لجريدة عمان:
2025-04-24@09:45:57 GMT

عُمان بلد متفرد

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

ظلت عُمان مطمعًا لقوى أجنبية كثيرة منذ فجر التاريخ، وخصوصًا في التاريخ الحديث حينما قصدها الاستعمار الأوروبي منذ بدايات القرن السادس عشر، فقد وصل البرتغاليون إلى البحار الشرقية بعد أن تمكنوا من السيطرة على الملاحة البحرية في المحيط الهندي، وكانت عُمان مقصدهم من البداية، في الوقت الذي كانت أوروبا تموج بحروب إقليمية دينية وسياسية، وقد استغل البرتغاليون تلك الفوضى الأوروبية وتمكنوا من إخضاع كل البحار الشرقية إلى نفوذهم، بينما كانت عُمان تواجه هي الأخرى حروبًا أهلية مع نهايات عصر النباهنة، لذا تمكن البرتغاليون من دخول المياه العمانية والسيطرة على سواحل عُمان ومدنها العامرة في مسقط ومطرح، بينما كانت العلاقة بين عُمان الساحل وعُمان الداخل تكاد تكون مجرد علاقة جغرافية، ولكن اللافت للنظر في كل مراحل التاريخ العماني أن تلك العلاقة الواهية بين الساحل والداخل كانت تزداد قوة وصلابة، حينما تتعرض عُمان لغزو خارجي.

لعل الدرس الأهم في التاريخ العماني العريق أن الخطر الخارجي دائما كان يوحّد العمانيين وتزداد العلاقة بين الساحل والداخل وتتوقف الحروب بين القبائل وتتلاشى الخصومات وتتراجع الخلافات القبلية والمذهبية وينضوي العمانيون تحت قيادة واحدة كان بطلها في مواجهة البرتغاليين ناصر بن مرشد اليعربي، الذي بعث في نفوس العمانيين فكرة الوحدة في مواجهة الأخطار الخارجية، لذا لم يعرف العمانيون الخلافات المذهبية طوال تاريخهم الحديث، ابتداء من عصر اليعاربة منذ بدايات القرن السادس عشر، قد يختلفون على طريقة اختيار حاكمهم، إلا أنهم في أوقات الخطر يتناسى الجميع خصوماتهم المذهبية والقبلية، ولم ينته عصر اليعاربة إلا والبرتغاليون قد تراجعوا إلى سواحل الهند الغربية، وقد تعقبهم العمانيون إلى تلك السواحل، وخاضوا حروبًا ضارية أجهزت على ما بقي من النفوذ البرتغالي.

لقد استوعب العمانيون الدروس التاريخية جيدا، حتى خلال عصر البوسعيد، حينما حاولت قوى إقليمية استعادة سيطرتها على السواحل العمانية، لكن كان الظهير القبلي والشعبي بمثابة حائط صد أعاد عُمان إلى توحدها وتماسكها، ابتداء من المؤسس الأول أحمد بن سعيد البوسعيدي، مرورا بكل حكام البوسعيد. وكانت عُمان عبر تاريخها الطويل دائمًا مقرًا آمنًا لمختلف المذاهب الإسلامية والديانات الآسيوية، وقد أضفت الدولة حمايتها على الجميع دون تفرقة، حتى حينما اعتنقت بعض الدول المجاورة مذهبًا دينيًا أرادت فرضه على العمانيين، لكن الشعب العماني في تماسكه ووحدته كان بمثابة الرصيد الداعم لمشروع الوحدة التي كان شعارها دائمًا التسامح مع كل من يعتنق مذهبًا بذاته أو دينًا مخالفًا لأهل عُمان، وهكذا تفردت عُمان بهذا الفيض من محبة الجميع، الناس جميعًا متساوون في حقوقهم الدينية وواجباتهم المدنية، حتى حينما أقاموا دولتهم في شرق إفريقيا لم يفرضوا على الناس دينًا أو مذهبًا وكان السلطان سعيد بن سلطان نموذجًا للحاكم الذي ساوى بين الجميع عربًا وأفارقة، وهو ما يفسر نجاح العمانيين في تشييد إمبراطوريتهم المترامية ما بين إفريقيا وآسيا، ومنذ هذا التاريخ البعيد لم يشعر أنصار أي مذهب أن الدولة العمانية تميز فريقا على آخر، وفي ظل هذا المناخ الإنساني شيد العمانيون حضارة عظيمة، امتدت من عُمان إلى شرق إفريقيا ضاربة في عمق القارة حتى البحيرات الاستوائية، نقلت الأفارقة من عصر الجهالة إلى عصر المدنية، وتطوير وسائل الحياة وبناء المدن وتطوير الاقتصاد، وبهذه المعاملة الإنسانية انتشر الإسلام في ربوع إفريقيا، إسلاما بلا مذاهب ولا عصبية، فالجميع متساوون في كل الحقوق لقد عايشت أهل عُمان منذ فترة مبكرة من حياتي مقيما بين أهلها، وقد شيدت المساجد والكنائس وكل دور العبادة، وكنت أتردد على الصلاة في المساجد، سواء مساجد السنة أو مساجد الإباضية، ولم أشعر في حياتي الاجتماعية والثقافية طوال فترة إقامتي ١٩٨٦-١٩٩١، بأي خلافات مذهبية، بل كان من الصعب جدًا التفرقة بين الإباضي والسني أو حتى الشيعي. الدولة العمانية لم تفرّق أبدا بين مواطنيها في الحقوق العامة، في الوظائف والخدمات، لم تكن المذهبية أبدًا موضوعًا مطروحًا للمناقشة، كان الجميع يعاملون كمواطنين على قدم المساواة، وكان الفضاء الجامعي الذي كنت أعمل فيه مفعمًا بالوطنية بين كل الطلاب، وكان من الصعب أن تعرف إلى أي مذهب ينتمي طالب أو آخر، لقد انضوى الجميع تحت مشروع إعادة بناء الدولة، في التعليم والصحة والعمران والخدمات العامة، كان التسامح والشعور بالمحبة يغمران الجميع، كنت وزملائي نشعر بالفخار من هذا البلد الذي ذابت فيه كل الفروق المذهبية والدينية والقبلية، بينما كان العالم من حولنا يموج بتيارات مذهبية متشددة مقيتة. طوال خمس سنوات هي فترة إقامتي في عُمان، لم أشعر ولو مرة واحدة بأي نوع من التشدد المذهبي الذي كان يضرب العالم الإسلامي وقتئذ، والذي كانت تدعمه دول ومؤسسات بعينها يعرفها الجميع، لقد انعكس هذا التسامح على كل مناحي الحياة، في الجامعة وفي المدارس وفي كل المؤسسات الثقافية والخدمية، كنت أتابع أحاديث سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان، ولم ألحظ أبدًا في كل أحاديثه وبرامجه التلفزيونية بأي نوع من الاستعلاء لمذهبه، وإنما كان في كل أحاديثه عميقًا في رؤيته متسلحًا بفكر مستنير، كما كنت ألاحظ أنه كثيرا ما يرجع في فتاويه إلى إعلاء قيم العقل والمصلحة والأخذ بما يقول به بعض علماء السنة، ومن بينهم الشيخ محمد عبده، وكان يستشهد بالأحاديث الصحيحة التي لا تتعارض أبدا مع المقاصد العامة للشريعة التي تستهدف الخير والنماء لكل المسلمين.

إن ما نشاهده الآن عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من فوضى عارمة وهجوم على سماحة الشيخ الجليل أحمد الخليلي يعد تجاوزًا غير مقبول وتقولا على رجل يعد نموذجًا للتسامح والاستنارة لا ينطق إلا بما يقول به القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والمصالح المرسلة التي سبق وقال بها الإمام الشاطبي ومن بعده علماء أجلاء من قبيل الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمود شلتوت، وهي فتاوى جميعها تدعو إلى تماسك المجتمعات حفاظًا على نمائها وتطورها، لأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل قرآنه لخير الناس وسعادتهم، ولم يفرق فيه بين عرب أو عجم إلا بالتقوى، أرجو أن يكون هذا المقال بمثابة شهادة من رجل لم تعد تربطه بعُمان إلا ذكريات احتفظ بها في قلبي وعقلي وبأصدقاء ما زالت تربطني بهم علاقات المحبة والاحترام، حفظ الله عمان وشعبها من كيد الكائدين.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مفاجأة صندوق النقد| الجنيه المصري أقوى مما توقع الجميع.. وخبير يكشف الأسباب

في خطوة تحمل دلالات مهمة على صعيد الاستقرار النقدي في مصر، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، مما يعكس نظرة متفائلة تجاه الاقتصاد المصري ومسار الإصلاحات الاقتصادية الجارية. هذه التعديلات الجديدة تفتح الباب لتحليلات اقتصادية هامة حول مستقبل الجنيه والأداء الاقتصادي العام في ظل تحولات محلية ودولية مؤثرة.

تحسن في سعر صرف الجنيه

أظهر التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي تغيرًا في التقديرات الخاصة بسعر صرف الجنيه المصري. فوفقًا للتوقعات الجديدة، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر صرف الدولار 49.6 جنيهًا خلال العام المالي الحالي، مقارنةً بتقديرات سابقة بلغت 50.6 جنيه. أما بالنسبة للعام المالي المقبل، فقد تم خفض التقدير إلى 52.26 جنيه مقابل 54.89 جنيه سابقًا، بينما يتوقع أن يسجل الدولار 54.1 جنيه في العام المالي الذي يليه، انخفاضًا من 57.2 جنيه.

ورغم أن الصندوق لا يعلن هذه الأرقام بشكل مباشر، فإن هذه التوقعات تُستنبط من بيانات الناتج المحلي الإجمالي بالعملة المحلية ومقابل قيمته بالدولار، مما يعكس تحسّنًا ملحوظًا في النظرة المستقبلية للجنيه المصري.

بداية الانفراج

من بين أبرز النقاط الإيجابية التي وردت في التقرير، توقع الصندوق انخفاضًا كبيرًا في عجز الحساب الجاري لمصر، بدءًا من العام المالي المقبل، ليصل إلى 14.24 مليار دولار مقارنة بتقديرات حالية تصل إلى 20.5 مليار دولار. ويتوقع استمرار هذا التحسن ليبلغ العجز 13.7 مليار دولار في عام 2026-2027، قبل أن يعاود الارتفاع الطفيف إلى 14.9 مليار دولار في العام الذي يليه.

رغم أن الصندوق لم يوضح الأسباب المباشرة لهذا التحسن، إلا أنه أشار إلى توقعات بنمو قوي للصادرات خلال العام المالي المقبل بنسبة 11.6%، مقارنة بـ5.7% فقط خلال العام الحالي.

رؤية خبير: الاقتصاد المصري في مسار تصاعدي

من جانبه، اكد الدكتور هاني الشامي، عميد كلية ادارة الاعمال بجامعة المستقبل، ان تقرير صندوق النقد الدولي يتضمن الإشادة بجهود الحكومة في ضبط السوق واسواق صرف العملة مما يعكس تغيرًا إيجابيًا ملموسًا في بيئة الاقتصاد الكلي في مصر.

أضاف الشامي خلال تصريحات لـ "صدى البلد", ان الشركات الأجنبية بدأت تشعر بمزيد من الطمأنينة نتيجة سهولة تحويل الأرباح بالعملة الأجنبية، مما يعكس استقرار القطاع المصرفي.

ويرى الشامي أن هذه التوقعات الإيجابية تؤدي إلى عدة عوامل منها زيادة الاستثمارات الأجنبية، لا سيما من الإمارات، والتي تضخ سيولة جديدة في السوق المصري، بالإضافة إلي استقرار أسعار الطاقة، مما يخفف من فاتورة الواردات ويقلل الضغط على الجنيه، كما ان هناك استعادة تدريجية لإيرادات قناة السويس، بعد تراجعها بسبب الاضطرابات الجيوسياسية.

أشار إلى أن توقع نمو الصادرات بنسبة 11.6% يعد مؤشرًا قويًا على تعافي الاقتصاد، موشيرا إلي أن المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد، تبدي ثقة متزايدة في المسار الذي تسلكه مصر اقتصاديًا.

بارقة أمل إضافية

من العوامل الإيجابية التي أبرزها التقرير أيضًا هو انخفاض عجز الميزان التجاري للطاقة، بفضل تراجع أسعار النفط. ووفقًا لتقديرات بنك الاستثمار "سي آي كابيتال"، فإن كل انخفاض بمقدار 10 دولارات في سعر برميل النفط دون 74 دولارًا سيؤدي إلى تقليص العجز التجاري بمقدار 2 مليار دولار خلال عام 2025، ما يخفف الضغوط على الاقتصاد ويمنح الجنيه مزيدًا من المرونة.

الاحتياجات التمويلية وسد الفجوة

وفيما يتعلق بالاحتياجات التمويلية، اكدا "سي آي كابيتال" أن مصر تحتاج إلى ما بين 27 إلى 29 مليار دولار، سيتم تغطيتها من خلال 10 مليارات دولار لسداد أقساط الديون، و10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و4 مليارات دولار من تمويلات الأسواق العالمية.

التفاؤل الحذر عنوان المرحلة المقبلة

إن التعديلات الأخيرة من قبل صندوق النقد الدولي، إلى جانب التحليلات الإيجابية من الخبراء المحليين والدوليين، تشير إلى تحسّن في وضع الاقتصاد المصري وعودة تدريجية للثقة الدولية. إلا أن التحديات لم تنتهِ بعد، ولا يزال الطريق نحو تعافٍ كامل يتطلب مزيدًا من الإصلاحات، خاصة على صعيد جذب الاستثمارات، وضبط الإنفاق، وتحقيق التوازن في الميزان التجاري.

لكن الأكيد أن مصر اليوم تسير في اتجاه أكثر استقرارًا، وسط مؤشرات مشجعة، وتفاؤل مدروس بمستقبل الجنيه والاقتصاد ككل.

مقالات مشابهة

  • معاناة الجميع
  • مفاجأة صندوق النقد| الجنيه المصري أقوى مما توقع الجميع.. وخبير يكشف الأسباب
  • السفير التركي بالقاهرة: حياتي تغيرت حينما رأيت أطفال غزة المصابين
  • مفتن… نقطة التقاء الجميع
  • كريم فهمي يفاجئ الجميع بما كشفه عن ياسمين عبد العزيز
  • برشلونة يملك جوهرة وسط لا تتكرر..أرقام بيدري تُذهل الجميع
  • إجمالى إيرادات الأفلام.. عصام عمر وطه دسوقى يتفوقان على الجميع
  • كيف عاش البشر حينما انقلبت أقطاب الأرض قبل 41 ألف سنة؟
  • السيستاني ناعيا البابا فرنسيس: يحظى بمكانة رفيعة لدى الجميع
  • ضربة موجعة لبايرن والسيتي: نجم ليفركوزن يرفض الجميع من أجل ريال مدريد