أحمد شعراني يكتب: تامر حسني.. فرصة واحدة كفيلة بأن تغير العالم
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
«فيه صوت جميل غنى النهارده.. ماعرفش اسمه.. ياريت كلنا نشجّعه»، كلمات قالها النجم محمد هنيدى عام 1998 فى احتفال قنوات النيل المتخصّصة بمرور عام على تأسيسها، والذى أقيم وقتها فى دار الأوبرا المصرية، وبعدها أخذ «هنيدى» هذا الشاب فى أحضانه، وشجّعه على استكمال الطريق، والحقيقة لم يكن هذا الشاب سوى المُطرب تامر حسنى، الذى أصبح بعد ذلك بسنوات قليلة واحداً من أهم المطربين فى مصر والوطن العربى.
صافرة الانطلاق كانت من الإعلامية سلمى الشماع، التى عقدت ندوة لتتحدّث عن قنوات النيل، فى جامعة أكتوبر، وتحديداً بكلية الإعلام، التى كان تامر حسنى فيها طالباً، وسمعت وقتها من جميع الطلاب أن هناك صوتاً يستحق أن تعطيه فرصة، وشكر الجميع فى موهبته، وقتها تامر حسنى كان نائماً فى إحدى المحاضرات، قبل أن يستدعيه زملاؤه لمقابلة الإعلامية الكبيرة، وتسمع صوته وتُعجب به، وبطريقة عزفه على الجيتار، ثم تأخذ رقم منزله، وتُخبره بأنها ستتواصل معه.
شهر كامل تقريباً، قبل أن يرن تليفون منزل تامر حسنى، فى الثالثة فجراً، فترد والدة «تامر»، فتقول لها سلمى الشماع، لما يصحى خليه يكلمنى، وبالفعل يتواصل «تامر»، فتخبره بأنها ستعطيه الفرصة اليوم فى الغناء خلال حفل مرور عام على تأسيس قنوات النيل المتخصّصة، ويذهب تامر بجيتاره ليُبهر الحضور، لتكون تِلك الفرصة باباً كبيراً يُفتح فى وجه «تامر»، الذى تواصل معه فى ما بعد المنتج نصر محروس، وينطلق تامر حسنى.
فرصة واحدة كفيلة بأن تغير العالم، قد تأتى الفرصة للجميع، لكن الموهوب فقط هو من يستغلها، الموهبة الحقيقية لا تُريد سوى فرصة، فرصة واحدة فقط كفيلة بأن تزيح الستار عن موهبة رُبما تقلب موازين الفن، أو تتحول فى ما بعد إلى علامة مميزة لا تمر مرور الكرام، لذا واحدة من بين العادات التى يحرص عليها تامر حسنى دائماً، وهو اليوم المُتربع على عرش الأغنية المصرية والعربية، هى إعطاء الفرصة لعدد من المواهب لتشاركه الغناء فى حفلاته.
وهو ما فعله تامر فى حفل العلمين الذى أقيم أمس الجمعة، بمدينة العلمين الجديدة، فى الحفل الذى أبهرنى فيه عدد الحضور، ليس لضعف جمهور تامر حسنى فى باقى الحفلات، وإنما تامر يستطيع أن يملأ الصحراء، ففى العام الماضى، حينما كانت الأرينا أصغر مساحة من هذا العام، وفى مكان آخر، كان الحفل كامل العدد، واليوم حينما قررت الشركة المتحدة بناء الـ«يو أرينا» فى قلب الصحراء، ليتسع المكان لعدد أكبر وربما لأضعاف، أيضاً كان حفل تامر كامل العدد.
تامر حسنى الذى قالت عنه الصحف إنه لا يحتفظ بالفن لنفسه، استعان أمس الجمعة بموهبة شابة شاركته الديو الذى قدّمه فى بداية مشواره مع النجمة شيرين عبدالوهاب، وهى أغنية «لو كنت نسيت»، وبعدها استقبل موهبة أخرى شاركته فى أغنية «اطمن»، ثم استقبل شاباً شاركه فى غناء «ماليش بعدك»، ثم ثنائياً يغنيان باللغة الإنجليزية، ليشاركا فى غناء أغنيته الشهيرة «Come Back to Me».
تامر حسنى ما زال حتى اليوم وفى كل حفل له، يرد جميل سلمى الشماع، وكلمات محمد هنيدى على المسرح، وربما مواقف كثيرة حدثت معه نقول عنها بالعامية «مواقف جدعة» أسهمت فى بناء اسم تامر حسنى، الذى أشعل مدينة العلمين الجديدة أمس الجمعة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العالم علمين وزارة الثقافة الشركة المتحدة تامر حسنى
إقرأ أيضاً:
منى أحمد تكتب: شمس الموسيقى العربية
يحكي زياد الرحبانى في إِحدي الحوارات التلفزيونية، أنه عندما كان يسجل أغنية زوروني كل سنة مرة لسيد درويش بصوت السيدة فيروز فى ألمانيا، أنبهر الموسيقيين الألمان باللحن مما دفعهم للسؤال عن صاحبه، و اِرتسمت علامات الدهشة عندما عرفوا أنه لموسيقارمصرى عاش فى أوائل القرن الماضى، فكانوا يظنون أنه لحنا من مقطوعة عالمية .
ويخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن فقط ،بل هو مفجر الثورة الموسيقية وفكراً متطوراً قامت علي أكتافه المدرسة المصرية فى تجديد الموسيقي الشرقية، نجح في نقل الألحان الشرقية من عليائها البعيدة عن المزاج المصرى, والمنفصلة عن واقعها بمقاماتها التركية المليئة بالجمل اللحنية المعقدة والزخارف التى تعانى الجمود الفنى ،أسيرة التحفظ شبيهة محبيها من الطبقة الأرستقراطية، ليتجه بها خالد الذكر من القصورإلى قارعة الطريق نحو الأصول الشعبية والهوية المصرية .
فشعرالمصريون لأول مرة بأن لهم موسيقاهم المعبرة عنهم ،من خلال جملة موسيقية درويشية تحمل عبق مزيج حضارى متنوع تميزت به الاسكندرية وتشم معه فى نفس الوقت رائحة ملح الأرض الذى ينتمى إليه عموم الشعب ،فجمع بين التنوع والأصالة والحداثة في آن واحد بعد أن نقلها لمرحلة الواقعية، التى إستلهمها من واقع المصريين بجميع طوائفهم وطبقاتهم فكانت أعماله المرآة العاكسة لهمومهم وقضاياهم .
جاءت ألحان فنان الشعب لتشعل جذوة الروح الوطنية بين المصريين، والتى كانت تسرى بينهم كالنارفى الهشيم ،وسرعان ما يتداولها الشعب بجميع فئاته فى الشوارع والمقاهى ،وظهرت البصمة الموسيقية المتفردة لسيد درويش التى لا تخطأها أذن أثناء ثورة 1919، فكانت ألحانه وكلمات بديع خيري بمثابة منشور سياسى مؤجج للضمير الوطنى والشرارة التى أشعلت ثورة الشعب الذى يتنظر الاِنتهاء من تلحينه حتي يتغنى به في مظاهراته .
وبدأ يؤرخ لصناعة الأغنية السياسية التى وقفت ضد الإحتلال الإنجليزى، وجاءت أغنية بلادى بلادى التى لحنها سيد درويش بكلمات مستوحاة من كلمات الزعيم مصطفى كامل ،لتكون نشيد الشعب فى ثورة 1919 وتصبح النشيد الوطنى لمصر بعد أكثر من 90 عاما.
اِستطاع سيد درويش التعبير باللحن عن الكلمات والمواقف الدرامية لأول مرة فى تاريخ الموسيقى العربية، و أدخل على الألحان الشرقية الأسلوب التعبيري ،وأحدث ثورة بكسر المقامات المتجاورة فى لحنه فكان يقفز قفزات غير مؤلوفة ومن مقامات مختلفة ليصيغ مقاماً موسيقاً جديداً، يدخل القلب ويتسلل إلى الروح متجاوزاً وعابراً حدود الزمان والمكان وهو ما كتب لها الخلود والتفرد.
ورغم عمره الفنى الذى لم يتعدى العشر سنوات، إلا أن التراث الإِبداعى لسيد درويش أصبح بمثابة الشعلة المغناطيسية ،التى تجتذب إليها كل من يستمع لها واِستطاع من خلالها أن يصبح جزءًا هاماً من تاريخ الأمة ووجدان الشعوب العربية.
سيد درويش حالة إبداعية شكلت الهوية الموسيقية المصرية، وعاشت أعماله لأكثر من قرن من الزمان وستعيش لقرون عديدة لتسجل إسمه كعلامة فارقة فى تاريخ الموسيقي ،تحية لروح خالد الذكر الشمس التى لم ولن تغيب عن الوجدان .