرات كثيرة وقد حمل خطابُه أمامهم الكثير من الرسائل للداخل الإسرائيلي وللعرب ولأمريكا نفسها، وكان واضحًا من مضامين خطابه الذي طال إلى مدى غير متوقع أنه يحشد تأييدًا لسياسته وسياسة حزبه بعد التراجع في شعبيته وشعبيّة حزبه؛ بسَببِ حرب الإبادة التي يقوم بها ضد العرب وشعب فلسطين على وجه الخصوص.
لقد قال بكل وضوح إنه في الجبهة الأمامية التي تدافع عن أمريكا وعن “إسرائيل” وحاول أن يقول في خطابه بأن حربه هي حرب مصير ولا بُـدَّ أن تقف أمريكا معه وتدعمه بالسلاح، وقد استطاع أن يحقّق له انتصارًا سياسيًّا من خلال خطابه الذي وقف له أعضاء الكونجرس وصفّقوا له كَثيراً، هذا الانتصار السياسي حمل رسائل للداخل الإسرائيلي الذي قالت استطلاع الرأي فيه: إن أكثر من 72 % من الجمهور الإسرائيلي يؤيد استقالة نتنياهو ويرون ضرورة التوصل لاتّفاق لإخراج الاسرى ويعتقدون أن إخفاق السابع من أُكتوبر يدل على فشل سياسة نتنياهو وحكومته، ويبدو أن خطابه قد يسبب تراجعًا في موقف الرأي العام الإسرائيلي خَاصَّة وقد نجح في إخراجه بالصورة التي جعلت المراقبين في حيرة من أمرهم إزاء ذلك السيناريو الذي ظهر ولم يكن معهودا حتى مع رؤساء أمريكا أنفسهم.
نتنياهو كما هو معروف يرأس حزبًا يصنف باليمين المتطرف وهذا الحزب يؤمن بفكرة “إسرائيل” الكبرى وخصوصية الأُمَّــة اليهودية وضرورة إحياء تراثها، وفكرة “إسرائيل” الكبرى في وعي اليمين اليهودي هي أرض “إسرائيل” الكاملة ويعتقدون أن الرب قطع على نفسه ميثاقًا لإبراهيم يقول فيه كما ورد في سفر التكوين:
“لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”.
و”إسرائيل” الكبرى يقصدون بها الأرض التي أعطيت لجميع أبناء إبراهيم، بما في ذلك إسماعيل وزمران ويقشان ومديان،… إلخ. وتضم مساحة كبيرة «من جدول مصر إلى نهر الفرات»، التي تضم كُـلًّا من الأراضي الفلسطينية المحتلّة ولبنان وسوريا والأردن والعراق، وكذلك الكويت والسعوديّة والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن ومعظم تركيا والأرض الواقعة شرق نهر النيل.
ولذلك كان تركيز الخطاب على فكرة مشروع أبراهام الذي خفت صوته بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأمريكية وكان قد تبناه زمن حكمه ولذلك وردت اشارات تشيد بالفكرة وتشكر ترامب على الاشتغال عليها وتؤكّـد الرغبة في استمرار فكرة مشروع أبراهام.
ومشروع أبراهام الذي أكّـد عليه الخطاب هدفه إنشاء تحالف ومحور تعاون في الشرق الأوسط لكبح نفوذ إيران، وذلك الهدف كان من ضمن الرسائل التي حملها الحطاب ويرى الكثير من الباحثين اليهود أن اتّفاقيات أبراهام أَو إبراهيم مع الإمارات ودول عربية أُخرى تشكل إنجازًا سياسيًّا مهمًّا لـ “إسرائيل” ويرى اليمين المتطرف في “إسرائيل” أن الفرصة ما تزال سانحة لتحسين وضع “إسرائيل” الاستراتيجي في المنطقة خَاصَّة بعد التراجع والتآكل في حركة التطبيع في زمن بايدن الذي لم يتفاعل بدعم مشروع ترامب وترغب إسرائيل في الانطلاق نحو تطبيع مع دول عربية وإسلامية أُخرى، وفي مقدمتها السعوديّة؛ بُغيةَ تشكيل حلف استراتيجي جديد موال لأمريكا بالشرق الأوسط، وذلك لمواجهة “المحور الشيعي” الذي تقوده إيران، وَأَيْـضاً؛ مِن أجلِ الإثبات للعالم بأن “إسرائيل” ليست بحاجة لإنهاء الصراع أو الجنوح للسلام مع الفلسطينيين؛ مِن أجلِ تحسين علاقاتها مع دول عربية وإسلامية”.
خطاب نتنياهو كان معدًّا سلفًا ويبدو لي أنه خطاب أشرف عليه الكثير من الخبراء في علم النفس السياسي والاجتماعي فقد باشر المتلقي إلى نفي بعض المسلَّمات التي كانت تدور في خَلَدِ الكثير من الساسة الأمريكيين والعالميين حول صراع الحضارات بل تجاوز الفكرة ليستبدلها بفكرة الصراع بين التحضر والتوحش والتحضر وهو بذلك قد يرسم أفقًا جديدًا غير معهود حتى يتمكّن من إرسال رسائله التي تتجاوزُ الماضي لتناقش الحاضر والمستقبل وفي الخطاب تأكيد على الاستمرار في حرب الإبادة في غزة، والانتقال بوعي المتلقي إلى المستقبل دون الالتفات إلى المآسي التي تركتها الآلة العسكرية الإسرائيلية في نفوس الناس وتفاعل ضدها الرأي العام العالمي والضمير الإنساني الحر.
مؤشراتُ خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي والرموز التي يبعثُها الخطابُ دالةٌ على انتقال المعركة إلى مستويات أُخرى غير المستوى العسكري التقليدي وخوض غمار المعركة لا يعني الثبات وعدم التحَرّك؛ فالمعرفة والعلوم الحديثة أصبحت جزءًا مفصليًّا من المعركة ولذلك لا بُـدَّ من تجديد الوسائل والأدوات، وتجديد الخطاب الإعلامي والسياسي حتى يتوازى كُـلُّ ذلك مع أفق المعركة وابعادها النفسية والاجتماعية والثقافية، فالانتقال من طور إلى طور ومن حالة إلى حالة تواكب التطورات هي أخذ بأسباب الانتصار، أما الركونُ والثبات فليس من الحكمة في شيء خَاصَّة ونحن نواجهُ عدوًّا يتخذُ من المعرفة كقوةٍ في صراعه معنا وهو يملكُ من القدرات المعرفية والتقنية الكثير ونحن نملك القدرات لكن نحتاج إلى سياسة واعية في التوظيف الأمثل لها وبما يخدُمُ أهدافنا ووجودنا على خارطة العالم؛ فما لم نتطور ونواكب المستويات المتجددة فنحن نميلُ إلى الفناء المؤجل ولا ندرك خطورة المرحلة أَو نستفيق إلا وقد تحقّقت دولةُ “إسرائيل” الكبرى كما هي في معتقد اليهود وفي توراتهم.
معركتُنا مع اليهود معركة وجود أَو فناء، ووجودُنا لا يتحقّق دون مواكبة الأحداث، والأخذُ بالأسباب، واللهُ غالبٌ على أمره ولو كره المشركون.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
يهود دمشق: إسرائيل لا تُمثلنا ونحن سوريون نرفض الاحتلال الإسرائيلي لأي أراض في وطننا
سرايا - يأمل آخر من تبقى في سوريا من أفراد الطائفة الموسوية (اليهودية)، التي تشتت أفرادها على يد نظام البعث، في لمّ شملهم مع عائلاتهم في العاصمة دمشق، كما كانوا في السابق، مؤكّدين انتماءهم الوطني لسوريا ورفضهم لأي احتلال إسرائيلي لأراض من بلدهم.
وعبر التاريخ، احتضنت سوريا العديد من الحضارات، وعاش فيها عدد كبير من اليهود. إلا أن أعدادهم بدأت بالتراجع في عهد الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، واضطر معظمهم إلى مغادرة البلاد عام 1992، فيما صودرت ممتلكات بعضهم.
قبل 30 إلى 35 عامًا، كان عدد اليهود في سوريا يُقدّر بحوالي 5 آلاف نسمة، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى أقل من 10 أفراد، معظمهم يقطنون الأحياء القديمة في دمشق.
وبعد سقوط نظام البعث في 8 ديسمبر/ كانون الثاني 2024، يتطلع العديد من اليهود السوريون لزيارة وطنهم بعد عقود من الغياب، تمامًا كما فعل الحاخام يوسف حمرا، الذي عاد إلى دمشق في 18 فبراير/ شباط الماضي، بعد 33 عامًا من إجباره على مغادرة بلاده عام 1992.
* “جزء من الشعب السوري”
فريق الأناضول التقى بعض اليهود السوريين الذين لا يزالون يعيشون في العاصمة دمشق، حيث أكدوا على أنهم جزء من النسيج الوطني السوري.
وقال زعيم الطائفة الموسوية (اليهودية) في سوريا، بحور شمطوب، إن أفراد عائلته هاجروا إلى الولايات المتحدة و "إسرائيل" عام 1992، ومنذ ذلك الحين يعيش بمفرده في دمشق.
وأضاف: “هذا المكان قضيت فيه طفولتي. أحب دمشق وسوريا، نحن نعيش معًا هنا دون أي تفرقة دينية. الحمد لله، الأمور جيدة، لا أواجه أي مشكلات مع أي أقلية أو طائفة، أنا جزء من الشعب السوري، والحمد لله الجميع يحبني كثيرًا، لهذا السبب لم أغادر”.
* التحرر من ضغوط البعث
وعن الفترة التي عاشها في ظل نظام البعث، قال شمطوب: “في السبعينيات، خلال حكم حافظ الأسد، كانت هناك قيود شديدة على اليهود. لم يكن يُسمح لنا بالسفر أو امتلاك العقارات. في ذلك الوقت، كان يُمنع أي شخص من التحدث مع اليهود، وكانت بطاقات هويتنا تحمل كلمة ’موسوي’ بحروف حمراء كبيرة”.
وفق شمطوب، “خلال الثمانينيات، “مُنع اليهود من مغادرة البلاد، أما في التسعينيات، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع حافظ الأسد، سُمح بموجبه لليهود الذين يرغبون في مغادرة سوريا بالخروج”.
واستطرد: “كنا مثل الطيور المحبوسة في قفص، وبمجرد فتح الباب، طار الجميع. لقد غادر العديد من اليهود تاركين منازلهم وأعمالهم، بينما تمكن آخرون من بيع ممتلكاتهم قبل الرحيل”.
شمطوب أوضح أنه “بعد الهجرة الجماعية قبل 33 عامًا، بقي في سوريا حوالي 30 يهوديًا، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى 7 فقط، بينهم 3 نساء”.
وعن الضغوط التي تعرضوا لها خلال حكم البعث، قال: “في شبابي، إذا تحدثت إلى فتاة، كانت تُستدعى للتحقيق في فرع الأمن المسمى فلسطين”.
وأضاف: “قبل 4 سنوات، اعتُقل 3 من أصدقائي (غير اليهود) لمدة 3 أشهر، فقط لأنهم تحدثوا إلينا. كان التحدث إلى الأجانب ممنوعًا، لكن الآن يمكننا التحدث إلى من نشاء. خلال عهد النظام (البعث)، كنا نعيش تحت الضغوط، ولهذا السبب غادر شبّاننا البلاد”.
وأشار شمطوب إلى أن سقوط نظام البعث غيّر حياة الجميع، بما في ذلك حياته، وقال: “لدينا الآن حرية أكبر. يمكننا التحدث بصراحة. لم يعد هناك حواجز أمنية تعترض طريقنا، ولم يعد هناك من يراقبنا من أجهزة المخابرات. باختصار، أشعر أنني أصبحت حرًا. الأمور الآن أفضل مما كانت عليه سابقًا”.
* حنين إلى الماضي
شمطوب، الذي يعرفه الجميع في حي باب توما، أحد الأحياء القديمة في العاصمة السورية، قال إن الحزن يملأ منزله، وإنه ينتظر عودة أفراد العائلة إلى دمشق في أقرب وقت ممكن.
واستدرك: “لكن كيف سيعودون؟ المنازل تحتاج إلى ترميم، ولا يمكنهم ترك الولايات المتحدة والعودة إلى دمشق حيث لا يوجد ماء أو كهرباء”.
وأوضح أنه بعد تركه المدرسة، عمل في مجال الخياطة، ثم افتتح متجرًا، كما عمل لاحقًا في تجارة المجوهرات والعقارات.
وتابع: “في الماضي، كنا عائلة واحدة، نعيش معًا، نتبادل الأحاديث ونُعدّ الطعام. أما الآن فأنا وحدي، أطبخ لنفسي، وأغسل الصحون بنفسي، لقد اعتدت على هذه الحياة”.
* "إسرائيل" لا تمثلنا
وعن احتلال "إسرائيل" لأراضٍ سورية حدودية عقب سقوط نظام البعث، قال شمطوب: “(إسرائيل) ستنسحب في النهاية، ما يفعلونه خطأ. لكنهم لا يستمعون لأحد، لأن الولايات المتحدة وأوروبا تدعمهم”.
ولدى سؤاله عمّا إذا كان يعتبر "إسرائيل" جهةً ممثلة له، أجاب: “لا، إطلاقًا، هم شيء، ونحن شيء آخر. هم إسرائيليون، ونحن سوريون”.
* توقعات بزيارة عائلات يهودية
من جانبه، قال التاجر اليهودي الدمشقي سليم دبدوب، الذي يمتلك متجرًا للقطع الأثرية في سوق الحميدية بدمشق، إنه انفصل عن عائلته عام 1992 لدى هجرتهم.
وقال دبدوب، المولود في دمشق عام 1970: “بقيت هنا لإدارة أعمالي. أسافر باستمرار بسبب العمل، وهذا يسمح لي أيضًا برؤية عائلتي في الولايات المتحدة. الحمد لله، أمورنا جيدة. لا يوجد تمييز هنا، الجميع يحب بعضهم البعض”.
وأشار دبدوب إلى أن التوقعات تزايدت بزيارة العديد من العائلات اليهودية سوريا بعد سقوط النظام، وقال: “قبل عام 1992، كان هناك حوالي 4 آلاف يهودي في دمشق. كان لدينا حاخام، وكان التجار هنا، الجميع كان هنا، لكن الجميع هاجر في ذلك العام”.
وأردف: “بعض ممتلكات اليهود الذين غادروا لا تزال قائمة، لكن بعضها الآخر تم الاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة. بعض المتورطين في الاستيلاء كانوا على صلة بالنظام، حيث زوّروا الوثائق للاستيلاء على الممتلكات”.
– “أفتقد مجتمعي”
التاجر دبدوب أعرب عن أمله في إعادة فتح أماكن العبادة اليهودية، قائلاً: “لدينا كنيس هنا، وأحيانًا يأتي رئيس الطائفة ويفتحه، فيجتمع 2-3 أشخاص، لكن لا تُقام الصلوات فيه بشكل مستمر. أفتقد مجتمعي وعائلتي وإخوتي”.
وأكد دبدوب أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع فئات المجتمع، مضيفًا: “الحمد لله، لا نشعر بالغربة هنا، نحن جميعًا إخوة”.
وأشار إلى أن بعض الزوار يبدون دهشتهم عندما يعلمون أنه يهودي، موضحًا: “في الماضي، كنا نواجه صعوبات أمنية، فقد كنا تحت المراقبة المستمرة من قبل قوات الأمن، وكان هناك خوف دائم. الحمد لله، لم يعد هناك خوف اليوم. إن شاء الله سيكون المستقبل أفضل، وسيعمّ السلام بين الشعوب”.
كما أعرب دبدوب عن أمله في مستقبل مزدهر للتجارة، وقال: “هذا المتجر (متجر التحف) مملوك لعائلتي منذ عام 1980، وبعد هجرتهم أصبحت أنا من يديره”.
وفيما يتعلق باليهود الدمشقيين الذين غادروا البلاد، ختم حديثه بالقول: “هم الآن سعداء للغاية (لانتهاء عهد التضييق)، ويتطلعون إلى زيارة دمشق واستعادة ذكرياتهم القديمة. كان مجتمعنا يقدّر الحياة الأسرية كثيرًا، وكنا نذهب إلى أماكن العبادة يوميًا”.
ومنذ 1967، تحتل "إسرائيل" معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، حيث احتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974.
وبسطت فصائل سوريا سيطرتها على دمشق، في 8 ديسمبر 2024، منهيةً 61 عاما من حكم حزب البعث و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
رأي اليوم
وسوم: #رمضان#المنطقة#الوضع#دينية#سوريا#اليوم#الله#العمل#الاحتلال#باب#الشعب#الثاني#الجميع#رئيس#الرئيس
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 02-03-2025 12:20 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية