لجريدة عمان:
2024-09-08@05:09:23 GMT

سياسات صديقة للأسرة: ما الطور التالي؟

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

في مقالات سابقة -قبل وبعد استحداث منظومة الحماية الاجتماعية- ذكرنا أن القيمة الأساسية لمثل هذه المنظومات على مستوى السياسات العامة هو أنها تشكل خارطة لتتبع وتدقيق السياسة الاجتماعية؛ بما هي تصور الدولة لشكل واتجاه الحالة الاجتماعية المراد الوصول إليها، وتعكسه مجمل التشريعات والبرامج والخطط والمبادرات الموجهة إلى تنمية المجتمع وحمايته.

وعلى مستوى منظومة الحماية الاجتماعية بمجمل فروعها وبرامجها فإنها على المستوى الهيكلي قدمت تصورًا واضحًا لكل فئة من فئات المجتمع وتدخلات مباشرة لرعايتها وتنميتها واستقرارتها وحمايتها من التدهور الصحي والاقتصادي والاجتماعي -بغض النظر عن بعض التحديات الإجرائية والتمويلية التي تواجه تنفيذ برامجها- وهو ما يؤمن اليوم للدولة خارطة واضحة لحالة الفئات الاجتماعية، فمتى ما اكتملت منظومة البيانات الاجتماعية ونظام التنقيب البياناتي المتكامل لأفرعها؛ صار من السهل تتبع كيف تتغير أحوال هذه الفئات، وما الظروف التي تواجهها، وكيف يمكن إيجاد برامج اجتماعية (قادرة على الاستهداف الدقيق) وفاعلة ومقاسة بدقة لخدمة تنمية كل فئة من الفئات، سواء كانت المرأة أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو كبار السن أو الشباب في سن العمل أو غيرها من الفئات المشمولة بالمنظومة.

هذا يقودنا إلى اعتبارين مهمين؛ الأول يرتبط بمسألة «وجود نظام للتنقيب البياناتي للحماية الاجتماعية» -كما هو وارد في خطة التنمية الخمسية العاشرة- على أن يكون هذا النظام ليس معنيًّا فقط بالحالة الاجتماعية والمالية للأفراد والأسرة، وإنما يكون أكثر عمقًا في جمع وتحليل البيانات المرتبطة بها، مثل التغيرات المهنية والصحية، وحالة رفاه الأسرة، والظروف والمهددات الشائعة التي يمكن أن تلحق بالأسرة، وألا يتم التعامل معه على أنه مجرد نظام لكشف الاستحقاق واستهدافه، وإنما نظام يساعد في فهم الحالة والتغيرات الاجتماعية. والاعتبار الآخر هو التجهيز لوجود قائمة واضحة من مؤشرات الأثر المستهدفة، والتي يمكن قياسها بعد سنوات من تطبيق الأنظمة المتصلة بالحماية الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال، فمع الشروع في تطبيق فرع تأمين إجازات الأمومة في 19 يوليو الجاري، وبما يحويه هذا الفرع من أشكال حماية وتأمين للأسرة عمومًا (الأب والأم) أثناء فترة الولادة والأمومة، فيفترض أن يؤثر هذا الفرع إيجابًا على عدة جوانب يمكن قياسها، منها: معدلات الاستقرار الوظيفي -خاصة في القطاع الخاص- في مقابل معدلات الدوران الوظيفي، وكذلك على جاذبية القطاع الخاص للشباب للعمل فيه، عوضًا عن تأثيره على الصحة الإنجابية في مختلف مؤشراتها، وعلى المدى البعيد مؤشرات التعلم المبكر، والتعليم الأساسي. وهناك مؤشرات فرعية يمكن أن تكون تحت هذه المؤشرات يفترض أن تمثل دلالة على نجاعة تطبيق الفرع وأهميته وكفاءة استغلاله من كافة الأطراف: الحكومة (في سبيل التمكين ورفع الوعي المهني والصحي)، أصحاب الأعمال (في سبيل الاحتفاظ والجذب للكفاءات)، الأسر (في سبيل الاهتمام بمنظومة الصحة الإنجابية وإعطاء التنشئة المبكرة حقها واستلزاماتها).

وبالعودة إلى فرع تأمين إجازات الأمومة، فإن وضع هذا الفرع بتفاصيله المستجدة يشكل نموذجًا لما يُعرف بـ «السياسات الصديقة للأسرة Family Friendly Policies» -وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن طبيعتها وضرورتها- فعوضًا عن كونها ستشكل دعمًا للاهتمام بمنظومة الطفولة المبكرة، وإعطاء الأسرة وقتًا وظروفًا أفضل للعناية الصحية بالمواليد، وتمكين بيئة الأسرة من التنشئة الأسرية التوافقية Harmonious family upbringing فإن الأدبيات تشير إلى الساعات الإضافية التي تسثمرها الأم مع مولودها الأول ترتبط بعوائد اجتماعية وصحية عديدة منها: تطورات أفضل في الناحية العقلية والقدرات المعرفية لدى المولود، وفرص أقل للمولود من التعرض لبعض الأمراض النفسية، ومستويات علمية وأكاديمية أعلى على مدار دورة التعلم اللاحقة. غير أن هذه الاستحقاقات يجب كذلك أن تدعم بعدة جوانب أخرى وهي: تعزيز مجمل المفاهيم المرتبطة بالصحة الإنجابية لدى الأسر، والتركيز على مفهوم جودة حياة الأطفال، وتمكين الآباء والأمهات من المعارف الجيدة التي تضمن لهم اختيار الوقت المناسب لقرارات الإنجاب والمباعدة. والجانب الآخر هو التركيز على البينة القانونية والإجرائية لضمان ألا يؤدي تطبيق هذا الفرع إلى إيجاد تمييز بين الجنسين فيما يتعلق بفرص العمل المستحدثة، والعدالة في إعلانات التوظيف خاصة في القطاع الخاص، إضافة إلى ضرورة أن يتكامل تطبيق هذا الفرع مع الفروع الأخرى من منظومة الحماية الاجتماعية، فحين تتهيأ منظومة الطفولة المبكرة وفق أفضل المعايير فهذا يعني أن منظومة الطفولة التالية يتوجب الاهتمام بها وفق طبيعتها وظروفها واحتياجاتها، وصولًا إلى المراحل المتقدمة في السن.

إن ما يميز منظومة الحماية الاجتماعية التي تم إقرارها أن فيها قدرا جيدا من المرونة، يتيح لصانع القرار ومخطط المنظومة أن يحدث عليها وفق للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ومستويات كفاءة وفاعلية المنظومة. ولكن هذا الأمر ينبغي ألا يكون بمعزل عن التعامل معها كـ «استثمار اجتماعي»، فالمهام الأساسية لأي منظومة حماية اجتماعية نقل الأفراد الأشد احتياجًا إلى حالة التمكين الاجتماعي، وتعزيز مستويات التنمية البشرية في المجتمع، ووضع التدخلات الاجتماعية اللازمة لضمان حماية واستقرار الطبقات الوسطى فيه، ومع هذا المقاصد يتوجب أن تتمحور كافة السياسات العامة الأخرى حول هذه المنظومة وما ينتج عنها، بما في ذلك سياسات الدعم الوطني، وسياسات الإسكان، وسياسات تطوير وتجويد منظومات التعليم والصحة، عوضًا عن سياسات التشغيل والقوى العاملة. فعلى سبيل المثال لا يمكن عزل منافع الأمان الوظيفي، أو معونة الباحثين عن عمل عن سياق تطوير برامج التدريب المهني، وبرامج التجسير التي يفترض أن تطورها الكليات والجامعات لسد الفجوة في المعرفة والمهارات بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، ولا يمكن عزلها كذلك عن سياسات التنافس على الفرص الوظيفية أو السياسة السكانية في مجملها بما في ذلك توقعات ونسب القوى العاملة الوافدة في أسواق العمل. إننا أمام منظومة إذا تمكنت من تحقيق الشمول والفاعلية ودقة الاستهداف فإنها ستكون موجهة لكافة أشكال السياسات العامة الأخرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منظومة الحمایة الاجتماعیة هذا الفرع

إقرأ أيضاً:

كرم جبر يلتقي رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

التقى الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، د. هالة رمضان، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وذلك لبحث سبل التعاون بين الجانبين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

وأكد جبر أهمية الدور الذي يلعبه المركز لتوعية المواطنين حول الظواهر التي يمر بها المجتمع المصري، ووضع الاستراتيجيات التي تمكن من مواجهتها، وأشاد بسعي المركز للنهوض بالبحوث العلمية التي تتناول القضايا والمشكلات الاجتماعية للوصول إلى حلول ومقترحات، تساهم في رفع مستوى الوعي واتخاذ قرارات علمية مدروسة.

وأشار إلى أهمية التعاون بين مختلف وسائل الإعلام وعلماء وباحثي المركز للعمل لتوعية المواطنين بالمشاكل التي يمر بها المجتمع، والعمل على نشر الحلول المقترحة لها، خصوصًا ما يتعلق بمشاكل الأجيال الجديدة في ظل التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وانتشار ظواهر سلبية كثيرة بسبب التعامل الخاطئ مع وسائل التواصل الاجتماعي.

من جانبها أشادت د. هالة رمضان بالدور التوعوي الذي يقوم به الإعلام، معربة عن تطلع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى تعزيز التعاون مع المجلس ومختلف وسائل الإعلام للعمل على وضع خطط لتعزيز الوعي المجتمعي لدى أفراد المجتمع.

كما تناول اللقاء حوارًا حول قضايا كثيرة أهمها: تأثير السوشيال ميديا على المجتمع مستشهدًا بجريمة عريس المنصورة، واستخدام الأطفال لشبكات التواصل الاجتماعي والسلطة الأبوية، والمنصات الخارجية وما يتضمنه محتواها من (مثلية – تطرف – عنف)، وتعرض الجمهور المصري للمحتوى الخاص بشئون الأسرة على قنوات اليوتيوب والترويج عبر صفحات السوشيال ميديا، والألعاب الاليكترونية وتأثيرها على الأطفال والشباب في مواجهة الصعوبات، وجرائم الألعاب الإليكترونية.

كما تناول اللقاء أهمية تسليط الضوء على القضايا والمشاكل من خلال برامج التوك شو لتوعية الجمهور والتأكيد على أن هذه القضايا على أجندة الإعلام في مصر مع طرح حلول لها.

مقالات مشابهة

  • توتر سياسي وأهداف من نيران صديقة تشعل مباراة إنجلترا وإيرلندا
  • خطة مصرية استخبارية لإنشاء حكومة صديقة للقاهرة في ليبيا
  • عبدالمنعم سعيد: مصر طرقت كل الأبواب في سبيل المصالحة بين الفصائل الفلسطينية
  • شاب ينهي حياة صديقة في مشاجرة بالإسماعيلية| تفاصيل
  • خطوات التسجيل بمنصة الدعم والحماية الاجتماعية في الضمان الاجتماعي
  • الابتذال الإلكتروني: تهديد جديد للقيم الاجتماعية
  • تصميم بيوت صديقة للبيئة في مناطق الزلزال بالحوز يمنح عزيزة الشاوني جائزة معهد العالم العربي للتصميم
  • عاجل| إخلاء سبيل 151 محبوسًا احتياطيًا
  • "التوعية بالمشروعات القومية" ضمن أنشطة ثقافة الفيوم
  • كرم جبر يلتقي رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية