لجريدة عمان:
2025-01-22@18:17:17 GMT

التاريخ قد يحل مشكلة حروب المياه في العالم

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

رومان كرزناريك

ترجمة: أحمد شافعي

في ظهيرة كل خميس، أمام الباب الغربي لكاتدرائية فالنسيا، يقف تسعة أشخاص في عباءات سود، على رأس أحدهم قلنسوة مخططة وفي يده حربة شعائرية، مجتمعين في لقاء أسبوعي معهود منذ مئات السنين. تلك هي (محكمة المياه)، ولعلها أقدم مؤسسة للعدالة في أوروبا.

قد تبدو تلك المحكمة أثرا من ماض بعيد، لكن الحقيقة أن هذه المحكمة- في ظل أزمة المياه العالمية- أهم من ذي قبل.

ذلك أن حضارتنا معرضة لخطر إبادة مائية. فبسبب حالات الجفاف الناجمة عن تغير المناخ، والتوسع في الزراعة الصناعية، وزيادة الزحف المدني، فإن شخصا من كل أربعة سوف يتأثر بندرة المياه خلال العقود القادمة، مع تعرض المدن من لوس أنجلوس والقاهرة إلى ميلبورن وساوباولو لمواجهة حالات نقص حاد في المياه. تتصاعد صراعات المياه، سواء داخل البلاد أو فيما بينها، ويزداد القتال بيننا على المياه أكثر منه على النفط والأرض. فضلا عن ذلك، ترفع شركات المياه الخاصة في بلدان من قبيل المملكة المتحدة الأسعار وتراكم الأرباح في حين أنها تتخلص من مياه الصرف في الأنهار.

غير أنه بوسعنا العثور على أمل في تلك المحكمة الإسبانية. فكل عضو في محكمة المياه ممثل لإحدى قنوات الري المحلية التي توفر المياه للأراضي الزراعية الخصبة في المدينة، وكل عضو فيها تم انتخابه انتخابا ديمقراطيا من مزارعي المنطقة. وتضمن هذه المحكمة عدالة اقتسام المياه النادرة وتقيم جلسات استماع عامة قد تنتهي إلى تغريم الفلاحين الذين يجورون فيحصلون على أكثر من نصيبهم المخصص أو يعجزون عن رعاية قناتهم.

تحتل المحكمة مكانة ضمن أبرز أمثلة الإدارة الذاتية الديمقراطية للموارد في العالم، برغم أن نشأتها محاطة بالغموض. ومثلما قال لي أحد العاملين فيها حينما زرتها في الفترة الأخيرة فإن جذورها قد تمتد إلى أنظمة إدارة المياه المتطورة التي نشأت في فالنسيا عقب الفتح الإسلامي لإسبانيا في القرن الثامن، عندما شق المزارعون قنوات الري لزراعة الزيتون والبندق والباذنجان والفاكهة. وعندما قام المسيحيون مرة أخرى بغزوها في عام 1238، تبنوا القواعد القائمة في تسوية نزاعات المياه، وبحلول القرن الخامس عشر، كانت الاجتماعات الدورية المنعقدة أمام باب الحواريين قد ترسخت تماما.

وليس هذا بالطبع نظاما مثاليا. ثمة دعم للمحكمة من حرس مستأجرين لضمان عدم عدوان أحد على مياه جيرانه. وحينما سألت الحاجب عن السر في أن جميع أعضاء المحكمة رجال وشيوخ- لدرجة أنه صعب على البعض منهم صعود درج الكاتدرائية- أجابني بنبرة دفاعية بعض الشيء قائلا: إن أولئك المزارعين مستودعات عظيمة للمعرفة وإن امرأة انتخبت لعضوية المحكمة للمرة الأولى سنة 2011.

غير أن طول بقاء محكمة المياه علامة على نجاحها. ففي كل مرة تنعم فيها بقضم برتقالة فالنسية ريانة، عليك أن تتذكر أنك تنتفع بألف عام من الحكم المائي العرفي المخلص.

احتلت المحكمة نصيبا كبيرا من اهتمام إلينور أوستروم، الحاصلة على جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2009، إذ اعتبرتها نموذجا مثاليا لـ«المشاعات»، إذ تقوم المجتمعات الصغيرة في شتى أرجاء العالم باستنباط قواعد لتقاسم وإدارة مواردها النادرة على نحو مستدام، سواء قنوات المياه أو مناطق صيد السمك أو الغابات. فذلك نقيض مباشر لفكرة «مأساة المشاعات» الخاطئة التي ترى أن المشاعات إذا ما تركت لأهوائنا فإن المصلحة الذاتية سوف تدفعنا بالضرورة إلى إنهاك هذه الموارد. إن نماذج من قبيل فالنسيا، وكذلك لجان المياه التي تدير القنوات في هولندا ونظام السوباك الذي يعمل على تقسيم المياه على مزارعي الأرز في بالي منذ ألف عام، تكشف أن هذا الاعتقاد محض أسطورة.

وإذن ما الدروس المستفادة للحاضر؟ تقول حكومة حزب العمال في بريطانيا: إنها لن تؤمم شركات المياه الفاشلة لكنها سوف تفرض عليها فقط «إجراءات خاصة». فلماذا لا يجري النظر في حلول أكثر إبداعا من قبيل الإدارة العرفية للمياه على الطريقة الفالنسية، أو على أقل تقدير؟ لماذا لا يجري النظر في منح أصحاب المصلحة مقعدا في مجالس إدارات الشركات؟

فضلا عن أن هذه المحكمة نموذج قابل للتطبيق على نطاق واسع. وانظروا على سبيل المثال إلى اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب التي تعمل من أجل واحد وثمانين مليون شخص في تسعة عشر بلدا على إدارة حوض نهر الدانوب من منابعه في الغابة السوداء إلى البحر الأسود. في حين تقوم اللجنة بدور نافع في جمع المسؤولين الحكوميين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني للسيطرة على التلوث والفيضانات، فمن الممكن إعطاؤها تصميما عرفيا ديمقراطيا حقيقيا بإدخال جمعية مواطنين إقليمية لمحاسبتها.

وقد تمثل محكمة المياه الفالنسية درسا لبلاد الشرق الأوسط الجافة. فقبل أكثر من عقد من الزمن اقترح عالم المياه الفلسطيني البارز عبد الرحمن التميمي أنه «ينبغي استيراد وتعديل نموذج محكمة المياه... وليس ذلك فقط من أجل حل صراعات المزارعين، ولكن أيضا لتقليل التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين». ورأى أنه من دون هذه الآليات ما من فرصة لغرس الثقة الجذرية والحوار لإدارة ندرة المياه إدارة فعالة. وقال التميمي: «إن بوسعنا أن نتصارع على المياه أو أن نتعاون فيها، الأمر يرجع إلينا. فالخطوة الأولى هي أن يثق بعضنا في بعض». ولو أن الصراع الحالي أكد شيئا فهو الحاجة إلى تعاون مائي طويل المدى.

قد يكون 71% من كوكبنا الأزرق مغطى بالمياه، لكن هذه النسبة خادعة: فمن كل عشرة آلاف قطرة ماء على وجه الأرض، فإن أقل من نقطة واحدة هي التي تعد ماء عذبا يسير المنال يجري في أنهار أو بحيرات. والتاريخ الحي لمحكمة المياه قد يمدنا بأمل نحتاج إليه في العدالة المائية العالمية للإنصاف في توزيعها والحفاظ عليها بوصفها موردا ثمينا يمثل كنزا مشتركا لنا جميعا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محکمة المیاه

إقرأ أيضاً:

القصة التي لا تنتهي بسبب عدم التزام حكومة البارزاني بقوانين الموازنات..تشكيل لجنة لحل “مشكلة رواتب الإقليم”

آخر تحديث: 21 يناير 2025 - 12:33 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أعلنت حكومة إقليم كوردستان، الثلاثاء، عن تشكيل فريق مشترك من وزارتي المالية الاتحادية والإقليم لوضع آلية وحل مشكلة رواتب موظفي الإقليم، وتبدأ عملها من اليوم الثلاثاء. وجاء في بيان من حكومة إقليم كوردستان، إن “نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي فؤاد حسين ورئيس المجلس الاقتصادي، عقد اجتماعا مشتركا بين وفد حكومة إقليم كوردستان برئاسة آوت شيخ وزير المالية والاقتصاد، وأوميد صباح رئيس ديوان مجلس الوزراء، وأمانج رحيم أمين مجلس الوزراء، وعبد الحكيم خسرو رئيس مكتب التنسيق والرصد، مع وفد من الحكومة الفيدرالية يتكون من طيف سامي وزيرة المالية، وبانكين ريكاني وزير إعادة الإعمار والإسكان”.وبين أن “الاجتماع حضره عدد من المدراء العامين في وزارة المالية العراقية والفريق الفني لوزارة مالية اقليم كوردستان هذا العام حيث جرى البت بمطالب حكومة إقليم كوردستان حول إرسال المستحقات التي لم ترسل العام الماضي وتم عرض ومناقشة البيانات والوثائق الرسمية”.ولفت إلى أن “الجانبين اتفقا على مواصلة اللقاءات وعقد اجتماع مشترك يوم الأحد المقبل لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن الحقوق والمستحقات المالية لإقليم كوردستان ورفع التوصيات اللازمة إلى مجلس الوزراء العراقي”.وتابع البيان: “قرر الاجتماع تشكيل فريق مشترك من وزارة المالية الاتحادية ووزارة المالية في الإقليم، ويبدأ الفريق عمله اعتبارا من اليوم الثلاثاء والاستعداد للاجتماع مطلع الأسبوع المقبل حول واجبات والتزامات الجانبين”.

مقالات مشابهة

  • دونالد ترامب من نجم هوليوودي إلى البيت الأبيض .. أبرز الأدوار التي ظهر فيها
  • المحكمة تحيل قضية السب والتشهير المتهمة فيها مساعدة الفنانة هالة صدقي لدائرة أخرى
  • هل تعلم ماذا اشترى الأتراك في 2024؟ هذه هي الاصناف التي أنفقوا فيها أموالهم
  • حروب التطبيقات الرقمية
  • تعرف على الحالات التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • القصة التي لا تنتهي بسبب عدم التزام حكومة البارزاني بقوانين الموازنات..تشكيل لجنة لحل “مشكلة رواتب الإقليم”
  • عرس قانا الجليل.. المعجزة الأولى التي غيرت مسار التاريخ الروحي
  • النزاهة تضبط مسؤولاً سابقاً بصحة بابل لإضراره بمصلحة الجهة التي يعمل فيها
  • رئيس مدينة سيوة: إنشاء شبكات ري حديث وتدعيم الجسور لحل مشكلة المياه