الولايات الأمريكية المُتأرجِحة
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
حاتم الطائي
◄ التعاطي مع الصراع في الشرق الأوسط وعلى رأسه "قضية العرب الأولى" يفرض نفسه وبقوة كعامل حسم جديد في الانتخابات الأمريكية المرتقبة
◄ الوقائع كلها تُشير إلى أن الولايات المتحدة مُقبلة بالفعل على انتخابات حامية الوطيس.. وستكون نتائجها بلا شك حُبلى بالمفاجآت
◄ رغم سيطرة اللوبي اليهودي.. يظل البُعد السياسي لحسم الانتخابات رهن نتائج الولايات المتأرجحة لتشتعل المعركة
◄ القضايا الاقتصادية في هذا المارثون الانتخابي تمثل منعطفًا شديد الأهمية في مسيرة المرشح لرئاسة أكبر اقتصاد في العالم
تقتربُ الولايات المتحدة الأمريكية تدريجيًّا نحو أشد انتخابات رئاسية جدلًا، وأكثرها تعقيدًا من حيث حساباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية، والأهم حساباتها الانتخابية فيما يتعلق بتصويت الولايات، خاصة فيما يُعرف بـ"الولايات المتأرجحة"، فهل ستشهد أمريكا لأول مرة في تاريخها فوز مرشحة امرأة "ملونة" من أصول هندية بالمقعد الرئاسي؟ أم سيعود الرئيس السابق دونالد ترامب لسُدة الحُكم ليواصل سياساته المُتطرفة والعدوانية؟
الوقائع تُشير إلى أن الولايات المتحدة بالفعل مُقبلة على انتخابات حامية الوطيس، شهدت في مُستهلها أحداثًا غير مسبوقة، بدأت بمحاولة اغتيال المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حشد انتخابي، ثم انسحاب المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن، بعدما حامت شكوك عميقة منذ فترة ليست بالقصيرة، حول حالته الصحية وقدرته على مواصلة العمل.
ولفهم مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتعين علينا الوقوف على عدد من نقاط الارتكاز؛ كي نتوصل إلى نتائج تستشرف المستقبل، وتجعلنا قادرين على معرفة وسائل التعاطي مع ساكن البيت الأبيض الجديد، في ظل ما يموج بالعالم من تطورات، وما يحيط به من مخاطر، لا سيما على المستويين السياسي/ العسكري، والاقتصادي.
وأول هذه النقاط التي يتعين الوقوف عند عتباتها والتعمُّق في تفاصيلها؛ مسألة الولايات المُتأرجحة؛ حيث إن النظام الانتخابي الأمريكي واحدٌ من أشد النظم الانتخابية تعقيدًا في العالم، ورئيس أمريكا يفوز بالمقعد الرئاسي بعد مُستويين من التصويت؛ الأول من خلال التصويت غير المباشر للناخب الأمريكي، والثاني من خلال تصويت المجمع الانتخابي الذي يضم 538 صوتًا وهو المستوى الحاسم، ويمثل التصويت المباشر لاختيار الرئيس، ويجب على المُرشَّح أن يحصد 270 صوتًا على الأقل، لكي يضمن الفوز بالرئاسة. وقد يفوز المُرشَّح على مستوى الناخبين، كما حدث مع هيلاري كلينتون في العام 2016، لكنها خسرت في تصويت المجمع الانتخابي، وفاز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي رغم أنه حصد أصواتًا أقل من الناخبين مقارنة بهيلاري. ويعود هذا التناقض إلى نظام التصويت في الانتخابات الأمريكية، لأن معظم الولايات الأمريكية محسوم أمرها؛ إما أنها ولاية ديمقراطية، أو ولاية جمهورية، ونادرًا ما تتبدل الولاية، ولذلك يسعى كل مرشح لضمان 12 ولاية على الأقل، لكن ثمّة ولايات أمريكية لا يُمكن التكهن بنتائج التصويت فيها، وهنا تشتعل المعركة الانتخابية، لا سيما في ولايتي نبراسكا وماين، اللتين تطبقان نظام التصويت النسبي، وليس النظام التقليدي في الولايات الأخرى، والذي يسمح للمرشح الفائز بأغلبية بسيطة، أن يستحوذ على جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي لهذه الولاية. ويُمكن أن نضيف إلى هاتين الولايتين، الولايات المعروف عنها تاريخيًّا بأنها متأرجحة مثل: فلوريدا وآريزونا وجورجيا وميشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن، إلى جانب ولايات أخرى يُتوقَّع أن تشهد تأرجحًا في هذه الانتخابات مثل: نيفادا وكارولاينا الشمالية ومينيسوتا؛ بل إن هناك ولايات تتأرجح حسب تصويت الناخبين في المقاطعات التابعة للولاية، حتى إن البعض يُجزم أن انتخابات أمريكا تحسمها 5 ولايات فقط!
نقطة أخرى يتعين الوقوف عليها، وهي: البُعد السياسي للانتخابات؛ أي حسابات المكسب والخسارة من جانب المُرشحيْن المتنافسيْن، وهنا نتحدث عن كامالا هاريس ودونالد ترامب. ولا شك أن واحدًا من أكبر العوامل السياسية المؤثرة على مسار الانتخابات، هو اللوبي اليهودي، ممثلًا في منظمة "آيباك"، التي تُوجِّه الناخبين اليهود وكذلك التمويلات والتبرعات الانتخابية حسبما ترى، بناءً على ما تحصل عليه من تعهدات تخدم المصالح اليهودية والصهيونية. ومن المتوقع أن تزداد هذه التعهدات في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وفشل دولة الاحتلال في انتزاع أي نصر، بفضل المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني المُرابط.
ولقد تلطخت أيادي الرئيس الحالي جو بايدن بدماء الشعب الفلسطيني الذي ارتقى منه أكثر من 39 ألف شهيد، إلى جانب مئات الآلاف من الجرحى والمصابين والمفقودين تحت أنقاض القصف الإسرائيلي بقذائف وزخائر أمريكية الصنع. فقد قدّم الرئيس بايدن لإسرائيل عشرات الآلاف من أطنان المُتفجِّرات، والأسلحة الفتّاكة والقنابل والذخائر، التي تسبب في تنفيذ أعنف جريمة إبادة جماعية في العقود الأخيرة، وواحدة من أشد جرائم الحرب وحشيةً. لم يكتفِ الرئيس بايدن بتقديم الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي والعملياتي لإسرائيل؛ بل منحها دعمًا سياسيًا غير مسبوق، من خلال الدفاع المُستميت عن دولة الاحتلال وقادتها البربريين، في المحافل الدولية، والدعم السياسي الهائل واللا محدود مع كل جريمة حرب يرتكبها الاحتلال. مارست أمريكا بقيادة بايدن- أكثر من مرة- حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن على مشاريع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، كما عارضت واشنطن بشدة انعقاد محكمة العدل الدولية وما صدر عنها من قرارات، رغم عدم وجود آلية لإلزام إسرائيل بها، وهاجمت أمريكا أيضًا قرارات مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الذي طالب باستصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال المجرم الإرهابي بنيامين نتنياهو. وغيرها الكثير من المواقف والقرارات السياسية الداعمة لدولة الاحتلال، ولعل أبرزها دعوة مجرم الحرب نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونجرس، وحجم النفاق التأييد الذي حظي به هذا المجرم في كيان يُفترض به ان يدافع عن حقوق الإنسان وحقه في الحياة بأمان وكرامة، لكن ما حدث عكس ذلك، فقد سُمح لهذا الإرهابي أن يروِّج لروايته الكاذبة المزيفة وأن يطلق الادعاءات الفارغة واحدة تلو الأخرى.
لذلك؛ نتوقع أن يواصل الحزب الديمقراطي من خلال مرشحته كامالا هاريس، تقديم المزيد من الدعم لإسرائيل لضمان أصوات اللوبي اليهودي، على الرغم من التصريحات التي قد تبدو إيجابية بشأن ضرورة إنهاء الحرب في غزة. لكننا نعتقد أن مطالب الولايات بإنهاء الحرب ليس سوى محاولة لانتشال إسرائيل من الوحل الذي سقطت فيه؛ إذ أخفقت في كل الأهدف التي تحدثت عنها قبل شن هذا العدوان الهمجي المميت على قطاع غزة. كما أن واشنطن تسعى لإنهاء الحرب في غزة للتفرغ لما هو أشد وأكثر أهمية: روسيا والصين. إذ إن تطورات الحرب في أوكرانيا تشير إلى أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين تقترب من إنهاء المعارك لصالحها، في ظل تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا بسبب انشغال أمريكا بدعم إسرائيل. لذلك نرى الآن دعوات متزايدة من أجل دعوة روسيا لمحادثات سلام تُنهي هذه الحرب، وتُتيح للولايات المتحدة فرصةً لمواجهة روسيا بوسائل أخرى بعدما فشلت "عملية أوكرانيا".
وفي الجانب السياسي أيضًا، نرى مساعي الإدارة الأمريكية لفصل جديد من المواجهات مع الصين، في ضوء الاستفزازات الأمريكية بشأن قضية تايوان، والأمن في منطقة بحر الصين والمحيط الهادي، ورغبة أمريكا في الهيمنة على هذه المنطقة، من خلال زعزعة الاستقرار فيها، وبناء تحالفات أوثق مع بعض الدول هناك. كما أن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط -بعيدًا عن قضية فلسطين- يستحوذ على جزء ليس باليسير من مسار الانتخابات الأمريكية، لا سيما وأن عددًا من دول المنطقة تواجه تحديات جيوسياسية واقتصادية وتحولات عميقة.
ولا يُمكن أن نغفل الجانب الاقتصادي في المارثون الانتخابي، لأن ساكن البيت الأبيض يسعى بكل الطرق من أجل إرضاء الناخب الأمريكي الذي يعاني من مستويات تضخم منذ أكثر من 3 سنوات، وارتفاع نسب الفائدة، لذلك تمثل القضايا الاقتصادية منعطفًا شديد الأهمية في مسيرة المرشح لرئاسة أكبر اقتصاد في العالم. ولا تزال قضايا مثل معدلات البطالة والتأمين الصحي وتحسين الأوضاع المعيشية وتطوير البنية التحتية، محل جدل وسجال بين المرشحين؛ إذ إن كُلًّا من هاريس وترامب يسعي لتقديم حلول اقتصادية ناجعة للمشكلات التي يعاني منها اقتصاد أمريكا، وعلى رأسها أزمة سقف الدين، والذي بلغ أعلى معدلات في التاريخ بعدما ارتفاع ليلامس 35 تريليون دولار، وهو ما يدفع الإدارات الأمريكية دائمًا إلى مفاوضات شاقة داخل الكونجرس لرفع سقف الدين تفاديًا لإغلاق الحكومة والمؤسسات الاتحادية.
ويبقى القول.. إنَّ انتخابات أمريكا هذه المرة، ترتكز على ذات العوامل الحاسمة، لكن يُضاف إليها هذه المرة بصورة أكبر الصراع في الشرق الأوسط، وتحديدًا العدوان الصهيوني على غزة، وكذلك تصويت الناخبين المُلوَّنين وذوي الأصول الآسيوية والعربية، علاوة على مُناهضي ترامب، فلا ننسى أن قطاعًا لا يُستهان به من الأصوات قرر "الامتناع" عن التصويت من خلال اختيار "غير ملتزم"، والذي دفع بمسار الانتخابات الأمريكية -لا سيما بالنسبة للديمقراطيين- نحو تبني موقفٍ أقل تطرفًا تجاه قضية فلسطين، فهل ستنجح كامالا هاريس في الفوز لتكون أول رئيسة أمريكية ملوّنة في التاريخ من أصول هندية، ويخسر ترامب للمرة الثانية على التوالي؟! توقعاتنا الشخصية تتجه نحو هاريس، التي ربما ستمثل الحصان الأسود في هذا السباق لأكثر انتخابات أهمية في العالم!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الانتخابات الأمریکیة الولایات الم کامالا هاریس فی العالم من خلال لا سیما
إقرأ أيضاً:
تفاصيل المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ضخمة لكييف، بلغت قيمتها 65.9 مليار دولار، شملت أنظمة دفاع جوي وصواريخ متطورة ودبابات ومعدات قتالية متنوعة.
غير أن هذا الدعم دخل مرحلة جديدة، بعدما أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين، قرارًا بوقفه مؤقتًا، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المساعدات الأمريكية وتأثيراتها على موازين القوى في الحرب.
من بايدن إلى ترامب.. تحول في نهج واشنطن
خلال فترة حكمه، تبنّى الرئيس السابق جو بايدن موقفًا ثابتًا في دعم أوكرانيا، مؤكدًا "الالتزام الأمريكي بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها"، لكن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت واشنطن إعادة النظر في سياساتها، حيث اتجه الرئيس الجديد إلى نهج أكثر براجماتية، قائم على ربط استمرار الدعم العسكري بالتزام كييف بخطوات سياسية نحو السلام.
تفاصيل الدعم العسكري الأمريكي قبل قرار التجميد
1- أنظمة الدفاع الجوي
لمواجهة الهجمات الجوية الروسية، زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بثلاث بطاريات من صواريخ "باتريوت" المتطورة، إلى جانب 12 صاروخًا من طراز "ناسام"، وأنظمة "هوك" المضادة للطائرات، وأكثر من 3,000 صاروخ "ستينغر" المحمول على الكتف. كما قدمت واشنطن 21 رادارًا متطورًا لتعزيز قدرات كييف الدفاعية.
2- الصواريخ والمدفعية الثقيلة
أكثر من 200 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم و3 ملايين طلقة مدفعية.
72 مدفع هاوتزر عيار 105 ملم ومليون طلقة ذخيرة.
40 راجمة صواريخ "هيمارس" و10,000 صاروخ "جافلين" المضاد للدبابات.
120,000 سلاح مضاد للمركبات و10,000 صاروخ مضاد للدبابات "تاو".
3- الدبابات والمركبات المدرعة
31 دبابة "أبرامز" المتطورة، و45 دبابة "T-72B" سوفياتية التصميم.
300 مركبة قتالية من طراز "برادلي" و1,300 ناقلة جنود مدرعة.
أكثر من 5,000 مركبة عسكرية من نوع "همفي" و300 سيارة إسعاف مدرعة.
4- الطائرات والمروحيات
رغم رفض واشنطن إرسال طائرات مقاتلة مباشرة، فإنها زودت كييف بـ 20 مروحية عسكرية "Mi-17"، بالإضافة إلى عدة نماذج من الطائرات المسيرة لدعم العمليات الهجومية والاستطلاعية.
5- المعدات الإضافية
أكثر من 500 مليون طلقة للأسلحة الخفيفة.
أنظمة دفاع ساحلية، وألغام "كلايمور"، ونظارات للرؤية الليلية.
أكثر من 100 ألف سترة واقية من الرصاص، وأنظمة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.
ما بعد 20 يناير.. تسليم محدود ودعم مشروط
مع تولي ترامب منصبه في 20 يناير، استمرت واشنطن في إرسال بعض الإمدادات العسكرية، لكنها اقتصرت على الذخائر والأسلحة التي أُقرت سابقًا في عهد بايدن، مثل القذائف المدفعية والأسلحة المضادة للدبابات. لكن القرار الجديد بتعليق المساعدات يُعد نقطة تحول رئيسية، حيث يضع كييف أمام معضلة سياسية وعسكرية.
انعكاسات القرار الأمريكي على الحرب
ضغط على أوكرانيا: قد يدفع القرار الأوكرانيين إلى مراجعة استراتيجيتهم العسكرية والدبلوماسية، خاصة أن الدعم الأوروبي وحده قد لا يكون كافيًا لتعويض المساعدات الأمريكية.
فرصة لموسكو: قد تستغل روسيا هذا التطور لتعزيز مكاسبها الميدانية، مستغلة أي تراجع في القدرات الدفاعية الأوكرانية.
انقسام في الغرب: بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، قد تضطر إلى تكثيف دعمها العسكري لأوكرانيا، بينما قد تتبنى دول أخرى موقفًا مشابهًا لواشنطن، داعية إلى حلول دبلوماسية.
هل هو تعليق مؤقت أم بداية لتغيير استراتيجي؟
بينما تؤكد إدارة ترامب أن القرار ليس إلغاءً دائمًا للدعم، بل تعليقًا مؤقتًا، يبقى السؤال المطروح: هل ستستخدم واشنطن هذا التعليق كورقة ضغط لإجبار كييف على قبول تسوية سياسية، أم أنها بداية لتوجه جديد قد يُفضي إلى إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية في الصراع؟ الأيام المقبلة ستكشف إلى أي مدى سيكون لهذا القرار تأثير على مستقبل الحرب في أوكرانيا.