التعليم فى مصر.. المشاكل والحلول المقترحة
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
الواقع الاجتماعى أفرز حالة ارتباك فى المنظومة التعليمية
الزيادة السكانية عامل مؤثر فى مستوى التعليم وأحوال المدارس وأعداد المدرسين
دول العالم تتقدم وتعمل كل ما تستطيع لتطوير أنظمتها التعليمية فى كل مستوياتها، لأن كل العارفين والمخططين يدركون أنه إذا أردت أن تبنى الأوطان، فعليك ببناء الإنسان، وإذا أردت بناء الإنسان، فعليك ببناء نظامك التعليمى.
فى الماضى القريب كنا نتحدث عن التعليم المصرى بفخر واعتزاز وكان يستحق ذلك، وكانت سمعة المدرسة والجامعة والمناهج تحمل نوعًا من التفرد والخصوصية، وكان التعليم فى مصر منافسًا لأرقى النماذج الناجحة على مستوى العالم مقارنة بالدول النامية.
كنا نستطيع أن نعرف مستوى التعليم فى مصر، فى تكامل وقوة وحداثة المناهج فى كل التخصصات، وفى قدرات المعلم وثقافته وجديته والتزامه فى اسلوب تدريسه وإدارة المؤسسات التعليمية.
من مدارس مصر خرجت أجيال قدمت للعالم حشودًا من الأبناء الذين تفوقوا فى كل جوانب المعرفة، وشهدت جامعات مصر نهضة ثقافية غير مسبوقة فى الآداب والعلوم والتراث والتاريخ واللغات، وقدمت نماذج رفيعة من الأساتذة.
وكان التعليم المصرى أول من نقل تجربته الثرية إلى عالمنا العربي، من خلال المدرسين وأساتذة الجامعات والمفكرين وكبار الكتاب والصحفيين، ولا يوجد بلد عربى لم يكن التعليم المصرى صاحب دور ورسالة فيه، ومن الإنصاف أن نعترف بأن تعليم مصر كان الأساس الذى قامت عليه برامج التنمية فى العالم العربي، تخطيطًا ودراسة وتنفيذًا ونجاحًا. كان هذا هو حال التعليم فى مصر منذ عشرات بل مئات السنين، وكان من أهم الدعائم التى قام عليها بناء الإنسان المصرى وعيًا وثقافة.
مرت على المصريين خلال العقود السابقة عواصف كثيرة، ما بين الاشتراكية، والانفتاح، والرأسمالية، والخصخصة، وقد انعكس ذلك على منظومة التعليم فى مصر، وشهدت حالة من الازدواجية ما بين التعليم الخاص والحكومى والأجنبي، وكان ذلك سببًا فى عودة بعض صور الطبقية الاجتماعية، فى صور مؤثرة خاصة على الطبقة المتوسطة وما بقى من الطبقات الفقيرة، ولا بد أن نعترف بأن الواقع الاجتماعى ترك حالة من الارتباك فى المنظومة التعليمية، رغم أنها كانت من أكثر الجوانب استقرارًا.
ودخلنا بعد ذلك فى حالة من التجارب المتعددة، ما بين تجربة التابلت، وما تحملته ميزانية الدولة، وما واجهته من تحديات كثيرة، منها ضعف إمكانيات المدارس، وخصوصًا فى القرى والمدن الريفية، وتجربة أخرى وهى تقنين الدروس الخصوصية والسناتر، والتى ستؤدى إلى غلق المدارس الحكومية. وصاحبت هذه التجارب بعض القرارات المتضاربة، فى أسلوب امتحانات المرحلة الثانوية، من استخدام الأسئلة المتعددة الإجابات التى تساعد على الغش، وعدم استخدام الاسئلة المقالية ثم استخدامها بنسبة صغيرة جدًا، وذلك لا يساعد على تقييم الطالب تقييمًا سليمًا، وإجراء الامتحانات فى المنازل فى وقت أزمة وباء الكورورنا، مع أن كان من الممكن إجراء الامتحانات فى المدارس مع أخذا الإجراءات الاحترازية، ونسبة الغش وصلت قرابة ١٠٠% بواسطة العديد من الطرق، واستخدام أنابيب ملونة بدلًا من الدرجات فى نتيجة الامتحانات حتى لا تظهر النتيجة الحقيقية للطالب، واستخدام الكتاب المفتوح فى امتحان الثانوية العامة، لمدة عام دراسى واحد فقط، ونتيجة لذلك أصبح الطالب يعرف فقط العناوين والخطوط الرئيسية لكل مادة، ولا يقوم بالمذاكرة بتاتًا، لأنه يعتمد على الكتاب لنقل المعلومات المطلوبة ولا يعرف أى تعريفات أو يشتق أى معادلة أو قانون فى أى مادة علمية، لأنه لا يمتلك أى خلفية علمية، وأصبح الكتاب إحدى الوسائل الرئيسية للغش، وبذلك نكون أنتجنا طالبًا لا يصلح للتعليم الجامعي، وهذا ما وضح فى نتائج الفصل الدراسى ٢٠٢٣/٢٢، فى نسب النجاح فى بعض الكليات العملية، فكانت طب أسيوط ٤٠%، وطب قنا ٢٨%، وطب أسنان قنا ٢٠%، وهذا لم يحدث فى تاريخ التعليم فى مصر.
ولا بد أن ندرك أن الزيادة السكانية كانت على حساب مستوى التعليم وأحوال المدارس وأعداد المدرسين، وكانت مصدر تهديد دائم للتعليم فى مصر. وأصبحت الأسرة المصرية حائرة بين المدرسة والسناتر والتعليم الأجنبي، ومناهج وطرق امتحانات، مرتبكة وتتغير من وقت لآخر.
المشاكل الأساسية للتعليم فى مصر:
١- توفير المعلم المؤهل: بالرغم من وجود قرار بتعيين خريجى كليات التربية فى المدارس، إلا أنه لا ينفذ، وهذا أمر عجيب، فى إطار الاحتياج الشديد لهم. ويعتبر المصنع هنا الذى ينتج أهم شخصية فى المجتمع هو كليات التربية، التى تعد المعلم إعدادًا تخصصيًا وتربويًا، للتعليم وقيادة الأنشطة المدرسية المتضمنة فى استراتيجية الدولة لبناء الإنسان، ولذلك يجب رفع راتب المدرس خريج كلية التربية، بشرط عدم إخلاله بواجباته الوظيفية، وتطبيق نظام الفصل الفورى حالة ثبوت جريمة إعطاء الدروس الخصوصية، خارج نطاق المدرسة، أو أى جريمة أخرى تمس الأخلاق والشرف، وإعادة تأهيل خريجى الجامعات بدورات تعليمية وتربوية، للاستعانة بهم فى العمل بالتدريس، مع رفع كفاءة المدرسين الحاليين.
٢- الكثافة العالية للفصول: بعض الفصول الدراسية تحتوى على ٧٠ إلى ٨٠ طالبًا فى القرى والمدن الريفية، والمفروض لا يزيد عدد الطلبة عن ٣٠ إلى ٤٠ طالبًا، ومتوسط نسبة كثافة الطلاب فى فصول المرحلة الإبتدائية هى ٥٥ طالبًا، وهى بذلك أعلى بكثير من دول عدد سكانها أكبر من مصر مثل الهند والبرازيل (٢٤ طالبًا)، والصين (٣٧ طالبًا)، وهذا بالرغم من أن عدد الطلاب المنخرطين فى العملية التعليمية فى المرحلة الإبتدائية فى مصر أقل من هذه الدول. وذلك نتيجة قلة عدد المدارس بالذات فى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. ويجب تركيز الاستثمار العقارى فى بناء المدارس لفترة زمنية حتى يتم الحصول على النسبة المطلوبة من الكثافة الطلابية (كما حدث فى ماليزيا) من خلال شركات التطوير العقاري، وتأجيرها للدولة بعائد استثمارى أو تمويل عقارى من البنوك، يسدد على ١٢ سنة (مدة الدراسة الأولية)، على أن يتم تسليم المدارس فى مدة أقل من عامين.
٣- تعديل المناهج كمًا وكيفًا وخصوصًا فى التعليم الثانوي، فبعض المناهج، أكبر بكثير من الفصل الدراسي، ويتم إلغاء أجزاء منها كل سنة، ولا يتم تعديلها، ويتم تكرارها كل عام، وهذا من حيث الكم، أما من حيث الكيف، فيجب مواكبة التطور العلمى وتغيير بعض المناهج.
٤- ظاهرة السناتر والدروس الخصوصية وغياب دور المدرس:
جاء وزير تعليم سابق، وقد خرج بمنظومة جديدة أسند فيها الدروس الخصوصية إلى شركة قطاع خاص لتقوم بهذه المهمة، وإعطاء المعلم الذى يعمل بها رخصة، ومعنى ذلك أن الوزارة رأت أن تشارك أصحاب السناتر أرباحهم، بدلًا من إغلاقها، والقضاء على الدروس الخصوصية، وذلك سوف يؤدى إلى غلق المدارس الحكومية. ولذلك يجب إغلاق هذه السناتر، وعدم ترخيصها، ويمكن عمل مجموعات تقوية للطلبة داخل المدارس، بواسطة مدرسى كل مدرسة، بأجور تحددها إدارة المدرسة، كما كان يتم فى الأجيال الماضية. ويجب تطبيق التجريم الفعلى للدروس الخصوصية خارج نطاق المدرسة، واعتبارها جريمة مخلة بالشرف إلى جانب العقوبة والغرامة، ويمنع مرتكبها من جميع الوظائف الحكومية.
مشاكل التعليم الثانوي، وخصوصًا الثانوية العامة، فى السنوات الماضية:
١- الأسئلة المتعددة الإجابات:
لا تحتاج من الطالب أى إثبات لمعادلة أو قانون، أو أى تعريفات، ولكن وضع علامة على الإجابة الصحيحة فقط، ولذلك فإنها وسيلة سهلة للغش، واحتمال دخول عنصر الحظ فى الإجابة، فضلًا أن هذا النوع من الأسئلة لا يتناسب مع طبيعة الطالب المصري، وخصوصًا الأجيال الحالية، التى تجيد استخدام الأساليب الإلكترونية للغش، ولذلك يجب أن تكون كل الأسئلة مقالية، كما كان يحدث من قبل، لأسباب سوف تذكر لاحقًا.
٢- عدم استخدام الأسئلة المقالية:
تؤدى إلى عدم تقييم الطالب تقييمًا سليمًا، لأن الأسئلة المقالية تعبر عن قدرة الطالب على التفكير والإبداع والابتكار، ووسيلة لإيضاح مستوى الخلفية العلمية التى يمتلكها الطالب، ولذلك يجب أن تكون الأسئلة تحتوى على ٦٠% أسئلة متعددة الإجابات و٤٠% أسئلة مقالية، حتى يتم تقييم الطالب تقييمًا سليمًا، كما هو متبع دوليًا. ثم تم استخدام الأسئلة المقالية، بنسبة ١٥%، وهذه النسبة صغيرة جدًا لتقييم الطالب تقييمًا سليمًا، ولذلك نؤكد أن أسئلة الامتحانات يجب أن تكون مقالية فقط.
٣- الإجابة بواسطة البابل شيت:
لعدم إمكانية استخدام التابلت لضعف الإمكانيات فى المدارس، واستخدام الأسئلة المتعددة الاجابات، لذلك تم استخدام البابل شيت، وتم استخدام التصحيح الإلكتروني، مع أن الامتحان تم يدويًا، فكان يجب أن يكون التصحيح يدويًا، وفى نفس الوقت يعطى الفرصة لوضع أسئلة مقالية، حتى يتم تقييم الطالب تقييمًا سليمًا. فضلًا، عن أن الأسئلة المقالية يجب أن يتم تصحيحها يدويًا، لأن الإجابة الصحيحة للأسئلة المقالية، ستكون بأساليب مختلفة ولكنها تحمل نفس المعنى، ولذلك كيف سيتم تصحيحها إلكترونيًا، طبقًا لإجابة نموذجية واحدة، وهذا أمر غريب.
وفى النهاية، أكد أطباء من إنجلترا وفرنسا وألمانيا، أن التعليم بواسطة التابلت أو الموبايل، أو الكمبيوتر، يصيب الطالب بالتوحد، وضعف الإبصار، وجفاف العين، والإجهاد الذهني، والصداع النصفي، وضمور وأورام المخ.
كما أكد خبراء التعليم بإنجلترا، فشل التعليم عن بعد (أون لاين)، ونظام الكتاب المفتوح، وهو ليس له علاقة بالعملية التعليمية نهائيًا، وقد ثبت فشله بعد تجربته فى العديد من الدول الأوروبية والعربية. كما أكد خبراء التعليم فى ألمانيا، أهمية الدور التربوى الذى يقوم به المعلم فى العملية التعليمية فى ألمانيا، ولذلك فالمعلم الألمانى يتقاضى أعلى راتب بين الوظائف، نظرًا للدور الكبير الذى يقوم به.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التعليم فى مصر التعليم المصري بناء الإنسان المصرى تقییم ا وخصوص ا طالب ا سلیم ا
إقرأ أيضاً:
محافظ أسيوط: مبادرة المدارس الزراعية لتوفير السلع بنكمل بعض لمحاربة الغلاء تؤكد أهمية دور التعليم الفني
أكد اللواء هشام أبو النصر محافظ أسيوط مساء اليوم الاربعاء على أهمية دور التعليم الفني في المجتمع وهو ما يظهر جليًا في الجهود التي تقوم بها المدارس الفنية ككيانات إنتاجية تساهم في تحقيق التنمية والمشاركة المجتمعية على كافة المستويات والتي تعمل عليها الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لافتًا إلى التعاون المثمر البناء، والنجاح الذي حققه معرض تعليم أسيوط "بنكمل بعض" معًا لمحاربة الغلاء والذي نظمته مديرية التربية والتعليم بأسيوط أمام ديوان عام المحافظة لعرض منتجات مدارس التعليم الفني الزراعي من السلع الغذائية والزراعية بأسعار مخفضة تتراوح بين 30: 50 % مقارنة بالأسعار التقليدية بالأسواق وذلك في إطار الجهود المبذولة لتوفير السلع الأساسية وتلبية احتياجات المواطنين مشيرًا إلى استغلال كافة الإمكانيات المتاحة والكوادر القادرة لدى المحافظة بالقطاعات المختلفة لخدمة المواطنين وتعزيز جهود الدولة لضبط الأسواق والحفاظ على الأمن الغذائي لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين
وأوضح محافظ أسيوط أن المعرض الذي نظمته مديرية التربية والتعليم يهدف إلى ضبط الأسعار وتوفير السلع مباشرة للمستهلكين بأسعار أقل من مثيلتها بالأسواق التقليدية مما يسهم بشكل كبير في تخفيف الأعباء عن الأسر الأسيوطية مقدمًا الشكر والتقدير للوزير محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني على دعمه ورعايته للمعرض الذى شهد حضور الدكتورة راندا حلاوة رئيس الإدارة المركزية للتعليم المجتمعي بوزارة التربية والتعليم ومشاركة محمد إبراهيم دسوقي وكيل وزارة التربية والتعليم بأسيوط ومحمد النمر مدير عام التعليم الفني بمديرية التربية والتعليم بأسيوط، وسيد الشريف مدير عام الشؤون التنفيذية بمديرية التربية والتعليم مشيدًا بمنتجات 7 مدارس للتعليم الزراعي على مستوى المحافظة من اللحوم والألبان ومنتجاتها والخضروات والحلوى وشتلات زينة ومثمرة طوال فترة المعرض مشيرًا إلى حرصه على متابعة جودة السلع المتوافرة ومدى توافقها مع احتياجات المواطنين خاصة الفئات الأكثر احتياجًا لتحقيق الإستقرار في الأسواق
وكان محافظ أسيوط قد أفتتح ـ في وقت سابق ـ معرض بيع سلع غذائية وزراعية من منتجات المدارس الزراعية التابعة لمديرية التربية والتعليم ضمن مبادرة "بنكمل بعض.. معًا لمحاربة الغلاء" وتفقد أقسام المعرض الذي يتضمن باكيات لبيع اللحوم البلدية بسعر 290 جنيهًا للكيلو فضلًا عن منتجات مزارع المدارس للخضروات والفاكهة الطازجة الأورجينك بأسعار أقل من الأسواق بنسبة تتراوح بين 30: 50% بالإضافة إلى منتجات الألبان والمخبوزات وعسل النحل والحلويات والشتلات الزراعية للخضار والفاكهة للمزارعين وغيرها من المنتجات الزراعية.