فرنسا وبريطانيا تتبادلان المواقع
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
جيديون راكمان
ترجمة: قاسم مكي
في الانتخابات الأخيرة، بريطانيا وفرنسا تبادلتا مواقعا سياسية متعارضة. فبعد ثلاثة أيام من انتخاب بريطانيا لحكومة وَسَطية وبراجماتية بأغلبية ضخمة ذهبت فرنسا إلى الاتجاه المعاكس. فقد جاءت نتيجة انتخاباتها التشريعية بانسداد برلماني مع تقدم لأقصى اليمين وأقصى اليسار.
في بريطانيا ربما انتهت أخيرا فترة الفوضى السياسية التي بدأت بالتصويت على البريكست (الخروج من الاتحاد الأوروبي) في عام 2016.
فلا يمكن أن يُخفي الارتياحُ من الأداء الأسوأ من المتوقع لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الجولة الثانية من التصويت حقيقةَ أن الوسطية في السياسة الفرنسية تنحسر وتتقلص معها أيضا سلطة الرئيس ايمانويل ماكرون.
كان الهدوء في لندن ليلة الانتخابات البريطانية الماضي يتباين بشدة مع أجواء باريس المحمومة مساء انتخاباتها البرلمانية.
من المؤسف أن الدورتين السياسيتين في فرنسا وبريطانيا غير مُتَّسقتَين. فعلى الرغم من التنافس الفطري بينهما من المعقول أن تتعاونا. إنهما جارتان وتتزاملان في اتباع النظام الديمقراطي ومتماثلتان في عدد سكانهما. كما تحتفظ كل منهما ببعض رموز مكانة القوة العظمي كالأسلحة النووية والعضوية الدائمة في مجلس الأمن رغم أنهما لم تعد لديهما القوة الاقتصادية التي تدعم تلك المكانة.
لقد حاولت كل من فرنسا وبريطانيا لعب دور قيادي في الجهود الدولية لمعالجة التغير المناخي. وكلتاهما تعاملتا بجدية بالغة مع تهديد روسيا وتدعمان أوكرانيا بقوة. وفي العقود الأخيرة ظلت فرنسا وبريطانيا أيضا القوتين العسكريتين الرئيسيتين في أوروبا على الرغم من أن إعادة التسلح الألماني قد يغير ذلك بمرور الزمن.
لكن قدرة بريطانيا على فرض نفوذها في تقرير مستقبل أوروبا حدَّ منها خروجها من الاتحاد الأوروبي والذي وضعها خارج الهياكل السياسية المفتاحية للقارة وخلَّف وراءه إرثا من عدم الثقة.
في غياب بريطانيا انتهز ماكرون الفرصة لوضع رؤية طموحة لمستقبل أوروبا. لكن قدرة الرئيس الفرنسي على ادعاء القيادة الفكرية لأوروبا من المرجح أن تختفي الآن جنبا إلى جنب مع اختفاء تفويضه السياسي الداخلي (بعد الانتخابات البرلمانية الفرنسية).
مع ذلك، التحديات العالمية التي واجهتها بريطانيا وفرنسا وأوروبا يُرجَّح أن تزداد حدتها خلال العام القادم. هنالك حاليا انسداد في حرب أوكرانيا ويشتد التوتر حول اختراق روسي محتمل. وإذا تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية سيشكل ذلك مخاطر واضحة لحلف الناتو ونظام التجارة العالمية. هذا بدوره سيعرِّض للخطر ازدهار وأمن أوروبا في المستقبل.
نظريا، سيكون الرد الواضح لهذه المهددات المشتركة بالنسبة لفرنسا وبريطانيا العمل معا بقدر أكبر والسعي للمزيد من التعاون الأوروبي للتقليل من ضعف القارة أمام عالم أكثر خطورة.
في الواقع، ستجعل التحولات السياسية الأخيرة في كل من فرنسا وبريطانيا ذلك النوع من التعاون أشد صعوبة. فإذا عكست السياسة الخارجية الفرنسية أولويات التطرف السياسي سيوجد ذلك صداما واضحا مع آراء حكومة ستارمر في بريطانيا.
اليسار المتطرف واليمين المتطرف في فرنسا كلاهما أكثر تعاطفا وبقدر كبير مع روسيا من ماكرون أو ستارمر. ومن الواضح أن مقاربة ستارمر للسياسة الخارجية والمتأثرة بالاعتبارات المناخية تتناغم مع السياسات الحالية للائتلاف الحاكم في ألمانيا والذي يقوده الديمقراطي الاشتراكي أولاف شولتز. وفي الواقع في ثاني يوم له في الوزارة سافر ديفيد لامي وزير الخارجية البريطاني الجديد إلى برلين حيث استُقبل بحفاوة يُقابَل بها عادة وزير خارجية فرنسا.
ستارمر ووزير خارجيته لامي سياسيان منحازان بطبعهما إلى أوروبا ويلزمهما الآن التعامل مع حقيقة أن بريطانيا لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي. وهذا وضع تعهدت الحكومة العمالية بعدم التراجع عنه.
هدفهما بدلا عن ذلك التفاوض حول اتفاقية أمنية جديدة مع الاتحاد لكن بتعريف أوسعَ جدّا للأمن بحيث يمكن أن يشمل نطاقا عريضا من القضايا مثل الطاقة والمناخ والمعادن بالغة الأهمية.
ذلك بدوره ربما يصبح الوسيلة التي يمكن بها فتح الباب لمزيد من التعاون مع الاتحاد الأوروبي في كل شيء وبدون المَسِّ بالقضايا الحساسة والبالغة الأهمية لعضوية بريطانيا في السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي لبلدان الاتحاد الأوروبي.
قوبلت أفكار حزب العمال حول تعاون أوثق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بترحيب شديد أثناء زيارات لامي إلى ألمانيا وبولندا والسويد. لكن رد فعل فرنسا تجاه مقترح الحزب بعقد اتفاقية أمنية جديدة يظل حيويا. أثناء المفاوضات المطوَّلة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان دور الحكومة الفرنسية حاسما في الصمود أمام محاولات من بريطانيا لانتقاء العناصر الأكثر جاذبية لعضوية الاتحاد الأوروبي وفي ذات الوقت تجنب التزاماتها.
من المؤسف أن فرنسا توشك على الانشغال بنفسها. وقد تمرُّ شهور عديدة قبل أن تصبح لديها حكومة قادرة على تقديم ردود متماسكة على الأسئلة الأوروبية. تلك ستكون مشكلة ليس فقط لبريطانيا ولكن للاتحاد الأوروبي بأجمعه.
بعثت انتخابات فرنسا أيضا برسالة مثيرة حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية فحواها «لا تثقوا باستطلاعات الرأي العام». فكل الاستطلاعات المحترمة أشارت إلى أن اليمين سيخرج من الانتخابات بأكبر كتلة في البرلمان الفرنسي. لكن ما حدث أن حزب لوبان «التجمع الوطني» جاء في المركز الثالث. وقد يكون تقدم ترامب المطرد ولو بهامش ضيق في استطلاعات الآراء أقل موثوقية مما يبدو.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فرنسا وبریطانیا
إقرأ أيضاً:
سفيرة الاتحاد الأوروبي الجديدة أنجلينا أيخهورست تصل إلى القاهرة
قدمت سفيرة الاتحاد الأوروبي المعينة لدى جمهورية مصر العربية، السيدة أنجلينا أيخهورست، أمس نسخة من خطاب اعتمادها إلى وزارة الخارجية المصرية.
تم ترشيح السفيرة المعينة أيخهورست من قبل الممثل الأعلى جوزيب بوريل لتكون سفيرة الاتحاد الأوروبي ورئيسة بعثتها لدي مصر وجامعة الدول العربية في أبريل 2024. وقد جاءت خلفًا للسفير كريستيان بيرجر.
وأيخهورست هي دبلوماسية متمرسة تتمتع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، وقد شغلت سابقًا منصب سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان ورئيسة الشؤون السياسية والاقتصادية في بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا. وفي الآونة الأخيرة، شغلت منصب المديرة الإدارية لأوروبا في هيئة العمل الخارجي الأوروبية، وكانت في السابق كبيرة المفاوضين في الحوار بين بلجراد وبريشتينا الذي ييسره الاتحاد الأوروبي.
وبصفتها السفيرة المعينة الجديدة للاتحاد الأوروبي، ستعمل أيخهورست على ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر، بناءً على الشراكة الشاملة والاستراتيجية الموقعة في مارس 2024.
وأعربت أيخهورست عن امتنانها لإتاحة الفرصة لها للعمل كسفيرة جديدة للاتحاد الأوروبي في القاهرة قائلة: "يشرفني أن أتولى هذه المسؤولية في مثل هذا التوقيت الحرج. لقد بدات علاقتي مع مصر والعالم العربي بمرور الوقت، بدءً آواخر الثمانينات عندما بدأت مسيرتي الأكاديمية والمهنية في القاهرة، وإنني أتطلع إلى العمل بشكل وثيق مع شركائنا المصريين لمواصلة تعزيز وتقوية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر من أجل شراكة متبادلة المنفعة."
وتباشر السفيرة المعينة مهامها رسميا بعد تقديم أوراق اعتمادها للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأنجلينا أيخهورست هي سفيرة الاتحاد الأوروبي المعينة ورئيسة بعثة الاتحاد إلى مصر. قبل تعيينها في مصر عام 2024، شغلت أيخهورست منصب المدير العام لادارة أوروبا في جهاز العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) في بروكسل في الفترة من عام 2020 إلى عام 2024، حيث كانت مسؤولة عن التواصل الاستراتيجي في جميع أنحاء أوروبا. قبلها كانت تشغل منصب المدير العام لشئون أوروبا وآسيا الوسطى منذ 2019 وحتى عام 2020.
في الفترة من العام 2015 إلى عام 2019، شغلت أيخهورست منصب نائب المدير العام ومدير شئون أوروبا الغربية وغرب البلقان وتركيا، حيث لعبت دورًا محوريًا باعتبارها المفاوض الرئيسي في حوار بلغراد وبريشتينا الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي. تشمل مسيرتها الدبلوماسية أيضًا عملها كسفيرة للاتحاد الأوروبي في لبنان (2011-2015) وعملها كرئيس قسم الشؤون السياسية والاقتصادية في بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا من عام 2008 إلى 2010. كما سبق لها أن قادت عدد من مبادرات التنمية والتعاون الإقليمي من 2004 إلى 2008، ضمن عملها في بعثة الاتحاد الأوروبي في الأردن.
تشمل المسيرة المهنية لأيخهورست شغلها لعدد من المناصب الاستشارية في مجال السياسات بالادارة العامة للتنمية التابعة للمفوضية الأوروبية وكذلك بالادارة العامة للعلاقات الخارجية المختصة بشئون التنمية البشرية والاجتماعية، والشراكة الأورومتوسطية. كما تتمتع أيخهورست بخبرة عملية كبيرة نظرا لعملها السابق مع الأمم المتحدة ومنظمة إنقاذ الطفولة، بالإضافة إلى إنجازاتها الأكاديمية في القانون الدولي ودراسات الشرق الأوسط.