سياسات صديقة للأسرة: ما الطور التالي؟
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
في مقالات سابقة -قبل وبعد استحداث منظومة الحماية الاجتماعية- ذكرنا أن القيمة الأساسية لمثل هذه المنظومات على مستوى السياسات العامة هو أنها تشكل خارطة لتتبع وتدقيق السياسة الاجتماعية؛ بما هي تصور الدولة لشكل واتجاه الحالة الاجتماعية المراد الوصول إليها، وتعكسه مجمل التشريعات والبرامج والخطط والمبادرات الموجهة إلى تنمية المجتمع وحمايته.
هذا يقودنا إلى اعتبارين مهمين؛ الأول يرتبط بمسألة «وجود نظام للتنقيب البياناتي للحماية الاجتماعية» -كما هو وارد في خطة التنمية الخمسية العاشرة- على أن يكون هذا النظام ليس معنيًّا فقط بالحالة الاجتماعية والمالية للأفراد والأسرة، وإنما يكون أكثر عمقًا في جمع وتحليل البيانات المرتبطة بها، مثل التغيرات المهنية والصحية، وحالة رفاه الأسرة، والظروف والمهددات الشائعة التي يمكن أن تلحق بالأسرة، وألا يتم التعامل معه على أنه مجرد نظام لكشف الاستحقاق واستهدافه، وإنما نظام يساعد في فهم الحالة والتغيرات الاجتماعية. والاعتبار الآخر هو التجهيز لوجود قائمة واضحة من مؤشرات الأثر المستهدفة، والتي يمكن قياسها بعد سنوات من تطبيق الأنظمة المتصلة بالحماية الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال، فمع الشروع في تطبيق فرع تأمين إجازات الأمومة في 19 يوليو الجاري، وبما يحويه هذا الفرع من أشكال حماية وتأمين للأسرة عمومًا (الأب والأم) أثناء فترة الولادة والأمومة، فيفترض أن يؤثر هذا الفرع إيجابًا على عدة جوانب يمكن قياسها، منها: معدلات الاستقرار الوظيفي -خاصة في القطاع الخاص- في مقابل معدلات الدوران الوظيفي، وكذلك على جاذبية القطاع الخاص للشباب للعمل فيه، عوضًا عن تأثيره على الصحة الإنجابية في مختلف مؤشراتها، وعلى المدى البعيد مؤشرات التعلم المبكر، والتعليم الأساسي. وهناك مؤشرات فرعية يمكن أن تكون تحت هذه المؤشرات يفترض أن تمثل دلالة على نجاعة تطبيق الفرع وأهميته وكفاءة استغلاله من كافة الأطراف: الحكومة (في سبيل التمكين ورفع الوعي المهني والصحي)، أصحاب الأعمال (في سبيل الاحتفاظ والجذب للكفاءات)، الأسر (في سبيل الاهتمام بمنظومة الصحة الإنجابية وإعطاء التنشئة المبكرة حقها واستلزاماتها).
وبالعودة إلى فرع تأمين إجازات الأمومة، فإن وضع هذا الفرع بتفاصيله المستجدة يشكل نموذجًا لما يُعرف بـ «السياسات الصديقة للأسرة Family Friendly Policies» -وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن طبيعتها وضرورتها- فعوضًا عن كونها ستشكل دعمًا للاهتمام بمنظومة الطفولة المبكرة، وإعطاء الأسرة وقتًا وظروفًا أفضل للعناية الصحية بالمواليد، وتمكين بيئة الأسرة من التنشئة الأسرية التوافقية Harmonious family upbringing فإن الأدبيات تشير إلى الساعات الإضافية التي تسثمرها الأم مع مولودها الأول ترتبط بعوائد اجتماعية وصحية عديدة منها: تطورات أفضل في الناحية العقلية والقدرات المعرفية لدى المولود، وفرص أقل للمولود من التعرض لبعض الأمراض النفسية، ومستويات علمية وأكاديمية أعلى على مدار دورة التعلم اللاحقة. غير أن هذه الاستحقاقات يجب كذلك أن تدعم بعدة جوانب أخرى وهي: تعزيز مجمل المفاهيم المرتبطة بالصحة الإنجابية لدى الأسر، والتركيز على مفهوم جودة حياة الأطفال، وتمكين الآباء والأمهات من المعارف الجيدة التي تضمن لهم اختيار الوقت المناسب لقرارات الإنجاب والمباعدة. والجانب الآخر هو التركيز على البينة القانونية والإجرائية لضمان ألا يؤدي تطبيق هذا الفرع إلى إيجاد تمييز بين الجنسين فيما يتعلق بفرص العمل المستحدثة، والعدالة في إعلانات التوظيف خاصة في القطاع الخاص، إضافة إلى ضرورة أن يتكامل تطبيق هذا الفرع مع الفروع الأخرى من منظومة الحماية الاجتماعية، فحين تتهيأ منظومة الطفولة المبكرة وفق أفضل المعايير فهذا يعني أن منظومة الطفولة التالية يتوجب الاهتمام بها وفق طبيعتها وظروفها واحتياجاتها، وصولًا إلى المراحل المتقدمة في السن.
إن ما يميز منظومة الحماية الاجتماعية التي تم إقرارها أن فيها قدرا جيدا من المرونة، يتيح لصانع القرار ومخطط المنظومة أن يحدث عليها وفق للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ومستويات كفاءة وفاعلية المنظومة. ولكن هذا الأمر ينبغي ألا يكون بمعزل عن التعامل معها كـ «استثمار اجتماعي»، فالمهام الأساسية لأي منظومة حماية اجتماعية نقل الأفراد الأشد احتياجًا إلى حالة التمكين الاجتماعي، وتعزيز مستويات التنمية البشرية في المجتمع، ووضع التدخلات الاجتماعية اللازمة لضمان حماية واستقرار الطبقات الوسطى فيه، ومع هذا المقاصد يتوجب أن تتمحور كافة السياسات العامة الأخرى حول هذه المنظومة وما ينتج عنها، بما في ذلك سياسات الدعم الوطني، وسياسات الإسكان، وسياسات تطوير وتجويد منظومات التعليم والصحة، عوضًا عن سياسات التشغيل والقوى العاملة. فعلى سبيل المثال لا يمكن عزل منافع الأمان الوظيفي، أو معونة الباحثين عن عمل عن سياق تطوير برامج التدريب المهني، وبرامج التجسير التي يفترض أن تطورها الكليات والجامعات لسد الفجوة في المعرفة والمهارات بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، ولا يمكن عزلها كذلك عن سياسات التنافس على الفرص الوظيفية أو السياسة السكانية في مجملها بما في ذلك توقعات ونسب القوى العاملة الوافدة في أسواق العمل. إننا أمام منظومة إذا تمكنت من تحقيق الشمول والفاعلية ودقة الاستهداف فإنها ستكون موجهة لكافة أشكال السياسات العامة الأخرى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منظومة الحمایة الاجتماعیة هذا الفرع
إقرأ أيضاً:
محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد
البلاد – جدة
استقبل صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي محافظ جدة بمقر المحافظة أمس، مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة وزير بن قاسي بن دهيس، وعددًا من منسوبي الإدارة.
واستمع سموه خلال الاستقبال لشرح عن أعمال الفرع خلال النصف الأول من العام 1446هـ، كما اطلع على البرامج والأنشطة والندوات الدعوية والتوعوية بالمحافظة، بالإضافة إلى دور الفرع في تهيئة المصليات والجوامع.