هل تعالج الرياضة انقسامات العالم ومآزقه؟
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
يعيد الرياضيون في العالم هذه الأيام طرح مقولة أثيرة لديهم على مسامع السياسيين مفادها أن الرياضة يمكن أن تصلح ما أفسدته السياسة. وعلى الرغم من أن الرياضة لم تستطع في يوم من الأيام أن تحقن الدماء المسفوكة بسبب الحروب والنزاعات في العالم، بل على العكس كانت في الكثير من المرات سببا مباشرا لاشتعال الحروب كما حدث في «حرب المائة ساعة» بين السلفادور وهندوراس بعد سلسلة من مباريات كرة القدم المثيرة للجدل خلال تصفيات كأس العالم عام 1970.
ويمكن هنا تذكر ما قام به نيلسون مانديلا خلال كأس العالم للرجبي عام 1995 في جنوب إفريقيا، حيث نجحت لفتته الرمزية بارتداء قميص فريق سبرينغبوك في توحيد دولة منقسمة، والمساعدة في شفاء جراح الفصل العنصري. قال مانديلا: «إن الرياضة قادرة على تغيير العالم، وهي قادرة على الإلهام وعلى توحيد الناس على نحو لا يستطيع أي شيء آخر أن يفعله». كانت هذه الكلمات في ذلك الوقت مؤثرة جدًّا ليس على الرياضيين وحدهم ولكن على السياسيين وعلى الشعوب المكلومة التي لا تستطيع أن تنسى ندوب الحرب الراسخة في وجدانها.
وحدث مثل هذا الشعور عندما مهدت مباراة في تنس الطاولة بين أمريكا والصين في عام 1971 للزيارة التاريخية التي قام بها نيكسون إلى الصين في عام 1972والتي كانت بمثابة بداية ذوبان الثلج في العلاقات الصينية الأمريكية، على الأقل في تلك المرحلة التي كان فيها التهديد النووي في أشده.. هذا الدور الذي تقوم به الرياضة يؤكد أن الجسور بين الأمم والحضارات قابلة للبناء مهما كان المشهد السياسي محاطا بغيوم سوداء.
وفي هذه اللحظة التي بدأت فيها دورة الألعاب الأولمبية في مدينة باريس، العاصمة الأوروبية الجميلة يمكن أن تمهد الرياضة لتقارب عالمي في لحظة يبدو فيها العنف البشري قد وصل إلى ذروته.
إن الميثاق الأولمبي نفسه ينص على أن «هدف الأولمبياد هو وضع الرياضة في خدمة التنمية المتناغمة للبشرية، بهدف تعزيز مجتمع سلمي يهتم بالحفاظ على الكرامة الإنسانية». وتستحق مثل هذه الشعارات أن تصل إلى جميع سكان الكرة الأرضية الذين يتابعون هذه الدورة الأولمبية وتحيط بهم في الوقت نفسه الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية ويعيشون خطر تحولات كبرى في العالم ليس آخرها النظام العالمي نفسه.
ويمكن لأولمبياد باريس، الذي سبقه العنف قبل أن يبدأ، أن يقدم للعالم رؤية لما يمكن تحقيقه من خلال التعاون والاحترام المتبادل. ونتذكر جميعا كيف شهدت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 في بيونج تشانغ بكوريا الجنوبية، لحظة تاريخية عندما سار الرياضيون من كوريا الشمالية والجنوبية معًا تحت علم واحد. كان ذلك المشهد رغم رمزيته يحيي آمال السلام والحوار في شبه الجزيرة الكورية.
وتملك الرياضة لبناء مثل ذلك الحوار ومثل تلك الرمزيات الكثير من الأدوات فهي تستطيع تجاوز حواجز اللغة والثقافة وتعقيدات السياسة، وتصل إلى قلوب الناس في جميع أنحاء العالم بسهولة ويسر. صحيح أن الرياضة لا تستطيع وحدها حل تعقيدات السياسة وتشابكاتها لكنها قادرة بكل سهولة على بناء فرص للحوار والثقة وتغليب فكرة التعايش والتناغم بين الجميع.
إن شعلة الألعاب الأولمبية التي تحترق الآن في باريس قادرة على حرق العداوات التاريخية منها والآنية وبناء أمل جديد في عالم يبدو ممزقا أكثر من أي وقت مضى، وهذه فرصة ثمينة ليقرأ العالم الكثير من الرمزيات التي يمكن رؤيتها بسهولة ويسر في الرياضة وهي قادرة أن تسد الكثير من الفجوات التي حفرتها السياسة في عالمنا.
وكما لاحظ نيلسون مانديلا بحكمة، فإن الرياضة لديها بالفعل القدرة على توحيد الناس وشفائهم، ويتعين علينا تسخير هذه القوة لصالح شفاء البشرية وليس شقاءها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الألعاب الأولمبیة فی العالم الکثیر من
إقرأ أيضاً:
تقرير أممي: اليمن ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم
قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (undp)، إن اليمن يعد من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم، في ظل الصراع الذي تشهده البلاد منذ عقد من الزمن.
وقال البرنامج الأممي في تقرير حديث له إن حصة الفرد من موارد المياه المتجددة لا تتجاوز ال80 مترًا مكعبًا سنويًا، وهي أقل بكثير من العتبة العالمية البالغة 1000 متر مكعب التي تُعرّف الإجهاد المائي.
وأضاف "بما أن اليمن لا يمتلك أي أنهار دائمة، فإنه يعتمد بشكل كبير على هطول الأمطار والمياه الجوفية التي تتناقص بسرعة".
وأكد التقرير أن المجتمعات الريفية تتأثر بالأزمة المائية بشكل غير متناسب. يفتقر أكثر من 14.5 مليون شخص في اليمن إلى خدمات مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي، ويعيش معظمهم في المناطق الريفية والتي يصعب الوصول إليها.
وقال "في قرى مثل صبر في تعز، حيث تعيش رنا، لا يزال الناس يجلبون المياه من الآبار التقليدية، وكثيرًا ما يمشون مسافات طويلة في ظل ظروف قاسية. وبدون بنية تحتية موثوقة، تواجه هذه المجتمعات خسائر متكررة في المحاصيل، وتدهور الأراضي، وفرص اقتصادية محدودة. تدفعهم هذه العوامل إلى المزيد من الفقر وتزايد الهشاشة".
وزاد "النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر، لأنهن المسؤولات عادةً عن جمع المياه. ففي بعض المناطق الريفية من اليمن، تمشي النساء والفتيات لساعات في كل اتجاه لجلب المياه. لا يؤثر هذا العمل الذي يستغرق وقتًا طويلاً على صحتهن وسلامتهن فحسب، بل يساهم أيضًا في ارتفاع معدلات التسرب من المدارس بين الفتيات ويقيد قدرة النساء على المشاركة في التعليم أو الأنشطة الاقتصادية أو صنع القرار المجتمعي.
وتابع التقرير أن "عبء جمع المياه هو عبء جسدي واجتماعي واقتصادي. وإدراكًا لذلك، يعمل مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتعزيز الصمود في قطاع الزراعة والأمن الغذائي (IWRM-ERA)، الممول من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) من خلال بنك التنمية الألماني (KfW)، على ضمان الإدماج الهادف للنساء في جميع أنشطته. تشارك رنا قائلة: "نحن كنساء، نشارك في كل شيء. بدءًا من تحديد احتياجات المجتمع وصولاً إلى التخطيط وحضور الأنشطة".
ونقل التقرير عن رنا قائلةً: "تحدث صراعات أحيانًا على الوصول إلى المياه، خاصة عندما تكون المصادر شحيحة".
وطبقا للتقرير فإن الأبحاث تشير إلى أن 70-80 بالمائة من جميع الصراعات الريفية في اليمن مرتبطة بالمياه. ويؤكد هذا الانتشار الكبير للنزاعات المتعلقة بالمياه على هشاشة المجتمعات التي تعاني بالفعل من مصادر مياه محدودة وغير ثابتة. وتزيد عوامل مثل النزوح وتحول أنماط هطول الأمطار من الضغط على شبكات إمدادات المياه في اليمن، مما يؤدي إلى تفاقم الصراع المستمر منذ عقد من الزمان.
وأكد التقرير الأممي أن الأمن الغذائي في اليمن يرتبط ارتباطًا عميقًا أيضًا بالوصول إلى المياه. منذ عام 2024، يواجه أكثر من 17 مليون يمني انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي وفقًا لتقارير الأمم المتحدة الأخيرة. يرتفع هذا العدد خلال فترات الجفاف أو الصراع.
ولفت إلى أن سوء الوصول إلى المياه يؤدي إلى الحد مما يمكن للمزارعين زراعته وكميته. وقال "تفشل المحاصيل بشكل متكرر، وتتأثر الثروة الحيوانية، مما يؤدي إلى انخفاض توافر الغذاء وارتفاع الأسعار. ويزيد الاعتماد على أنظمة الري غير المستدامة والمحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل القات من تفاقم المشكلة".
ويرى المزارعون مثل رنا تقدمًا ملحوظاً في جهود حصاد مياه الفيضانات وتحسينات البنية التحتية، ولكن البلاد بحاجة ماسة إلى حلول مائية مستدامة لتحقيق استقرار في الإنتاج الغذائي.
توضح رنا: "نفذ مشروع IWRM-ERA التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي العديد من التدخلات في منطقتنا، مثل بناء الجدران الاستنادية وتحسين الوصول إلى المياه. تساعد هذه الجدران على التحكم في مياه الفيضانات، مما يمنعها من إتلاف الأراضي الزراعية. كما أنها تساعدنا على جمع مياه الأمطار التي نستخدمها لري الأشجار والمحاصيل. وقد أدى هذا إلى نمو ملحوظ في أشجارنا وزيادة إنتاج المحاصيل".
ويرى التقرير أن الفقر يعد سببًا ونتيجة لأزمة المياه في اليمن. حيث يعيش حوالي 80% من سكان اليمن تحت خط الفقر، ويعتمد معظمهم على الزراعة والموارد الطبيعية من أجل البقاء.
في المناطق التي تعاني من ندرة المياه -وفق التقرير- تواجه الأسر خيارات مستحيلة بين شراء الطعام، أو الوصول إلى المياه، أو إرسال الأطفال إلى المدرسة.