لجريدة عمان:
2024-09-08@05:22:25 GMT

التاريخ يحل مشكلة حروب المياه في العالم

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

رومان كرزناريك

ترجمة: أحمد شافعي

في ظهيرة كل خميس، أمام الباب الغربي لكاتدرائية فالنسيا، يقف تسعة أشخاص في عباءات سود، على رأس أحدهم قلنسوة مخططة وفي يده حربة شعائرية، مجتمعين في لقاء أسبوعي معهود منذ مئات السنين. تلك هي (محكمة المياه)، ولعلها أقدم مؤسسة للعدالة في أوروبا.

قد تبدو تلك المحكمة أثرا من ماض بعيد، لكن الحقيقة أن هذه المحكمة- في ظل أزمة المياه العالمية- أهم من ذي قبل.

ذلك أن حضارتنا معرضة لخطر إبادة مائية. فبسبب حالات الجفاف الناجمة عن تغير المناخ، والتوسع في الزراعة الصناعية، وزيادة الزحف المدني، فإن شخصا من كل أربعة سوف يتأثر بندرة المياه خلال العقود القادمة، مع تعرض المدن من لوس أنجلوس والقاهرة إلى ميلبورن وساوباولو لمواجهة حالات نقص حاد في المياه. تتصاعد صراعات المياه، سواء داخل البلاد أو فيما بينها، ويزداد القتال بيننا على المياه أكثر منه على النفط والأرض. فضلا عن ذلك، ترفع شركات المياه الخاصة في بلدان من قبيل المملكة المتحدة الأسعار وتراكم الأرباح في حين أنها تتخلص من مياه الصرف في الأنهار.

غير أنه بوسعنا العثور على أمل في تلك المحكمة الإسبانية. فكل عضو في محكمة المياه ممثل لإحدى قنوات الري المحلية التي توفر المياه للأراضي الزراعية الخصبة في المدينة، وكل عضو فيها تم انتخابه انتخابا ديمقراطيا من مزارعي المنطقة. وتضمن هذه المحكمة عدالة اقتسام المياه النادرة وتقيم جلسات استماع عامة قد تنتهي إلى تغريم الفلاحين الذين يجورون فيحصلون على أكثر من نصيبهم المخصص أو يعجزون عن رعاية قناتهم.

تحتل المحكمة مكانة ضمن أبرز أمثلة الإدارة الذاتية الديمقراطية للموارد في العالم، برغم أن نشأتها محاطة بالغموض. ومثلما قال لي أحد العاملين فيها حينما زرتها في الفترة الأخيرة فإن جذورها قد تمتد إلى أنظمة إدارة المياه المتطورة التي نشأت في فالنسيا عقب الفتح الإسلامي لإسبانيا في القرن الثامن، عندما شق المزارعون قنوات الري لزراعة الزيتون والبندق والباذنجان والفاكهة. وعندما قام المسيحيون مرة أخرى بغزوها في عام 1238، تبنوا القواعد القائمة في تسوية نزاعات المياه، وبحلول القرن الخامس عشر، كانت الاجتماعات الدورية المنعقدة أمام باب الحواريين قد ترسخت تماما.

وليس هذا بالطبع نظاما مثاليا. ثمة دعم للمحكمة من حرس مستأجرين لضمان عدم عدوان أحد على مياه جيرانه. وحينما سألت الحاجب عن السر في أن جميع أعضاء المحكمة رجال وشيوخ- لدرجة أنه صعب على البعض منهم صعود درج الكاتدرائية- أجابني بنبرة دفاعية بعض الشيء قائلا: إن أولئك المزارعين مستودعات عظيمة للمعرفة وإن امرأة انتخبت لعضوية المحكمة للمرة الأولى سنة 2011.

غير أن طول بقاء محكمة المياه علامة على نجاحها. ففي كل مرة تنعم فيها بقضم برتقالة فالنسية ريانة، عليك أن تتذكر أنك تنتفع بألف عام من الحكم المائي العرفي المخلص.

احتلت المحكمة نصيبا كبيرا من اهتمام إلينور أوستروم، الحاصلة على جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2009، إذ اعتبرتها نموذجا مثاليا لـ«المشاعات»، إذ تقوم المجتمعات الصغيرة في شتى أرجاء العالم باستنباط قواعد لتقاسم وإدارة مواردها النادرة على نحو مستدام، سواء قنوات المياه أو مناطق صيد السمك أو الغابات. فذلك نقيض مباشر لفكرة «مأساة المشاعات» الخاطئة التي ترى أن المشاعات إذا ما تركت لأهوائنا فإن المصلحة الذاتية سوف تدفعنا بالضرورة إلى إنهاك هذه الموارد. إن نماذج من قبيل فالنسيا، وكذلك لجان المياه التي تدير القنوات في هولندا ونظام السوباك الذي يعمل على تقسيم المياه على مزارعي الأرز في بالي منذ ألف عام، تكشف أن هذا الاعتقاد محض أسطورة.

وإذن ما الدروس المستفادة للحاضر؟ تقول حكومة حزب العمال في بريطانيا: إنها لن تؤمم شركات المياه الفاشلة لكنها سوف تفرض عليها فقط «إجراءات خاصة». فلماذا لا يجري النظر في حلول أكثر إبداعا من قبيل الإدارة العرفية للمياه على الطريقة الفالنسية، أو على أقل تقدير؟ لماذا لا يجري النظر في منح أصحاب المصلحة مقعدا في مجالس إدارات الشركات؟

فضلا عن أن هذه المحكمة نموذج قابل للتطبيق على نطاق واسع. وانظروا على سبيل المثال إلى اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب التي تعمل من أجل واحد وثمانين مليون شخص في تسعة عشر بلدا على إدارة حوض نهر الدانوب من منابعه في الغابة السوداء إلى البحر الأسود. في حين تقوم اللجنة بدور نافع في جمع المسؤولين الحكوميين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني للسيطرة على التلوث والفيضانات، فمن الممكن إعطاؤها تصميما عرفيا ديمقراطيا حقيقيا بإدخال جمعية مواطنين إقليمية لمحاسبتها.

وقد تمثل محكمة المياه الفالنسية درسا لبلاد الشرق الأوسط الجافة. فقبل أكثر من عقد من الزمن اقترح عالم المياه الفلسطيني البارز عبد الرحمن التميمي أنه «ينبغي استيراد وتعديل نموذج محكمة المياه... وليس ذلك فقط من أجل حل صراعات المزارعين، ولكن أيضا لتقليل التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين». ورأى أنه من دون هذه الآليات ما من فرصة لغرس الثقة الجذرية والحوار لإدارة ندرة المياه إدارة فعالة. وقال التميمي: «إن بوسعنا أن نتصارع على المياه أو أن نتعاون فيها، الأمر يرجع إلينا. فالخطوة الأولى هي أن يثق بعضنا في بعض». ولو أن الصراع الحالي أكد شيئا فهو الحاجة إلى تعاون مائي طويل المدى.

قد يكون 71% من كوكبنا الأزرق مغطى بالمياه، لكن هذه النسبة خادعة: فمن كل عشرة آلاف قطرة ماء على وجه الأرض، فإن أقل من نقطة واحدة هي التي تعد ماء عذبا يسير المنال يجري في أنهار أو بحيرات. والتاريخ الحي لمحكمة المياه قد يمدنا بأمل نحتاج إليه في العدالة المائية العالمية للإنصاف في توزيعها والحفاظ عليها بوصفها موردا ثمينا يمثل كنزا مشتركا لنا جميعا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة المیاه

إقرأ أيضاً:

حروب التحكم في العقل.. تقنية صينية تنافس "نيورالينك" لإيلون ماسك‎

قال باحثون صينيون إنهم حققوا تقدماً كبيراً في واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) من خلال هندسة قطب كهربائي جديد قابل للزرع لمساعدة الأشخاص على التحكم في الأجهزة بأفكارهم وتحسين صحة الخلايا العصبية لديهم.

ويؤثر الجهاز على الخلايا العصبية المحيطة لخلق تفاعل أكثر انسجاماً بين الدماغ والجسم الغريب، حيث قام الباحثون بزراعة أقطاب كهربائية في جانبي دماغ فأر لتقييم ما إذا كانت نسختهم المعدلة وراثياً ستزيد من النشاط العصبي، وكانت النتائج إيجابية، حيث أظهرت أن حجب جينات معينة أدى إلى تحسين الأداء، وفق "ساوث شاينا مورنينغ بوست".

وقال فانغ ينغ، أحد مؤلفي دراسة جديدة، إن معظم الجهود المبذولة في هذا المجال من علم الأعصاب، وأبرزها Neuralink التابعة لإيلون ماسك، تركز على "تطوير أقطاب عصبية متوافقة بيولوجياً" لن يرفضها الدماغ.
ووجدت دراسة حديثة أجرتها Neuralink على مريض شلل رباعي، أن جهاز البوليمر فقد الطاقة في أقل من شهر، على الرغم من أنهم حلوا المشكلة، ورغم ذلك، إلى جانب العثور على المادة المناسبة، فإن إنتاج جهاز يتمتع بعمر طويل طرح تحديات كبيرة في هذا المجال.
وقام الباحثون في المركز الوطني لعلوم النانو والتكنولوجيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم (NCNST) بهندسة القطب وراثياً لتضخيم "نمو الخلايا العصبية والأنسجة المحيطة به"، لتحسين أداء الأجهزة مثل Neuralink من خلال تعزيز اتصالها بالخلايا العصبية عن طريق جعلها أكبر. 

أجهزة العقل

وفي ظل التقدم المستمر نحو تطوير الأجهزة التي يتم التحكم فيها بالعقل، تبرز أهمية البوليمر كأكثر المواد توافقاً مع الدماغ. شركة Neuralink تستخدم البوليمر في أجهزتها، بينما قام الباحثون الصينيون مؤخرًا بتطوير تصميم جديد على شكل مشط.

ويحتوي هذا الجهاز على ثمانية أسنان تعمل كميكروفونات لالتقاط الإشارات من الخلايا العصبية القريبة، مما قد يعزز دقة وفعالية التواصل بين الدماغ والجهاز.
 وفي حين واجهت أجهزة أخرى مشاكل طويلة الأمد، قال تيان هوي هوي، أحد مؤلفي الدراسة إن سنوات من البحث والاختبار تثبت أن هذا الجهاز يعمل لأكثر من عام، وبصرف النظر عن شكله، فإن مفتاح نجاحه هو التسلسل الجيني.

ذراع القرد.. مخاوف أخلاقية

وقال هوي: "الحالة المحسنة والعدد المتزايد من الخلايا العصبية بالقرب من الأقطاب الكهربية يعزز بشكل كبير جودة الإشارات المجمعة، وهو أمر بالغ الأهمية لفك تشفير الإشارات العصبية لاحقاً".

ويمكن أن يكون لهذا التطور في تكنولوجيا الأقطاب الكهربية (BCI) تأثير إيجابي على المرضى المشلولين، حيث أجرى فريق في الصين دراسة على قرد قادر على تحريك ذراع آلية باستخدام أفكاره، مما يعكس التقدم الملحوظ في هذا المجال وفقًا لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست.

وعلى الرغم من المخاوف الأخلاقية المحيطة بتغيير جينات الدماغ البشري، فقد قام فريق آخر من الباحثين بتحديد جين يحافظ على قوة عظام الأمهات المرضعات، ويمكن التلاعب به لتحقيق أهداف علاجية.

كما تشير دراسة Neuralink إلى أن الأقطاب الكهربية قد تساهم في استعادة بعض الوظائف الدماغية من خلال تحفيز الخلايا العصبية لدى المرضى المصابين بالشلل.

وهذا التحسن في التصميم، مع إدخال الشفرة الوراثية، يمثل اختراقاً في تقنيات (BCI)، ويقربنا خطوة إضافية نحو تحقيق الأجهزة التي يتم التحكم فيها بالعقل، ويظهر كيف يمكن تحويل الأفكار إلى حقيقة ملموسة.

مقالات مشابهة

  • "الشعبية": تقرير الأمم المتحدة حول مجاعة غزة يكشف خطورة الأوضاع الإنسانية التي يسببها الاحتلال
  • مهرجان سعودي يعرض إحدى أشهر الساعات التي اخترعها المسلمون عبر التاريخ (صور)
  • شاهد: أشهر الساعات التي اخترعها المسلمون عبر التاريخ تعرض في مهرجان سعودي
  • تقرير يكشف عن أهم الشخصيات في العالم التي من الممكن أن تصل إلى لقب “تريليونير”
  • التاريخ اليهودي وسياسية إسرائيل.. هذه الدورات التي تلقاها يحيى السنوار
  • بلومبيرغ: أنفاق حماس تشي بأن حروب المستقبل ستُخاض تحت الأرض
  • حروب التحكم في العقل.. تقنية صينية تنافس "نيورالينك" لإيلون ماسك‎
  • "المياه الوطنية" تزيد تغطية المياه المحلاة بالجبيل لخدمة أكثر من 31 ألف مستفيد
  • رفع نسبة تغطية المياه المحلاة بالجبيل لخدمة أكثر من 31 ألف مستفيد
  • “المياه الوطنية” ترفع نسبة تغطية المياه المحلاة بالجبيل لخدمة أكثر من 31 ألف مستفيد