دكتور محمد الرشيد
عضو مجمع الفقه الاسلام

الاختلاف سنه كونية تحتم علينا التعايش السلمي

يمثل التعايش السلمي واحترام الأديان والرموز الدينية والحوار بين الثقافات مدخلاً للتقارب بين الشعوب، فالسنن الكونية تشير إلى اعتماد الحياة على التنوع والاختلاف، والحاجة إلى التعايش وتقبل الرأي والرأى الآخر، والتنوع والتعددية كقيم تؤكد عليها جميع الأديان السماوية …

والاختلاف المبني على احترام الآخر والتكامل معه في الأدوار مطلوب مع الاحتفاظ الثوابت الدينية هذا ما نص عليه الشرع وما وجدناه واقع معاش في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم …

والاختلاف وسيلة للتعارف والتعاون يقول الحق سبحان وتعالى في محكم تنزيله :

” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (سورة الحجرات، الآية 13)، و الهدف من هذا الإختلاف و التعدد هو التعارف الإنساني بين مختلف الشعوب و الأمم …

في الحقيقة أن ذلك الاختلاف هو شأن طبيعي وموجود في المجتمع الإنساني وهو موجود منذ أول البشرية ولا سبيل إلغائه وهو مصدر للثراء وسببا للرقي الإنساني إذا تم إرساء مبدأ وثقافة التعايش في المجتمع …

و قد أكد القرآن الكريم على حتمية وجود الإختلاف بين أبناء البشر حسبما شاءت إرادة الله تعالى وحكمته …

و كما أن القرآن نص على ضرورة الإختلاف بين الناس، كذلك ينص العقل و الفطرة و الواقع الملموس على هذه الضرورية باعتبارها ظاهرة طبيعية في الحياة الإنسانية.

و يبلغ الإختلاف في الإسلام مبلغ الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، و هو سنة إلهية في الكون…

و لأن هذا هو شأن الإختلاف، و مكان التعددية، و مقام التنوع في الرؤية الإسلامية، كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لالتماس موقف الإسلام من الإختلاف و التعددية، فنحن لسنا حيال فكرة حديثة أو طارئة …

و إنما إزاء مبدأ إسلامي ، أخبرنا القرآن أنه جعل إلهي و سنة أزلية و أبدية قد فطر الله عليها جميع المخلوقات،
و حقيقة الإختلاف بين البشر من الحقائق الثابتة التي لا يمكن لأحد أن يلغيها ، لأن الله تعالى هكذا شاء ، فلم و لن يكون الناس نمطا واحداً أو قالبا فردا، و إنما كانوا و لا يزالون مختلفين …

و تصديقا لذلك قال تعالى: ” و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم ” . (سورة هود، الآية 118، 119)

لكل ذلك نقول ان المجتمعات الإنسانية القائمة على التعدد والتنوع الثقافي بسبب تباين وتنوع الخلفيات الأساسية لذلك التنوع يمكن التعامل معها بوعي تام عندما يحول التناقض إلى تكامل والتصادم إلى تعايش والتعصب إلى تسامح ، والقبلية والعنصرية والجهوية إلى قبول الآخرين بكل الوانهم وسحناتهم وعدم الاحتراب بسبب ذلك لأن ذلك مما يساهم في تدمير الشعوب
ذلك لأن التنوع والتعدد والاختلاف في الكون واقع ملموس، وفيه حكمة إلهية لذلك هذه دعوة للسلام والتعايش بيننا نحن أهل السودان فقد عرفنا بذلك منذ أمد بعيد لكن نعد الذي حصل نزع من الشيطان : قال تعالى ” وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله”

فنعوذ بالله من شرور أنفسنا ونسأل الله اللطف بالعباد والبلاد مع عودة روح السلام والاحترام …

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مفتاح دار السلام …

د. محمد الرشيد سعيد عيسى عضو مجمع الفقه الإسلامي الأستاذ بالجامعات السودانية

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الاختلاف تحتم سنه كونية

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 78 من سورة الحج: ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”.
فسر المفسرون الحرج بالضيق، لذلك فالمعنى يدل على أن الله لم ينزل الدين ليضيق به على الناس، بل وسع به عليهم في الأحكام والعبادات والعقوبات، لكي يكون في اتباعه يسر على الجميع مهما كانت مقدرتهم على اتباعه قليلة، وتحملهم لتكاليفه، وبالطبع من يقدّر ذلك هو من خلقهم وهو أعلم بقدراتهم.
لو تأملنا في مرادات الله من إنزاله الدين للبشر، لرأينا أنه كله بجميع أركانه لمصلحتهم، ليحقق صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم الدنيوية.
فالأحكام لتنظم علاقاتهم وتعاملاتهم، فلا يظلم الضعيف ولا يغمط المسكين.
والعبادات لربط المؤمن بخالقة مباشرة، فتسكن نفوسهم القلقة بهذا الاتصال، ويطمئنن المظلوم الى أن
الله أكبر من كل قوي متجبر، وسيأخذ له حقه ولو بعد حين.
وأما الحدود فجعلت لئلا يتم تجاوزها، والعقوبات لتردع من يفكر في ارتكاب التجاوزات.
هكذا نفهم الدين، انه لتنظيم حياة الناس واسعادهم في دنياهم، وليس لما بعد الموت.
فالحياة دار ابتلاء فيها العمل والجد والاجتهاد، والآخرة محض دار جزاء فقط.
لذلك فالحياة وهبها الله للناس لكي يمتحنهم، هل يحققون فيها النجاح أو الفشل، فينالوا في الحياة الأخرى الجزاء، بأحد خيارين لا ثالث لهما: إما الجنة أو النار.
معيار الناجح في حياته، ليس من حقق مالا أو بنيانا أو جاها، فذلك مؤكد أنه سيفقده فور موته.
ما يبقى معه وينفعه هو عمله الصالح، وبقدر ما بنى سينفعه في آخرته: الأساس الوحيد الذي يمكن أن يرتقي عليه بنيانه هو التوحيد، ولوازمه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا وباليوم الآخر، وكلما بنى فوقه من عمله الصالح (أي النافع له ولغيره)، كلما زاد رصيده الذي يؤهله لنيل رحمة الله (جنته).
بعد نزول الرسالة الخاتمة التي أكمل الله بها الدين، أصبحت المعالم واضحة، والطريق لنيل ثواب الله في الآخرة محددة بسبيل واحد، لن يتغير الى يوم الدين، وهو اتباع الدين الكامل المتكامل، ومن رحمته تعالى بالبشر وتيسير اتباعه أنه بين كل أركانه في كتابه العزيز، والذي تكفل بحفظه من التحريف أو العبث، ليظل مرجعا موثوقا يحدد الحرام، ويبيح ما عداه، من اتبعه فقد سار على الدرب الموصل الى الفلاح، ومن تنكبه فقد خاب سعيه في الحياة الدنيا، وخسر الفرصة التي منحها الله للجميع لنيل ثوابه.
إذاً فموضوع اتباع الدين هو عنوان النجاح، وعليه فالمسأله الهامة في حياة المؤمن هي التأكد من أنه متبع حقا للدين.
مبعث القلق أوجده المتشددون، فجعلوا اتباعه محصورا بمسار ضيق كحد السيف، وزعموا أن من حاد عنه هلك، وهم بذلك ضيقوا واسعا، جاءت هذه الآية لتطمئن الناس الى سعته، ولقطع الطريق على المتنطعين، الذين ضيقوا على الناس سبل عيشهم، لذلك جاء في الحديث الصحيح: “هلك المتنطعون”، والتنطع هو المزاودة على الشارع الحكيم بتحريم بعض ما أحله، وفيما يلي بعض أوجه التنطع في مجال المرأة فقط:
فمنهم من حرّم على المرأة أن يُرى منها شيء، رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح أن يرى وجهها وكفيها.
كما حرموا عليها لبس غير السواد، رغم أن الألوان لم يخترعها البشر، بل خلقها الله زينة لتبهج النفوس: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ” [الأعراف:32].
وبعضهم جعل تعطر المرأة من أنواع الزنا، فإن كان العطر ليشتم الناس من الشخص رائحة طيبة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مواظبا على التعطر، فهل هو حلال للرجل محرم على الأنثى!؟.
وأفتى آخرون بحرمة الاختلاط قطعيا، مع أن (أم عمارة) يوم أحد قاتلت ذوداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رأينا صحابيات وتابعات فقيهات، يقضين ويفتين في الدين، لنساء ولرجال، فقد روي عن ام المؤمنين عائشة أكثر من مائتين وسبعبن حديثا أوردها الشيخان، ومعلوم أن جامعي الحديث كلهم كانوا رجالا، كما أخذ الفقيه سعيد بن المسيب العلم عنها مباشرة، وليس من كتب كتبتها.
ما سبق أمثلة لا حصرا، لتبيان أن دور المتنطعين (ومسماهم المعاصر:المتشددين) في الصد عن منهج الله، لا يقل ضررا عن معاديه.

مقالات ذات صلة لماذا لا يعود أغلب السوريين؟ 2025/02/05

مقالات مشابهة

  • بعض المنطق
  • عبد الله رشدي مش دكتور.. الداعية يكشف شهادته الجامعية
  • ثقافة الإسكندرية تقدم "مغامرة كونية" ضمن عروض مسرح الطفل
  • أوّل تعليق من حزب الله على تصريح أورتاغوس... هذا ما قاله محمد رعد
  • انطلاق مبادرة فطارك علينا بأمانة أول طنطا
  • «زايد للأخوة الإنسانية» تنظم جلسة لتعزيز التعايش السلمي
  • جائزة زايد للأخوة الإنسانية تنظم جلسة نقاشية لتعزيز التعايش السلمي
  • جائزة زايد للأخوة الإنسانية تضيء على التعايش السلمي
  • تأملات قرآنية
  • نقيب الأشراف: المنطقة تمر بأوضاع خطيرة ويجب علينا الاصطفاف جميعا خلف الرئيس السيسي